انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 2 12 الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 20

الموضوع: قبــــــــح وجمـــــــال / أول قصة طويلة على حلقات....

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى

    المواضيع المتميزة قبــــــــح وجمـــــــال / أول قصة طويلة على حلقات....




    قبــــــــــــــــح وجمــــــــــــــال

    للكاتبة / رشا محمود



    انه صباح جميل ، أنت تعرف الصباح الجميل حين تراه كما تعرف كل شىء جميل آخر .. أنت ترى الجمال وتسمعه وتشمه وتتذوقه وأيضا تلمسه .. فالجمال هو الصفة التى تجتمع عليها كل حواسك ولا تختلف بشأنها أبدا ، تعرف أنت كل هذا جيدا ولكن ليس مثلما أعرفه أنا .. أسألنى أنا عن الجمال .. فأنا خير من يحدثك عنه هل تتساءل بينك وبين نفسك عنى؟ .. خبيرة الجمال هذه .. لابد أنها تحمل قدرا لابأس به أبدا منه ..
    حقا !!!
    لا بد أنك تمزح أو ربما كنت ضريرا
    فاعلم يا سيدى أن خير من يتحدث عن شىء ما هو من يفتقده .. وبشدة
    أسأل طفل يتيم عن حنان الأم .. أسأل ضريرا عن نعمة البصر
    عندها ستعلم أننى فتاة قبيحة
    وستعلم أن ما من فتاة على وجه الأرض يمكنها الاعتراف بتلك الجريمة النكراء سواى
    القبح ، ياله من جريمة .. والويل لمن يرتكبها رغم كونه لم يتعمد ذلك أبدا
    ولكنه يظل يُعاقب عليها طوال حياته
    أسألنى أنا عن القبح أيضا
    ربما لو كنت ثرية بعض الشىء لكنت وجدت حلا سحريا مما تصنعه الثروة لأصحابها وتجعلهم يتألقون كنجوم السماء
    ولكن أن يجتمع القبح والفقر عليك .. فيالك من تعس
    لا تحاول حتى الحلم بتغيير الواقع الكئيب الذى ينتطرك
    منذ وقعت عينا أمك عليك بعد ولادتك ، ومع أول شهقة استنكار من هذا المخلوق العجيب الذى يؤكدون لها انه من أنجبته , تعرف وقتها أن الحياة لن تكون باسمة وأن عليك الاستعداد لما هو أسوأ
    مؤلم أن تكون قبيح
    لكنك رجل والمجتمع يتقبل الرجل القبيح ولا يقف أمامه كثيرا ليخضعه لمعايير الجمال القياسية
    ولكنه لا يغفر أبدا للفتاة القبيحة والتى تضعها عشرات العيون يوميا تحت المجهروتتفحصها بمزيج من الدهشة والاستنكار
    فكيف ستمضى تلك الفتاة حياتها فى مسارها التقليدى
    حسنا إن كنت من الفضوليين بهذا الشأن
    تفضل معى لتعش فى عالمى بعض الوقت

    **************************

    (2)

    اسمى هيام
    وليت أمى انتقت لى اسما اقل إثارة للخيال وجلبا للسخرية
    أعيش مع أمى وشيطانين صغيرين هما خالد وخلود
    أخواى التوأم الصغيرين المشاغبين كثيرا
    نعيش معا فى شقة صغيرة بحى قديم لا يميزه شىء
    والدى متوفى منذ فترة وترك على عاتق أمى مسؤولياتنا نحن العاهات الثلاثة
    لكِ الله يا أمى
    لنقل أننى حاولت التكيف بشكل ما مع الحياة والبشر
    لم أحاول التفوق فى الدراسة
    فقط حافظت على مستوى عادى لا يجلب السخط ولا يثير الإعجاب
    مؤهل متوسط هو ما أصررت على الحصول عليه رغم أنه كان بإمكانى الإلتحاق بالجامعة ، ولكنها آخر مكان أتمنى أن أوجد فيه بين الطالبات المتأنقات والطلاب الأوغاد الذين يلاحقون الفتيات كنوع من أداء الواجب نحو رجولتهم المزعومة , سأكون وقتها مادة التندر فى مقرر العام دون شك
    فمازلنا فى مجتمع لا يغفر قبح المرأة حتى لو ارتقت أعلى درجات العلم
    لذلك تجدنى قد عملت بوظيفة لا بأس بها أبدا بالنسبة لمؤهلاتى المتواضعة
    سكرتيرة فى مكتب محامى متوسط الشهرة ، لقد كان للمحامى وجهة نظر حين قرر تعيينى بمكتبه فهو لا يرغب فى سكرتيرة حسناء تشتت انتباه محاميه الشبان عن عملهم ، ولكم كان موفقا فى اختياره فكل منهم على استعداد لانتزاع عينيه بدلا من أن يؤذيها بالنظر لسحنتى البهيجة
    لا أنكر أننى أحيانا ما أشعر بما تشعر به كل فتاة
    أحيانا أتمنى أن يعجب بى أحدهم
    ليس بجمالى طبعا
    ربما لشخصيتى الجذابة .. حسنا لا توجد واحدة
    إذن لذكائى الفطرى ......... امممم ما علينا
    حسنا لطيبتى العفوية .. ربما لو تغاضى عن لسانى اللاذع وسخريتى المريرة من كل شىء التى أحاول أن أجعل منها ستارا يحمينى من الآخرين ربما وقتها سيجد شىء ما يجذبه إلىّ
    غارقة فى أفكارى الخيالية فى طريقى للعمل حين دوت القنبلة!!
    لا ليست فوق رأسى بل فى أذنى
    فجرها بعض الشباب المتحمسين لواجبهم الرجولى
    إنها ويا للمفاجأة عبارت شهيرة ومحكمة مما توجه للحسناوات فى الطرقات
    ترى هل هؤلاء فى كامل قواهم العقلية؟!
    لقد عرفت الجواب حين اكتشفت انهم خلفى تماما ولم ينالوا شرف النظر لوجهى بعد
    لا أدرى لم يعتقد هؤلاء أن كل من ترتدى فستان لا بد وأنها كائن أسطورى فاتن؟!
    حسنا ، لن أطيل عليكم فى وصف الصدمة التى حاقت بهم بعد اكتشاف الحقيقة المرة للكائن الذى يرتدى فستان متظاهرا بكونه فتاة ما
    يا إلهى لكم يجرح هذا مشاعرى فأنا أملك كل مقومات الأنوثة الداخلية وأفتقر للخارجية تماما
    هذا ليس عدلا
    ******************

    حسنا يجب أن أحاول على الأقل إضفاء بعض الأنوثة على ملامحى الخشنة
    يجب أن أخوض حربى الخاصة ضد القبح
    يجب

    ******************



    (3)

    الجولة الأولى
    ---------
    كنت أقف أمام واجهة أحد محلات أدوات التجميل الشهيرة .. كل هذه المنتجات الملونة البراقة تتلألأ ويبدو انعكاس وجهى الكئيب عليها متناقضا بشدة مع فتنتها
    كل تلك المساحيق التى تجيد النساء طلاء وجوههن بها وتجعلهن فاتنات
    بخطوات مترددة دخلت إلى داخل المحل الأنيق الذى تفوح منه روائح عطرة شديدة الجاذبية من المنتجات الأنيقة ، أمسكت بأحد الأصابع الملونة المسماة بطلاء الشفاة كانت له رائحة جميلة حتى وددت لو أكلته أكلا ولكنى وجدت البائعة فوق رأسى قبل أن أتم جريمتى النكراء والتهم طلاء الشفاة اللذيذ
    تجمدت كتمثال من الشمع القبيح طبعا للحظات قبل أن أفتح فمى لأسأل عن شىء او اثنين من تلك الاختراعات العجيبة متجاهلة بكبرياء نظرة البائعة التى تمسح ملامحى متسائلة فى نفسها عن جدوى تلك المساحيق فى وجه كهذا
    لم يطل الوقت كثيرا حين هوت الصاعقة على رأسى فور تفوه البائعة بأسعار تلك المساحيق الفلكية
    لا أعرف هل قلت شيئا ما أم أننى أسلمت ساقاى للريح فورا كأنما تطاردنى الشياطين
    ياللنساء الحمقاوات يدفعن تلك المبالغ الباهظة من أجل تلوين وجوههن .. تبا لهن من مبذرات


    حسنا لنقل أن الحياة أرادت أن ترفق بى ، وذلك حين ظهرت فى حينا تلك العربة الصغيرة والتى تحوى بعض تلك المساحيق وإن كانت أقل تألقا بكثير ولكنها تفى بالغرض بالتأكيد حيث ابتعت بعضها بجنيهات قليلة وأخفيتها فى حقيبتى

    فى المساء
    أغلقت باب حجرتى وبدأت العمل كأى نقاش محترم وبدأت فى نثر الألوان هنا وهناك .. ياااه ما أجمل الألوان
    طفلة تلهو بعلبة ألوان على صفحة بيضاء
    ياللروعة
    لقد تغير شكلى تماما
    نفشت نفسى كطاووس وخرجت إلى أسرتى لأفاجئهم
    كانوا يتحلقون أمام التلفاز يشاهدون المسلسل اليومى الممل
    فكل البطلات جميلات وكل الأبطال يهيمون بهن ، يبكون لقسوتهن ، ينتحرون لهجرهن
    حقا إن تلك العنصرية تقتلنى
    وقفت أتابع المسلسل للحظات قبل أن تدوى أولى الشهقات فى أذنى كانت هذه من أخى الصغير والتى لفتت انتباه أمى وأختى لى وتذكرت دفعة واحدة
    لابد أن المفاجأة كانت ساحقة
    ابتسمت بثقة قبل أن ينفجرا الشيطانان الصغيران فى نوبة ضحك هستيرية
    بينما رسمت أمى ابتسامة مترددة سرعان ما تلاشت تحت وطأة ضحكة مكتومة
    يا إلهى لقد حولتنى المساحيق لمسخ آخر يثير السخرية لابد أننى بدوت لهم كأحد مهرجى السيرك
    لم أحتمل أكثر وقد غسل عرق الخجل البارد وجهى لتسيل منه المساحيق الرخيصة وبقايا كرامتى الجريحة

    لقد فشلت الجولة الأولى فشلا ذريعا


    (4)


    الجولة الثانية
    ---------
    كانت حين قررت استبدال حذائى القديم الذى يلثم الأرض بآخر ذو كعب عالى كانت تقتنيه أمى منذ زمن وتعتز به كثيرا
    وكان يبدو فى حالة جيدة
    وكان الإغراء أقوى منى
    لابد أنه سيجعلنى أكثر أنوثة بالتأكيد
    وهكذا تجدونى وقدحشرت قدمى فى حذاء سندريلا هذا
    لكم هى قدميكِ صغيرتين يا أمى
    أرجو أن تسامحينى على استعارته من دون علمكِ
    وبخطوات مترنحة جاهدة لتحافظ على توازنها مضيت فى طريقى بحذر
    هنا دوت الصرخة من بوق سيارة تطالبنى بالإسراع قليلا
    وحرصا على حياتى الغالية فقد عدوت عدوا من وجه السيارة ونسيت تماما أمر الحذاء اللعين و ......
    سأعفى نفسى من الإحراج ولن أذكر تفاصيل السقوط الشنيع كجوال بطاطس محترم أمام حشد من الفضوليين ومثيرى الشغب وعاشقى التهكم على البشر الذين يسقطون أرضا فى الشارع
    وقد عادت سندريلا – أرجو أن تسامحنى للتشبيه – إلى البيت
    ببقايا حذاء كان فى حالة جيدة قبل أن يفقد كعبيه الجميلين
    لا بد أن صدمة أمى كانت كبيرة
    وقد دمعت عيناها من أجله فقد كان هدية من والدى و ...
    لقد كانت ليلة الحزن والبكاء على الفقيد
    أعتقد أن الجولة الثانية قد فشلت فشلا عظيما


    (5)

    الجولة الثالثة
    ---------
    كانت حين قررت استعارة مكواة الشعر العجيبة من إحدى جاراتنا والتى أكدت لى أنها تحيل الشعر الشبيه (بسلك المواعين) إلى سلاسل من حرير
    لذا قررت التجربة بنفسى
    وهكذا تجدونى فى حجرتى الضيقة أمام المرآة التى ضاقت ذرعا بوجهى البائس والتى لو نطقت لتوسلتنى أن أرحمها منى قليلا
    ولكنى تجاهلتها كالعادة وبدأت حربى الخاصة ضد خصلات شعرى المتمردة عديمة الذوق والتهذيب ، وقمت بتسخين المكواة على أعلى درجة ممكنة وبدأت أتلذذ بحرق خصلات شعرى اللعينة ، ورائحة الشواء تملأ الحجرة وموجات الدخان تجعل الرؤية مستحيلة
    حسنا ربما بالغت قليلا فى تأديب شعرى حيث دوت الطرقات على باب الحجرة مع صراخ الجميع حين ظنوا أن الحجرة تحترق بمن فيها
    وحين قمت أتحسس طريقى إلى الباب لأفتحه
    انطلقت صرخات الرعب حين انفتح الباب عن وحش أسطورى يتصاعد الدخان من رأسه الشبيه بالمكنسة
    ثم ما لبثوا أن تعرفونى وبدأت عمليات الإطفاء بدءا من صب الماء على رأسى وحتى تغطيتى بالبطاطين والقفز فوقها – تلك المهمة التى راقت للشيطانين الصغيرين كثيرا – المهم أننى قد تحولت فى النهاية لرغيف خبز محترق قد خرج لتوه من الفرن
    لم يكن الموقف محببا أمام الجيران الذين تجمعوا للفرجة المجانية
    لقد كانت فضيحة بحق
    لا أدرى لم يحدث لى كل هذا ، رحماك يا رب
    من المؤكد أن الجولة الثالثة قد فشلت فشل ساحق


    ******************

    أعتقد أن ثلاث جولات كافية لأخسر الحرب
    ولأرفع الراية البيضاء أمام القبح
    عذرا منك فلم يمكننى تغيير الواقع أبدا
    فالغراب لن يتحول لطاووس وإن حاول تقليده
    لذا سأكف عن المحاولة
    سأكف تماما

    ******************

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى

    (6)

    هكذا عدت لمظهرى القديم وجه خال من المساحيق وثوب بسيط وحذاء يلثم الأرض وشىء مضموم فوق رأسى يصر على انه شعر وعادت الحياة على وتيرتها الواحدة


    كفى يا نفس عن التذمر وارضى


    تابعت عملى الرتيب فى مكتب المحامى .. قضايا هنا وهناك وأوراق لا حصر وبشر لا عمل لهم سوى التذمر من الآخرين والرغبة فى خراب بيوتهم ووجوه تعبة مكفهرة زادها الطقس الحار سخطا .. حقا إن الحر هنا لا يطاق لماذا لا يتكرم علينا الأستاذ بمروحة صغيرة ترحمنا قليلا مما نحن فيه؟!


