بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت قراءتي لموضوع الأخت ألق الفجر المتميز (غرباء حتى النهاية) هي الدافع وراء كتابتي لهذه الكلمات التي تدور في فكري منذ أيام..
غرباء في بلاد الإغتراب.. غرباء حتى في أوطاننا.. يستهزأ بنا في كثير من الأحيان؛ ننعت بالمعقدين، متشددين، متخلفين عن العصر... و غير ذلك الكثير مما يؤلمنا سماعه..
لطالما كنت محط استهزاء في وطني ذي الغالبية المسلمة.. من القريب و الغريب.. في المدرسة، في الجامعة، في مكان العمل.. حتى الشارع العام لم أسلم منه..
ليس ما أقول بالمستغرب أو الجديد، فأنا متأكدة أن الكثيرات من الأخوات قد تعرضن و ما زلن يتعرضن للأمر ذاته..
لكن الغريب أنني عمري لم أشعر بذرة غضب آنذاك.. بل العكس تماما، كنت أفرح في سري، و أعتبره نوعا من الجهاد و الإحتساب عند الله.. محاولة الثبات على الحق في زمن طغى فيه الباطل..
أما أولئك المستهزئين الفرحين، فجزاؤهم عند ربهم في الآخرة، و يكفيهم غيظهم من مظهري في الدنيا.. كنت أحسبهم ممن أضلهم الله على علم.. الذين جحدوا بآيات الله و قد استيقنتها أنفسهم.. فأستعيذ بمقلب القلوب من ذلك..
على هذا الأساس كنت أعتقد أن الدعوة إلى الله موجهة لمن أجد فيها طيبة و إقبالا، و أقدّر أنها ببعض التذكرة و التشجيع ممكن أن تخطو نحو الإلتزام.. و في حال تجاوبت إحداهن معي، غمرني إحساس بالسعادة و غدوت أحلم بنعيم خير لي من أن يكون لي حمر النعم كما وعدنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام..
كل ذلك كان أيام الغربة بين الناس، ولكن في أحضان الوطن...
من حوالي أسبوع أو اثنين، في إحدى الليالي القارصة البرودة و العاصفة، سمعت طرقا على باب المنزل، فكانت دهشتي كبيرة جدا.. ما الذي يخرج أحدا من بيته في وقت متأخر تحت الأمطار و الرياح غير الضرورة القصوى؟!..
فتحت الباب، فإذا برجل و امرأة في أبهى حلة، يقفان بعزة غير آبهين بعوامل الطبيعة، يبادرانني بالتحية بوجهين مشرقين باشّين، و يستأذنان بتبليغي 'رسالة من عند الرب'...
لا أخفيكم القول من أنني اعتبرت الموقف مضحكا في بادىء الأمر.. يعني لم يعد ينقصني إلا أن أدعى للمسيحية!!! لا حول و لا قوة إلا بالله...
رددت بلطف بما هو ظاهر من حجابي (شكرا، و لكنني مسلمة)
فجاءني الرد كصفعة حادة قلبت ابتسامتي إلى غضب متأجج في لحظة (و ما في ذلك؟ باب الهداية مفتوح امام الجميع)...
والله أحسست بالدم يغلي في عروقي.. يا للوقاحة!!!!
قلت بانفعال و من غير تفكير(إذا سمحتما لي بعشرة دقائق أبلغكما رسالة ربي، سمحت لكما بضعف الوقت لإسماعي قولكما)
فجاءتني الصفعة التالية:
(أتهزئين بنا؟ على كل حال، إليكِ بهذه المنشورات باللغة العربية لكِ و لأهل بيتك)..
أظن أن تلك كانت المرة الأولى التي أبكي فيها غضبا.. ربما لإحساسي بالعجز بكيت غضبا.. و لكن غضبا مما و ممن على وجه التحديد..
هل هو فعلا غضب من وقاحتهما؟ و لكن فيم الوقاحة؟.. كانا مهذبين و لبقين، و لم يتجاوزا حدود تأدية ما يعتقدانه واجبهما..
بل هذا هو عين السبب.. تأدية الواجب..
إذن هو غضب من نفسي؛ لا من أحد آخر، و إحساس بالتقصير؛ لا بالعجز..
