الأم تضحيات أعوام تختزل في يوم !!


الأم هي الروح في كل مكان وزمان ، هي الشعاع الذي يمنحنا الأمن والأمان ، والعطف والحنان والأمل و الصبر وتحمينا من الخطر بدفاعها الدائم على مر الليالي والأيام ، كم عانت من أجلنا وتحملت صرخاتنا ونحن في المهد وكم تحملت لحل مشكلاتنا ونحن كبار ، هي التي علمتنا ووهبتنا كل شيء في حياتها دون أن تنتظر أي مقابل منا ، فالكل يتغير الناس والأفكار ، المفاهيم ، إلا الأم فالأم هي الأم على مر العصور .


والأم في الإسلام لها مكانة عظمى ويكفينا شرفا أن الله سبحانه وتعالى أمر ببرها بعد الأمر بعبادته مباشرة ، اليوم أصبح تكريمها مجرد ذكرى عابرة تنحصر في يوم نمنحها فيه هدية سنوية يتيمة ، فلننتبه إلى هذا الخطر الداهم الذي استشرى في مجتمعنا الإسلامي الذي إن استمر سيقضي على المكانة العظيمة التي منحها الإسلام للأم .



الأم في الإسلام


بعد أن كانت المرأة في الجاهلية مصدر عار على أهلها وعلى عشيرتها ، وكانت توأد وتقتل ، وتعامل كالخادمة في البيت لا قيمة لها سوى أنها فريسة لذئاب الغابة التي لا يسودها أي قانون ، حتى أشرق النور النبوي الجديد وانتشرت رسالة الإسلام فأضاءت آفاق الدنيا حيث سمت بالمرأة ورفعت من مكانتها ، فبدأت تجني المرأة ثمار هذا الدين بتعاليمه السمحة تكريما لدورها الطيب الدائم في تطوير المجتمع ، عظم الإسلام معنى الأمومة بأسمى معانيها و شرف الأم أيما تشريف فقد ذكرها الله ذو الجلال والإكرام في كثير من الآيات .


فأمر تعالى ..
  • بإكرامها وطاعتها في غير معصية
  • وحسن معاملتها
  • والحفاظ على كينونتها
  • وجعل لها مكانة قد تفوق درجة الجهاد

فقال تعالى :

ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير- لقمان: 14



كما قال تعالى:
{وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} [الإسراء:23



كما أن رسولنا الأعظم حرص حرصاً شديداً على بيان وإظهار مكانة الأم وعظيم فضلها ، فوصى بها في أحاديثه وأمرنا بطاعتها وحسن معاملتها .




عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟
فقال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه



والصحبة والمصاحبة هي الرفقة والعشرة، وأولى الناس بحسن المصاحبة وجميل الرعاية ووافر العطف والرفقة الحسنة هي الأم التي حملت وليدها وهناً على وهنٍ.

قال القرطبي: إن هذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب، وذلك أن صعوبة الحمل،


وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاع والتربية، تنفرد بها الأم دون الأب، فهذه ثلاث مشقات يخلو منها الأب


وبهذا كرم الإسلام الأم تكريماً كبيراُ فجعلها شامخة ، عالية ، محافظا على تعبها وسهرها ومعاناتها في تربيتها طيلة عمرها ..


ففي حديث معاوية بن جاهمة انه جاء النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله اردت ان اغزو وقد جئت استشيرك ؟ فقال : هل لك ام قال نعم . قال فالزمها فان الجنة تحت رجليها . رواه النسائى ( 2 / 54 ) وغيره وسنده حسن ان شاء الله ، وصححه الحاكم ( 4 / 151 9 ). ووافقه الذهبى ، واقره المنذرى ( 3 / 214 ) أ هـ

وقال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه : بر الوالدين كفارة الكبائر . وكذا ذكر ابن عبد البر عن مكحول . قلت ويشهد لهذا ما رواه الترمذي واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال { أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال إني أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة ؟ فقال هل لك من أم } وفي رواية ابن حبان والحاكم { هل لك والدان ؟ قال لا . قال فهل لك من خالة ؟ قال نعم . قال فبرها } . . (1)



معاني عميقة لكلمة الأم ..


