إن نسيناهم فالله لن ينساهم

لا يعرف العشق إلا من يكابده، ولا يعرف السجن إلا من ذاق مرارته، وعانى علقم ظلمه، وتقلّب لياليه، وانصرام أيامه الثقيلة.!

أيام الأسير، ولياليه، وساعاته، لا يشعر بها إلا أم حنون شرقت بدمعها، حتى ما تجفّ لها دمعة، وهي تتذكر الحبيب الغالي، هنا نام، وهنا أكل، وهنا ضحك وابتسم، وهناك ما زالت آثار معركة من معاركه، أو شغب شبابي من مشاغباته!

عنفوان الشباب ملأ قلوبهم بالشجاعة، والرجولة، والشعور العارم بالانتقام والثأر للحرمات، والمقدسات، فيما نامت عيون الجبناء وشبعت نوماً!!
من يجيب هذه الطفلة، هذه الوردة التي لمّا تتفتح أكمامها، وهي تصدح بصوت متهدّج، تهتزّ له جدران المكان:

أين هو يوم الوعيد؟!
أين هو اليوم الذي تُصهر فيه قضبان الحديد؟!
عار عليكم، وأبي قابع خلف قضبان الحديد...!!

هذه الطفلة التي كبرت في غير الأوان، وتجشّمت هذا العبء الذي تنوء به الأمهات والزوجات والأخوات!!
من يجيبها: أين هو اليوم الذي تُصهر فيه قضبان الحديد؟!

وأمهات وأخوات خرجْن يحملْن صور الأحباب، وفلذات الأكباد يدُرْن في الشوارع يطالبن بالحرية للشباب الذين أفنَوْا زهرة شبابهم وعنفوان كبريائهم في السجن، يطالبن بظروف إنسانيّة للأسير البطل!
من يتحمل أن يستمع إلى تلك الأم التي تحوّل قلبها إلى بحر أسًى شفّاف، وهي تتحدث عن ابنها الأسير محمد، وصورته على صدرها، تتحدث بنبرة حزن مكابر يطير له صواب الحرّ الكريم، وكيف يهنأ له بعدها بطعام أو شراب؟!

ماذا بوسع المرء أن يقول أمام هذه الكلمات التي تقرع الأسماع من أمهات انعدم لديهن الحول والحيلة، يستجرن من الرمضاء بالنار...؟!