ربما اقدم ذكر ورد للسلحفاة في كتاب (( التغيرات )) الصيني الذي يرجع تاريخه إلى 3500سنة قبل الميلاد ، هذا الكتاب الذي اثر تأثيرا كبيرا في الفكر الصيني وخصوصا الكونفوشية وقام حكيم الصين كونفوشيوس بتذييله وشرح فقراته الغامضة وقد ضم الكتاب العديد من الرسوم التي أخذت من الأشكال التي يولدها حرق درع السلحفاة حيث استخدمت هذه الرسوم من قبل الكهنة والعرافين في قراءة الطالع ، وفي كتاب (( كليلة ودمنة )) نقرأ قصة السلحفاة الطائرة التي اتفقت مع بطتين لينقلاها إلى مكان فيه ماء فسقطت من علو شاهق لأنها تكلمت أثناء طيرانها وافلتت من العود الذي كانت تعض عليه لما رأت الناس يتعجبون من أمر طيرانها ، وهو درس للذي يتحدث في غير أوان القول ، كما دخلت السلحفاة إلى عالم اليوغا وفسيولوجيا الأجساد وتعتبر جلسة السلحفاة أو كما تسمى – كورماسانا – أحد أهم طرق اليوغا في التأمل الروحي والانقطاع عن العالم الخارجي والتحرر من الأفكار المسبقة والاستغراق الداخلي العميق0
وفي إحدى محاضراته كان برتراند رسل يحاضر في علم الفلك وكيفية دوران الأرض حول الشمس ، إذ انبرت امرأة عجوز في آخر القاعة قائلة له : ان كل ما تقوله هراء فالعالم في الحقيقة طبق مسطح قائم على ظهر سلحفاة عملاقة!!تسير السلحفاة ومعها درعها الواقي ، حصنها المنيع ، وهي الكائن المرابط فيه ، لا بمعنى الانكماش وانما بمعنى الاستتار في حروب الوجود ، ليست هي الضعف متجولا وانما براءة الكائن ، بيئتها متحركة من البر إلى الماء ، من الضد إلى نقيضه ، ترسخت في الذاكرة الجمعية وفي المخيال الاجتماعي وارتبط اسمها (( الركَة )) في الذاكرة الشعبية بالكثير من الأمثال ، فقالوا ((زعلت الركَة على الشط )) كما ارتبطت بالألغاز والأحاجي كقولهم (( طاسه فوكَ طاسه وبالبحر غطاسه )) ، وورد في أحد الأمثال العالمية(( الحسد يثقب بيت السلحفاة ))، يقول العلم ان حوالي ثلاثة إلى أربعة من أنواع السلاحف حاملة للمسك ، وهو أجود أصناف العطور ، وتقول المأثورات الشعبية (( هجم بيتج يركَة بالماي وتفسّين!! )) 0السلحفاة من الحيوانات المعمرة ، واقدم حيوان معمر في العالم اليوم هو السلحفاة العملاقة المسماة (( هارييت ))التي تعيش في حديقة حيوانات استراليا في مقاطعة كوينزلاند ولقد احتفلت الحديقة مؤخرا بعيد ميلادها السابع والثلاثين بعد المائة ، وعلى هامش الاحتفال كان لنا هذا الحوار مع السلحفاة (( هارييت )) :
** أعتقد ان فوكو هو الذي قال لا تسألني من أنت ولا تطلب مني ان أكون نفس
الشخص ، فمن أنتِ ؟
السلحفاة : ما أنا ، أنت ، إلا ما تراه الأنوات الأخرى وحتى لا تكون نفس الشخص عليك ان لا تكرر نفسك ، أي لا تستوطن القالب الذي يشبه القبر0
** أنت الآن في مكان يأتيك فيه رزقك رغدا بدون عناء ؟
السلحفاة : هل تعني انني أعيش في محمية طبيعية يوفر لي فيها الآخرون كل شيء؟ فإذا كان هذا هو قصدك فاعلم ان ثمة اختلاف بين الرضاعة الطبيعية وبين الرضاعة الصناعية ، ففي الأولى يتسرب سر الطبيعة تلقائيا اما في الثانية فيكون محمّلا بوصايا الاخر0
** هذا الدرع الذي تحملينه على ظهرك اهو بيتك أم تابوتك ؟
السلحفاة : هو بيتي وتابوتي مادامت الأضداد تتجاور0
** اقصد انك تعيشين في بيتك الثقيل وحيزك الضيق الذي يعيق الانطلاقة ؟
السلحفاة : الحيز الضيق الذي يحتويني ، هو حيز في السعة المتضامّة ، والوطن
الملموم على نفسه خير من الوطن الذي يأكل من أطرافه الاخرون0
