التاريخ : 25/3/1426 هـ
قضايا اسرية
الشيخ / عبد الله بن صالح الفوزان
ما يتعلق بنوعية اللباس

تقدم أنَّ الإسلام اعتنى بلباس المرأة أكثر من الرجل، فوضع شروطاً لكيفية التفصيل، وكيفية اللبس، ووضع شروطاً لنوعية اللباس الذي تختاره المرأة، وأحبُّ قبل أن أدخل في بيان شروط نوعية اللباس، أن أنبه المرأة إلى ما انتشر أخيراً من رسمِ الصليبِ بأشكالٍ مختلفة على ملابس النساء الجاهزة وغير الجاهزة، وكذا الأطفال، ومعلومٌ أن الصليب هو شعار النصارى، وقد ورد النهي عنه في عدة أحاديث منها: حديث دقرة أم عبد الرحمن بن أذينة قالت: كنت أمشي مع عائشة في نسوة بين الصفا والمروة، فرأت امرأةً عليها خميصة فيها صليب، فقالت لها عائشة: ((انزعي هذا من ثوبك، فإنَّ رسول الله e كان إذا رآه في ثوبٍ قضبه))[1][1].
فعلى المرأة أن تحذر ذلك، وأن ترفض مثل هذه الملابس، وأن تنتبه حال شرائها، فإذا حصل ذلك من كل امرأةٍ عرف البائع وصاحب السلعةِ يقظة المسلمين، فراعى مشاعرهم، لئلا تكون بضاعته مزجاة يردها كل من رآها.
أما شروط نوعية لباس المرأة فمنها ما يلي :
- ألا يكون اللباس زينة في نفسه
وأعني بذلك الثياب الظاهرة، فالمرأة منهيةٌ عن الثياب إذا كانت تلفت أنظار الرجال إليها، لعموم قوله تعالى: (( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ )) .
فإذا نهيت عن إبداءِ الزينة، فكيف تلبس ما هو زينة ؟ ولأنَّ ذلك داخلٌ في التبرج، فإن تعريفه (أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجبُ عليها ستره ما يستدعى به شهوة الرجل)، ولا ريب أن خروج المرأة بملابسها الجميلة، من أكبر أسباب الفتنة وعوامل الفساد، والله يقول: ((وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (سورة الأحزاب :33) .
وعلى هذا فمتى اختارت المرأة ثيابها من الألوان الجذابة، لكي تلذّ بها أعين الناظرين من الرجال، فهذا من مظاهر التبرج الجاهلي!
يقول المودودي – رحمه الله - : (إنَّ كلمةَ (التبرج) إذا استعملت للمرأة كان لها ثلاثة معان):-
* أن تبدي للأجانب جمال وجهها ومفاتن جسدها.
* أن تبدي لهم محاسن ملابسها وحليها.
* أن تبدي لهم نفسها بمشيتها وتمايلها وترفلها وتبخترها.
وهذا عين ما شرح به هذه الكلمة أكابر علماء اللغة والتفسير، ثم ذكر بعضاً من أقوالهم [1][2].
ولقد حذر الإسلام من التبرج – كما تقدم – إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة والقتل وغيرها من المحرمات، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله e تبايعهُ على الإسلام فقال: (( أبايعك على ألا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى)) [1][3].
فعلى المرأة المسلمة أن تحذرَ ثياب الزينة الظاهرة ولو كانت في منزلها عند زوجها، إذا حضر بعض أقارب الزوج كأخيه وعمه وابن أخيه ونحوهم، وهذا يختلفُ عن اللباس لزوجها، فلها أن تلبس ما شاءت عنده مهما بلغ من الزينة، ما لم يصل إلى حد الإسراف، كما أنه لا مانع من لباس الزينة إذا سترته بالعباءة لحضور مناسبة من المناسبات إذا لم يرها الرجال الأجانب والله أعلم.
