وبهذا تكون المرأة قد بلغت أسمى ما تصبوا إليه (1)
ان بعض الناس حكموا على الإسلام بعدم صلاحيته للحياة المتطورة ، من واقع المسليمن السيء ، وقالوا عنه تقاليد بالية ، تسود المجتمعات الإسلامية ، وأعراف جائرة ، تتحكم بالمسلمين ، قالوا عنها: إنها من الإسلام ، والإسلام منها براء ، وضربوا لذلك مثالاً بحالة المرأة المسلمة في مجتمعات بعض البلاد الإسلامية ، وما تعيش فيه من الجهل والتأخر ، والمهانة ، فهي تشقى أكثر مما تسعد ، وتعطي أكثر مما تأخذ ، ولا ترتفع كثيراً عن عالم الغريزة ، ولا يتاح لها الارتفاع.
وقد اتخذوا حالة المرأة تلك سلاحاً بجرِّحون به الإسلام ، ويغمزونه في صلاحيته للحياة ، وفي إنصافه للمرأة ، واستغلوا وضعها ذلك لإثارتها على الإسلام ، ومبادئه ، وتعاليمه ، وتأليب الجاهلين من أبنائه عليه ، وأخذوا يتهمونه علناً بإهانته للمرأة ، واحتقاره لها ، وغمزه لإنسانيتها وأهليتها ، فيما أعطاها من حقوق ، وما كلفها به من واجبات ، وما حدده لها من دور في الحياة العامة ، وجندوا لنشر ادعاءاتهم تلك كل وسائل الإعلام والدعاية ، لإثبات ما يدّعونه ، وتثبيته في النفوس ، وتزيينه للناس ، ويعيبون كل من خالفها وما خالفها ، وأطلقوا شعارات الحرية والتحرير والتحرر للمرأة ، فخدعوها بذلك ، فاندفعت معهم تطلب بحقوقها ، وتدعو إلى تحريرها ، وتنبذ – وهي بصدد ذلك – كل قديم وتتبع كل جديد مبتكر ، حتى غدا تحرير المرأة وحريتها وحقوقها الموضوع الرئيسي الذي يشغل بال المفكرين والكتاب ورجال الإصلاح في المجتمع الإسلامي كله.
وظهرت مشكلة للمرأة تُعقَد من أجلها المؤتمرات ، وتُلقى المحاضرات ، وتؤلف الكتب للبحث في سبل حلها ووسائل معالجتها.
ونسوا أولئك أو تناسوا مدى تكريم الإسلام للمرأة وتقديره وإعزازه لها على مدى التاريخ الإسلامي الحافل بذلك وما أعطاه الإسلام للمرأة وما كفله لها من حقوق وما حمَّلها من التزامات.
وها نحن نلقي الضوء على بعض الحقوق الخاصة بالمرأة ونزيل الغشاوة التي وضعت على الأعين من تلك الادعاءات الكاذبة التي ما أريد بها إلا انحطاط المرأة ومهانتها والذل لها والبخس لحقوقها والحط من إنسانيتها وكرامتها ...
ولكن ... أين ذلك من الإسلام الذي أعطى للمرأة كل الحقوق الواجبة لها ، ورفعها من قرار الذلة والعار ، إلى مقام العز ، وأكرمها وعظم شأنها ، وشحذ مواهبها الكامنة ، بالتربية والتعليم ، وفتح أمامها سبل الرقي والنجاح في دائرة عملها تلك.
وبهذا تكون المرأة قد بلغت أسمى ما تصبوا إليه من عزة وكرامة وشرف وقدر ، وهذا ما فعله الإسلام لها.
فهل للمرأة أن تعي حقيقة هذا الدين الإسلامي؟ وما أراده لها من خير وما كفله لها من حق وما قصده ورمى إليه حين أحاطها ببعض التحفظات الواقية؟
ولنبدا اولا بنظرة الاسلام للمرأة
كانت المرأة في كثير من المجتمعات القديمة ليس لها اعتبار ولا كيان مستقل ، بل كانت هناك أسئلة تدور عند بعض الأمم: هل للمراة أن تعبد الله كما يعبده الرجل؟ وهل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟ وهل هي إنسان له روح يسري عليه الخلود ، أو هي حيوان نجس أعد للخدمة؟
وفي الوقت الذي كانت المرأة في تلك المجتمعات تعاني ما تعانيه ، شع نور الإسلام ، وبزغ فجر الحرية الحقة للإنسان عامة ، وللمرأة على وجه الخصوص ، حيث كانت في أسر الذل والهوان فكان لها المنقذ بعد الهلاك ، والمحرر بعد استعباد ، إذ قرر لها الإسلام من الحقوق والواجبات والخصائص ، ما كان مثار عجب ودهشة بين أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أنفسهم فضلاً عن غيرهم ، فقرر إنسانيتها وأنها صنو الرجل.
قال الله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً)
وقال تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها)
فهي إنسان مساوية للرجل في الإنسانية ، فإن كلمة الناس تشمل في مفهومها ومدلولها الرجل والمرأة ، فهي مخاطبة كما هو مخاطب في هاتين الآيتين باعتبار خصوصية الإنسانية فيها ، فهي إذاً إنسان كما هو إنسان.
ويؤكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع فيقول: (أيها الناس ، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم ، وآدم من تراب)
وهي أخت الرجل ، إذ تنسب هي وهو إلى أب واحد ، وأم واحدة قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، فهو ينادي الجميع: (يا أيها الناس) معلناً أنه خلقهم من أب واحد وأم واحدة (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) فيقرر الأخوة: أخوة النسب بين الرجل والمرأة ، فكل منهما شقيق الآخر وصنوه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال).
والأخوة على هذا ، تقتضي المساواة في الانتساب إلى الأبوين ، فلا يكون أحد الشقيقين أوفر حظاً في النسبة إلى أبويه من الآخر ، فالمرأة على هذا مساوية للرجل في النسبة إلى الأبوين: آدم وحواء.
وعلى هذا الأساس (إنسانية المرأة) قرر الإسلام لها وعليها حقوقها ، والتزاماتها ، فقرر أهليتها للعبادة ، والتكاليف الشرعية ، قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) ،
وقال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً).
وقال تعالى أيضاً: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)
كذلك قرر لها أهليتها الاجتماعية ، كما قرر لها أهليتها الاقتصادية ، المستقلة عن الرجل – أيا كان: أباً أو زوجاً أو أخاً أو غيرهم – استقلالاً تاماً.
وجماع القول: (لقد كفل الإسلام للمرأة مساواتها مع الرجل من حيث الجنس ، ولم يقرر التفاضل إلا في بعض الملابسات المتعلقة بالاستعداد ، أو الدُّربة أو التبعة ، مما لا يؤثر على حقيقة الوضع الإنساني للجنسين ، فحيثما تساوى الاستعداد والدُّربة والتبعة ، تساويا ، وحيثما اختلف شيء من ذلك ، كان التفاوت بحسبه).
على هذا الأساس منح الإسلام للمرأة حقوقها الروحية والمادية ، ووفر لها كل الضمانات إذ كان ينظر إلى صفاتها الإنسانية ، وهو بهذا يسير مع نظريته في وحدة الإنسان: (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) ، فلم يخضع في منحه تلك الحقوق لها لضغوط الاقتصاديات والماديات ، كما فعلت بعض الأمم عند منحها بعض الحقوق للمرأة.
الروابط المفضلة