    غارقة فى العمل والعرق حين مرت تلك النسمة الخفيفة التى نشتهيها فى أيام القيظ ، إنها أجمل شىء تتمناه وقتها .. نسمة باردة عطرة لا تعلم من أين جاءت ولكنك تتأكد أنها ليست من عالمك أبدا


    وتأكدت

    حين رفعت عينى ووجدت مصدر تلك النسمة العطرة فى مكان لا تشم فيه سوى رائحة الحر والعرق


    ووجدته


    من هذا؟


    بل ما هذا؟


    لدقائق خُيل لى أننى أرى حلما أسطوريا مجسما


    لابد وأنه ذلك الفارس على حصانه الأبيض حلم كل المراهقات


    لابد وأنه أمير يستوى على عرش مملكة الجمال


    ورعاياه ينحنون له احتراما وتقديرا


    لابد وأن النسمات احتشدت لتهديه رقتها


    والزهور تمايلت لتهبه شذاها


    والشمس تنازلت له عن إشراقتها


    والقمر غزل له ثوبا من النور


    و ..................


    وهنا أدركت أن النظر للشمس والقمر معا مؤذى للعين


    مؤذى جدا


    أغمضت عينى وحين فتحتها تأكدت أنى لم أكن أحلم


    من هذا الكائن الأسطورى؟!


    لابد وأن قد خرج لتوه من بين دفتى كتاب الحواديت


    ما الذى جاء به إلى عالمنا؟!!


    ما الذى جعله يترك عرشه بين السحاب


    أو عله فى أعماق المحيط


    وربما بين بتلات الورود


    ليأتى لعالمنا هذا


    أفقت على شعاع الشمس المنبعث من عينيه


    والآخر الذى يطل من ابتسامته


    هذا الرجل يجبرك أن تغلق عينيك أمامه


    وحين عزفت القيثارة الرابضة فى حنجرته


    وغرد البلبل الحزين أغنيته السرمدية


    جاءت النغمات بشكل حروف وكلمات


    - صباح الخير


    ( أى صباح أيها الأمير وقد توارت الشمس خجلا )


    - يا آنسة


    (يا لها من محظوظة تلك الآنسة)


    - هل أنتِ بخير؟

    ( ياااه وتسأل عن صحتها أيضا .. ترى من هى؟!! )



    - هيااااااام ماذا بكِ؟


    أفقت على صرخة شبيهة بصرخة (كنج كونج) ذاته


    كانت هذه من الأستاذ كامل المحامى


    لابد أن شكلى كان مروعا وقد سقط فكى السفلى ببلاهة فى تلك الغيبوبة التى أصابتنى من أثر المفاجأة


    قلت وأنا أعيد فكى لمكانه


    - نعم يا أستاذ


    - ماذا بكِ؟ الأستاذ يتحدث إليكِ منذ خمس دقائق


    - عذرا يا أستاذ


    ابتعد الأستاذ كامل آخذا معه ذلك الحلم المجسد وغاب معه فى مكتبه


    ترى ما الذى جاء به هنا؟


    لا يبدو عليه أنه من عينة زبائن مكتبنا


    الساخطين دوما


    متعكرى المزاج والوجوه


    انه ..


    انه لا ينتمى إلى هنا


    لا ينتمى أبدا


    تعلقت عينى بباب مكتب الأستاذ فى انتظار اللحظة التى يُفتح فيها


    لتغمر الشمس المكان وتفوح الأزهار وتتمايل النسمات


    لابد وأن مكتبه قد تحول لحديقة غناء الآن


    هل حقا هناك بشر هكذا


    يستحى الجمال منهم


    طال انتظارى حتى ظننته لن يخرج أبدا


    ولكن أجمل مما كنت أحلم به قد حدث


    لقد دعانى الأستاذ كامل لمكتبه


    وهرعت إلى هناك على الفور


    كما ظننت تماما


    لابد أننى اصطدمت بزهرة أو اثنتين


    ولامست خدى بعض أوراق الشجر الناعسة


    بينما يغرد الكروان فوق أخرى


    وأخيرا وقفت أمام مكتبه أرتجف من فرط الانفعال


    ألهث من فرط احساسى بجمال كل شىء حولى


    لابد أن الأستاذ كامل قال شىء ما وربما طلب منى ملف ما أو أخبرنى أن أدون شيئا ما أو ربما طلب منى أن أستدعى شخص ما


    كل ما أعرفه أننى لا أذكر حرفا


    فمنذ دخلت الحديقة الباهرة لم أجد سوى الأمير يستوى على عرش من الزهور تغرد الطيور فوقه وتحط الفراشات عند قدميه


    لابد أننى جننت حتما


    أفقت على صرخة أخرى من (كنج كونج)


    بعدها لملمت أشلائى وأسرعت بالهرب


    وكل كيانى يرتجف


    لقد كانت مواجهتى مع الجمال مرهقة


    مرهقة جدا


    فكيف يحتمل من يحمل كل هذا القدر منه نفسه


    لا أدرى


    حقا لا أدرى


    (7)


    مرت عدة أيام زارنا فيها الأمير عدة مرات
    وكل مرة يجلب الربيع إلى مكتبنا البائس
    وعرفت ما جاء به إلى هنا
    كان الأمير حزينا
    فقد نشبت الخلافات بينه وبين أميرته
    وبدا أن الفراق واقع لا محالة
    ولابد من بعض التسوية لممتلكاتهما المشتركة
    والتى يعمل عليها الأستاذ كامل الآن


    كان الأمير حزينا
    ولحزنه تبكى السماء
    وتموت الزهور
    وتعوى الرياح
    ويلملم الربيع ثوبه من فوق وجه الأرض


    كان الأمير حزينا
    لكنه نبيلا
    كان يخفى حزنه فى كبرياء
    ترى من تلك الأميرة الحمقاء
    التى تتخلى عن أمير مثله


    يقولون أنها حقا حسناء
    يقولون عينيها بلون السماء
    وشعرها خصلات حرير شقراء
    يقولون جمالها نادر بين النساء


    تبا لها من حمقاء
    كيف لم تقدر النعمة التى وهبها الله لها
    تمنيت أن أراها
    من ملكت قلب الأمير
    ومن ثم طعنته بقسوة
    وقد كان


    فقد جاءت فى أحد الأيام ورأيتها
    كانت كالعاصفة
    تتحرك بعصبية
    تتحدث بغرور
    تنظر باحتقار
    وكأننا لا نستحق هذا الشرف
    ورغم ذلك حبس كل الأوغاد فى المكتب أنفاسهم انبهارا
    حقا كانت تمثال جميل يحوى روحا بشعة
    بل أكثر قبحا من وجهى


    كيف خدعت الأمير الجميل
    كيف؟


    جاء الأمير فى نفس اليوم
    حزينا .. نبيلا
    طال اجتماعهما عند الأستاذ كامل
    وقد حشدنا جميعا آذاننا علنا نتعرف ما يحدث بالداخل


    رأيت بعين الخيال
    أميرى الجميل وهو يزود عن مملكة النور والجمال
    بينما سيدة العواصف تسلط عليها الرياح والرعد والبرق
    وتحاول انتزاعها من الأمير
    لقد كانت الحرب
    كنت أشجع الأمير وتمنيت أن أكون جواره لندافع عن الجمال معا
    ونقهر الشر الذى يرتدى قناع الجمال الزائف
    كانت الحرب فى أوجها حين أفقت على صوت حاد ينبعث من المكتب
    انتفضت من مكانى ولا إراديا اتجهت نحو المكتب لأطمئن على الأمير


    حين انفتح الباب عن العاصفة البشرية
    كانت تتكلم بانفعال شديد وتتوعد الأمير بخراب مملكته
    كادت تصطدم بى ووقفت فجأة تنظر لى بعينين يتطاير الشرر منهما حتى كادت تحرقنى قبل أن تدفعنى بقوة وهى تندفع إلى الخارج فى جنون
    تحسست كتفى الذى تألم كثيرا
    تلك المرأة لها قوة الثيران
    وشراستها


    - هل أنتِ بخير؟
    عاد البلبل يغرد أغنيته الحزينة
    وتعزف القيثارة فوق قطعة سحاب بعدما هدأت العاصفة
    نظرت فوجدت الأمير
    بنظرة نبيلة هادئة وقف يرمقنى والقيثارة تعزف
    - أعتذر لكِ يا آنسة
    (أتعتذر لى يا أمير .. من أكون أنا)
    - هل أنتِ بخير؟
    هززت رأسى فى صمت
    كاد يتابع طريقه للخارج قبل أن يتوقف ويسألنى بتهذيب
    - هل لى أن أطلب كوب من الماء من فضلكِ؟
    لابد أننى وقفت كالبلهاء ثانية قبل أن أندفع كالسهم لأجلب له الماء
    جرع بعضه فى تهذيب ورقة لم أرها من قبل كأنما يخشى أن يهشم الكوب
    أرسلت نظرة حسد للكوب المحظوظ الذى لم يعتد تلك المعاملة الرقيقة قط
    جذب المقعد الذى أمامى وجلس بهدوء


    كادت الدموع تفر من عينى حزنا عليه ثم سألته
    - هل أنت بخير يا أمير بك؟
    رفع عينيه النبيلتين لى وقال
    - من أمير؟
    - أنت يا سيدى
    ابتسم لترسل الشمس شعاعها على وجهى
    - اسمى نبيل
    (حقا لو لم تكن نبيل فمن يكون إذن)
    - أنا هيام
    نظر بدهشة مهذبة فهو لم يطلب التشرف بمعرفة اسمى
    غالبت خجلى وقلت
    - اسم مضحك أليس كذلك؟
    - لم تقولين هذا؟ .. اسمكِ جميل
    - نعم اسم جميل لفتاة .......
    وأطرقت برأسى إلى الأرض أفكر بسخافة موقفى
    هنا تفحصنى باهتمام وجعلتنى نظرته أرتجف انفعالا
    ثم ابتسم بهدوء وقال
    - اسم جميل لروح جميلة
    أسعدنى انه لم يجاملنى كثيرا
    - ما الذى ... اقصد كيف تعرف أن .....
    - أعرف الروح الجميلة حين أقابلها ربما هو إلهام الفنان
    - هل أنت فنان أيضا؟
    ابتسم برقة وأضاف
    - نعم أهوى رسم الطبيعة، إنها تجعلكِ تندمجين بها وتحلق بكِ بعيدا عن البشر بأحقادهم وأطماعهم
    كانت عينيه تلمع بالحزن وهى تحلق مع كلماته
    لم يخدعنى حدسى هو ذاك الأمير فى مملكته النورانية
    - معك حق يا أمير بك
    انسابت ضحكة هادئة منه وهو يقول
    - ما زلتِ مصرة على أننى أمير
    - نعم
    نظر لى فى صمت قبل أن يقول وعينيه تسافر بعيدا
    - نعم أمير توشك مملكته على الانهيار
    أطلق تنهيدة صغيرة قبل أن يقوم من مكانه ويقول بابتسامة
    - شكرا لكِ يا آنسة هيام لقد أراحنى التحدث إليكِ .. بعد إذنكِ
    ورحل الأمير .. ورحل الربيع .. ورحل النوم من عينى
    وامتدت ليالى السهاد طويلا
    ولحظات الغفوة هى بعض أحلام مستحيلة
    أى جحيم هذا
    أى جحيم


    (8)


    الأمور تزداد تعقيدا وبدا أن الأستاذ كامل قد فشل فى الوصول لحلول وسطى ترضى الأميرة المغرورة
    كثرت الاجتماعات
    وكثرت المعارك والتهديدات من قبل تلك العاصفة
    ولم يكن الأمير فى أفضل حالاته
    وكل مرة يخرج من مكتب الأستاذ أشد حزنا
    ويغوص قلبى معه ألما
    يا لها من بغيضة
    كيف تجرؤ على فعل هذا بالأمير؟!


    كان فى كل مرة يتبادل معى بعض الكلمات
    بعد أن يجرع كوب الماء الذى استقبله به بعد كل معركة معها
    وفى آخر زيارة كان يتحدث معى حين عادت العاصفة .. ربما نسيت شيئا ما فى مكتب الأستاذ قبل أن تغادره
    وقفت أمامنا للحظة ثم بدأت تمسحنى بعينيها الناريتين
    قبل أن ترتسم ابتسامة خبيثة على شفتيها وهو تقول
    - يبدو أن ذوقكِ قد انحدر للحضيض يا عزيزى
    هل أفقدتك الصدمة صوابك؟!
    وأكملت وهى تقترب منى وتضغط على حروف كلماتها
    - ونظرك أيضا


    من المؤكد أننى تحولت لحبة طماطم ناضجة من فرط الخجل
    وتسمرت مكانى لا أعرف ما ينبغى أن يقال ردا على إهانتها الصريحة
    ابتعدت بوجهى عنها ورائحة عطرها القوى تجثم على أنفاسى وتكاد تخنقنى
    تمنيت أن تبتلعنى الأرض لأهرب منها
    قبل أن يبعدها الأمير عنى برفق يليق بتهذيبه وهو يقول
    - كفى عن هذا من فضلكِ
    ابعدت يده عنها بحدة وهى تصرخ بعصبية
    - وتدافع عنها أيضا .. من تكون تلك الحشرة حتى .....
    - أنا لا أسمح لكِ
    كانت تلك منى قلتها بشجاعة منحنى إياها دفاع الأمير عنى
    التفتت إلىّ ببطء غير مصدقة كون الحشرة تتكلم ورمتنى بنظرة تحمل حقد الكون وقالت من بين أسنانها
    - ماذا تقولين أيتها الــ .......
    قاطعتها بشجاعة أكبر
    - قلت لن أسمح لكِ بإهانتى ولا إهانة هذا السيد الفاضل الذى لم يسىء لكِ فى شىء


    ساد الصمت على المكان وقد وقف الجميع ينظرون للمشهد المهيب
    سيدة العواصف بدت كما لو أن صعقتها كهرباء عالية الفولت
    وأنا الأميرة جميلة الروح وقفت عاقدة ذراعى حول صدرى فى كبرياء
    بينما يقف الأمير بيننا وقد ارتسمت ابتسامة رضا فى عينيه
    كان المشهد يستحق أن يخلده رسام موهوب
    كنت على استعداد لتلقين تلك الأفعى درسا لن تنساه وقد شعرت بقوة لم تكن بى يوما
    ولكن يبدو أن أصواتنا قد جلبت الأستاذ كامل إلينا وقد قام بفض الشجار وإرسال كلا منا إلى طريقه
    ولم أنس بعدها تلك النظرة المتوعدة التى قذفتنى بها العاصفة قبل أن تندفع إلى الخارج وخلفها الأمير وقد انتقلت الابتسامة من عينيه إلى شفتيه مشرقة كالشمس ذاتها وقد حيانى بإيماءة مهذبة قبل أن يخرج بهدوء


    وفى تلك المرة ظل الربيع يسود المكان لساعات
    وظل شعور بالسعادة يفعم نفسى
    فقد تحقق الحلم وذودت مع الأمير عن مملكة النور
    ما أجمل الحلم حين يتحقق
    ما أجمله


    (9)



    دخلت أمى لحجرتى ولم أشعر بها كنت غارقة فى أحلامى الخاصة وقد ارتسمت ابتسامة على وجهى ، ذلك المشهد الغير مألوف لأمى أبدا


    لابد وأنها وقفت مندهشة عدة دقائق قبل أن تنادينى لأصحو من أحلام اليقظة تلك


    - هيام


    - امممم


    - هياااام


    - نعم يا أمى


    - ماذا بكِ يا ابنتى؟


    - لا شىء أنا بخير يا أمى


    - حقا


    - نعم


    - ولم أنتِ شاردة هكذا؟


    - كنت أحلم


    - ماذا؟!