لقد أعد هؤلاء عدتهم على أكمل وجه.. مظهر حسن و منطق لطيف.. لم يبط هممهم ليل و لا ريح.. لم يثنيهم اختلاف ديانتي عن التبليغ.. و لم ينفرهم استهزائي بهم من القيام بمحاولة أخرى عبر المنشورات.. بل مما يثير جنوني أكثر، هو إعدادهم لتلك المنشورات التبشيرية بمختلف اللغات.. كم عدد العرب في هذا البلد؟ قليل جدا نسبيا.. و مع ذلك لم يهملوه!!
كل ذلك في سبيل ماذا؟ معتقدات ما أنزل الله بها من سلطان...
و أنا المسلمة التي شرّفها و منّ عليها خالقها بأن اصطفاها لتكون من خير أمة أخرجت للناس، جالسة في بيتي أقيم صلاتي و أتلو قرآني و أشرب الشاي!!!
يا لتقصيري و يا لأنانيتي...
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) حتى و لو أضحى الإسلام غريبا.. فمن لهؤلاء ينتشلهم من الظلمات؟..
والله إني لأشفق عليهم حين أراهم يتهامسون عليّ، أو حتى يتعمدون إسماعي أحيانا، فهم لا يعرفون إلا القليل القليل.. معظم المواقف التي تمر بي؛ طفلة صغيرة تسأل أمها عني؛ لمَ أرتدي ذلك الشيء.. فتبتسم لي الأم خجلا و تسكت ابنتها.. أو فتيات في مقتبل العمر يتعجبن من أمري بشكل ساخر أو حتى مجرد استفساري في بعض الأحيان. أفكر في تلك الطفلة و هذه الفتيات.. هل سيجدن من يجيبهن إجابة شافية يوما ما؟...
و هذا ليس حصرا بهذه البلاد فقط.. كانت لي زميلة مسلمة في بلدي لا تعرف معنى الفاتحة... لا أقول لا تحفظ سورة الفاتحة، بل لا تعرف معنى الكلمة أصلا... و من مثلها كثير...
حتى أولئك الذين يلمون ببعض المعرفة عن أمور الدين، فوالله إنهم ليرون من حال المسلمين العجب العجاب في زمننا هذا.. تفرقة و انقسامات و مشاحنات بشكل عام من جهة، و بعض التصرفات الفردية التي لا تمت إلى ديننا السامي بصلة و لكنها للأسف الشديد تحسب عليه من جهة، و تناسي بعض الأخوة أن الدعوة إلى الله تكون بالحكمة و الموعظة الحسنة من جهة.. و غير ذلك الكثير مما يجعل على الحق غشاوة..
ما كنت أشعر به سابقا من سرور و تحدٍ عند احساسي بالغربة، انقلب اليوم إشفاقا و تقديرا لحجم المسؤولية.. و ما كنت أحلم به سابقا من جزاء خير من حمر النعم، بات خوفا من التقصير الكبير.. إذا تمكنت يوما بحول الله من التأثير ايجابا على شخص ما، فكم و كم من الفرص المتاحة لقول كلمة حق التي قد فوّتها..
من حق كل من هم حولي من جيران و زملاء و معارف، و كل من تربطني به علاقة تجعله يقبل مني كلاما، من حق كل هؤلاء عليّ أن أبلغهم ما لا يعلمون، أو أذكرهم بما قد نسوا، لعل الذكرى تنفعني و تنفعهم..
أشعر بأن كل هؤلاء سوف يتعلقون برقبتي يوم الدين.. لقد رأيتِ منا استغرابا، و عرفتِ أننا جاهلون، فلمَ لم تدعينا إلى الحق؟؟..ما هي حجتي عندئذ؟؟.. لم يسمح لي الوقت؟ لم تساعدني الظروف؟ وجدتكم على غير ملة الإسلام فخجلت؟ لقد استهزىء بي؟.......
بعث الله لي الداعيين النصرانيين إلى عتبة منزلي ليقيما الحجة علي..
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات 17)
الحمدلله على نعمة الإسلام و كفى بها من نعمة.. و الشكر يكون من جنس النعمة.. فزكاة المال الإنفاق منه، و زكاة العلم تعليمه، و زكاة الهداية التذكرة و الدعوة..
و إن استهزىء بنا (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل 79)
و الحمدلله رب العالمين
الروابط المفضلة