المجلة تنفرد بلقاء الملا محمد عمر
لست معزولاً وأنا جاهز للموت والأسلحة لدينا كثيرة .. !
المجلة 27/7/1422 هـ :
قندهار ـ فراج إسماعيل :
الدخول إلى أفغانستان من الصعوبة بحيث إما أن تفقد حريتك، كما حصل مع الصحافية الإنجليزية والصحافي الفرنسي، أو أنا نخاطر بحياتك على الطريق.
ولما كانت التغطية تستاهل الوقوف على حقيقة ما يجري ويدور، فقد قررت الدخول والمجازفة، واستغلت على الطريق الوعرة من كويت إلى قندهار بسيارة لم تكن أحسن حظًا من الطرقات والمسالك التي عرجناها للوصول إلى العاصمة السياسية للإمارة الأفغانية، كان الطريق محفوفًا بالمخاطر ومقيتا برائحة الرعب الخوف.
هناك، مشت كأفغاني في ثياب الأفغان، ينتقل إلى الداخل عبر طريق يعرفها المهربون الذين كنت لحظات واحدًا منهم، وبوصولي إلى قندهار تلمست طريقي من خلال بعض الأصدقاء والعلماء ورحت أبحث عن جواب شاف لأسئلة محيرة لا يملك الإجابة عنها سوى الملا محمد عمر، الذي سبق لي أن التقيته في زمان سابق، إبان الحرب ضد السوفييت.
قبل 48 ساعة من بدء الهجوم الأمريكي ـ البريطاني على أفغانستان، حرص زعيم طالبان على أن يؤم الناس ويلغي الخطبة في صلاة الجمعة بمسجد (سركالي) الذي يقع بجوار مبنى للأمم المتحدة في قندهار، وهكذا اعتاد أسبوعيًا بوصفه (أميرًا للمؤمنين) كما يلقب رسميًا من حركته الحاكمة والعلماء الذين يحيطون به.
تحدث في خطبته عن الجهاد وأهمية الدفاع عن العقيدة ـ وبدأ وكأنه ينتظر الموت خلال أيام قليلة، لم يظهر على وجهه أي خوف أو قلق، بل قال للمصلين الذين احتشدوا في المسجد والمنطقة المحيطة به، أنه سيظل يعيش بينهم، لن يترك بيته أو مكتبه الذي يدير منه أفغانستان حتى يسقط.
وحتى كتابة هذه الرسالة ما زال الملا عمر يقاتل مع جنود حركته في قندهار، فبعد الصاروخ الأول الذي ضرب مطار المدينة ومركز قيادة طالبان المجاور له،خرج من بيته الصغير الذي يشبه البيوت القروية العنيفة في وسط المدينة، على مكتبه في المبنى الذي كان مخصصًا لوالي قندهار قبل مجيء طالبان إلى الحكم.
في هذا المكتب يتربع على أريكة متوسطة الطول، بينما يجلس أمامه بطول وعض الغرفة، على وسائد تشبه الجلسات العربية، مسؤولوه ومستشاروه، وكلهم من علماء الدين الحاصلين من المعاهد الدينية الأفانية والباكستانية على لقب (الملا).
ينتمي الملا محمد عمر زعيم طالبان إلى (قندهار ـ معقل طالبان) والتي أصبحت عاصمة سياسية لأفغانستان، تدار منها شؤون الحكم وتتخذ فيها القرارات المصيرية، ويبرر مسؤولو طالبان ذلك بأنها كانت عاصمة أول خلافة إسلامية في أفغانستان، بينما قال الملا عمر أنه لم يتعود على تركها، حتى في فترة الجهاد ضد روسيا، وأنه من الصعب أن يعيش بعيدًا عنها.
الرجل الذي يروج الإعلام العالمي الأساطير حوله ويصفونه بـ (الشبح) وأنه قد يكون غير موجود في الحقيقة، والعبارة الأخيرة نسبتها مجلة (نيوويك) الأمريكية مؤخرًا لبعض التجار في كابل .. هذا الرجل عندما تلتقيه تبدو صورته مختلفة عن الصور التي نشرت له، رغم ندرتها، فهو يرفض الصور الفوتوغرافية تمامًا، كما تعتبرها حركة طالبان شيئًا محرمًا، وهو نفس منهج أساتذتهم من علماء المعاهد الباكستانية ، وما نشر له في بعض الصحف الباكستانية، هو صور لأشخاص آخرين لا يشبهون شكله أو هيئته.
هو في الخامسة والأربعين من العمر، هادئ قليل الكلام، فقد عينه اليمنى في معارك الجهاد ضد الروس، طويل الجسم، نحيف، ذو لحية سوداء كثيفة، الزي الذي يرتديه ينتهي بعمامة سوداء، هو نفس الزي الذي يتميز به رجال طالبان.
