بالأمس ودّع الصائمون الثلث الأول من رمضان المبارك،
فانسلخت عشرة أيام بالتمام والكمال، كأنها لمحة بصر!
سابق من سابق، واقتصد من اقتصد، وقصّر من قصّر،
فقد تباينت مواقف الناس تجاه الشهر بحسب قناعاتهم العقدية، ورواسبهم الفكرية، واستعداداتهم الفطرية
فالمؤمنون العارفون، الموقنون بلقاء ربهم تراهم صُوّاماً قُوّاماً،
ركعاً سجداً، لهم في كل باب خير نصيب،
وفي كلّ مضمار شرف سبق
احتضنوا شهرهم بصدور حانية، وأشواق غامرة،
فكانت كل ساعة وكل لحظة من عمر الشهر مزدحمة بضروب الخير، وألوان الإحسان، فالصدقة والصلة والبر، والكلمة الطيبة وتفطير الصائمين بعض من سباقهم إلى نيل المعالي وبلوغ الجنان، ورغم ذلك فكلّما مرت ساعة -فضلاً عن يوم- من رمضان أصابهم الحزن
وأوجعهم دنو الفراق، كيف وقد مضى الثلث والثلث كثير؟
وأما المقتصدون فاكتفوا بالواجب، ولم يتجاوزوه إلى مندوب، وامتنعوا عن المحرم ولم يأنفوا من تعاطي المكروه
وهؤلاء وإن كانوا غير ملومين في الحكم الشرعي الظاهر،
إلا أن المأمول أن يغتنموا روحانية الشهر وشرف الزمان،
فيجعلون منه فرصة إلى علو الهمة، وطلب الكمال الممكن
فميدان المستحب الواسع لا ينبغي أن يظل خارج نطاق اهتماماتهم، وبعيداً عن محيط استثماراتهم،
فبحور الحسنات والأجور لا حصر لها في المستحبات والمندوبات،
فمن الحرمان أن يمتنع البعض من ركوب أمواجها، والاغتراف من كنوزها ونفائسها
لقد مضى الثلث أيها المقتصدون والثلث كثير،
لكنه قد بقي الثلثان والثلثان أكثر،
فإلى الغنيمة والاغتنام قبل فوات الأوان
وأما المقصِّرون فقد استقبلوا شهرهم ضيفاً ثقيلاً حرمهم شرابهم وطعامهم، فحرموه الوقار والتبجيل، وهتكوا حرمته بالنظر الحرام، والسماع الحرام، والكلام الحرام
فمشاهد العُري عبر الفضائيات تملأ أعينهم،
ومزامير الطرب والغناء تصم آذانهم،
ومجالس الغيبة والشتم والسباب تضطرب بها ألسنتهم
فإلى هؤلاء نُسطّر هذه الأحرف مشفقين فنقول:
يا هؤلاء اتقوا ربكم واخشوا عقابه،
لقد مضى ثلث الشهر،
وما ازددتم من الله إلا بعداً،
فلا تُمنوا على ربكم بصيام مجروح بل مقتول!!
فليس صيام المعدة هو ما أراده ربكم فقط،
ولكن أراد صيام جوارحكم وألسنتكم عن كل محرم وقبيح
فهل تسمعون؟ !
أراد منكم التقوى واليقين، أراد منكم تقديم محبته على محبة شهواتكم، أراد منكم أن تكونوا صائمين عن أوساخ الناس، وعن الولوغ في أعراضهم، وصائمين عن كل ما يتفنن الكفار والفساق في عرضه على أنظاركم، وإملائه على مسامعكم؛ ليفتنوكم ويردوكم عن دينكم، فتكونوا في الظلم والبغي والفسق سواء،
فهل تسمعون؟
الايجابية
الروابط المفضلة