    انتبهت مجددا وابتسمت لها وأنا أجذبها لتجلس بجوارى .. جلست تمسحنى بعينيها الجميلتين .. كم أنتِ جميلة يا أمى .. لم لم تهبنى بعض جمالها لتريحنى مما أنا فيه؟ جرى السؤال على لسانى دون أن أدرى وانتبهت على تنهيدة صغيرة منها وعينيها تسافر بعيدا وتقول


    - تشبهين والدكِ كثيرا .. لكم أحببته


    - لم يكن والدى جميلا


    - لكنه كان نبيلا


    - نبيلا؟!


    - نعم كان يحمل أنقى قلب فى الكون وكان يحبنى بشدة وكذلك أنا


    - حقا


    - نعم


    - ولم تكترثى لملامحه الخشنة ولونه الداكن وشعره المجعد و ...


    - لقد أحببت كل شىء فيه كما هو


    - ونقلتيه لى بالكامل


    - نعم


    - هذا ليس عدلا


    انسابت ضحكتها الرقيقة وهى تحيط وجهى بكفيها


    - لقد أحببته جدا حتى تمنيت أن أرزق بطفل يشبهه


    - لكنكِ رزقت بطفلة مسكينة هى أنا .. لم لم توفرى بعض هذا الحماس لخالد وخلود ؟!


    - تلك مشيئة الله يا ابنتى .. نحن لا نختار ملامحنا


    - نعم يا أمى معكِ حق ولكن ... أعنى أننى ....


    أطرقت برأسى أغالب دموع تجاهد للقفز من عينى .. احتضنتنى أمى برقة وهى تربت على رأسى بحنان وتقول


    - يا ابنتى كلا منا يأخذ نصيبه فى الحياة كما قدره الله له .. والله لا يظلم أحدا .. ثقى بذلك .. يوما ما ستقابلى من يرى جمالكِ الحقيقى وروحكِ الجميلة الطيبة


    - ومن يعنيه الروح الجميلة التى يحويها كيان قبيح


    -لا تقولى هذا .. هناك من يقدر الجمال الحقيقى .. ربما لم تقابليه بعد


    - ربما لن أقابله أبدا


    - استغفرى الله يا ابنتى .. ولا تعترضى على مشيئته .. هيا لقد تأخر الوقت .. نامى الآن ولا تفكرى بشىء .. تصبحين على خير


    - وأنتِ بخير


    أسلمت رأسى للوسادة واستغفرت الله كثيرا حتى غفوت


    وجدتنى هناك


    فوق سحب وردية عجيبة الشكل


    يتوسطها قصر يحبس الأنفاس من فرط جماله


    وهناك على باب القصر كان الأمير النبيل يقف مبتسما ويمد لى يده


    لم أصدق نفسى وهرعت إليه أرفل فى فستان حريرى واسع جميل لابد أنه يخص إحدى أميرات الأساطير قبل أن اصطدم به .. ما هو؟ .. لا أدرى .. يبدو كما لو كان حاجزا عملاقا غير مرئى يفصلنى عن الأمير .. هويت بقبضتى عليه مرارا دون جدوى .. كان يزداد صلابة فى كل مرة .. نظرت للأمير وقد بدا عليه الحزن وقد أيقنت أن العبور إليه هو المستحيل ذاته .. انطلقت الدموع تغسل وجهى وأنا أناديه حين رنت ضحكة عالية ساخرة شريرة هزت المكان من حولى .. التفت وجدتها .. هى نفسها سيدة العواصف .. وقد وقفت فوق غيمة سوداء كبيرة ينطلق البرق منها ليضرب السحب الوردية الصغيرة فتذوب وتمتصها الغيمة فى جشع لتكبر أكثر .. بينما تعوى الرياح فتبعثر شعرها الأشقر الطويل كانت ما زالت تضحك فبدت كإحدى الساحرات الشريرة ومدت كفها باتجاهى فإذا بالصواعق تنطلق نحوى .. عدوت بعيدا وأنا أصرخ وهى تطاردنى وتضحك فى جنون .. كلما فررت إلى سحابة وردية أذابتها الصواعق والتهمتها الغيمة التى لم يعد يفصلنى عنها شىء .. سقطت وفجأة وجدتها أمامى مباشرة ترمقنى بعينين فى برودة الثلج وهى تقول " لا أحد يتحدانى أبدا .. ولا أحد يسلبنى ما أملك .. وإن فعل فمصيره الموت"


    كنت أصرخ وأحمى وجهى بيدى بينما الشرر ينبعث من كفها وقد علمت أنها النهاية .. لاحت منى نظرة أخيرة للأمير الذى كان خلف الحاجز يدقه بقبضتيه فى جزع ويقول شىء ما قبل أن أغيب فى الظلام




    (10)


    منهكة .. مفككة الأوصال .. مشتتة الأفكار .. عالقة بتفاصيل الحلم الرهيب
    ذاهبة فى طريقى للعمل
    لا أعرف كيف احتل الأمير كل مساحاتى
    لم يعد لأحد ما ولا لشىء ما مكان داخلى
    كل ما بى يتلون بلونه
    يتعطر برائحته
    يتنفس بوجوده
    لم أعد أرى نفسى خارج حدوده
    لقد انفصلت عنى بالكامل
    وصرت أحد جزيئاته

    كلما حاولت أن أوقظ نفسى من أوهامها
    كلما قلت لها أن أحلامها هى المستحيل ذاته
    كلما شرحت لها أننا لن نملك أن نلمس نجوم السماء وإن أردنا ذلك بشدة
    كل مرة كانت ترجونى أن أتركها تحلم
    ألا أحرمها لذة الحلم وإن كان مستحيل
    كنت أشفق عليها
    ستصطدم بالواقع يوما ما
    وستكون الصدمة مؤلمة تماما


    وماذا عن الأمير
    لابد أن ما يحدث فوق احتمال نفسه الشفافة
    لا بد أنه قرر أن ينهى كل شىء
    حتى لو خسر الحرب ضد العاصفة
    سيتنازل عن كل شىء ويهرب ليتوحد مع الطبيعة التى يعشقها
    ربما سيمتزج مع سحابة رقيقة
    أو يذوب فى مياه البحر
    أو يختفى بين وريقات الياسمين
    المهم انه لن يعود لعالمنا القاسى أبدا



    كان هذا قراره
    وكم تألمت له
    ليس من حق تلك الأفعى أن تسلبه ما يملك
    ليس من حقها أن تنتزع مملكة النور من بين يديه لتحيلها لمملكة من الظلام
    كيف يتنازل ببساطة ويحرمنى النور الذى بدد ظلمات حياتى


    وجاء اليوم
    وجاء الأمير
    كان حزينا كما يحق له أن يكون
    ولم يتمكن من إخفاء كل هذا القدر منه
    كان ينساب من عينيه كالدموع
    ألقى على التحية وهو يتقدم نحو مكتب الأستاذ كامل
    لا أعرف متى ولا كيف وجدتنى أقطع عليه الطريق لأقف أمامه

    نظر لى بعينين متسائلتين
    - لا تفعل ذلك أرجوك


    تحول التساؤل فى عينيه لدهشة
    - لا تتنازل عن كل شىء لمن لا يستحق لابد أن تدافع عما تملك حتى لا ينهار كل ما بنيته فى لحظات يأس قد تندم عليها لاحقا

    تحولت الدهشة فى عينيه لحيرة
    - هل تعتقد أنها ستحافظ على ما فعلته وما حلمت به أن يكبر مع سنوات حياتك

    تحولت الحيرة فى عينيه لقلق
    - أؤكد لك أنها ستبدأ فورا فى هدم كل شىء حتى لا يبقى أثر منك فيه

    تحول القلق فى عينيه إلى جزع
    - لا تسمح لها بذلك أرجوك يا أمير بك

    تحول الجزع فى عينيه إلى عزيمة
    ورأيت الحزن يرتحل من عينيه وعادت الشمس تعتلى عرشها وترسل أشعتها على وجهى وهو يردد
    - شكرا لكِ يا هيام .. سأفعل .. أعدكِ أننى سأفعل


    وتركنى وغاب فى مكتب الأستاذ
    وغبت أنا فى موجات من السعادة تلفنى لأرقص معها رقصتها الأبدية
    وأخذت أدور وأدور حول نفسى حتى اصطدمت بها
    من؟
    العاصفة طبعا
    رمقتنى بغل كما لو كنت زوجة أبيها القاسية وأزاحتنى عن طريقها كما تزيح أنت صرصور ألقيت عليه التحية بحذائك
    لم يهمنى فى تلك المرة ما فعلت بل كانت هناك قوة تغمرنى وشعرت أن بإمكانى أن أسحقها ببساطة فداء رضا أميرى النبيل

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى


    (11)



    دقائق واشتعلت النيران


    وصبت السماء غضبها


    وانطلقت الصواعق


    واشتد هزيم الرعد


    وعوت الرياح


    وعلمت أنها غضبة العاصفة


    فالأفعى لم تصدق أن الأمير المسالم قد تمرد وقرر عدم التنازل عن مملكته برغم أنه قد انتوى ذلك مسبقا


    كانت ثورتها أعتى وأشد من كل مرة


    وتوعدها ازداد قسوة وإيلاما


    والقناع الجميل يسيل ويسيل ويكشف عن أبشع مسخ رأيته فى كوابيسك


    وانفتح الباب عنها وهى تندفع منه كعادتها


    قبل أن تتوقف أمامى وتنظر بحقد لابتسامة النصر التى ارتسمت على شفتى


    أشارت باصبعها الرفيع الذى يعلوه اظفر طويل مطلى بلون الدم إلىّ وللحظة ظننت الصواعق ستنطلق منه نحوى وهى تقول


    - أنتِ .. أنتِ من جعلته يفعل هذا


    - عما تتحدثين بالضبط؟


    - لا تتخابثي علىّ أيتها الحقيرة .. لا أعرف كيف فعلتى ذلك ولكنى متأكدة منه .. كنا سنسوى كل شىء اليوم فما الذى دفعه لتغيير رأيه فجأة فور دخوله إلى هنا؟


    - أعتقد أن السيد يعرف مصلحته جيدا وليس فى حاجة لاستشارة أحد بشأنها


    صرخت فى ثورة


    - أنا أعرف ما أقول , وأنتِ لا يمكنك خداعى


    - أنا لا أخدع أحد .. فطباع الأفاعى تلك لا تناسبنى


    - أيتها الـــ ........


    - ناديــــــــــن .. قلت لكِ كفى عن ذلك


    التفت لأميرى النبيل وهو يقف بكبرياء أمامها وعينيه تحمل نذيرا بالويل


    ألقت نظرة احتقار علىّ وهى تشير لى بإصبعها فى حركة ازدراء واضحة ومطت شفتها السفلى متخذة أقوى وضع اشمئزاز ممكن وهى تقول


    - هذه .. تلك الحشرة القبيحة .. تفعل كل هذا من أجلها .. تتحدانى أنا وتدافع عنها .. لا بد وأنك قد جننت تماما


    - أنا لا أسمح لكِ باهانتها .. إنها أكثر نبلا ووفاء منكِ


    - ماذا تقول؟


    - أقول الحقيقة .. كفاكِ تعاليا على البشر كما لو كنتِ لست منهم .. لقد ضقت ذرعا بكِ وبغروركِ ووقاحتكِ التى لا حد لها


    شهقت فى ذهول وهى تردد


    - نبيل .. ماذا تقول ..


    أجابها فى انفعال


    - أقول ما كان يجب أن يقال منذ زمن .. لقد تماديتِ كثيرا .. واستغللتِ حبى لكِ أبشع استغلال .. لكنى رأيت وجهكِ الحقيقى .. وهو قبيح بما يكفى لينزع كل ذرة حب لكِ فى قلبى .. لقد انتهى كل شىء


    قالت فى ثورة


    - قبيح .. وجهى أنا قبيح .. لابد وأن أصابك العمى ..


    وأطلقت ضحكة عصبية وهى تشير لى قائلة


    - فلتنظر هنا لترى القبح فى أكمل صوره


    هنا التمع الغضب فى عينيه وهو يجذبها من ذراعها ويقول


    - قلت لكِ ألا تحاولى إهانتها قط ولتعلمى أننى أفضل النظر لوجهها الذى هو لدى أجمل من وجهكِ هذا


    أخرستها جملته وأخرستنى أيضا فلم أتوقع منه هذا الإطراء المبالغ فيه


    صرخت هى فى ثورة


    - كيف تجرؤ أن تقول لى هذا .. أنسيت أننى زوجتك


    - لم تعودى كذلك


    - ماذا تعنى؟


    أطلق تنهيدة صغيرة وهو يقول


    - لقد أنهيت كل شىء هذا الصباح ..