"يطلق القرآن الكريم كلمة "الأم" على الأصل الطيب والمقدس لكلّ شيء عظيم. فمكّة المكرّمة هي "أم" القرى،


فقال تعالى
: { مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها } [الأنعام:92]، وقال: {وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومَن حولها} [الشورى:7].



وأطلق الله عزّ وجل على خزائن علمه مصطلح



"أم الكتاب"، فقال تعالى :


يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد:39]. وهي التي يصدر عنها كل ما هو مخلوق ومعلوم وما تحيط به العقول، وما لا تدركه الأبصار من أمر الدنيا والآخرة، فهي مستودع تنفيذ إرادة الله عزّ وجل بين الكاف والنون { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كُن فيكون"(2)
"


وعلى هذا النسق يفرّق القرآن الكريم بين الأم والوالدة.. من حيث أن الله عز وجل يطلق "الوالدة" على المرأة التي تنجب الطفل بغض النظر عن مواصفاتها وصفاتها الحسنة أو القبيحة.. بل هي مجرد عملية إنجاب تدور بين الإنسان والحيوان حين يلتقي الذكر بالأنثى وما يتبع ذلك من حمل وإرضاع، كما قال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة}{البقرة:23}.


وتأمل في هذا الفرق الذي جاء على لسان النبي عيسى عليه السلام، فهو حين تكلّم عن وجوب البرّ والإكرام ذكر وصف
"الوالدة"، فقال: {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً} [مريم:32].وحين تكلم القرآن الكريم عن عيسى عليه السلام وعن مواصفات وصفات والدته الكريمة والمعجزة، أطلق عليها لفظ "الأم"، فقال عزّ وجل: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمّه صديقة...} [المائدة:75]، وعندما أراد الله عز وجل لفت نظر الأبناء إلى معاناة الأم جراء الولادة، مقدماتها وآثارها ونتائجها، فإن القرآن الكريم يطلق كلمة "الأم" المضحية الصابرة المكرمة يوم القيامة والتي أمرنا الله بإكرامها في الدنيا إكراماً مطلقاً لا حدود له، فمن أساليب القرآن الكريم البليغة في هذا المجال أنه يوصينا ببرّ الوالدين ثم يعقبها بالحديث عن الأم فقط لشدة فضلها على الأب {ووصّينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن} [لقمان:14" (3 )



الأم في 21 مارس !!


الأم قبل هذا التاريخ ، كانت هي الأم نفسها التي تعبت ، وشقيت ، وسهرت ، وما غاب عنها الحرص على رعاية وتربية أبناءها بكل ما لديها من طاقة وقوة ، وهي نفسها التي نحتفل بها اليوم فما الفرق إذا ؟؟!!
الفرق كبير جدا حيث جعلنا حبنا الكبير الراقي الذي فطرنا الله عليه يظهر في يوم مستورد من الغرب نغدق عليها بالهدايا والكلمات دون غيره من الأيام الأخرى ، فالأم في كنف أبنائها تحتاج إلى هذا النهر المتدفق من الحب طيلة أيام عمرها لكي تشعر بقيمتها الحقيقية ، فالأم لم تخصص يوما واحدا في السنة لإظهار حبها ومدى رعايتها لنا ، فنحن نحتاج إليها حتى بعد أن نكبر ، ولذا يجب أ لا نبخل عليها بالحب الدائم ، فكم هو مهم لها هذا الحب ، وخاصة في مراحل عمرها المتقدمة ، فهي بحاجة للرعاية ، والمصاحبة ، وحسن المعاملة ، والرفق بها ، والارتقاء بشأنها
فيوم الأم هو كل يوم وكل لحظة في عمرها وحتى بعد وفاتها لأنها تظل خالدة في قلوبنا



