عمر القدس في التاريخ المعروف 3000 سنة واليهود لم يحكموها إلا لأقل من 500 سنة .
اسرائيل مصرة على الاحتفاظ بالوثائق الدينية كأساس لا غنى عنه لاقامة الدولة الاسرائيلية التوراتية.. فان هذه المزاعم نفسها ليست دقيقة، بل مغايرة للتوراة نفسها.. وما ورد فيها حرفياً.
فالزعم ان فلسطين هي ارض الاسرائيليين وانبيائهم وآبائهم واجدادهم، عمل مخالف لحرفية النصوص التوراتية. ذلك ان ابرام (اي: ابراهام) الذي ندعوه نحن ابراهيم ليس فلسطينياً. بل عراقي نزح من بلاد ما بين النهرين من منطقة كانت تسمى «اور» في بلاد سومر. وابراهيم هذا هو الذي تسميه العامة ابراهيم النجار لأنه كان مثل والده صانع تماثيل للعبادة، لكن ابراهيم رفض عبادة ما تصنعه يداه فترك العراق الى ارض فلسطين وذلك قبل حوالي 2200 سنة.
وجاء في سفر التكوين: «.. ونزل ابراهيم ارض فلسطين أياماً كثيرة..».
وجاء ايضاً ان الرب قال لابراهيم: «... ان نسلك سيكونون غرباء في أرض ليست لهم...».
وفي سفر التكوين ايضاً جاء ما يلي: «... وعندما توفيت سارة (زوجة ابراهيم) في قرية اربع وهي حبرون في ارض كنعان.. توجه ابراهيم الى أهل البلاد قائلاً: انا غريب ونزيل عندكم فهل تعطوني مكاناً ادفن فيه ميتي من أمامي..».
وعندما ورد في التوراة ان الرب منح ابراهيم ارض فلسطين فقد عرّفها بأنها ارض غربته أي انها لناس آخرين وجاء في سفر التكوين: «.. أعطيت ارض غربتك لك ولنسلك من بعدك، جميع ارض كنعان..».
ويقول المؤرخ الأميركي ج. بوفانت G. Bofante في كتابه من هم الفلسطينيون (Who were the philistines) «ان العبرانيين (الذين ينتمي اليهم اليهود) دخلوا الى ارض كنعان (فلسطين) بقيادة يشوع ابن نون في اواخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد».
وفي دائرة المعارف اليونيفرسالية جاء ان الشعب الفلسطيني القديم هو شعب فيليستين (Philistins) الذي سُميت ارض كنعان باسمه فأصبحت فيليستيا (Philistia).
واما القدس فهي المدينة التي تنسب الى الاله «شالم» وهو إله السلام عند الكنعانيين وقد سميت باسمه: «مدينة شالم».. أي اورو شالم. وقد وردت في الكتابات المصرية الفرعونية باسم «روشاليموم» (ر.و.ش.ا.ل.ي.م.و.م).
وفي رسائل تل العمارنة (تل العمارنة موقع مصري في محافظة اسيوط كانت تقوم عليه عاصمة الفرعون اخناتون).. وفي الرسائل المكتشفة في هذا الموقع رسائل بعث بها عبد خيبا ملك اورشليم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد الى الملك اخناتون ملك مصر وفلسطين في ذلك الزمان، يحذره فيها من غارات تقوم بها قبائل (الخابيرو) او (العابيرو).. أي: العبرانيين، على فلسطين.
وفي التوراة وردت اورشاليم بحدود 680 مرة. وفي نبوءة حزقيال (في التوراة) جاء ما يلي: «... وكانت اليّ كلمة الرب تقول: يا ابن البشر اخبر اورشليم بأرجاسها، وقل ان السيد (الرب) قال ان اورشليم معدنها ومولدها من ارض الكنعانيين، وابوها عموري وامها حثية...».
واما العموريون او (الأموريون) فهم حكام اورشيلم وابناء عم الكنعانيين واليبوسيين. واليبوسيون بطن من بطون القبائل العربية التي نزحت من شبه الجزيرة العربية الى فلسطين. وقد اطلق اسم يبوس على اورشليم نفسها عندما اخضعها اليبوسيون لحكمهم.
وتقول التوراة ان ابراهيم وفد الى فلسطين من بلاد ما بين النهرين (العراق اليوم) وعندما حل القحط في البلاد ارتحل يعقوب (حفيد ابراهيم) مع اولاده الاثني عشر الى ارض جوشن (اي: مصر) حيث عاشوا هناك وعملوا عبيداً لدى الفراعنة لمدة 400 سنة. الى ان قام موسى (النبي كليم الله) فقاد شعبه عبر سيناء الى فلسطين.