- ألا يكون شفافاً يصف ما تحته
وهذا - كما سبق - لأنَّ القصد من اللباس الستر، وذلك لا يحصلُ إلا بالصفيق، لأنَّ الشفاف يزيد المرأة زينة وجمالاً، وليس اللباس الذي يشفُّ عن الجسم، ويفضح العورات بلباس في نظر الإسلام، فلباسُ المرأة لابدَّ أن يكون صفيقاً، لئلا تفتن غيرها بمحاسن جسمها، ومنه يعلم أنه لا يجوز للمرأة لباس الشراب الشفاف.
كما لا يجوزُ لبس الخمار "أي الغدفة أو الطرحة" إذا كان خفيفاً لا يستر الرأس والوجه، لأنَّ الله تعالى قال: ((وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) (سورة النــور :31) .
والخمارُ ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه به، ويلزم منه ستر الوجه، وما كان خفيفاً فإنَّهُ لا يؤدي المقصود، بل هو إلى الفتنة أقرب، ولما سئلت عائشة – رضي الله عنها – عن الخمار، قالت: ((إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر)) [1][4].
وانظري – أيتها المرأة – إلى نساء الصحابة – رضي الله عنهن أجمعين – كيف تلقين هذا الأمر في الآية برحابة صدر، وسرعة تنفيذٍ، وهنّ طائعاتٍ راغباتٍ فغطين وجوههن وصدورهنَّ بالخمار الساتر، تقول عائشة – رضي الله عنها -: ("يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : ((وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )). شققن مروطهنَّ فاختمرنَ بها)) وفي رواية أبي داود: (( شققن أكنف مروطهن فاختمرن بها)) [1][5].
قال العيني : (فاختمرن بها: أي غطين وجوههن بالمروط التي شققنها).
قال الخطابي : ( المروط أكسيةً من صوف وأحدها مرط وقولها (أكنَف) معناه: استر واغلظ ) [1][6].
فما ذكرناه دليلٌ على أنَّ خمار المرأة لابدَّ أن يكون صفيقاً يستر الوجه والرأس والعنق والصدر، كما فعلت نساء الصحابة – رضي الله عنهن – وقد ورد الوعيد الشديد فيمن تلبس لباساً خفيفاً لا يستر ما أمر الله بستره، فقد ورد عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله e يقول : (( سيكون في آخر أمتي نساء كاسياتٍ عارياتٍ على رؤوسهن كأسنمة البخت، ألعنوهن فإنهن ملعونات")([1][7]). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : (( لا يدخلنَّ الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)) [1][8].
وعن أم سلمة زوج النبي e قالت : (( استيقظ رسول الله e ليلة فزعاً يقول: سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات – يريد أزواجه – لكي يصلين؟ رُبًّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) [1][9].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (وقد فسر قوله: (كاسيات عاريات) بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية، وهي في الحقيقة عارية ! مثل أن تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما يسترها، فلا يبدي جسمها، ولا حجم أعضائها لكونه كثيفاً واسعاً) [1][10].
وقد ذكر في غذاء الألباب، أنَّه يجوزُ للمرأة أن تلبس ما يصفُ بشرتها لزوجها، لأنَّه يباحُ له النظر لجميع بدنها، ويكره أن تلبس خفيفاً ولو في بيتها، ولكن التعبيرُ بالكراهة في اللباس الخفيف فيه نظر، إلاَّ إن كان المرادُ كراهة التحريم، كما كان يعبر به سلف هذه الأمة، حيث يطلقون لفظ أي (الكراهة) ويريدون (التحريم) من باب الورع كما ذكر ذلك ابن القيم – رحمه الله تعالى – [1][11].
- ألا يكون لباس شهرة
فلا يجوز لامرأة مسلمة أن تختار من ألوان الثياب ما ترضي به رغبة الدعَاية، ولا يتعلقَ بضرورة اللباس، أو حسنه وجماله في حدود المباح، وإنما لأجل أن يرفع الرجال إليها أبصارهم، وتفتن تلك النظرات الجائعة! وقد ورد عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله e: (( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسة الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً)) [1][12].
