آلام عـيــــد .. وآمـــال أمـــة بقلم د. بــــاسم خـــفاجي


خــواطـــــــــر مــن الــغــــــــــــرب


د. بـاســـم خـفـــاجـــي*
articles@khafagi.com

العيد مناسبة سعيدة للكثير ... نختزن أفضل ما لدينا من أفكار وأحلام وأموال لكي نستهلكها في العيد ... نسعى دائماً لأن نحتفظ بالذكريات الطيبة واللحظات السعيدة في العيد .. نجتمع حول أطباق الطعام وموائد الأفكار أيام العيد .. نتخلص من كثير من أعباء الدنيا ونتذكر الأقارب والأحباب وأسباب الوجود والبقاء خلال أيام العيد .. نظهر لأنفسنا ولمن حولنا كم نحن سعداء بالعيد. ولكن؟

تخيلوا معي اليوم .. أنكم في فلسطين .. بلادي .. وأرض أجدادي ...تخيلوا أن كل واحد منكم أب .. أو أم .. أو أخ أو قريب قد فقد مؤخراً عزيز برصاص القتل الصهيوني .. وطلقات الغدر السياسي لحكام بلادي. تخيلوا معي أن كل الأفكار التي تحوم في أذهانكم هي لحظات الجنازة ... وإحساس فقد العزيز .. والاحتساب .. والغضب .. والرغبة في الانتقام والثأر ...

تخيلوا معي كيف تجدون صعوبة في الذهاب إلى الأسواق لأن المال غير موجود .. والأمان غير موجود .. حتى الأمل أوشك أن يغيب. تأملوا معي كيف يمكن أن تصنع ذكرى طيبة في هذا العيد .. كيف يسعد الأب الذي فقد أغلى ما يكتنزه الأب ليوم المشيب .. ولد صالح جاد ... لم يذهب هباء ... ولكن الأمة أوشكت أن تنسى تضحيات الأطفال من أجل أن يسعد الطغاة. كيف بالله نقول له .. أبتاه .. كل عام وأنت بخير.

كيف تسعد الأم في فلسطين وهي تبحث في مطبخها عن طعام لأولادها فلا تجد ... تبحث في خزانتها عن ثوب جديد لابنتها فلا تجد .. تبحث في محفظتها عن مبلغ من المال لتأتي بالحلوى لصغيرها فلا تجد ... تبحث عن لحظة أمان بين أبنائها تختطفها من أنياب الصهاينة فلا تجد ... تنظر في ساعاتها انتظارا لعودة غائب وتبحث عن عذر لطول غيابه فلا تجد ... تنظر في وجوه علية القوم ... بحثاً عن رجل .. ولكنها –وأسفاه- لا تجد. كيف بالله نقول لها .. أختاه كل عام وأنت بخير.

تخيلوا معي ذلك الرجل في فلسطين -بلادي وبلاد كل عربي ومسلم- وهو يقلب في دليل هاتفه لكي يبارك العيد على الأقارب والأحباب .. وتمر الأسماء .. ويتقلص عدد الأحياء .. ذهب هذا غدرا برصاص يهود .. قتلت زوجة ذاك في سجون طاغوت .. فقد أولاد هذه القريبة في مذبحة من مذابح بني صهيون ... غاب ابن هذا في سجون سلطة أعوان بني صهيون .. تجلس ابنة ذاك في أحد المستشفيات في بلاد العرب لتستخدم كدمية إعلامية يرتزق عليها السلطان ليظهر بمظهر الأب الحنون والمجاهد في وسائل الإعلام .. ويبكي بجانبها شاب يجمع مالاً ويبني وهم مجد على حساب كل قضية وكل مأساة .. عجباً لحال بلادي .. عجباً للعيد ... كم يكون العيد قاسياً أيام المحن على نفوس الرجال.

تخيلوا معي حال تلك الطفلة التي فقدت ذراعها على يد مستوطن قذر ... لم يأبه لطفولتها .. لم يهتم لبرائتها .. لم يكترث لنظرة الفزع في عينيها .. فقد نزعت من قلبه كل رحمة ... كيف نقول لها افرحي بالعيد .. لقد سمعت عن الأعياد .. وأخبرتها والدتها عن فرحة الأعياد .. ولكنها لا تعرف كيف تجمع بين الخوف والفرح .. بين الاختباء من الطلقات وبين الانطلاق واللعب في الحدائق والطرقات .. تخيلوا معي كيف تفرح هذه الطفلة بالعيد .. وكيف نقول لها .. ابنتاه كل عام وأنت بخير.

قد لا نملك أن ندخل السرور على قلوب هؤلاء الأطفال .. ولن نستطيع أن نشعر كل أسرة في فلسطين أننا نهتم .. أننا نتألم .. أننا لن نتخلى عنهم .. أننا نقدر ما يفعلون .. أننا نشعر بما يعانون .. أننا نألم كما يألمون .. قد لا نملك أن نقول لهم أننا نذكرهم في كل وقت .. وفي كل مناسبة .. وأن تضحياتهم لم تذهب سدى .. ولم تصطدم بجدران الجحود والإنكار .. ومع كل ذلك فنحن لا زلنا نملك الكثير .. نملك أن ندعو في كل صلاة لكل أسرة من أسر الشهداء والضحايا.. نملك أن نصرخ بقوة في كل وسيلة إعلام وكل منبر رأي وكل تجمع أننا كلنا أهل فلسطين .. كلنا أبناء القدس .. وكل منا يحلم بيوم الصلاة في القدس ..

إننا نملك أن نخبر أولادنا وأخوتنا وأخواتنا أن لنا في أرض الإسراء أخوة وأخوات ... وإننا معهم .. بقلوبنا .. بدعائنا .. بعقولنا .. بأموالنا .. بكل ما أنعم الله علينا به .. لنخبر أولادنا أن تضحيات شعب فلسطين لم تذهب هباء .. لنحكي لهم كيف قدم الأبطال حياتهم من أجل أن ترتفع راية الانتصار .. نملك أن نعيد الأمل في القلوب أن هذه أمة واحدة مترابطة تشعر بآلام وأمال كل فرد فيها.. نملك أن نذكر كل من نحب بالقلوب والوجوه الطاهرة التي تقدم كل غال من أجل أرض الإسراء.. وعندها سيبتسم الشهداء، وهم أحياء عند ربهم، فرحاً بتكاتفنا حول أبناء الأقصى .. حول مقدساتنا في فلسطين ..

نعم سيبتسم الشهداء إكباراً لكل من حمل على عاتقه أن يحيي في الأمة قضية فلسطين .. وأن يربي في الأجيال القادمة الرغبة في التضحية من أجلها، ومن أجل استعادة كل المقدسات والديار المسلمة... فهل نتشارك في إدخال السرور على قلوب الأحياء في الأرض وفي السماء.. نسأل الله تعالى أن يمن عليكم بالخير والبركات، وأن يجعل كل عيد من أعياد الأمة مناسبة عملية للتكاتف والتآزر والتقدم نحو استعادة كل حق من حقوق الأمة ليس في فلسطين فحسب ولكن في كل بقعة من بقاع أمتنا العزيزة الغالية. وكل عام وأنتم بخير.


* رئيس مجلس إدارة المجموعة الإعلامية الدولية - واشنطن - الولايات المتحدة