** أنتِ حيوان برمائي أين تجدين نفسك في البر أم في الماء ؟
السلحفاة : كلما أصبحت البيئة رمزا روحيا خالصا أمكن التأقلم مع عناصرها التي تكمّل الحياة ، فقد يضيق بك البر والماء والفضاء على السواء0
** أي خبرة يمنحها لك التباطؤ ؟
السلحفاة : ان الحياة مسيرة راجلة باتجاه المعنى0
** ماهي حكايتك مع الأرنب المغرور الذي تفوقتِ عليه في السباق ؟
السلحفاة : ان حال الأرنب هو حال الذي يقفز قفزات سريعة غير متوازنة وعندما
يدركه الإعياء ينام نومة ثقيلة في مضمار السباق وعندما يصحو يجد ان الكل قد
تخطاه0
** تعرّف الحركة فلسفيا على انها تحقيق قابلية الشيء تدريجيا ؟
السلحفاة : إذا كان الشيء منسجما مع قدراته وليس عبدا لأوامر الآخرين وتهور المجانين0
** هل ان مشوار الحياة يتطلب الزحف أم الركض ؟
السلحفاة : الزحف أشبه بالبحث الاركيولوجي ، التنقيبي ، والكثير من الراكضين
اضطروا للزحف أخيرا بعد ان ركضوا بلا جدوى وفقدوا كل شيء0
** ماذا لو تقمص البرق حركة السلحفاة ؟
السلحفاة : لكلّ فعله وبصماته ، ومع الحركة الفائقة السرعة تمّحي الكثير من التفاصيل التي ينبغي معرفتها!!
** مَنْ هم أعداؤك ؟
السلحفاة : الذين يتلذذون بتمزيق رايات البراءة متوهمينها ضعفا0
** متى يكون عقل السلحفاة موازيا لعقل الصاروخ ؟
السلحفاة : إذا تم فك الاشتباك بين جنون السرعة وحكمة التريث0
** ما الفرق بين الحياة على الأرض وبين التحليق في الأعالي ؟
السلحفاة : قد تكون الأرض علوّا مفارقا وقد تكون الأعالي قبرا طائرا0
** إذا قلبتكِ العاصفة على ظهرك فانك تموتين ان لم تعودي إلى وضعك السابق ، فهل تنتظرين عاصفة اخرى لتعيدك إلى ذلك الوضع ؟
السلحفاة : ان حالنا هو حال الشعوب التي تنقلب على ظهورها في الأزمات ، وهي بحاجة إلى من يؤازرها في محنتها ، وكلما تأخر المنقذ اصبح البحث عن البدائل
نوعا من أنواع التواطؤ مع الموت0
** كيف السبيل إلى حماية الكائن من الانقراض ؟
السلحفاة : مادامت كل المفاتيح بيد السياسي فالكائنات جميعها مهددة بالانقراض0
** ماهو رأيك بالزمن وأنت اكبر حيوان معمر في العالم ؟
السلحفاة : لا يهمني ان تقدمني الزمن أو تقدمته فأنا وهو مثل صديقين يواسي بعضهما البعض وهو مثلي شاخ أيضا من تراكم السنين وتلاحق الاحداث0
** تقول الفلسفة ان لكل جسم زمانان ، زمان خاص به ، وزمان عام ، ويحصل الزمان الخاص بسبب حركته ، اما الزمان العام فهو الذي يشترك فيه مع غيره من
الأجسام ؟
السلحفاة : إذا كنت تقصد ، ضمنيا ، ان الزمان الخاص قد يربك الزمان العام ، فان النظرية النسبية قالت ان الزمن يقل كلما زادت السرعة ، اما في عالمنا فالزمن يتراكم ، وما بين ثقل الزمن ومروره العابر تتخاطف الموجودات العابرة!!
** ماذا لو انتدبوك لمهنة ساعي البريد ؟
السلحفاة : لا أتقمص دورا غير دوري خصوصا إذا كان الدور اكبر مني ، وإذا كانت خطواتي المتقدمة بطيئة – كما يوحي سؤالك – إلا انها لا تعني تراجعا في
الزمن على عكس الكثير من الرسائل البريدية التي تخلّفت عن زمانها0
** كل شيء في العالم يسعى إلى منتهاه ، فإلى أي شيء تسعين بعد هذا العمر ؟
السلحفاة : إلى النهاية التي تكون خلاصة منتزعة من التفاصيل المملة ، لا النهاية التي تتوكأ على استطالتها فتاتي كأنها تتمة لابد منها0
** من الذي يضع درع السلحفاة شعارا انتخابيا له ؟
السلحفاة : أولئك الذين يؤمنون بأن سنابل الغد ينبغي ان تنضج جيدا لكي يأكل الجياع خبزا ساخنا!!
الروابط المفضلة