قال ابن الأثير: ( ثوب الشهرة: هو الذي إذا لبسه الإنسان افتضح به واشتهر بين الناس) [1][13].
وقال الشوكاني : ( والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة، وليس هذا الحديث مختصاً بنفيس الثياب، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوباً يخالف ملبوس الناس من الفقراء، ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه) [1][14].
وقد ظهر في هذا العصر على النساء أنواع من لباس الشهرة، ترفع له الأبصار، وهو علامةٌ على نقص الإيمان، وضعف الوازع الديني، والإفلاس في عالم القيم، وهو شاهدٌ على قصور النظر، وقلة الإدراك، كما أنَّهُ دليلٌ على ضعيف القوامة، وفقد التربية الإسلامية الأصيلةِ من أب أو زوج أو غيرهما. فإلى الله المشتكى !
وقد ذكر العلماءُ أنه يكرهُ للإنسان مخالفةَ زي بلدهِ، وأن ذلك داخلٌ في لباس الشهرة، بل قال بعضهم يحرمُ ذلك، فينبغي للإنسان أن يلبس لباسَ بلده إذا كان موافقاً للشرع، لئلاَّ يشارَ إليه بالأصابع، لأنَّ لباس غير أهل بلده ربما يزري بصاحبه وينقص مروءته.
قال ابن عبد البر : ( كان يقال: كل من الطعام ما اشتهيت، والبس من الثياب ما اشتهى الناس).
وعقد ذلك بعض الشعراء في قوله :
إن العيون رمتـك مُذ فاجأتـها وعليك من شهر اللبـاس لباس
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت واجعل لباسك ما اشتهاه الناس [1][15].


[1][1] أخرجه أحمد في المسند (6/225)، قال في بلوغ الأماني (17/285) سنده جيد. و(دقرة) بالقاف ما في الإصابة (12/247) ، وانظر: فتح الباري (10/385) . ومعنى : (قضبه) أي: قطعة . قال في تحفة الأحوذي: (8/492) الصليب : كل ما كان على شكل خطين متقاطعين. أهـ.
[1][2] تفسير آيات الحجاب ص13.
[1][3] أخرجه أحمد (2/196) قال في مجمع الزوائد (6/37) : رواه الطبراني ورجاله
ثقات وحسن الألباني إسناده. انظر: حجاب المرأة ص55.
[1][4] ذكره البيهقي معلقاً (2/235). وانظر حجاب المرأة ص58.
[1][5] أخرجه البخاري (8/489)، وأبو داود (11/159).
[1][6]عمدة القاري (15/348)، وغريب الحديث للخطابي (2/576). طبع المركز العام بجامعة أم القرى.
[1][7] تقدم تخريجه.
[1][8] أخرجه مسلم (14/356) وسيأتي بتمامه إن شاء الله.في أحكام الشعر
[1][9] أخرجه البخاري (13/20) وقد أخرجه في عدة مواضع – كعادته رحمه الله – وإنما أحلت على هذا الموضع وهو في كتاب الفتن لأن ابن حجر – رحمه الله – شرح الحديث هنا . وانظر أيضاً : الفتح (1/210)، وأخرجه الترمذي (6/439).
[1][10] مجموع الفتاوى (22/146). وانظر: التمهيد لابن عبد البر (13/204) تحقيق: محمد الفلاح، وفتح الباري (13/23).
[1][11] غذاء الألباب للسفا ريني (2/164)، مطبعة الحكومة 1393هـ. وانظر: إعلام الموقعين لابن القيم (1/29، 43) تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.
[1][12] أخرجه أبو داود (11/72)، وابن ماجة (2/1192)، وأحمد (2/139) وإسناده حسن. انظر: صحيح ابن ماجة للألباني (2/284).
[1][13] جامع الأصول (10/658).
[1][14] نيل الأوطار (2/126).
[1][15]الآداب الشرعية لابن مفلح (3/527) الناشر: مؤسسة قرطبة، غذاء الألباب (2/163).