    سقط فكها السفلى فى بلاهة وهى تردد


    - مستحيل .. مستحيل أن تفعل هذا .. أنت تحبنى بجنون


    - الجنون هو أن أستمر فى الحياة معكِ .. نادين أنتِ مريضة بحق .. ويجب أن تُعالجى من عشقكِ المفرط لذاتكِ .. أنا لم أعد قادرا على تحمل المزيد




    وهنا بدا كما لو أنه قد استنفذ طاقته بالكامل فأسند كفيه إلى مكتبى وقد أطرق برأسه صامتا


    بينما ظلت هى تنظر له بذهول للحظات .. قبل أن تستعيد طبيعتها المتنمرة وتوجه سهام عينيها إلىّ وهى تقول


    - أنتِ .. ستدفعين الثمن .. ستدفعينه غاليا


    واندفعت خارج المكتب


    وظللت والأمير كتمثالين من الشمع


    وكلا منا يدور فى عالمه الخاص تتقاذفه الأفكار


    أفقت أنا أولا .. ونظرت له بامتنان وأن أردد بصوت مبحوح


    - شكرا لك


    نظر لى بعد فترة وقال


    - بل أنا من أشكركِ .. لقد منعتينى من ارتكاب أكبر حماقة فى حياتى لم أكن لأسامح نفسى عليها .. يبدو أن الحزن قد سيطر علىّ حتى أفقدنى صوابى


    - هل أنت حزين من أجلها


    - لا لقد استنفدت رصيد مشاعرى لها منذ زمن .. لقد فعلت الصواب


    - لم أكن أتمنى أن تصل الأمور إلى هذا التعقيد


    - بالعكس لقد انحلت ببساطة ربما كنت بحاجة لمعونة صديق


    - هل أنا هذا الصديق


    - بل أكثر منه


    - شكرا لك


    - وداعا يا هيام


    - وداعا





    الوداع




    بقيت الكلمة متجمدة فى سقف الحجرة بعد رحيله وظللت أنظر لها فى تعاسة وهى تتلاشىء ببطء


    هل حقا لن أرى الأمير بعد اليوم؟


    هل حُرمت الدخول لمملكة النور للأبد؟


    تذكرت الحلم


    وتذكرت الحاجز الذى كان يفصلنى عن الأمير


    كنت حمقاء حين ظننت أن بامكانى العبور إليه


    كنت حمقاء حين ظننت الحلم سيتحقق يوما


    كنت حمقاء حين ظننت نفسى إحدى أميرات الأساطير


    فلن تأتى الجنية الطيبة .. ولن تهبنى فستان حريرى ولا حذاء من بلور .. ولن تلحق سندريلا بحفل الأمير


    ستبقى هنا


    تبكى وترتجف


    وترتجف وتبكى


    وقد أُغلق كتاب الحواديت


    الوداع أيها الأمير


    الوداع يا حلمى الجميل



    (12)


    لملم الصيف حاجاته ورحل آخذا معه الحر والرطوبة وكل ما ينغص علينا حياتنا به .. وجاء الخريف ذلك الكهل الحزين الهادئ يمشى بتؤدة وقد سقطت أوراق الأشجار عند قدميه وهبت نسمات باردة لطيفة تطير عباءته من على كتفيه وهو يتفقد مملكته الرمادية الحزينة
    لكم أحب الخريف انه يعزف أنشودة الحزن فى قلبى وأسمع ترانيمها فى السماء
    ربما تراه كئيبا .. ولا ترى أن السماء الرمادية بهيجة المنظر
    ربما تفضل الصيف .. ذلك الصاخب المشاغب الذى لا هم له سوى مضايقة البشر بحرارته ولزوجته وأنفاسه الثقيلة
    أو الشتاء .. ذلك الجبار العاتى الذى يبعث الرجفة فى القلوب والأبدان
    أو الربيع .. ذلك الرومانسى الحالم الذى يتوسد الزهور ويتنفس شذاها
    لكن الخريف ذلك الصامت الهادئ أقربهم لى
    فهو يشبهنى يمر بك مرور الكرام وقد لا تشعر به أبدا


    أقول أن الحياة وكالعادة عادت لرتابتها
    وقد نهرت نفسى مرارا إذ ضبطتها تحاول الحلم من جديد
    وقد استعدت توازن نفسى بعد وقت طويل من فقدانى إياه
    وبدا أن المياة الراكدة قد عادت لطبيعتها
    أوراق وقضايا ووجوه تعسة

    وبدا كما لو أن الكون يضيق بهؤلاء الحمقى الذين يتنازعون على الفتات
    ويتقاتلون على كل ما هو زائل
    حتى زملاء العمل الذين يبشون فى وجوه بعضهم البعض ثم ينسلون الواحد تلو الآخر ليدسون الدسائس لبعضهم عند الأستاذ كامل مدعين أنه التنافس الشريف
    تبا لهم, والحق أن الأستاذ يعرف كيف يتصرف معهم كما يتصرف الأب مع حفنة من أبناءه المشاغبين
    أما أنا فلم يعد يسرى عنى سوى كوب الماء
    نعم كوب الماء الذى رشف منه الأمير مرات ومرات
    لقد احتفظت به فى درج مكتبى ورفضت أن يشرب منه أحد هؤلاء الأوغاد
    والحق أننى شعرت بامتنان الكوب لذلك فلم يعد يتعرض لأنفاسهم الكريهة وأصوات رشفهم المقززة
    لن أحرم الكوب العزيز ذكرياته السعيدة مع الأمير النبيل


    ترى أين هو الآن؟
    ماذا يفعل؟
    ماذا فعلت به العاصفة؟
    هل هو بخير؟
    تحسست كوب الماء العزيز نصف الممتلئ وعقلى يرحل بعيدا
    حين سمعت عزف القيثارة وتغريد البلبل
    غريب هذا الحلم الذى له صوت ورائحة
    رائحة زهور تمايلت لتهبك شذاها
    و ...........

    يا إلهى
    انتفضت من فوق مقعدى أنظر للكيان الماثل أمامى ويبتسم



    (13)


    يا إلهى
    انتفضت من فوق مقعدى أنظر للكيان الماثل أمامى ويبتسم
    - كيف حالكِ يا هيام؟
    - .................
    - هل أنتِ بخير؟
    - ....................
    - لم لا تردى علىّ؟


    أفقت من ذهولى وكدت أمد يدى نحوه لألمسه وأتأكد من أنه ليس حلم مرئى
    لكنه مد يده أولا إلى كوب الماء واستأذنى بعينيه قبل أن يرشفه بتهذيب كالعادة
    خيل إلىّ أن الكوب يرقص فرحا
    - شكرا لكِ أرى أنكِ دوما ما تروين عطشى قبل أن أطلب .. أنتِ سخية كحبات المطر
    - شكرا لك يا أمير بك
    انسابت ضحكة هادئة من بين شفتيه أطلقت ثلاث زهرات دارت حولى قبل أن تختفى
    - لقد افتقدت اسمى الجديد
    ابتسمت بارتباك قبل أن أقول
    - كيف حالك؟
    - الحمد لله .. كل شىء على ما يرام
    - هل جئت للأستاذ كامل فى شىء .. أعنى هل هناك مشاكل ما؟
    - لم آتى لمقابلة الأستاذ كامل
    نظرت له فى حيرة
    - لقد جئت لأراكِ
    نظرت له فى غباء .. فأى أحمق هذا الذى يفتقد رؤيتى ويرغب بها
    - ماذا؟
    ابتسم بحرج وأضاف
    - لقد أردت الاطمئنان عليكِ
    - علىّ أنا؟!
    - نعم
    - شكرا لك .. لا أعرف ماذا أقول
    - الحق أننى مدين لكِ
    - لى أنا؟!
    - نعم .. لقد رأيت فيكِ إخلاص لم أعهده فى أحد حولى وخاصة أن لا مصلحة لكِ فى ذلك
    - لقد أديت واجبى
    - أنا أرى خلاف ذلك
    - لا عليك .. أنا متأكدة أنك كنت ستتخذ نفس القرار لو أنك أعطيت نفسك مهلة للتفكير
    - لكنى كنت على شفا هاوية وقد أنقذتينى منها بشجاعة نادرة
    ابتسمت بخجل لكلماته .. من أنا لأنقذ الأمير .. يا له من متواضع
    نظر لى مباشرة وهو يقول
    - هيام .. لقد فكرت طويلا .. وقد جئت اليوم لأعرض عليكِ عرضا أتمنى أن تقبليه
    - لن أقبل أية مكافأة
    - ليست مكافأة .. فلا توجد مكافأة تستحقكِ
    - أنت تبالغ
    - أبدا
    - إذن لو كان عرضا للعمل .. فاسمح لى .. أنا لا يمكننى ترك الأستاذ كامل فى ذلك الوقت حيث القضايا متراكمة وضغط العمل كبير و .........
    - أنتِ تثبتين لى أننى لم أكن على خطأ قط
    - لا أحب أن أكون صائدة فرص وأتخلى عن اليد التى امتدت لمساعدتى فى وقت الحاجة
    - وأنا كذلك لن أتخلى عن تلك اليد التى ساعدتنى
    - ماذا تقصد؟
    - هل نفذت اقتراحاتكِ؟
    - كنت أحاول الاستنتاج فقط
    - إذن لم توفقى فى ذلك
    - لا أفهم يا أمير بك
    نظر لى طويلا وكدت أغرق فى بحار عينيه السندبادية قبل أن يقول بهدوء
    - هيام .. هل تقبلين الزواج بى؟
    - ..........
    - ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    - !!!!!!!!!!!!!!!!
    - آسف لتسببى فى ارتباككِ هكذا .. أنا لا أطلب الرد الآن .. يمكنك التفكير دون ضغوط .. سأرحل الآن وأعود بعد فترة مناسبة وأتمنى من كل قلبى أن تقبلى عرضى
    - هيام .. هل أنتِ بخير؟ .. لا تجعلينى أقلق عليكِ
    - حسنا سأذهب الآن
    - ............
    - ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    - !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!



    (14)


    هل رأيت يوما دمية قد اُنتزعت أسلاكها أو فرغت بطاريتها وقد خرست للأبد
    أعتقد أن حالى لم يكن أفضل منها
    لقد أصابنى الخرس منذ وقعت الصاعقة علىّ
    حتى فى الحلم لم أكن أجرؤ على الاقتراب من الأمير
    كيف يأتى هو بتواضع يثير التعجب ليعرض علىّ الزواج؟
    ماذا أصابه؟!

    لابد أنه مازال تحت تأثير الصدمة التى حاقت به
    وإصراره على كونى أنقذته مما كان يقدم على فعله دون تعقل
    أتراه أراد مكافأتى على ذلك
    أم أراد معاقبة نفسه عن ما انتوته فى لحظة يأس
    ألم يجد لها وسيلة تعذيب أخف وطأ من هذه؟!


    أفكار تلاحقنى وقد كففت عن كل نشاط إنسانى آخر
    فقط أنا أفكر وأفكر ثم أفكر وأفكر ثم أعود للتفكير مرة أخرى
    وبعدها لا أصل لأية نتيجة
    لا يمكن أن يكون جاد فى طلبه هذه
    لا يمكن أن يكون قد اتخذ قراره فى كامل وعيه وبكامل إرادته
    إن قرارات الأمير انفعالية تماما
    ولا يمكن قبولها أبدا
    لا يمكن أبدا


    وجاء الأمير
    وطلب ردا لعرضه
    وقدمته بتهذيب يليق به
    ورفضته تماما


    نظر لى وارتسمت ابتسامة فى عينيه قبل أن يرحل
    لابد وأنه يشكرنى على إعفاءه من تلك الورطة
    أطلق عقلى تنهيدة ارتياح وراح فى سبات عميق بعدما أجهدته طويلا
    بينما وصل لمسامعى نحيب قلبى وهو يتمزق ألما


    فى المساء
    احتضنت وسادتى وأغرقتها بدموعى
    لو أنه عرض علىّ أن أكون خادمة فى قصره لتفهمت ذلك
    لكن كيف يعرض علىّ أن أكون أميرة هذا القصر
    كيف يجرؤ؟!

    قمت من فراشى وتوجهت نحو المرآة
    تأملت صورة وجهى المتماوج من فرط الدموع
    هذا الوجه الذى لا أطيق النظر إليه
    تلك الملامح التى لا تليق بأنثى
    فكيف بها لأميرة

    لا توجد أميرة قبيحة قط
    لم تُكتب الأساطير للقبيحات
    قد تكون فقيرة .. لكنها جميلة
    قد تكون مريضة .. لكنها جميلة
    دوما هى جميلة
    تليق بالأمير الوسيم
    والقصر الجميل


    أما أنا
    أبدو نشازا وسط هذا كله
    لم يُخلق شىء من هذا لمثلى
    أنا قبيحة أيها الأمير الأحمق
    ألا ترى؟
    لا مكان لى فى كتاب الحواديت
    لتذهب لعالمك واتركنى لعالمى
    فلن يجمعنا عالم واحد أبدا
    وعدت أدفن وجهى ودموعى فى وسادتى
    وأغيب عن كل شىء



    (15)



    هل أنتِ بخير؟



    تقولها أمى لى





    هل أنتِ بخير؟



    يقولها الأستاذ كامل لى





    هل أنتِ بخير؟



    يقولها المحامين الأوغاد لى





    هل أنتِ بخير؟



    يقولها كل البشر لى





    لا أعلم سر هذا الحماس الجماعى للاطمئنان علىّ



    لكنى أفضل أن يتركونى وشأنى قبل أن أنفجر فى وجوههم جميعا



    لا لست بخير



    أنا لست بخير أبدا



    فاتركونى وشأنى أرجوكم





    ( دمية نُزعت منها أسلاكها أو فرغت بطاريتها)





    عدت للبيت



    وما أن خطوت للداخل



    حتى استقبلنى الياسمين مبتسما



    وحيتنى الوردات الجورية



    ودار عصفوران حول رأسى



    وهبت نسمات معطرة بشذى الزهور





    خطوت بساقين من عجين وقلبى يتواثب فى صدرى



    وبالطبع كان سيدهم بالداخل



    كان الأمير يعتلى عرشه فى بيتنا المتواضع



    وقد قام من فوقه فور رؤيتى وارتسمت أجمل ابتسامة على وجه الكون فوق شفتيه والقيثارة تعزف



    - أهلا يا هيام .. كيف حالكِ؟



    - ......................



    - تعالى يا هيام



    كانت هذه من أمى التى جلست أمام الأمير ووجهها يشرق بابتسامة غامضة




    جررت قدمى إلى أقرب مقعد وجلست عليه فى صمت



    هل يمكن أن يكون قد جاء ليعيد طلبه؟



    جاءنى الجواب سريعا من بين شفتى أمى



    ولم أصدق



    رفعت عينين متسائلتين نحوه



    أجابتنى عينيه النبيلتين أن نعم




    - لماذا؟



    قالها عقلى .. قالها قلبى .. قالتها عيناى .. وقالها لسانى




    نظر لى بتساؤل




    - لماذا أنا؟



    - لأنكِ أنتِ



    - هناك الكثيرات



    - لا أرى سواكِ



    - هناك الجميلات



    - أنتِ أجملهن



    - أنت تخدع نفسك



    - كنت أخدعها والآن ...



    - الآن تعاقبها



    - بل أكافئها



    - أى مكافأة يا أمير؟!



    - بأن تقبلنى الأميرة



    - كفى أرجوك



    - هيام .. أنا أحبكِ


    - .......................



    - وأريد الزواج بكِ


    - ..........................