وفي التوراة ان اول ملوك اليهود شاؤول (1020 ـ 930 ق.م) ثم خلفه داود (من 1004 ـ 965ق.م) ثم خلف داود ابنه سليمان من (965 إلى 930 ق.م) بنى في اورشليم هيكله على يد مهندسين لبنانيين فينيقيين شحنوا خشب ارز لبنان ليبنوا به الهيكل عن طريق البحر المتوسط.
ثم انقسمت مملكة اليهود الى دولة شمالية اطلق عليها اسم اسرائيل ودلة جنوبية اسمها مملكة يهوذا وهي التي يسميها الاسرائيليون اليوم يهودا والسامرة (بدلاً من الضفة الغربية) وعاشت مملكة اليهود من 930 إلى 586ق.م حيث احتلتها بابل وتشتت شمل اليهود في ما سمي سبي بابل.
وعلى ذلك تكون المملكة اليهودية قد قامت فعلاً في فلسطين. واتخذت اورشليم (القدس) عاصمة لها، لكن كل ممالك اسرائيل وملوكها لم يحكموا سوى حوالي 490 سنة بممالك متقطعة وفترات غير متواصلة الى ان تم تدمير المدينة وهدم هيكل سليمان على يد الكلدانيين عام 586ق.م لكن اورشاليم كانت عاصمة لفلسطين طوال عهود الفراعنة والفرس واليونان والرومان ثم العرب والأتراك.
وقد توالى على حكم فلسطين والقدس كل من: ـ الفراعنة طوال الأسر الأولى حتى 538 ق.م.
ـ الفرس: من 538 إلى 322 ق.م.
ـ الاسكندر المقدوني (اليونان) من 332ق.م إلى 165 ق.م.
ـ البطالمة والسلوقيون فالرومان.. حيث دخل القائد الروماني بومبي اورشليم سنة 63ق.م ومنح اليهود حكماً ذاتياً شبيهاً بما منحته اسرائيل للفلسطينيين الآن أي ادارة وليس سيادة.
ـ في عهد الامبراطور الروماني نيرون حاول اليهود القيام بانتفاضة ضد الرومان فأرسلت روما القائد تيتوس سنة 70م فاحتل اورشليم وحرق الهيكل اليهودي ومسح مكانه بالأرض وفتك باليهود.
ـ سنة 135م. وقعت انتفاضة يهودية ثانية ضد الرومان، لكن الامبراطور «ايليا اوريانوس» اخمدها وخرّب اورشليم وأسس مكانها مستعمرة رومانية حرم على اليهود دخولها واطلق عليها اسمه فأصبحت «ايليا كابيتولينا».
ـ في أيام الامبراطور قسطنطين الذي اعتنق المسيحية أعيد للقدس اسم اورشليم وبقيت تعرف ايضاً باسم ايليا كابيتولينا.
ـ في سنة 636 فتح العرب ايليا (القدس) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي منح أهلها الأمان والسلام، وشجع على قداستها لأنها كانت قبلة المسلمين الأولى واليها كان اسراء النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومنها كان معراجه.
وهكذا. يكون عمر القدس حوالي 3000 عام حكمها اليهود لأقل من 500 عام. وأما الألفان والخمسمائة سنة الأخرى فكانت القدس لأهلها واصحابها الفلسطينيين على رغم تعرضها للحكم الخارجي، المصري ثم الفارسي ثم اليوناني ثم البطالمة ثم السلوقيون ثم الرومان فالعرب فالأتراك فالانجليز فاسرائيل.
وطبقاً للمنطق الاسرائيلي فان من حق الرومان واليونان والأتراك والمصريين ان يقولوا ان القدس لهم لأنهم حكموها اكثر من 500 سنة. ومن حق ايطاليا اليوم ان تطالب بلندن وباريس وجميع عواصم اوروبا والشرق الأوسط لأن الحكم الروماني تجاوز مئات السنين في هذه العواصم. ويكون من حق العرب ان يطالبوا بالأندلس، والهند والسند، ونصف روسيا وكل تركيا وايران وباكستان وبنغلاديش ونصف افريقيا ونصف الهند الصينية.. لأن الامبراطورية العربية الاسلامية حمت هذه البلاد لأكثر من 800 سنة.
لكن الاسرائيليين لا يلتزمون المنطق في حججهم ومحادثاتهم، بل القوة، والفجور. نحن قلب التوراة ثمة دلائل لا تحصى ـ تؤكد ان فلسطين كانت فلسطينية عندما انبثق فيها الدين اليهودي. وان مؤسس الشعب الاسرائيلي عراقي وان القدس كانت مدينة غريبة عليهم ليس لهم فيها سوى ممالك مبعثرة لم تصمد سوى 500 سنة . فأهل القدس الفلسطينيون الكنعانيون العرب الذين حكموا غيرهم وحكمهم غيرهم كما جرت احداث التاريخ على طول الكرة الأرضية وعرضها.
------------------
الحمد لله رب العالمين
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة