بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الفاضل ..
من وجهة نظري المتواضعة .. أن الأنسان لا يُقاس بما يحمل من شهادات علمية أو عملية أو مؤهلات .. ذاك أنها لا تعكس الواقع الحقيقي لذلكم الشخص .. فقد نُخدع (وقد خُدعنا) بشخص لما يحمله من مؤهلات .. فإذا بنا بعد أن احتككنا به يظهر على حقيقته التي كان يتوارى منها خلف تلكم الشهادات والمؤهلات ..
فكم رأينا ونرى دائماً من يملكون الشهادات العليا .. والتخصصات العلمية النادرة .. ومع ذلك لا يستطيع أن يُعبِّر عن وجهة نظره وما يجول في داخله بأسلوب سليم ومنهج حكيم .. بل إن بعضهم عندما تتحدث إليه يُهيَّؤ إليك أنك تتحدث إلى شخص لا يحمل حتى شهادة الإبتدائية .. من همجية في الحوار وعدم إحترام المقابل ومقاطعة حديثه .. إلى إفتقار لحسن الاستدلال على الكلام .. إلى تعنُّتٍ وصلفٍ وجلفٍ في الرأي وإقصاءٍ للرأي الآخر ..
بينما وفي المقابل .. نجد هناك من لا يحمل شهادة تُصنَّف في هذا الزمان بأنها شهادة عُليا .. بيد أنه صال وجال في هذه الدنيا فنهل من معين تجاربها ودروسها .. فتراه والناس يزدرونه لكونه لا يحمل مؤهلاً علمياً عالياً .. ولا وظيفة عملية مرموقة .. ولكنك ما أن تجلس معه وتتحدث إليه ألا ويُخيَّلُ إليك أنك تُجالس حكيماً أوتي الحكمة من أوسع أبوابها .. فإن تحدثت إليه في أي باب من أبواب الفن لم تجد منه ألا عارفاً ببعضها إن لم يكن جُلُّها ..
الحال ذاته ينطبق على من يقيس رجاحة عقل الإنسان بعُمُرِه .. فمن وجهة نظري المتواضعة أيضاً .. أن قياس رحاجة عقل الإنسان (سواء أكان رجلاً أو كانت إمرأة) بعمره خطأ يقع فيه الكثير ..
فليس كل من بلغ الأربعين عُمُرَاً بلغها عقلاً ودراية وحكمة .. وليس كل من كان في العشرين من عُمُرِه كان ذلك مقياساً لرجاحة عقله ومدى معرفته بأمور الحياة ودهاليزها ..
فمن خلال الواقع المُعاش .. رأينا ونرى أن هناك من الناس من بلغ الأربعين عاماً أو أكثر .. بيد أن عقله توقف عند عُمُرِ العشرين .. فتجده لا يملك عزماً على تحمل مسؤولية .. ولا يملك حنكة وحكمة عند نزول النوزال ومدلهمَّات الأمور .. فإذا وقعت عليه واقعة .. رأيته حيران أسفاً .. يستجدي الحلول من جار أو صديق .. وإن ضاقت عليه الأبواب .. واضطر إلى أن يتصرف هو بذاته .. أتاك بالطوام والعجائب ..
وإن هو تحدَّث تمنَّيت لو أنه سكت .. فلا حكمة .. ولا منطق .. ولا أدب .. ولا استدلال .. ولا فائدة .. يضحك حيث يجب أن لا يضحك .. ويصرخ حيث لا يجب أن يكون الصراخ .. ويغضب حيث لا مكان للغضب .. ظلمات بعضها فوق بعض ..
وفي الجهة المقابلة .. نجد هناك من هو في سن العشرين أو أقل أو أكثر قليلاً .. فتحسب أنه كسائر من هم في سنه في زماننا هذا (لا يهش ولا ينش) .. وإذا بك عندما تُجالسه وتخوض معه في الحديث .. إذا به يتحدث بلسان رجل بلغ الأربعين أو أكثر من العمر .. فتراه صاحب خبرة ودراية وحسن سلوك وانتقاء لمفرداته .. بل إنه في حال وقع في ورطة وجدته رجلاً صابراً مُحنكاً حكيماً غير مستعجل ولا مهرول ولا صارخ ولا صاخب .. وتجده يضع الأمور في نصابها .. إن تكلم فبعلم وحكمة ومنطق ودراية .. وإن سكت فبحلم وعلم وحسن استماع وإصغاء وتفهُّمٍ وتعقل ..
وبناء عليه .. فإذا أردت أن تعرف ماهية الشخص الواقف معك .. أو الجالس بجانبك .. فما عليك إلا أن تتحدث إليه .. فإن سمعت ورأيت منه ما يسرُّك ولا يضرك ويزيدك ولا ينقصك .. فاعلم أنه حاصل على أعلى المؤهلات ولو كان يعمل حارساً في مدرسة إبتدائية للبنات .. وإن كان يعمل سائقاً لحافلة ينقل الركاب إلى حيث يريدون .. وإن رأيت منه أو سمعت ما يضرَّك ولا يسرُّك .. فأعرض عنه وأعلم أنه جاهل وإن كان يحمل شهادة أطول منه ومكتوبة بماء الذهب .. ولو كان يلبس ثياباً غالية .. واكسسوارات باهضة الثمن .. فكما يُقال (العبرة في المخبر لا في المنظر) ..
والله تعالى أعلم وأحكم ..
تحياتي ،،،
الروابط المفضلة