    - وأعدكِ أن أكرس حياتى لإسعادكِ


    انسابت الدموع من عينى .. لا يمكننى احتمال المزيد .. قمت من مكانى وجاهدت لأخرج صوتى دون ارتعاش ودون ضعف ودون حب وأنا أردد



    - أنا أرفض هذا العرض .. وأرجو منك ألا تكرره أبدا


    وجريت نحو غرفتى وأغلقت بابها علىّ وارتميت على الأرض أغسلها بدموعى التى انهمرت كالسيل وكل كيانى يرتجف

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى


    (16)



    هل جننتى؟



    قالتها أمى لى






    هل جننتى؟



    قالها الأستاذ كامل لى






    هل جننتى؟



    قالها كل وغد فى المكتب لى






    هل جننتى؟



    قالتها كل جارة فى حيّنا لى






    (أنتِ لازم مجنونة)



    قالها الشيطانان الصغيران لى






    وكل من يعرف من قريب أو بعيد يتحاكى عن الأمير الذى جاء من الأساطير ليخطب أقبح فتيات الحى .. ومصمصت النساء شفاههن وهن يتحسرن على الأمير عديم النظر والذوق ويندهشن من تلك الحمقاء التى رفضته ببساطة وتحدثن كثيرا عن (البطر ع النعمة) التى ستزول من وجهى بالتأكيد وأننى لن أجد مطلقا من فقد عقله ليختارنى زوجة له






    الحق أننى أصبحت حديث المساء وكل مساء فى اجتماعات الجارات



    وأخبارى تتصدر جدول أعمال نميمتهن كل ليلة



    وكل منهن تقوم بتحليل الموقف للوصول إلى حل لغز رفضى للأمير






    كانت الضغوط من حولى تتزايد



    والحق أن الأمير كان مثابرا وكان مصرا على طلبه



    وكنت مصرة على رفضى






    وزادت الاجتماعات ومحاولات أمى لاقناعى بالنصيب الذى كتبه الله لى عنده



    وأننى لو أضعته سأندم بقية عمرى



    لكنى لم أقتنع






    لا يمكن أن أشترى هنائى بتعاسة الأمير



    لا يمكن أن يهبنى جماله فأهديه قبحى



    لا يمكن أن يحاول إسعادى فأتسبب بعذابه





    رغم كونه نبيل



    فهو رجل أيضا



    ولا يوجد رجل على وجه الأرض يرغب فى الزواج بامرأة قبيحة



    لم يعذب نفسه بى؟ .. ويصر على ذلك بشدة






    لا أفهم




    حقا لا أفهم




    (17)

    أفواه .. أفواه .. أفواه




    تحول الكون حولى إلى أفواه كثيرة تتكلم دون انقطاع





    أفواه .. أفواه



    شفاه تعلوها الشوارب .. وشفاه تصطبغ بالأحمر



    شفاه غليظة .. وشفاه رقيقة



    شفاه كبيرة .. وشفاه صغيرة



    وكلها تطلق الكلمات فى أذنىّ كالطلقات




    حتى شعرت أن كلا منهما تزن عدة أطنان من فرط ما سمعته



    لقد مارسوا سياسة (الزن ع الودان) باحترافية شديدة



    والحق أننى أشفقت على أذناى المسكينتان



    وقررت الاستسلام





    كفى أرجوكم .. أريد بعض الصمت



    بعضه فقط







    هكذا تجدونى قد جلست فى حديقة بيتنا



    أمام عرش الأمير



    أداعب زهرة بنفسج بأنامل مرتعشة



    والطيور قد كفت عن التغريد ووقفت تتابع سيدها فى صمت وقد قام من فوق عرشه وتوجه لى بخطى ثابتة وما لبثت القيثارة أن بدأت العزف



    - لماذا؟



    رفعت له عينين متسائلتين



    - لماذا ترفضينى بهذا الإصرار؟



    - من أنا لأرفضك يا أمير



    - بم تسمى ما حدث إذن؟



    - فقط أنا أحاول حمايتك



    - حمايتى من ماذا؟



    - من نفسك



    - لا أفهم



    - ألن تكف عن توريط نفسك بقرارت انفعالية دونما تفكير؟



    - عما تتحدثين؟



    - عن حقيقة ما فعلت



    - هل تظنين أن ........





    قمت من مكانى وقاطعته وأنا ابتعد بعض خطوات عنه لأتمكن من التنفس بصورة طبيعية



    - بل أنا متأكدة من ذلك



    تنهد فى صبر قبل أن يقول



    - هيام .. قد لا تعرفيننى جيدا .. لكنى لست فتى مراهق يلقى بقلبه عن قدمى أول فتاة يقابلها .. أنا رجل ناضج بما يكفى لأحكم على مشاعرى وأعرف الحقيقى منها والزائف





    قلت فى قسوة مقصودة



    - عجبا .. لم لم تهديك عقلانيتك تلك قبل أن تقدم على تبديد كل شىء؟



    عضضت شفتى بعدها ندما وأغمضت عينى حتى لا تفر الدموع منها



    وحين فتحتها كان الأمير أمامى يبتسم بحنان ويقول



    - أعرف أنكِ أخر من يستمتع بجرح الآخرين .. لم تحاولى ارتداء قناع القسوة؟ .. إنه لا يناسبكِ أبدا



    - أنا آسفة حقا



    - وأنا أحبك



    - كفى أرجوك



    - لم لا تصدقينى؟



    - لأنى لست حمقاء



    - أنا لا أخدعكِ



    - بل تفعل





    جذبته لنواجه سويا المرآة القديمة التى تحتل الحائط



    وبيد مرتعشة وعينين لا تريان من فرط الدموع أشرت نحونا فى المرآة



    كانت الشمس وكان الجمال حيث هو .. وكانت الظلمة وكان القبح حيث أنا




    - انظر بنفسك .. هل ترانا جيدا .. هل ترى كم هى مخزية المقارنة بيننا؟
    بل أن الضرير يمكنه بسهولة تبين ذلك .. أنتِ لم تُخلق لمثلى .. ومثلى لم تٌخلق لك .. لم تصر على تغيير قانون الكون الأزلى






    جذبنى بعيدا عن المرآة وهو ينظر لى بثبات ويقول



    - أنا لا أرى ما تصرين على رؤيته .. بل أرى أمامى روحا شفافة وقلب طيب وسريرة نقية وملامح ................



    - قبيحة



    - كفى عن هذا أرجوكِ .. لم أر فى حياتى أحد يصر على تعذيب نفسه بتلك الطريقة



    - لأنى أرى الحقيقة



    - بل لم تريها قط






    وابتعد عنى متوجها نحو أحد المقاعد وجذب من فوقه لوحة اسطوانية صغيرة لم ألحظها من قبل وفردها أمام عينى وانطلقت شهقتى






    لم أتمكن من النطق للحظات قبل أن أقول



    - من هذه؟



    - إنها أنتِ



    - لا .. لا يمكن .. إنها جميلة .. أعنى ربما تشبهنى لكن .. لا إنها لا تشبهنى .. إنها جميلة



    - هى أنتِ



    - ليست أنا



    - إنها هيام كما أراها



    - هيام ليست جميلة



    - بل هى كذلك .. لكنى لا تريد أن ترى الحقيقة






    أخذت اللوحة وتأملتها .. هى ملامحى لكنها أكثر رقة .. والعينان تلمعان بسعادة وتشعان بريقا يضىء الوجه كله .. ياللروعة ..




    - هل حقا ترانى هكذا؟



    - نعم



    - مستحيل



    - صدقينى



    - ليتنى أستطيع



    - امنحينى الفرصة



    - لأى شىء



    - لترين نفسكِ بعيونى



    - وهل يمكننى ذلك؟



    - نعم



    - كيف؟



    - سأمنحكِ إياهما



    - تمنحنى ماذا؟



    - عيناى



    - هل تمزح؟!



    - أنتِ عندى أغلى منهما



    - كفى أرجوك يا أمير



    - هل تستسلمين الآن؟



    - نعم



    - سنتزوج يا هيام



    - ألن تندم؟!



    - سأندم فقط لو أضعتكِ منى



    - هذا كثيرا جدا



    - هذا بعض ما تستحقى





    أطرقت برأسى لحظات كى أستوعب هذا كله ثم سألته وأنا أغالب خجلى ودموعى




    - هل نحدد موعد الخطبة؟



    - لا خطبة



    - ماذا؟



    - أنتِ متقلبة كالبحر يا حبيبتى ولن أمنحكِ الفرصة للهرب مجددا



    - ماذا تعنى؟



    - سأتزوجكِ الأسبوع القادم



    - ماذا؟!! لن أتمكن من تجهيز شىء



    - لا أريد سواكِ .. كل شىء سيكون معدا لاستقبالكِ



    - أنا .. أنا لا أعرف ماذا أقول



    - قولى نعم



    - ..............



    - قوليها



    - ..... نــ ..... نعم








    وهنا انطلقت زغرودة جميلة من أمى وتدافعت صيحات الفرح من خالد وخلود حيث انشقت الأرض عنهما فجأة و تعلقا بنا وهما يضحكان بمرح وأخذنا ندور بهما أنا والأمير وقد عادت الطيور للتغريد وحلقت فوقنا فى دوائر وتمايلت الزهور معنا وهبت النسمات تحمل شذاها ولاحت منى التفاتة نحو المرآة ولدهشتى طالعنى وجه جديد علىّ .. وجه تعرفته للتو من لوحة اسطوانية صغيرة رسمتها أنامل أميرى النبيل




    (18)



    ما أجمل رائحة الشمس



    ما أروع صوت الزهور



    ما أحلى لون النسيم






    كلا لم أجن بعد






    ولكن حواسى تغيرت كما تغير كل شىء فى حياتى



    لقد غمرت السعادة كيانى لتحملنى معى لعالمها الذى لم أره قط



    عالم يبتسم فيه الأمل وتتحقق فيه الأحلام ويرفرف فوقه الحب



    فُتحت أمامى بوابته الوردية



    ودعتنى للدخول



    وقد أوصدت خلفى ألف باب ألم ودموع وإخفاقات ومقت للكيان الذى يحتوينى



    وقد بدأت حقا أحب نفسى كما أحبها الأمير





    تعلمت كيف يصير الكون أكثر جمالا إذا أردت ذلك



    تعلمت كيف أجلب الربيع إلى كل مكان أذهب إليه



    تعلمت كيف تتفتح الأزهار من بين يدى



    وكيف تشرق الشمس من ابتسامتى



    ويطل القمر من عينى



    تعلمت الكثير والكثير






    محوت سنوات من القسوة على ذاتى ببضعة أيام من الحب والتقدير لها



    أعتذر لكِ يا نفسى .. فقد كنت أكبر عدو لكِ .. كنت أكرهكِ فكيف تمنيت أن يحبك أحد؟ .. كنت الجلاد الذى آلمكِ بسياط الكره والنفور وعدم الثقة



    فاغفرى لى أرجوكِ






    بتلات الورد تتساقط عن وجه الزمن تحمل أيام مضت



    وما بقى الكثير



    لقد اقترب الموعد



    ودنت السعادة



    وقلبى لم يستعد بعد لحمل كل هذا القدر منها



    رفقا بى يا دواء القلوب



    فقلبى الصغير قد اعتاد الألم واستكان للجراح



    ولسوف يؤلمه مذاقك الجميل إذ أخذه دفعة واحدة



    رفقا بى أيتها السعادة






    هل ترون حجرتى الصغيرة الضيقة



    لقد صارت أكثر ضيقا من فرط ما احتشدت بها هدايا الأمير



    حقائب ملونة كثيرة تحوى كل ما تتمناه فتاة على وجه الأرض



    أضعاف أضعاف ما جلبته الجنية الطيبة لسندريلا



    إن أميرى أكثر كرما منها



    فساتين حريرية فاتنة.. أحذية لم أكن أجرؤ على تأملها فى واجهات المحلات



    ترافقها حقائب لا تقل عنها أناقة وتألق



    عطور لا تعرف من أى زهور سحرية صنعوها



    ومساحيق تجميل تفوق فى روعتها ما رأيت فى ذلك المحل الشهير



    الآن بامكانى التهام طلاء الشفاه اللذيذ دون خوف





    مــــــــــا أجمــــــــــل الحيــــــــــــــــاة



    مــــــــــا أجملهـــــــــــــــا




    (19)