لا يميل إلى مجالسة الغرباء إلا إذا كانت زيارات عمل قصيرة، يكره الأحاديث الصحافية لدرجة أن مستشاريه يقولون أنه منذ قيام حركة طالبان لم يدل بحديث صحافي مباشر، لكنه يتوجه إلى الأمة الأفغانية بين الحين والآخر بأحاديث عبر إذاعة صوت الشريعة المعبرة عن حكومته، مثل الحديث الذي وجهه قبل نداء الغارات الجوية على بلاده بيوم واحد.
وعلى الرغم مما يقال عن عزلته وانطوائيته، فإن أهالي قندهار يعرفونه جيدًا ويتحدثون عنه وعن الحراسة القليلة التي تحيط بمنزله.
هذا الحديث النادر للملا محمد عمر الذي تنفرد (المجلة) بنشره، لم يكن ليتم إلا بواسطة مجموعة من العلماء الذين يحبهم ويثق فيهم، وهو يقدم مفاتيح عن هذه الشخصية الغامضة لدى الكثيرين، خصوصًا أنها انغلقت على نفسها وأدارت ظهرها للإعلام.
تعلم الملا عمر في المعاهد الدينية في أفغانستان مثل أبناء العائلة التي ينتمي إليها، لكنه توقف قليلاً عن التعليم قبل عام واحد من نيله الشهادة العالمية التي تجيز لحاملها لقب (الملا) بفعل انخراطه في الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي لبلاده، وبقي في هذه الأثناء عاكفًا على الدراسة الدينية، وبعد انسحاب الروس وسقوط النظام الحليف لهم بقيادة محمد نجيب الله في كابل، أصبح مفتيًا ومعلمًا للدين في مسجد (سركالي) ، وبسبب علومه منحته بعض المعاهد الدينية شهادة (الملا) الإعزازية، أي الفخرية التي أصبح بمقتضاها (ملا).
يعتمد عمر في حكمه على مجلس من (الملالي) ، يمثلون كبار علماء أفغانستان، ومعظمهم أكبر منه سنًا، وقد عرضت على هذا المجلس مسألة تسليم بن لادن التي طرحتها الولايات المتحدة كشرط لعدم شنها الحرب فأفتى المجلس بتخيير بن لادن بين البقاء والرحيل.
التمسك بابن لادن :
لماذا عرض ويعرض الملا عمر نفسه وأبناء بلده للموت في مسألة تتعلق بشخص واحد؟ وهل الحفاظ على حياة هذا الشخص تعادل حياة ومصالح 27 مليون أفغاني، وتستحق أن تفقد طالبان السلطة بسببها؟ وما هي هذه التقاليد والقيم التي تمنع الملا عمر من التفريط في بن لادن، وتتجاوز القاعدة الشرعية المعروفة التي تدفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر؟
هذه الأسئلة وغيرها عرضناها على الملا عمر في هذا الحوار الادر:
أعلنت مباشرة بعد الدفعة الأولى من الصواريخ التي ضربت كابل وقندهار أن الجهاد أصبح فرض عين، فما هي القاعدة التي اعتمدت عليها؟
مجلس علماء أفغانستان أصدر فتوى من قبل بأن الجهاد يصبح فرضًا على جميع المسلمين إذا هاجمت أمريكا وحلفاؤها الأراضي الأفغانية، لذلك أنا طبقت الفتوى بمجرد بدء الهجوم.
لست صنيعة باكستان :
ما هي مشاعرك الآن وأنت محاصر من الجميع لا سيما باكستان التي كان يعرف دورها في دعم طالبان؟
اعرف أنه يقال أن باكستان فرضت حركة طالبان على أفغانستان واتت بشخص غير معروف، وهو أنا، ليكون زعيمًا للحركة لتسهل لها السيطرة عليها، لكن طالبان خرجوا من صف الشعب الأفغاني من أجل الحفاظ على مصالحه والقضاء على حروب الأحزاب التي زادته فقرًا ونشرت الدمار والتخلف في البلاد ومجتمعها، ومن أجل نشر الأمن والاستقرار وحماية الأعراض، فلا أنا ولا حركتنا صنيعة باكستان.
هل أصبحت افغانستان آمنة ومستقرة في ظل هذه الظروف ؟
منذ أن بدأ حكم طالبان والناس يشعرون بالأمان والاطمئان على حياتهم ومحرماتهم، يسيرون في الطرقات ليلاً أو فجرًا بدون أن يخشوا شيئًا، وهذا لم يكن متوفرًا قبل طالبان.
نريد أدلة
لكن الناس الآن يفرون خوفًا من الهجمات الأمريكية ومن الموت، فلماذا لا تسلم أسامة بن لادن حقنًا لدماء الأفغان؟
نحن قلنا نريد دليلاً قاطعًا أو برهانًا على تورط (الشيخ) أسامة (هكذا يناديه الملا)، في أحداث أمريكا الأخيرة، لكنهم لم يقدموا أي شيء، فكيف أسلمه، وهم أعلنوا مسؤوليته بعد ساعة واحدة من وقوع هذه الأحادث ، وإلى الآن لم يقدموا أي دليل يؤكد بصورة قاطعة إدانته.