إذا ما حقيقة هذا اليوم المزعوم الذي صدره لنا الغرب.. ؟؟



حقيقة هذا اليوم المصدر لنا نحن العرب أن العالم الغربي كان يعيش حالة من الفوضى والعبث في الحياة دون التقيد بأي دين أو حتى قانون موضوع ، فانتشرت الفاحشة وازداد التحرر وكثر إنجاب الأبناء غير الشرعيين ، وأبناء الشوارع ، وكثر إنشاء الملاجئ التي باتت تحوي الكثير من هؤلاء الأبناء المشردين والمحرومين والذين يعتبرونهم نتيجة عبث المراهقة بين الفتيان والفتيات فأنفقت هذه الملاجئ الكثير عليهم حتى كبر بهم السن وضاقت بهم الحياة ،فتنبه المفكرون وعلما الاجتماع لحال هؤلاء اللقطاء الذين كبر بهم السن فقرروا لتعزيز الجانب الإنساني لديهم أن جعلوا يوم 21 مارس يوماُ للاحتفال بها يسمى ( بعيد الأم ) كنوع من المواساة والمشاركة بينها وبين هؤلاء الأبناء.


ونحن العرب والمسلمين انتهجنا نهج الغرب في هذا اليوم وعملنا له البرامج الغنائية والاحتفالية تكريما لهذا اليوم الذي ضيعنا من خلاله حق أمهاتنا، وجعلنا الأم عبارة عن ذكرى سنوية نحتفي ونحتفل بها مرة في كل عام ، مثلها مثل تأمين سيارة ، أو عقد إيجار شقة . فالأم أسمى وأكبر من فكرة هذا اليوم المزعوم ، فنحن لا ننكر حبنا لأمهاتنا ولكن الأحرى بنا ألا يكون حبا منقوصا ، يعبر عنه في يوم واحد كل سنة فطريق الهدى واضح وعلينا اتباعه.
فالأم مهما قدمنا لها من تضحيات وتنازلات ، إلا أننا لن نفيها حقها نظرا لتضحياتها العظيمة التي قدمتها لنا.


ماذا عسانا أن نفعل ..؟؟


كفانا تعظيما وتهليلا بهذا اليوم الذي سرق منا بهجة فرحتنا العظيمة بوجود أمهاتنا وقرة أعيننا ، فالأحرى بنا إظهار مشاعرنا و حبنا لها طيلة العام ، وعلى مدى الأيام ، والسنين ، بل وفي كل اللحظات ..


وهنا أوجه رسالة


إلى كل من ضاق بهم الوقت وصرفتهم شؤون الدنيا عن هذه الجوهرة المصونة واللؤلؤة المكنونة ، احرص أخي أختي في الله، على وصل حبل الود مع أمك فلن تعدم الوسيلة ..حاول أن تبدد وحشتها و تؤنس وحدتها في كبرها وألا تنساها
  
وإليك بعض الوسائل التي بها تسعدها وتبهج قلبها




  • وأنت في عملك اجري اتصالا هاتفيا مع والدتك

  • امنحها كلمات الملاطفة الجميلة تعبيرا عن حبك لها
  • أشرِكها طعامك
  • تنزه معها برفقة أسرتك.
  • فاجئها بين الفينة و الفينة بتقديم هدية بسيطة .
  • رافقها إلى مكان مميز بين حين وآخر.
  • قدم لها وردة
  • استقبلها بابتسامتك
  • استمع لقصصها
وهناك الكثير للاحتفاء بهذه الأم ، التي هي سبب وجودنا من بعد الله سبحانه وتعالى، فالأم مخلوق جميل بل هي بحر الحب الذي لا ينضب ونهر الحنان الذي لا يجف لذا احرص على أن تكون علاقتك بها أسمى ، وأقوى من مجرد يوم ضائع ، ولا تنسى أن رضاها يترتب عليه الفوز في الدارين ،فحبها يمنحنا الطمأنينة والارتياح ، وسعة الرزق ،فلا تحرم نفسك من هذا الشرف العظيم الذي يعتبر وساماً لك في هذه الدنيا ، و يزيد رصيد حسناتك في الآخرة ..



للدكتور أبو مالك
12 مارس 2009


_______________________________
مصادر ومراجع استخدمتها





(1) كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للكتاب محمد بن أحمد بن سالم السفاريني



(2) بيان حقيقة الأم في القرآن الكريم ( مجلة البحوث الإسلامية ) معهد اللغة العربية


(3) الموسوعة الشاملة (فقه اللغة ) تجميع معاني ومصطلحات



  • درس عيد الأم أصل ونهاية للشيخ حسن زايد خبير في العلم المقارن
مراجعة وتدقيق : عضو مجموعة الرسالة الدعوية

منقول للفائدة