    جاء الموعد



    الذى كُتب فى القدر قبل أن أوجد





    جاء الموعد



    الذى كان بانتظارى سنوات عمرى الماضية





    جاء الموعد



    الذى ظننته لن يأتى قط






    تبدل الكون حولى



    كل شىء يبتسم لى .. يهنأنى .. يشاركنى سعادتى



    الزغاريد تنطلق دون انقطاع من كل بيت فى حيّنا



    وأكواب الشراب الأحمر تدور لتروى كل من يمر بنا



    وفتيات الحى تحلقن حولى يقبلننى ويسرقن (قرصة فى ركبتى) كما هى العادة





    وأنا لا أكف عن الابتسام فى وجوه الجميع



    والبكاء فى الحمام أو فى غرفتى أو فى أى مكان لا يحتوى سواى



    لا .. ليس حزنا أبدا



    إنها دموع الفرح كما وصفوها



    وربما هى دموع من رحمة حلت بى بعد قنوط شديد استغفرت ربى عليه كثيرا






    هيام القبيحة كما كنت أراها دوما



    هيام التى لم تجرؤ على الحلم بالزواج حتى من كواء الحى



    هيام التى عاشت ألعن سنوات طفولة حيث تجنبتها الفتيات



    وعانت أفظع سنوات مراهقة حيث تحاشاها الفتيان



    وقررت ابتلاع ما بقى لها من عمر فوق وجه الحياة كدواء مر



    وأيقنت أن لا حياة تنتظرها خارج جدران غرفتها







    بعد كل هذا



    يأتى الأمير الجميل الذى عشقته فى كل الحواديت



    يتوجه نحوها متجاوزا كل الجميلات والفاتنات والمتأنقات



    يمد يديه لها ويدعوها لمشاركته حياته



    يدخلها عالمه السحرى ويهديها حبه ويتعهدها برعايته






    هيام التى لا تملك الجمال ولا المال



    التى لا تملك جاذبية خاصة ولا أسرة عريقة ولا مؤهل محترم



    هيام التى لا تملك شىء



    ماذا فعلت هيام لتستحق كل هذا؟






    يا لرحمتك بى يا إلهى



    كيف أشكركِ على نعمتكِ؟



    كيف؟







    فى المساء



    سطعت الأنوار وغمرت شارعنا بألوانها البهيجة



    وجلست أمام مرآتى أتأمل الصورة التى بداخلها



    عروس كأجمل ما يكون





    هل تروننى .. لا .. كيف .. هل تغيرت إلى هذا الحد؟



    بالتأكيد



    هذه ليست هيام



    لقد ولدت من جديد .. وهى الآن أميرة



    أميرة ترتدى ثوب أبيض فاتن يحبس الأنفاس انبهارا




    ويعلو التاج رأسها يتلألأ كنور الشمس



    وينافسه تألقا قرطين رائعين وقلادة جميلة



    وتزين الابتسامة وجهها المشرق



    لقد كان حفل من البريق يلهو هنالك





    هل هذه أنا حقا؟ّ



    أقول لكم سر



    أنا من زينت نفسى هذه المرة



    ألا تصدقونى؟



    نعم أعترف أن المساحيق التى أهداها أميرى لى سحرية فعلا



    ولكن ما هو أكثر سحرا أننى زينت نفسى التى أحبها هذه المرة فبدوت فاتنة



    بينما حين حاولت تزيين نفسى التى أكرهها جعلت منها مسخا مضحكا



    كم يغيرنا ما بداخلنا ويرسم نفسه على ملامحنا



    لكنى تعلمت كيف أجعل نفسى جميلة من أجل عيون أميرى






    الصخب خارج الحجرة يزداد وقد احتشد الجيران فى منزلنا الصغير



    خالد وخلود ملاكىّ الصغيرين يبدوان فى أجمل صورة



    بينما أمى لم تكف عن إطلاق البخور والتمتمة بكل ما بإمكانه أن يبعد الحسد والحاسدين






    وهنا تنفست عبق الياسمين



    وأرسل السوسن تحية



    وابتسمت الجاردينيا مهنئة




    فقد جاء الأمير



    وكف قلبى عن الخفقان للحظة



    حين رأيته أمامى وقد ابتسمت الشمس على شفتيه لتضىء المكان حولى



    وتقدم نحوى وعينيه تلمع بإعجاب وسعادة



    ابتسمت له وذاب كفى فى راحته وارتجف كيانى كله وأنا أخطو معه للخارج



    حيث تعلقت العيون بنا وجلسنا على عرشين من الزهور





    دارت عيناى فيمن حولى



    ألف ابتسامة .. وألف تهنئة .. وألف زغرودة



    كلها من الخارج رائعة ولكنى أعلم تماما



    أن هناك كذلك



    ألف نظرة حاسدة .. وألف مصمصة شفاه متحسرة .. وألف شهقة مستنكرة



    أعرف أن الجميع يستكثرك علىّ يا أمير





    أعلم أن جارتنا تلك تتمناك لإحدى بناتها اللاتى تصر على أنهن فاتنات الحى



    وأعلم أن جارتنا هذه تتساءل عن سر رغبتكِ الانتحارية فى الزواج بى؟



    وتلك هناك التى لم تكف عن معايرة أمى بى فى كل مشاجرة تفتعلها معها دون سبب



    وأعلم أن هذه الفتاة تقتلها الغيرة وتتمنى أن تدفعنى من هنا لتحتل مكانى إلى جوارك



    وتلك الفتاة هناك كانت تسعى لصداقتى لغرض واحد هو أن تبدو فاتنة إذا ما سارت إلى جوارى فى مكان ما تأكيدا لمقولة (وبضدها تتميز الأشياء)





    أعلم كل هذا يا أمير



    ولكنى أسامحهم جميعا



    لم يعد بى ضغينة لأحد ولم يعد هناك مكان فى قلبى للكراهية



    لقد احتلنى الحب بالكامل وطرد منى كل ما هو دونه




    (صالحت بيك أيامى .. سامحت بيك الزمن)



    كما تنشد كوكب الشرق



    لقد سامحت بك الكون كله يا أمير



    فلتشهد يا رب



    (20)


    الآن وجدت لى مكان فى كتاب الحواديت

    وأفسحت لى الأميرات الطريق لتمضى خطواتى نحو القصر الأنيق

    كان كل مابه ينطق بالجمال والذوق الرفيع

    قصر يليق بأميرى النبيل


    واستقبلتنى حاشيته بإيماءة احترام لأميرتهم الجديدة

    ولم تخف عنى بعض نظرات الدهشة المهذبة

    حقا الفارق يثير الدهشة بينى وبين الأميرة السابقة

    لكنى ابتسمت فى وجوههم بمودة أكدت لهم أن العهد الجديد سيكون سعيدا



    وصعدت نحو غرفتى

    وما أن خطوت بداخلها حتى حبست شهقة انبهار كادت تفلت منى

    ياللروعــــــــــــــــة


    دارت عيناى فى أرجـــــــــــــاء الحجـــــــــرة التى لم أتمكن من استيعاب حدودها

    يا إلهى يمكننى بسهولة أن أضل الطريق فيها إذا ما قررت الذهاب لخزانة الثياب مثلا

    بخطوات مرتعشة تفقدت أرجاءها وشعور بالتضاؤل يتزايد بداخلى حتى صرت أحد الأقزام السبعة الشهيرة

    وتوقفت أمام المرآة الكبيرة اللامعة التى تقف بشموخ وكبرياء ولعلى سمعتها تشهق باستنكار حين هوت صورتى على صفحتها البراقة التى لم ترتسم بداخلها إلا أجمل الوجوه وأكثرها سحرا وفتنة


    تذكرت حجرتى الصغيرة فى بيتنا القديم

    كانت ضيقة لكنها كانت مريحة فهى مثلى فقيرة لكن هذا القصر يبدو شاهقا بالنسبة لى .. لا أتخيل أننى سأمضى عمرى بين جدرانه العالية الباردة التى تثير الرعشة فى أوصالى .. الحق أن ثقتى بنفسى التى ما زالت فى مهدها قد بدأت فى الانسكاب من روحى لتسقط فوق السجاد الفاخر قطرة قطرة


    نظرت حولى لم أجد مكان أختبئ فيه .. لم أجد مقعد يناسبنى لأتكوم فيه على نفسى وأمارس هوايتى المفضلة فى البكاء .. كل شىء هنا يرفع أنفه فى كبرياء وينظر لى بتعالى .. كل ما حولى يرفضنى .. شعور يغمرنى بأننى طفلة قد أضاعت أمها فى الزحام .. أين أنتِ يا أمى؟

    كدت أنفجر فى نوبة هيستيرية قبل أن تهب علىّ النسمات العطرة وينفتح الباب عن الأمير


    وقف يرمقنى للحظات قبل أن يقول

    - هيــــــــام .. ما بكِ يا حبيبتى؟

    واصلت طقوس ذعرى وأنا أرتجف ولا أقو على الكلام

    اقترب منى أكثر وأحاطنى بذراعيه وهو يقول بقلق

    - لماذا ترتجفين هكذا؟ .. ماذا حدث؟ .. كفى عن قضم أظافركِ .. ماذا بكِ؟

    جاهدت حتى لا أبدو كالبلهاء وأنا أقول


    - هل .. هل سنعيش هنا؟


    - نعم


    - .............


    - ألم يعجبكِ بيتكِ الجديد؟


    - أهذا بيت حقا؟


    - وماذا يكون إذن؟


    - إنه قصر يا أمير


    ابتسم برقة وقال


    - انه ما يليق بالأميرة


    - لكنى لا أليق به


    - لماذا؟


    - ألا ترى ما حولك؟ .. حقا لقد وُلدت لتجد كل هذا عادى جدا ولا يثير الإعجاب لكنى وُلدت فى عالم آخر .. عالم لم أر فيه القصور ولم أحلم بذلك قط

    - لكن القصر كان بانتظاركِ وها أنتِ قد جئتِ فى موعدكِ


    - أنا خائفة يا أمير

    - امنحى نفسكِ بعض الوقت وستعتادى كل شىء هنا وستجعلين كل ما فى القصر وكل من فيه يحبونكِ كما أحببتكِ

    - هل تحبنى حقا؟

    - هل ما زلتى تتساءلين؟

    - ما زالت لا أصدق .. كل هذا كثير علىّ .. كثير جدا .. أشعر أننى فى حلم جميل سأفيق منه حتما

    - أعدكِ ألا تفيقى منه أبدا

    - حقا

    - نعم

    وأخذنى من يدى نحو نافذة كبيرة تطل على الحديقة الرائعة وأزاح ستائرها الحريرية ليغمرنا ضوء الشمس معا وتغرد العصافير الصغيرة أغنية الحياة فوق أغصانها وتتفتح الورود لتلقى التحية علينا .. مكان ساحر خلاب يليق بأمير فنان .. نظرت نحو الكيان الأسطورى الذى يجاورنى .. كانت عيناه قد رحلتا مع الطبيعة ليمتزج بها .. إنها جزء منه .. بعض من نفسه الرقيقة الشفافة كصفحة المياه .. رفعت عينى نحو السماء ودعوت الله أن يعيننى على حفظ نعمته التى أنعم علىّ بها وأن يهدينى السبيل لإسعاد أميرى النبيل

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى


    (21)

    أيام وأيام انقضت وما زلت أتحسس طريقى فى القصر كطفلة خائفة تتصنع الشجاعة .. لقد ضللت الطريق فى البهو عشرات المرات .. وضعت بين الحجرات الكثيرة مئات المرات .. لماذا لا يضعون بعض اللافتات للطرق المؤدية للأماكن ها هنا ويوفرون علىّ ضياع نصف يومى فى تلك المتاهات

    إن القصور لا تناسبنى حتما

    لقد طلبت من الأمير بيتا صغيرا يحتوينا معا ويشعرنى بالدفء والطمأنينة

    لكنه أخبرنى بتهذيب أن السقف القريب والجدران المتلاصقة تطبق على روحه وتشعره بالاختناق .. حقا روح كتلك اعتادت التحليق فى الفضاء الفسيح لن تتمكن فى البقاء فى تلك الأكواخ العجيبة التى يسكنها البشر

    حقا لم أرد أن أضايق الأمير وحاولت التكيف مع حياتى الجديدة وبيتى الجديد


    أجمل ما فى القصر هو مرسم الأمير

    يا للجمال الذى تصتعه أنامله الساحرة

    لوحات تحبس الأنفاس لا يرسمها سوى فنان ساحر

    طبيعة تخلب الألباب لا يدركها سوى قلب رقيق شفاف كقلبه

    أكل هذا الجمال فى الكون وتتجاوزه عيوننا التعبة التى لا تلتقط سوى ما يضايقها ويبعث فيها النفور؟!

    لماذا لا نتأمل خلق الله عز وجل لتسمو نفوسنا عن الفتات الزائل؟

    لماذا لا نحلق فى سماوات الجمال ونزيل الأثقال التى تربطنا بالأرض منذ وجدنا عليها؟

    لماذا لا نتنفس الحب والخير والجمال والرقة والشفافية ونريح صدورنا من دخان الكراهية وعوادم القسوة وأبخرة الحقد والطمع والغيرة؟

    ما أحمق هؤلاء البشر إذ يتركون ما سخره الله لهم ويتنازعون على ما لا يملكون منه إلا أقل القليل

    الآن أنا أتحدث بلسان الأمير
    وأرى بعينى الأمير
    الآن أعرف سر ولاء كل ما هو جميل وساحر للأمير

    فقد عشقهم فعشقوه
    وامتزج بهم فمنحوه سحرهم وجاذبيتهم الطاغية

    إن حبى للأمير يتضاعف فى كل ثانية

    حتى فاض من قلبى وبدا يسيل كشلال هادر لا يمكن إيقافه .. كبحر هائج فى ليلة عاصفة .. كإعصار يجتاح كل ما فى طريقه .. كزلزال مدمر تتشقق له طبقات الأرض كلها .. كحمم بركان تنصهر لها كل جوارحى .. ويذوب معها كل كيانى

    وتدفعنى للبكاء حبا وعشقا وخوفا على لحظة قد تأتى لتأخذه منى إلى حيث لا أراه أبدا

    لقد أنهكنى حبك أيها الأمير

    ومعه يزداد رعبى من فكرة ضياعك منى التى تكبر داخلى كل يوم

    يبدو أننى اشتقت لتعذيب نفسى ثانية

    يبدو أننى استكثرك عليها وأخشى اليوم التى تفكر فيه أميرة أخرى فى أن تستميلك إليها وتسلبنى قلبى الذى ينبض داخلى معلنا أننى على قيد الحياة

    وبدأت فى ممارسة طقوس البكاء كل ليلة متمنية ألا تلحظ أنت عيونى المتورمة فى الصباح بعينيك اللتين تنفذان لأعماق روحى

    كم أحبك يا أمير

    وكم يوشك هذا الحب أن يقتلنى

    رحماك بى يا أرحم الراحمين



    (22)


    - هيام
    أسرعت نحو فراشه فور نداءه الواهن المنهك
    - نعم يا أمير
    اعتدل ونظر نحوى بقلق وهو يقول
    - ما هذا؟ .. لماذا تبكين؟
    مسحت دموعى الغزيرة بكفى وأنا أردد
    - لا .. لم أكن أبكى أبدا

    رفع ذقنى بإصبعيه باعثا زلزالا صغيرا فى كيانى وهو يقول
    - لا أنتِ تبكين فعلا .. ماذا بكِ؟
    - لقد .. إنك ... كنت تتألم كثيرا .. لم أحتمل أن أراك هكذا

    انبعثت أرق ضحكة يمكن سماعها منه وهو يقول
    - وهل تعتبرين الشعور ببعض الصداع من الأعراض الخطرة؟!

