عاشت أمي هيلة (جدتي لأمي) قرنا من الزمان وكان ذلك في القرن الرابع عشر ولقد عاصرت الفقر المدقع الذي مر بنجد في ذلك القرن خصوصا أوله وان كانت لحقت في آخر حياتها نوعا من الرخاء الاقتصادي الذي شهدته المنطقة إلا أنها لم تعاصر الطفرة المادية المعاصرة فقد مضى على وفاتها رحمها الله ربع قرن , كانت هي الصغرى من أخواتها ولا يوجد لها إلا أخ واحد هاجر إلى الكويت طلبا للرزق ولم يرجع , توفي والدها فزوجتها والدتها من رجل فقير لم يجد في قريته مصدرا للعيش فيمم نحو البحر ليغوص في أعماقه طلبا للرزق فكان يعيش أغلب فترة حياته في أعماق البحار وعلى ضفاف الخليج حتى إنه لقب بـ( البحيري ) من كثرة وجوده هناك , أما زوجته الصابرة المحتسبة فقد رزقت منه بثلاث بنات وكانت تعمل في قطف الثمار لإعالة تلك البنات بل إنها كانت تستعين ببناتها في تلك الأعمال , لكن الزوج فلم يمهله الله طويلا حيث توفاه الله في مقتبل العمر فصبرت واحتسبت , بل إنها من شدة البلاء كف بصرها مما اضطرها إلى تزويج بناتها صغارا حفاظا عليهن ولأجل إعالتهن فلا والد ولا أخ قريب بل زوج ولا ولد .
عاصرتها جيدا في العقد الأخير من عمرها , فكانت من شدة حرصها على حجابها وتمسكها بعفافها أنها لا توافق أبدا على الركوب في السيارة على الباب مع أن أغلب السيارات في ذلك الوقت من الوانيتات ذات الباب الواحد . فكنا نظن في حينها أنها تخاف من السقوط أو انفتاح الباب فجأة وما علمنا بأن تصرفها هذا كان من باب الحرص على الحشمة وعدم السفور . أصابها رحمها الله في آخر حياتها مرض فقدان الذاكرة ( الخرف ) فكانت تضيع أحيانا وتعود لها الذاكرة في الأحيان الأخرى وبما أنها لا تبصر نجدها دائما قد تأبطت شيلتها ( حجابها ) رغم أنها في التسعينات من عمرها حتى تغطي وجهها في الحالات الطارئة فإذا ما سمعت صوت أي رجل قامت مسرعة بتغطية وجهها مع غضبها على من حولها لعدم إخبارها بوجود أحد الرجال في نفس المجلس فإذا ما علمت بأن هذا الرجل حفيدها من ابنتها المتوفاة كشفت عن وجهها وأخذت تترحم عليها وتلوم نفسها على هذا التصرف , فإذا جلست برهة من الزمن وسمعت الصوت مرة أخرى أعادت هذا التصرف , حتى إن الرجال من أحفادها أصبحوا لا يكثرون الكلام عندها أو لا يرفعون الصوت حولها رأفة بحالها , فأي حشمة تنبع من هذه العجوز الطاعنة في السن كفيفة البصر المعذورة من ربها لكونها من القواعد من النساء . إنها صورة نهديها لفتيات الجيل لاتخاذ القدوة اللازمة نحو الحجاب والعفة فهل من متأس ومقتد في عصر فقدنا فيه تلك القدوات
والله من وراء القصد
]
_________________
إنما حريّتي وعزتي بحجابي
الروابط المفضلة