مقالة بعنوان( داء الكتاب في الصحافة العربية)( من مقالاتي )

من أداب النقد : الإنصاف !!

وقل أت تجد أحدا ينصفك ! في زمن تلائة به حضوض النفس , وقلة معاني الآخوة عند فريق من الناس, ووثب على عرى السوء ثوبا جديدا هو الإطاحة بشخصك قبل أفول مناميك, ومراميك لاتزال تنشد الإصلاح الآفقي عند من تكنكنة رؤاهم في صغائر الضمور وجنابات الظهور والرمز لك :
بلسن لايلتوي عنقك ألا من حبائل الشنأ !

ومن هنا كانت هذ ه الشارة وحيا يوحى من ضمائر قلبي ونورعمري عل ذلك أن يحضى بتغييرنهج لوى غبار عند فئام !أسقطوا في قائمة الإجتهاد وحسبوا أنهم على صواب فلم تحالفهم الرؤى إلا البعد والنفور,!
لإستهل هذا الفن بقصة من خواري الخلود:
قال عبد الرحمن بن مهدي: ذاكرت القاضي عبيد الله بن الحسين في حديث وهو يومئذ قاض, فخالفني فيه, فدخلت عليه بعد وعنده الناس سماطين فقال لي: ذلك الحديث كما قلت أنت؛ وأرجع أنا صاغراً.

فعبيد الله بن الحسين قد أحسن إلى نفسه؛ إذ أخذها بفضيلة الإنصاف, وأحسن إلى الناس؛ إذ علمهم كيف يعترفون بالخطأ إذا أخطأوا، ولا يتلبثون في الرجوع إلى الحق ولو عظمت مناصبهم, وعلت أقدارهم.

قال بعض الآدباء العناد قبيح, ويشتد هذا القبح بمقدار ظهور الحجة على الرأي الذي تحاول رَدَّه على صاحبه؛ فمتى كانت الحجةُ أظهرَ كان العنادُ أقبحَ، والإنصافُ جميلٌ ويكون جمالُه أوضحَ وأجلى حيث يكون في حجة الرأي
نقرأ في تاريخ العلامة محمد بن عبد السلام أن ابن الصباغ اعترض عليه في أربعَ عشرةَ مسألة, فلم يدافع عن واحدة منها, بل أقر بالخطأ في جميعها.
يسهل على الرجل أن ينصف مَنْ هو أكبر سناً منه أكثر مما يسهل عليه أن ينصف قرينه؛ ذلك لأن أكبر عائق عن الإنصاف التحاسدُ, وحسدُ الإنسانِ لأقرانه أكبر وأشدُّ من حسده للمتقدمين عليه في السن.


ويسهل عليه أن ينصف أقرانه أكثر مما يسهل عليه أن ينصف من هو أحدثُ سناً منه؛ إذ يسبق إلى ظنه أن ظهورَ مزيةٍ لمن هو أحدث عهداً منه قد تفضي إلى أن يكون ذِكْرُهُ أرفعَ.

ويقص علينا التاريخ أن في الأساتذة من يحرص على أن يرتقي تلاميذه في العلم إلى الذروة, ولا يجد في نفسه حرجاً من أن يَظْهَرَ عليه أحدُهم في بحث أو محاورة.


ويروى أن أبا عبد الله هذا كان قد تجاذب مع أستاذه أبي زيد بن الإمام الكلامَ في مسألة, وطال البحث اعتراضاً وجواباً حتى ظهر أبو عبد الله على أستاذه أبي زيد, فاعترف له الأستاذ بالإصابة, وأنشد مداعباً:

أعلمه الرماية كل يوم ........... فلما اشتد ساعده رما ني

وقد مثل الصحابة _ رضي الله عنهم _ الإنصاف في أكمل صورة, بدا لعمر ابن الخطاب مرة أن يضع للمهور حداً, فخطب قائلاً: =لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال+.
فقامت امرأة من صف النساء, فقالت: ما ذاك لك, قال: ولم؟ قالت لأن الله _

عز وجل _ يقول: [وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً]

فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ

ويروى أن الإمام علي بن أبي طالب تكلم في مسألة, فقال له أحد الحاضرين: ليس الأمر كذلك يا أمير المؤمنين, ولكنه كذا وكذا, فقال علي: أصبتَ وأخطأتُ, وفوق كل ذي علم عليم.

وإذا لم ينصفك الرجل, فرد عليك الحق بالشمال واليمين, أو جحد جانباً من فضلك وهو يراه رأي العين _ فلا تكن قلةُ إنصافِه حاملةً لك على أن تقابله بالعناد, فترد عليه حقاً, أو تجحد له فضلاً, واحترس من أن تسري لك من خصومك عدوى هذا الخلق الممقوت, فَيَلِجَ في نفسك, وينشط له لسانك أو قلمك، وأنت تحسبه من محاربة الخصوم بمثل سلاحهم.

كلا, لا يحارب الرجل خصومه المبطلين بمثل الاعتصام بالفضيلة, ولا سيما فضيلة كفضيلة الإنصاف تدل على نفس مطمئنة, ونظر في العواقب !


لعلكم استفدتم مما ذكر !

وإلى اللقاء يا احبابي !
للمراسلة
!!!!!!

تم حذف الايميل