    رفعت له عينىّ الدامعتين وأنا أردد
    - إن حياتى ذاتها فداء لحظة ألم واحدة تشعر بها .. ليتها حلت بى أنا وليس أنت يا نبض قلبى

    ابتسم برقة وقال
    - يالرقتكِ يا حبيبتى .. لم أكن أعرف أننى عزيز على نفسكِ لهذه الدرجة
    - بل أنت نفسى وكل ذرة يحتويها كيانى هى ملك لك
    - يا حبيبتى الطيبة .. رفقا بى
    - وهل رفق بى حبك قط؟
    - حقا
    - إننى أوشك على الموت حبا يا أمير
    - لا تقولى ذلك يا حبيبتى فقد تعرفت طعم الحياة للتو معكِ
    - وماذا أقول أنا وقد تعرفت الحياة ذاتها على يديك
    - أنتِ تبالغى كثيرا
    - هذه بعض الحقيقة فقط
    - وماذا عن الباقى إذن؟
    - لا تعبر عنه الكلمات
    - هيام
    - نعم يا أمير
    - أنا أحبكِ
    - كفى أرجوك.. لن أحتمل المزيد ما لم ترغب فى أن أنهار أمامك الآن

    ضحك بمرح وهو يقول
    - حسنا سأقاوم نفسى حتى لا أقولها لكِ مائة مرة كل دقيقة
    - يا إلهى
    - أحبكِ يا هيام

    وهنا انفجر الشلال من قلبى وعينى معا ولم تكفى مناشف الكون كلها فى تجفيفه قط .. لقد كانت ورطة بحق للأمير الذى جاء بكل ما يمكنه ابتلاع بعض الشلال دون جدوى .. أظنه قد تعلم الدرس جيدا وسيعمل جيدا على الرفق بى من الآن فصاعدا



    (23)


    صباح رائع الجمال .. تنقلت كفراشة بين زهور حديقة القصر الباهرة والتى تعجز عن حصر أنواع زهورها وورودها البديعة التى تصطف فى خيلاء بين الخضرة اليانعة .. جذبتنى وردة حمراء عطرة الرائحة بديعة المنظر .. سحرتنى تماما ولم أفق إلا ووجدتها بين أناملى .. وضعتها فى شعرى على غرار الفتيات الرومانسيات فى الأفلام القديمة لا شك أنها ستهبنى بعض جاذبيتها .. أسرعت نحو القصر لألحق بالأمير قبل أن يغادر لعمله .. وجدته هناك على مائدة الإفطار الأنيقة وما أن رآنى حتى ابتسم لتشرق الشمس الثانية على الكون .. ابتسمت له بدورى وجلست جواره وما أن نظرت له لألقى عليه تحية الصباح حتى وجدت الابتسامة تلاشت من فوق وجهه وغابت الشمس بين غيوم ضبابية حزينة

    تواثب قلبى فى صدرى قلقا عليه وأنا أقول
    - ما بك يا أمير؟
    - ما هذا الذى فى شعركِ؟

    تحسست شعرى بغباء وأنا أردد
    - عن أى شىء تتحدث؟

    أشار بيده وهو يقول بحزن
    - تلك الوردة.. أظنها لم تنبت فى شعركِ هذا الصباح

    نظرت له فى حيرة ولم أفهم سر ذلك الحزن فى كلماته
    أمسكت الوردة وأفلتها من بين خصلات شعرى وتأملتها للحظات قبل أن أسأله
    - ألا تعجبكِ ؟ .. ظننتها رائعة

    أجاب بمرارة
    - كانت رائعة فى مكانها هناك قبل أن تنتزعيها منه

    شهقت بفزع من كلماته وشعرت بشعور المجرم بعد ارتكاب جريمته

    حقا كيف لم أفهم هذا؟ .. هذا القصر الضخم لا يحوى مزهرية واحدة ولم يهبنى الأمير باقة ورد واحدة منذ ارتباطنا .. كيف لم أفهم أنه لا يطيق قتل الورود الجميلة وأسرها داخل المزهريات والباقات التى سرعان ما تذبل وتدوسها الأقدام فى قسوة؟ .. إن هذا لا يناسب طبيعته المرهفة أبدا .. نظرت للوردة بهلع ولم أدر ما ينبغى أن أقول؟ .. وكيف أعتذر للأمير عن تصرفى الأحمق وقد قمت للتو بخرق قوانين مملكته .. كان حزين .. حزينا كأب فقد إحدى بناته

    ودون تفكير أسرعت إلى غرفتى وغمرت الكوب المجاور للفراش بالماء ووضعت فيه الوردة وأنا أدعو الله ألا تذبل .. وأصبحت هى شاغلى كل يوم أرعاها وأتوسلها أن تتمسك بالحياة ثم ما لبثت أن رقت لحالى وعادت للحياة من جديد ونقلتها لأصيص صغير قرب نافذتى .. كانت أول ما يلقى علىّ تحية الصباح .. وأول ما ابتسم له فى صباحى

    طبعا استعبت الدرس جيدا ولم أكرر فعلتى قط .. يجب أن أحيا هنا بإحساس عصفور رقيق وأن أنسى كل ما تعلمته من الأفلام الرديئة .. كم من ورود قتلوا ليقسموا لفتياتهم أنهم يهيمون بهن حبا .. يا لحفنة الأوغاد القتلة .. عذرا منك يا أمير .. يا ذا القلب الرقيق .. الطفلة الصغيرة ستجلس فى محرابك لتتعلم أبجدية جديدة للحياة

    الحياة كما ينبغى لها أن تكون



    (24)


    الأيام تمضى بى


    وقد تعلمت ألا أحسب الوقت


    ألا أنظر لعقارب الزمن التى تزحف دون انقطاع


    ألا أسأل الأيام عن اسمها والشهور عن ترتيبها والفصول عن دورتها الأبدية


    لا أريد التفكير بشىء آخر سوى أننى مع الأمير


    نتنفس ذات الهواء


    ونحيا فى ذات المملكة


    وقد بدأت أؤمن بأبدية السعادة التى لا يعكر صفوها شىء


    وقوة الحب الذى يجمع بين روحين بعيدا عن قسوة الواقع خارجهما



    وقد وبخت الطفلة المذعورة داخلى والتى تصر على أن مكروها ما يتربص بنا


    وأن تلك الغريزة بداخلنا التى ترفض فكرة الهناء الأزلى تعلن عن صحتها دوما حين لا نتوقع ذلك


    وقد سألت الله كثيرا ألا يحدث شىء ينغص حياتى ويجعل هواجسى السوداء واقعا يمرر سعادتى الوليدة



    لكن جرس إنذار قد بدأ يدوى فى كيانى ويصيبنى بالذعر ويطيح بسلام نفسى ويهدم كل أمل .. وكل حلم .. وكل حياة


    كان ذلك حين دخلت حجرتى ليلا .. كان الأمير قد جاء لتوه من الخارج وجلس على طرف الفراش منهكا ولم يبدل ثيابه بعد .. كدت أندفع نحوه قبل أن ألاحظ الهاتف الذى فى يده .. كان يتحدث بخفوت كعادته ولم يكن ذلك يثير ريبتى من قبل فنبرته الهادئة فى الحديث قد ألفتها تماما .. لكنى لم أعرف سر ذلك الوجيب فى قلبى الذى أخذ فى الخفقان كالطبل حتى خشيت أن يسمعه .. تواريت بعيدا عنه وأنا أحاول منع قلبى من الخفق .. منع أنفاسى من اللهاث .. منع أذنىّ من الاستراق لحديثه .. لكنى لم أستطع لفرط التعب البادى على ملامحه النبيلة .. ترى أى شىء قادر على جعله يحمل كل هذا الحزن المرتسم على وجهه؟

    خوفى عليه سبق فضولى لكنى لم أسمع من حديثه سوى كلمات قليلة جدا .. ميزت منها اسم واحد .. اسم أعرفه جيدا .. اسم ظننته قد اختفى من حياتى وحياة الأمير للأبد .. لكنى كنت واهمة وساذجة كعادتى .. اسم اخترق أذنى حرفا حرفا .. ومزق قلبى قطعا قطعا .. وبعثر كيانى ذرة ذرة .. وأرسلنى إلى الجحيم دفعة واحدة .. اسم امرأة توعدتنى ذات يوم أننى سأدفع الثمن غاليا .. وبدا أن وقت السداد قد حان .. اسم واحد قادر على أن يبعث الرجفة فى أوصالى .. وأن يجفف الدماء فى عروقى .. وأن ينزع الهواء عن رئتى .. وأن يلقى بأحلامى إلى الهاوية .. وأن يهدم جدران هذا القصر فوق رأسى حجرا حجر


    اسمكِ يا ناديـــــــــــــــــن



    (25)


    لا أدرى كم بقيت متكومة فى مكانى أبكى وأرتجف بعد رحيل الأمير .. كل شىء ينهار من حولى .. الكون كله يتصدع .. الأرض تتشقق من تحتى .. والسماء تنزف .. لقد تهاوى عالمى بالكامل فى بضع دقائق فحسب .. ضممت نفسى بأطرافى الأربع المرتعشة ودفنتها فى الجدار الشاهق الذى أشعر بشفقته علىّ الآن .. وقد تقافزت الهواجس السوداء من رأسى كشياطين جهنم .. تتسلق الجدران .. تزحف على السقف .. تنبت من باطن الأرض .. وتلف كل ما حولى بلونها القاتم .. معلنة الحداد علىّ .. كيف عدتِ يا ناديــــــــــن؟ .. هل فررتِ من أعماق البراكين .. أم حملتكِ إلينا الصواعق؟ .. أم جئتِ من قلب الجحيم؟ .. ماذا تريدين من الأمير؟ .. كيف يمكنكِ خداعه من جديد؟ .. حقا مثلك لن تعدم الحيلة لذلك .. من تتعلم منها الشياطين

    هل أسدلتِ شعرك الأشقر الجميل فوق عينيكِ الزرقاوين ورسمت فيهما الضعف والانكسار والحنين؟

    هل ذكرته بحب السنين؟

    هل ذرفتِ أمامه دموع التماسيح ومارستى طقوس الألم والأنين؟

    أخبرينى يا ناديـــــــن


    ومن أعماق قلبى انطلقت صرخة مدوية مزقت ستائر الليل وأفزعت الطيور من أعشاشها وأجفلت الرضع على صدور أمهاتهم وهزت أرجاء مملكة النور التى لن تعود أبدا كما كانت

    لن تعود

    ************

    أطلال متهدمة.. بقايا ورود ذابلة .. جذور أشجار مقطوعة .. سماء ضبابية حزينة قد هجرتها البلابل لتفسح المكان للبوم والغربان وقد صمت كل شىء استعدادا للهول القادم .. تلك هى مملكتى الآن .. مملكة النور قد تهدمت .. لم يبق منها أثر وهى الآن تليق بمأساتى بحق .. كيف جرؤت على الحلم بالسعادة الأبدية .. أى أبدية على الأرض الفانية أيتها الحمقاء .. كل شىء يفنى ويزول حتى الحلم .. لقد طال حلمكِ أكثر مما ينبغى .. لقد انتصف الليل منذ زمن .. وسندريلا قد نست نفسها مع الأمير .. وها هى تعود لمظهرها القديم ولحياتها التعسة من جديد .. لقد طمعتِ كثيرا يا حمقاء .. ذلك كله لم يكن لكِ من البداية .. فلترحلى الآن واتركى القصور لأهلها .. عودى لحجرتكِ الضيقة وتكومى فوق فراشكِ القديم وادفنى فيه أحلامكِ الوقحة التى تعدت حدودها كثيرا

    عودى لعالمكِ يا هيام .. فقد انتهت الأحلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى


    (26)

    زحفت نحو الفراش .. نحو البقعة التى كانت تحتويه منذ قليل .. تحسست مكانه وأنا أبحث عن أى شىء منه .. أمسكت بذرات الهواء أعتصرها بين يدى بحثا عن رائحته فيها .. ضممت قبضتى على الفراغ وأنا أهتف باسمه واستحلفه أن يعود لى

    أنا أبكى يا أمير .. هل ترانى؟

    أن أصرخ يا أمير .. هل تسمعنى؟

    أنا أتمزق يا أمير .. هل تشعر بى؟

    أنا أموت يا أمير .. هل ترضى لى هذا؟


    لطالما مسحت عبراتى بأناملك .. ومحوت خوفى بحنانك .. وأزحت ألمى برعايتك


    لمن تتركنى الآن يا أمير؟


    أحتاجك لأتنفس

    أحتاجك لينبض قلبى

    أحتاجك لأعيش


    عد إلىّ الآن .. أو عد لجثتى بعد قليل


    ودفعت بى صرخة أخيرة إلى خارج حدود الوعى أو علها خارج حدود الحياة




    استفقت فجأة وأنا أرجو الله أن يكون كل هذا كابوس طويل سأصحو منه الآن .. وانتفض لأجدنى غارقة فى تعاستى .. فى ضياعى .. فى ألمى .. حيث كل شىء كما هو .. مددت يدى أبحث عن مقبض هذا السكين الذى ينغمد نصله فى صدرى ممزقا ضلوعى مخترقا قلبى الذى ينزف دما .. ينزف حبا .. ينزف عشقا باتساع السماء وعمق مياه البحر .. الظلام يغلف كل شىء .. فقد رحل النور مع الأمير .. أين أنت يا أمير؟ .. أين أنت؟


    اخذت ارتجف وارتجف وقلبى يتمتم بكل ما يجلب السكينة فى ارتعاشته حتى برز أول خيوط النهار فى السماء .. جريت نحو النافذة أعب من هواء الصبح النقى وأنظر بأمل للنهار الذى يبدد الظلمة والخوف واليأس وانتظر فى صبر شروق الشمس لتهدى لى أول شعاع لها فوق الأرض .. عجبا ظننتها لن تأتى قط .. ظننتها ذهبت مع الأمير لتتركنى فى ظلام أبدى كالذى يجثم على روحى الآن .. ترى هل يحمل لى النهار أمل جديد؟ .. هل ستعود مملكة النور كعهدها؟ .. هل سيعود لى الأمير؟


    جاءنى الجواب حين هب النسيم وغمرتنى رائحة الياسمين وفُتح الباب عن الأمير .. تسمرت فى مكانى لحظات .. كان مازال منهكا .. كان التعب البادى على ملامحه يشى بليلة مرهقة .. حتى وريقات الياسمين تبدو فى طريقها للذبول حزنا .. طارت عيناى نحوه وأفزعت عصفور جريح يحوم حوله .. تجمد السؤال على شفتى .. أين كنت يا أمير؟ .. أخبرنى أرجوك .. قل لى ما الذى يثقل نفسك الشفافة إلى تلك الدرجة؟ .. قل لى ماذا يمكننى فعله لأمسح عنك هذا الألم؟ .. سأفعله فورا حتى لو كان فيه موتى .. حتى لو سألتنى الرحيل عن مملكتك لأفسح المكان لأميرتك السابقة من جديد


    سأفعل أى شىء .. لن تأخذنى الأنانية .. لن تأكلنى الغيرة .. لن أحقد عليك يا أمير .. فقد منحتنى الكثير .. أكثر مما أستحق .. سأرحل بهدوء فقط أخبرنى الحقيقة .. ولا تحاول أن تشفق علىّ .. لا تحاول إخفاء الحقيقة .. فمثلك لا يخدع .. لا يكذب .. ولا يخون .. أتوسلك يا أمير .. أخبرنى الحقيقة



    بعثرت نظراتى فوقه .. بحثت عنها خلف العينين .. بين الشفتين .. فوق الجبين .. بحثت عنها خلف الضلوع .. بين الأوردة والشرايين .. فتشت بين كريات دمه البيضاء والحمراء عن نادين .. بالله عليكِ أين تختبئين؟ .. أعلم أنكِ هناك .. أسمعكِ تضحكين .. أشم رائحة عطركِ الخانق الثمين .. أرى نظرة شامتة فى عينيكِ الزرقاوين .. أعلم أنكِ منى تسخرين .. فقد استرددتِ ما كنتِ تملكين


    أتعلمين؟


    أنا لا أشعر بالحقد .. أتتعجبين؟


    أنا لا أشعر بالغيرة .. أتندهشين؟


    أنا لا أشعر بالكره .. أتُصدمين؟


    لقد عشت ألف ألف حياة مع الأمير


    وتذوقت ألف ألف سعادة مع الأمير


    وتعلمت ألف ألف درس من الأمير


    أخذت ما يكفينى لمئات السنين


    وإن مت فلن أموت مرتين


    أتغارين؟


    فلتموتى بغيظكِ يا ناديـــــــــن




    (27)



    تقدم نحوى وعينيه ترحلان للسماء ثم ما لبثتا أن عادتا لتمسحان وجهى برقة وهو يقول


    - تبدين مرهقة يا هيام .. ألم تنامى جيدا؟



    تهدج صوتى وأنا أجيب


    - وهل يمكننى النوم فى غيابك؟


    - أعتذر لكِ .. فقد كان على الخروج سريعا


    - ترى .. هل .. هل هناك شىء؟


    - لا عليكِ .. سأذهب لأبدل ثيابى


    أوقفته بيد مرتعشة وعيناى تحاول النفاذ لأعماقه وأنا أقول


    - هناك ما تخفيه عنى يا أمير



    نظر لى بصمت


    - ألن تقوله لى؟


    - ما الذى تريدين معرفته؟


    - الذى يجعلك تخرج من بيتك فى منتصف الليل وتبيت ليلتك خارجه وتعود مرهقا تعبا حزينا هكذا



    بعثر نظراته بعيدا وهو يقول


    - هل يمكننى الاحتفاظ بهذا لنفسى؟


    نظرت له فى ذهول .. هكذا ببساطة تنحينى جانبا .. تنفينى من حدودك .. تبعدنى عن مساحاتك .. تقتلعنى منك


    - لا


    قلتها بقسوة .. قلتها بغلظة .. قلتها بقلب أنثى جريح .. ونهر من حمم يصب فى أعصابى مخلفا شعورا لا يمكن وصفه


    - هيام ............