هل أنت واثق من براءته ومن معه رغم تهديداته السابقة وتلميحاته الصريحة ؟
أحداث أمريكا الأخيرة لا يملك أسامة ولا طالبان ولا أي دولة إسلامية أخرى إمكانات تنفيذها، أنني أعتقد أن المنفذين هم من داخل أمريكا نفسها.
كيف مثلاً، لماذا لم تأخذ التحقيقات في الاعتبار أربعة آلاف يهودي يعملون في برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في نفس يوم الحادث؟
لكن أمريكا تقول أن أسامة ومنظمة (القاعدة) يمكنهم من أفغانستان توجيه خلاياهم المنتشرة في العالم وفي أمريكا نفسها؟
أولاً .. أسامة ومن معه تحت سيطرتنا ورقابتنا الكاملة، ولا يمكنهم أن يفعلوا أي شيء بغير إجازة من طالبان ـ ثانيًا: هم لا يملكون أي وسائل للاتصال، بل إن هذه الوسائل غير متوفرة لنا في طالبان.
لماذا لا تخرجه أو تسلمه لتنتهي هذه الأزمة؟
لا أخلاقنا ولا ديننا يقولان ذلك . (الرجل) شاركنا في الجهاد ضد السوفيات وأنفق ماله لذلك، وكذلك غيره من ضيوفنا المسلمين، جمعيهم لهم حق الضيافة ما داموا ملتزمين ينظمنا وتقاليدنا، وهم لم يخرجوا عن ذلك، نحن نريد دليلاً قاطعًا على تورط أسامة حتى يمكن أن نسلمه، وعلى هذا التقت كلمة علماء المسلمين.
من هم هؤلاء العلماء ؟
مجلس علماء أفغانستان الذين طلبت منهم الفتوى في المسألة.
هل تنفذ ما يقولون؟
نعم، فقد ارتضينا الشورى لحياتنا وحمنا.
الهجوم الأمريكي :
هل أنت واثق من أنك ستنتصر ؟
هناك آيتان من القرآن الكريم أقراهما في كل وقت. هذه ليست حربًا بين الملا عمر وأمريكا، بل هي حرب دينية.
هل تنتظر أن تقتل في هذه الحرب ؟
لقد أعددت نفسي لذلك، لكن موتي لن ينهي الحرب، فلو ذهب الملا عمر سيأتي غيره كثيرون. لقد سألت العلماء، هل يحق لنا أن نترك الجهاد من أجل حياتنا ومصلحتنا؟ فقالوا إن هذا لا يجوز.
القبائل تؤيدنا قيل أن هناك انشقاقات على طالبان وأن كثيرًا من الناس والقبائل يبدون انزعاجهم؟
هذا ليس حقيقيًا. الناس والقبائل معنا وكلهم مستعدون للحرب، كما أن رؤساء جميع القبائل اجتمعوا في الآونة الخيرة في قندهار وتعاهدوا على ذلك، الجميع يدركن أن أخطاء امريكا كثيرة، إنها تظلم الناس في فلسطين وفي أي جهة يعش فيها مسلمون، كيف تساند أمريكا إسرائيل في قتل الفلسطينيون؟ إن هذا ظلم.
التحالف الشمالي يساند أمريكا وهو يهاجمكم الآن ويحرز انتصارات عليكم، وبالطبع همي مثلون قبائل أفغانية، فكيف تفسر ذلك؟
هذا التحالف يحاربنا من قبل التهديدات الأمريكية، إنه تركية لا تمثل الشعب الأفغاني، ففيها الشيوعيون مثل دوستم، وفيها من يحارب من أجل السلطة والمال على حساب اللابد والعباد. إن هؤلاء لا نعبأ بهم وسينالون نفس مصير الذين تحالفوا مع الغزو الروسي، وفي المقابل هناك معارضون مثل المهندس قلب الدين حكمتيار الذي أعلن انضمامه برجاله معنا ضد الهجوم الأمريكي.
ماذا تشعر حاليًا وأننت تقود رجالك في حرب غير متكافئة؟
شعور كما هو، فأنا أدرك أن محصلة ما نحن فيه النصر أن الموت، وكلاهما من تقدير الله، إنني قريب منه لذلك أحس بالأمان والاطمئنان، أما الذين يضربوننا الآن ويريدون بنا شرًا، فعليهم أن يدركوا أن طبيعة الإنسان الأفغاني الجهادية وجغرافية أفغانستان يجعلان من بلادنا مقبرة للغزاة، فقبل مائة سنة هزمنا الإنجليز، وقبل سنوات قليلة هزمنا روسيا.
لدينا الأسلحة لكن أوضاع المجاهدين التسليحية في الحرب ضد الاحتلال الروسي كانت افضل منها حاليًا، ألا يؤثر ذلك على طالبان؟
الروابط المفضلة