إن صمت الأزواج -كما يقول الخبراء- يبعث على مشاعر اليأس لدى كثير من السيدات، كما أنه يستثير الرجل ويزعجه بصورة كبيرة، ويترتب على الصمت الذي تغرق فيه العلاقة الزوجية حدوث أزمة حقيقية يترتب عليها مشاكل صحية، ويبدو أن الظاهرة أصبحت شبه عالمية؛ ففي تقرير لمجلة "بونته" الألمانية توضح الإحصائيات أن تسعًا من كل عشر سيدات يعانين من صمت الأزواج، وانعدام المشاعر بين الأزواج المرتبطين منذ أكثر من خمس سنوات. وتشير الأرقام إلى أن 79% من حالات الانفصال تكون بسبب معاناة المرأة من انعدام المشاعر، وعدم تعبير الزوج عن عواطفه لها، وعدم وجود حوار يربط بينهما.

حدد خبراء الاجتماع العوامل التي تؤدي إلى الصمت الزواجي، الذي يؤدي شيئا فشيئا إلى الطلاق العاطفي وبرود المشاعر بين الأزواج في جملة من العوامل، جاء على رأسها عملية الاختيار التي قد تكون غير موفقة أو تمت بطريقة سريعة، وبالتالي لم يفهم كل من الطرفين الطرف الآخر جيدًا، وبعد أن يتم الزواج يحدث الهرب كوسيلة للتخلص من الزواج.

كما أشاروا إلى أن الأنانية بين الزوجين من العوامل المهمة في هذا الصدد أيضًا؛ إذ أن كلا من الزوجين يركز على ذاته، وإشباع رغباته الشخصية دون حساب للآخر، فضلا عن الحاجة الاقتصادية انطلاقًا من القول المأثور: "إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من النافذة"، وأضافوا إلى ذلك عاملا مهما متمثلا في غياب الوعي الديني لدى كلا الزوجين، وعدم احترام كل منهما الآخر الذي قد يبدو في إهمال الآخر وعدم سماع أوامره.

لماذا الأزواج الأكثر صمتًا؟

إحدى الإجابات كانت لدى دركارل جيك المتخصص في علاج المشكلات الزوجية، ويقول عن أسباب عزوف الرجال عن التحدث عن مشاعرهم لزوجاتهم: "إن ذلك ميراث طويل؛ فقد كان الرجل في القديم مسئولا عن العالم الخارجي من تأمين الأسرة، وتوفير الغذاء لها، وكان يحقق ذاته من خلال الفعل والعمل؛ أي عن طريق أشياء مادية يمكن للجميع رؤيتها. واليوم يتحدث الرجال ويتناقشون عن كيفية زيادة العائدات في العمل والتغلب على المنافسة".

أما بالنسبة للمرأة فإنها على مرّ تاريخها كانت المسئولة عن رعاية المكان والأسرة والمشاعر، أي أن مسئوليتها تتركز في العالم الداخلي، وكانت تستخلص شعورها بذاتها فقط من خلال مدى انسجام الحياة الأسرية وتوافقها، وظل الرجل لعهد طويل يحتل داخل الأسرة المكانة الرئيسية كمسئول، وبالتالي فإنه ليس لديه شريك يتحاور معه في ندِّيَّة.

وكانت المرأة تجري مثل هذه الحوارات مع الصديقات، واكتسبت المرأة طوال آلاف السنين الخبرة والتدريب على الأحاديث الخاصة بالمشاعر والتعبير عنها، ويعتبر ذلك مجالا جديدًا على الرجل.

ويمضي د. جيك موضحًا أن شكوى المرأة من صمت الرجل وانعدام الحوار هو نتيجة مترتبة على تغير التوقعات في العلاقة الزوجية؛ فقبل جيل أو جيلين كانت المرأة تشعر بالرضا في زواجها إذا وفر الزوج دخلا معقولا ولم يُسئ معاملتها أو يضربها أو لم يدخل في حياتها امرأة أخرى.

والمسألة تختلف اليوم؛ فتوقعات السعادة غير محددة ولكنها كبيرة، وملخصها أنه ما لم تسعدني وترضِني من جميع الجوانب فإنك تكون شريكًا سيئًا وفاشلا.

الحصار وطوق النجاة

حالة الصمت الزواجي التي نحن بصددها لها مجموعة من الآثار الخطيرة التي ليس فقط تهدد الزوج والزوجة، ولكنها تطال الأبناء أيضا؛ حيث أكدت الدراسات النفسية أن الطفل الذي ينشأ في أسرة تفتقد عنصر التواصل الكلامي (الحواري) هو في الغالب طفل لا يستطيع التعبير الجيد عن نفسه، كما أنه ربما يكون في بعض الأحيان انطوائيًا لا يسهل عليه إقامة علاقة مع الآخرين في يسر.

ويضاف أن انعدام الحوار بين الزوجين وكثرة الصدمات بينهما يؤدي إلى نشوء أطفال فاقدي الإحساس بالأسرة ومدلول حضورها؛ فيهرب بعضهم من المنازل تخلصًا من مشاكل الأبوين.

الحياة الزوجية شأنها شأن أي علاقة سامية قائمة على الشراكة ومراعاة حقوق الطرف الآخر الذي من وجهة نظري لا أعتبره آخرًا، ولكنه "أنا" أخرى؛ ما يسعدها يسعدني، وما يؤذيها بالضرورة يؤذيني. وليكن لنا في رسول الله أسوة حسنة، فلم يكن يمنعه حمل الدعوة وتحمل مسئوليات أمة بأَسْرها من أن يكون خير زوج وخير مؤنس لأهل بيته، فليتنا نقتدي به!.
منقول