ملخص الخطبة
1- عدم استقلال أحد الجنسين عن الآخر.
2- ضرورة الحديث عن المرأة.
3- وجوب اعتماد الوحي في قضايا المرأة.
4- ضرورة التصدّي للعابثين بمقوّمات الأمّة.
5- خطورة التنادي بالحرية المطلقة للمرأة.
6- خطورة العبث بقضايا المرأة.
7- لا إفراط ولا تفريط.
8- وظيفة المرأة في الحياة والمجتمع.
9- بطلان دعوى التساوي بين الجنسين.
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه ومراقبتِه في السرِّ والعلن، والتمسُّك بشريعته في المنشَط والمكرَه، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
أيّها الناس، لقد جَعل الله سبحانه أصلَ البشريّة زوجين اثنين: ذكرًا وأنثى، لا يستقلّ أحدهُما بنفسه دون الآخر، وإلاّ لانقطع النسل وبُتر العقِب، ولذا فقد ذكر الله هذه النعمةَ في معرضِ الامتنان على خلقِه فقال سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
إنها المرأةُ التي هي سكَنُ الزوج والأسرةِ واستقرارُهما، ناهيكم عن كونها نصفَ المجتمع، ثم هي تلِد النصفَ الآخر، فكأنها بذلك مجتمعٌ بأكمله.
إنَّ الحديثَ عن المرأة ـ عبادَ الله ـ حديثٌ ذو شجون، لا غِنى للمجتمع المسلم المعاصرِ عنه، وهو في الوقتِ نفسِه حديث محفوف بالمخاطر وعرضةٌ للزلَل والانزلاقِ جرّاءَ الأهواء والقوّةِ البيئيّة المؤثّرة والهجوم الكاسِح والاختلاف الموضوعيّ تجاهَها بنوعيه، أعني اختلافَ التنوُّع واختلافَ التضادّ.
إنه لمن الغَبن حقًّا أن نحصرَ الحديث عن قضيّة المرأة من كافّة جوانبها في اقتضابٍ وعُجالة كمثل هذه الخطبةِ القصيرة ونحوها، غيرَ أن ما لا يُدرَك كلّه لا يتركُ كلُّه، وأنّ القلادةَ والسِّوار يكفي منهما ما أحاط بالعنُق والمِعصم. نقول ذلك في الوقتِ الذي أصبحت فيه قضيةُ المرأة الشغلَ الشاغلَ للكثيرين والهاجسَ الأوّل في الوقت الذي تشهَد فيه الأمّة صنوفًا من الظلم والقهرِ والبطالة والفقرِ والانحراف والتضليلِ وتسلُّط الأعداء من الداخل والخارج، ولا نجد لها أطروحاتٍ في الواقعِ المرئيّ والمسموع والمقروء إلاّ ما رحم ربّي. ومع ذلك كلِّه فإننا نقول لكلِّ من يُسهِم في مناقشة قضية المرأة أن يلحظَ المحاورَ الآتية في طريقِه لئلاّ تزلَّ به القدم ويقَع في أتّون البخس والتطفيفِ وخَلق ما لم يأذن به الله وما لم يأتِ به الأوّلون من سلَف هذه الأمّة.
أمّا المحورُ الأوّل فإنه يتمثّل في الاعتقادِ الجازم بأنّ المصدرَ الوحيد في تحديدِ هويّة الجنسَين الذكر والأنثى وتحديدِ معايير كلِّ واحدٍ منهما وبيان أوجُه الاشتراك والاختلاف بينهما في بابِ الخِلقة وبابِ التكليف أنّ ذلك كلَّه يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله ، لا لآراء الرجال وأهوائهم، كما أنَّ الاعتراضَ على أيِّ شيء من ذلكم إنما هو اعتراض على واضع الشريعة وهو القائل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]. فلا اعتبارَ إذًا لانقلابِ المقاييس الشرعيّة في أسماء الأشياء والتي تورِث المهازلَ العجيبة جينما تنقلبُ المعاني رأسًا على عَقِب، كتسميةِ حياءِ المرأة وحِشمتِها وحجابها كَبتًا لا مسوِّغَ له وموروثًا تقليديًّا عفا عليه الزمن.
والمحور الثاني ـ عبادَ الله ـ أن يقفَ كلُّ ناصِح ومخلصٍ وغيور على أمّة الإسلام في وَجه كلِّ صاحب قلمٍ يريد أن يعبثَ بمقوِّمات الأمّة أو يجعلها عِلكًا ملتصِقًا في أحذية عُبَّاد الشهوة أو مِن الذين كرِهوا ما نزّل الله، أو يسعى بقلمه إلى خرق سفينة الأمّة الماخرة ممن يلوكون بألسنتهم ويسطِّرون بأقلامهم أنه لا سبيلَ لنا إلى أيّ تقدّم في العِلم والصناعة والحضارة إلاّ من خلالِ خوض غِمار تجارب الغربِ في رسومهم وفِجاجهم تجاهَ المرأة، والحقّ الأبلج في هذا الإطار هو أنّ الدّولَ الراعيَة لمناهج التحرّر للمرأة في دولٍ غير مسلمة أو دولٍ تنحى منحاها تجِد أنّ تلك الدوَلَ رغمَ طنطَنتها وبهرجَتها فيما تزعُم مِن حريّةٍ للمرأة أنها لم تبلغ بها مبلَغًا يكافئ الدّعايةَ المبذولة في تحريرها، بل إننا لا نجِد لها في حقائبهم الوزاريّة إلا النزرَ اليسير، ولا في البرلمانات والنيابات إلا امرأةً أو امرأتين، ما يؤكِّد أن ذلك ما هو إلا مجرّدُ رمزٍ يقنعون به السُّذَّجَ بأنّ المرأة بلغت شأوًا عظيمًا عندهم.
والأعجبُ من ذلك ـ عبادَ الله ـ أن بعضَ تلك الدوَل العظمى الراعية لتحرير المرأة ينصّ دستورُها على أن لا تتولَّى المرأةُ منصبَ رئاسة الدولة، فهل بعدَ هذا تصبِح تلك الدولُ مِثالاً يُشنشِن حولَه أدعياء تحرير المرأة؟! ولا غروَ ـ عبادَ الله ـ فلعلّ تلك الدولَ الكافرة كانوا أفهمَ لمغزَى حديثِ رسول الله من بعض دعاةَ تحريرِ المرأة من المسلمين، وذلك حينما بلغ النبيَّ أنّ دولةً كافرةً نصّبت امرأةً عليها، فقال رسول الله : ((ما أفلَح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأةً)) رواه البخاري في صحيحه[1]، وفي لفظ عند أحمد في المسند بسندٍ صحيح أنّ النبيَّ قال: ((الآنَ هلكتِ الرجال إذا أطاعتِ النساء))[2].
والواقعُ المشاهَد ـ عبادَ الله ـ أنّ غايةَ ما حقّقته تلك الدولُ لتحرير المرأة أن جعلتها سِلعةً ممتهنَة في دُور البغي والفُحش أو صُوَرًا مبتذلَة في ثنايا مقطوعاتٍ غنائيّة أو أجسادًا للإغراء في ترويجِ السِّلع ونحوها عبرَ الدعايات التي لا تروج إلا من خلال جسَد المرأة.
والمحور الثالث ـ عبادَ الله ـ يتمثَّل في أنّ إطلاقَ الحريّة والتحرّر في كلّ قضيَّة للمرأة إنما هو مطِيّة يركبُها جهَلَةٌ مغرورون أو مغرِضون مشوِّشون لإحداث ثغرَةٍ في التكامُل الاجتماعيّ لدى الدّولة المسلمة. وإنما تُقذَف القنابل الموقوتة من هذه النافذة، بل هذا هو البابُ التي تُطلُّ منه تفّاحةُ الشيطان؛ لأنّ اسمَ الحرية له وقعٌ سِحريّ في غرور عامّة الناس، لا سيّما المراهقين والمراهقات.
وسوف اكمل لاحقا ان شاء الله
الروابط المفضلة