" العقل السليم في الجسم السليم" مقولة شائعة على ألسنة المربين،
إلا إنها بالتأكيد ليست صحيحة على إطلاقها
فلو كان الأمر كذلك لغدا المصارعون أذكى الناس
ولتصدى الملاكمون للمعضلات العلمية ولتربعوا على هرم العبقرية..
غير أن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماما فالعلاقة الأقرب للصحة هي
"العقل السليم في الجسم العليل"
فمن الملاحظ أن كثيرا من العباقرة والمفكرين كانوا من أصحاب العاهات الجسدية الواضحة أو الأمراض الخطيرة المزمنة،
فالشخص السليم بطبيعته إنسان عادي إما صاحب العاهة فيسعى لإثبات ذاته وتفوقه على الآخرين...
ويبدو أن العرب قد لاحظت هذا الترابط فقالت "كل ذو عاهة جبار" والجبروت هنا قد يشمل الذاكرة الجبارة والمواهب الراقية أو القدرة على القيادة ومسايسة الأمور,
أما في عصرنا الحاضر فان أفضل نموذج لهذه العلاقة هو عالم الفيزياء البريطاني ستيفن كنج، فمع انه يعاني من تآكل كامل في عضلات الجسم- لدرجة لا يستطيع معها رفع إصبعه أو إدارة رأسه، إلا انه يعد اكبر عالم فيزياء بعد آينشتاين وألف كتبا حققت أرقاما قياسية في التوزيع...
والمدقق في سير العباقرة عموما يجد نماذج لأفراد تحولت إعاقتهم الجسدية إلى حافز للتفوق والإبداع،
فقد عانى من العمى كل من أبي العلاء المعري وطه حسين وداود الأنطاكي- صاحب تذكرة داود- الذي من فرط حكمته لقب ب"البصير"..
ومن أصحاب الإعاقة الجسدية الفيلسوف الألماني نيتشه والأديب الروسي دستوفسكي المصابان بالصرع..
وكان كل من الموسيقار الألماني بيتهوفن والمخترع الأمريكي أديسون "أبو الكهرباء" مصابان بالصمم...
أما نابليون بونابرت وعالم الأحياء الفرنسي الشهير باستير صاحب نظرية البسترة، والرئيس الأمريكي روزفلت فكانوا مصابين بشلل الأطفال!...
وفي تاريخ فلسطين المعاصر عايشنا مثلا يحتذى به في كل جوانب العبقرية:
القيادة الفذة، والأدب الرفيع، والقدرة على تحمل أصعب الظروف والمحن..
الشيخ القعيد المربي الفاضل الشيخ أحمد ياسين
الذي حرك العالم وغير التاريخ من على كرسيه المتحرك.
وهناك من سيقول أنّ ما ذُكر (جزء من كل) حيث يتمتع معظم العباقرة بصحة جيدة وجسم سليم!؟
نعم هذا وارد ولكن هل تغاضينا عن العاهات النفسية وعقد النقص التي تشكل دافعاَ للإبداع،
فكثير من العباقرة عاهتهم نفسية ونقصهم بداخلهم – وهو ما يبدو جليا لدى اينشتاين والبيروني وديكنز وهتلر والعقاد....
وفي الواقع نجد أن العلاقة بين العبقرية والشذوذ النفسي أمر لوحظ منذ أفلاطون وحتى اليوم،
فكثير من الدارسين اعتبروا أن العبقرية نوعا من الشذوذ الذهني أو الاضطراب الفكري، فالعبقري يتخذ دائما طريقا مختلفا في التفكير والاستنباط- في حين يقف العقل العادي محتار أمام ما يراه غير منطقي ومعقول!!!
هذه الكلمات بمثابة دعوة لكل من يعاني من عاهة أن لا يجعل من عاهته حاجزا يمنعه من المشاركة الفعالة
بل لابد أن تكون هذه العاهة حافزا نحو التقدم إلى مواقع تجعله بناء معطاء معتمدا على ذاته,,,
ورحم الله شيخنا القعيد الذي كان دائما ما يردد
(أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة). ولمن يخالفني الرأي هذه دعوة مفتوحة للمناقشة والتحاور
مستوحى بتصرف.....
الروابط المفضلة