    الآن تتدفق الحمم لتصهر الكلمات على لسانى وأنا أهتف به


    - أخبرنى الآن الحقيقة


    - لماذا تنظرين لى باتهام هكذا؟


    - أوليس يوجد واحدا؟


    - ما هو؟


    ضغطت على أسنانى .. على حروفى .. وعلى أعصابى وأنا أردد


    - الخيانــــــــة


    نظر نحوى بفزع .. بينما نظرت له بثبات أنثى على وشك خسارة كل شىء ولم يعد هناك ما تخشى عليه الضياع


    - هيام .. ماذا تقولى .. أى خيانة تلك؟


    - أنا سمعت كل شىء وإن لم أقصد ذلك


    - سمعتى ماذا؟


    - سمعت حديثك معها


    - معها؟


    - نعم لقد اخترق اسمها أذنى كالطلقة وهوى على قلبى كالصاعقة


    - هيام أنتِ ............


    نزعت نظراتى من فوقه وصفعت بها الجدار بكل ما يعتمل فى نفسى ولعله تصدع من جراءها وأنا أقول


    - لا تحاول يا أمير أنا متأكدة مما سمعته ولست فى حاجة للدفاع عن نفسك أمامى .. تلك حياتك ولك مطلق الحرية فى أن تحياها كما تحب ومع من تحب


    دخل هو مجال رؤيتى من جديد وهو يتساءل


    - ماذا تقصدين؟


    - أنا راحلة من هنا فلم يعد لى مكان فى دنياك


    تراجع خطوة للوراء ونظر لى بذهول وهو يقول


    - هل تتخلين عنى يا هيام؟



    واريت دمعة بكبرياء وأنا أجيب


    - بل أعفيك من الشعور بالحرج


    هز رأسه وهو يردد


    - أنا لا أفهمكِ أبدا


    - أنا لا أتمنى سوى سعادتك حتى لو كانت مع غيرى


    - لا سعادة لى دونك


    - أنا لا أملك لك شىء سوى قلبى وقد تنازلت لك عنه منذ عرفتك واعلم أن لا أحد يمكنه احتلال مكانك فيه


    - إذن لم تريدين هدم كل شىء؟


    - لتبنيه من جديد مع حبيبتك


    - أنتِ حبيبتى الوحيدة ولا أرى سواكِ


    - كفى يا أمير


    - لم لا تصدقين؟


    صرخت بقوة الألم .. بحرارة كل براكين الأرض .. باندفاع شلالات الكون

    - لأن هناك ناديــــــــن


    - نادين؟!


    مزقنى كل حرف نطقه من اسمها .. كل حرف منه .. نار .. ألم .. دموع .. يأس .. ندم .. هذا هو اسمكِ يا نادين .. كتمت آه كادت تفلت منى وأنا أجيب


    - نعم يا أمير .. لذا علىّ الرحيل


    - أنتِ لا تفهمين


    - ليتنى لم أفهم


    - أنا أحبكِ أنتِ .. أنتِ وحدكِ

    تعلقت بعينيه أبحث عن أمل يعيدنى للحياة من جديد قبل أن أقول بتردد


    - وناديـــن؟


    مسح دموعى الغزيرة وابتسم لى بحنان وهو يقول


    - لقد طويت صفحة الماضى من حياتى .. لكنى سأخبركِ عن ما تريدين


    - حسنا أنا أسمعك



    أطلق تنهيدة وأغمض عينيه فى ألم قبل أن يقول


    - يجب أن ترى بنفسكِ .. تعالى معى



    وأخذنى من يدى وأنا لا أفهم شيئا حتى وجدتنى جواره فى السيارة وهى تنطلق بنا إلى حيث لا أدرى .. لم أفتح فمى بكلمة وأنا أفكر في هذا الذى يريدنى أن أراه وقلبى يتوجس خيفة وشعور بالغثيان يغمرنى ونيران حارقة تتأجج فى معدتى .. يا إلهى ما هذا الألم؟ .. شعرت بأننى أركب سفينة تتقاذفها الأمواج حتى أصابنى دوار البحر ومنعت نفسى من التقيؤ بصعوبة حتى توقفت السيارة أخيرا أمام فيلا أنيقة .. نزلت من السيارة وتبعت الأمير إلى الداخل .. كانت هناك حديقة فسيحة تناثرت فيها المقاعد وكان هناك بعض الناس ينتشرون فى الحديقة وقد استرعى انتباهى أنهم يرتدون جميعا زيا أبيض موحد مما يوحى بأننا فى مستشفى ما .. تعلقت بذراع الأمير وأنا أقاوم الدوار الذى يلفنى ويجاهد لينزع عنى وعيى .. حاولت سؤال الأمير عما نفعله هنا .. لكنى لم أستطع الكلام .. واصلت السير بصمت وأنا أشعر بشعور من يمشى على وسادات هوائية .. فأعلوا معها ثم أنخفض ويواصل كل شىء الرقص من حولى حتى توقف كل شىء .. حتى الهواء كف عن الصفير فى أذنى وكفت الطيور عن رفرفة أجنحتها ووقفت تتابع ذلك المشهد المذهل


    كانت هناك على أحد المقاعد بثوب أبيض ناصع وقد أسدلت خصلاتها الشقراء على كتفيها بينما تحلق عيناها الزرقاون فى الفراغ



    توقف قلبى للحظات وأنا أنظر لها فى بلاهة .. قبل أن أجر قدمى جرا لأقف أمامها .. كانت مازالت تحدق فى لا شىء .. ويبدو كما لو أنها لم تعد تنتمى لعالمنا قط .. مددت يدى نحوها متوقعة أن تنقض عليها فجأة .. ولكن شيئا لم يحدث .. حركتها يمينا ويسارا أمام عينيها الزجاجيتين اللتين طالما أطلقتا شرارتهما فى وجهى .. وصوبتا سهامهما النارية إلى كيانى لتصهرانى خجلا وألما .. بدت أمامى كطيف لا وجود له أو لعلى أنا تحولت لشبح غير مرئى ..


    تلفت حولى .. هل ترونها أنتم أيضا أم أن هذا بعض هذيان .. بعض جنون


    بعض أى شىء آخر خلاف الحقيقة



    من أنتِ؟ .. أين نادين؟ .. أأنتِ نادين؟


    هل أضحك؟ .. هل أبكى؟ .. هل أجن؟


    ماذا أفعل يا أنتِ؟



    أشرت نحوها وعقلى يصرخ فلم يعد لسانى فى نطاق الخدمة


    أنتِ .. أنتِ يا من أحلتِ حياتى جحيما لا يطاق


    يا من زلزلتِ الكون من حولى


    يا من ألقيتِ بى إلى الكوابيس لتتقاذفنى فيما بينها


    يا من جعلتنى على وشك هدم حياتى ووأد سعادتى الوليدة فى رمال الشك


    لم تجلسين هكذا؟ .. لم تتظاهرين بالوهن والضعف وانعدام الحيلة؟ .. قومى من مكانكِ أيتها الحية الرقطاء وواجهينى .. أيقظى النمرة الشرسة التى تعيش تحت جلدكِ الناعم واجعليها تنشب مخالبها كما اعتادت .. لا تقولى لى أنكِ قد تحولتِ لحمل وديع مسالم بعدما ضاع منكِ الأمير .. لا تقولى لى أنكِ قد استدررتِ عطفه وشفقته عليكِ بإدعائكِ المرض ..


    أن كان ابتعاده عنك يصيبكِ بالمرض .. فابتعاده عنى يصيبنى بالموت


    وإن كان ابتعادكِ عنه يرسلكِ للجنون .. فابتعادى عنه يرسلنى للقبر


    لا تقولى أنكِ تحاولى أن تسلبيه منى دون حرب عادلة معى


    لا أيتها الأفعى أنا لن أسمح لكِ أبدا .. لن أسمح .........


    وهنا بدا أننى استنفذت طاقتى بالكامل وبدأ وعيى يتسرب منى كحبات الرمال وسقطت أرضا وآخر ما علق بعينى نظرتها الخاوية من أى معنى وأى حياة


    (28)

    أوقفوا هذا المنطاد الذى يحملنى وتطوحه الرياح دون توقف .. يبدو كما لو أنه لا وزن لى أو أن قانون الجاذبية لم يُكتشف بعد .. أعيدونى إلى الأرض أرجوكم .. أريد أن أتوسد صدرها الصلب الثابت .. كفوا عن الدوران من حولى أيها الحمقى .. كفووووا

    - كفى اااااااا

    - هيام

    فتحت عينى ببطء وأنا أشعر أن جفونى تزن أطنانا .. ما زال هناك بعض الغثيان وبعض الدوار وبعض من كل ما يمكن أن ينغص عليك حياتك

    كنت ممددة على فراش مكسو بالأبيض وبجانبى الأمير تحمل عينيه نظرة قلق وإشفاق .. حاولت النهوض من مكانى
    - أين أنا يا أمير؟

    أعادنى برفق وهو يقول
    - استريحى الآن ولا تجهدى نفسكِ

    - هل حدث شىء؟

    - لا تخافى .. أنتِ بخير يا حبيبتى

    - حقا .. ما هذا الشعور العجيب إذن؟

    - لقد أرهقتى نفسكِ كثيرا ولم تنامى جيدا بالأمس

    - لا تذكرنى بالأمس أرجوك .. لقد كانت أسود ليلة فى حياتى

    - لم؟

    - ظننتنى فقدتك للأبد

    - يا لطفلتى المذعورة الطائشة!

    - كنت على وشك الموت يا أمير

    - لا تقولى هذا .. لا طعم لحياتى دونكِ .. كم أتمنى أن تعلمى هذا دون أن أذكركِ به كل يوم

    - هل أنت غاضب منى؟

    - لم؟

    - لقد جرحتك بكلامى المتهور واتهمتك بالــــ ......

    عضضت شفتى ندما

    ابتسم وهو يقول

    - وهل أغضب لأن حبيبتى تغار علىّ؟

    - أنا أغار عليك من نفسى

    - وأنا أيضا

    - أنت تغار؟! .. مستحيل

    - ولم لا؟

    - لأن لا يوجد من يمكنه أن يجعلك تغار

    - بل يوجد

    - لا أحد فى حياتى سواك أنت وأمى وخالد وخلود .. أنتم تحتلون حجرات قلبى الأربعة ولا يوجد مكان لسواكم

    - إذن يجب أن تجدى حجرة شاغرة الآن

    - لمن؟

    - لمن سأغار منه

    - وتريدنى أن أجد له مكان فى قلبى؟!

    - نعم

    - لا أفهم

    - أعتقد أنه الوحيد الذى يمكننى الغيرة منه وحبه فى الوقت نفسه

    - ما هذا اللغز؟ .. أنا لا أفهم شيئا

    - هل ما زلتِ تشعرين بالدوار؟

    - نعم

    - والغثيان

    - نعم .. ولكن ما علاقة ذلك بـــــ ...........

    - باقى أن تشتهى شيئا ما لا يمكن إيجاده أبدا وسأذهب لآخر الدنيا لأجلب لكِ بعض منه

    - ..........................

    - يا إلهى ظننت النساء جميعا يفهمن فى تلك الأمور ولكن طفلتى الصغيرة لا تستطيع استيعاب ذلك

    - ......................

    - هيام .. ستصبحين أم بمشيئة الله وستهبينى أجمل هدية فى الوجود .. هدية صغيرة لا تكف عن البكاء وإفساد الثياب لكنها تعطى الحياة مذاق أجمل

    - .....................

    - هيام كفى عن التحديق بى كقطة مذعورة .. وأغلقى فمكِ هذا قليلا .. لا أريد أن يعرف طفلى بأن له أم بلهاء


    هنا لم أحتمل المزيد وفعلت الشىء الوحيد الذى أجيده هذه الأيام واندفعت فى نوبة بكاء هستيرية من النوع القادر على عمل بحيرة صغيرة وسط الغرفة وفعل الأمير واجبه فى جلب كل مناشف الأرض لابتلاع بعضها دون جدوى


    هل سأصبح أما حقا .. هل سيأتى أمير صغير يملأ حياتى صخبا وسعادة .. هل ستستقبل مملكة النور ولى عهدها؟ هل ستنبت جذورى فى أرضك يا أمير بعدما ظننت أنها أُقتلعت منها للأبد .. لا أصدق .. حقا لا أصدق

    حمدا لك يا أرحم الراحمين

    *************

    غادرت المكان الذى علمت أنه مصحة نفسية تاركة ورائى الهواجس والشك ونيران الغيرة التى تحولت لرماد بعد انسحاب غريمتى الوحيدة من حياتى ومن الحياة ذاتها

    وعلمت فيما بعد القصة كلها حيث وقعت نادين فى شراك نصاب بارع أوهمها بأنه شاب فاحش الثراء وأنه غرق فى حبها منذ الوهلة الأولى وقد أحكم شباكه حولها بشدة حين ظنت أنها من أوقعته بجمالها الصارخ

    وما لبث أن أقنعها بمشاركته فى مشاريع وهمية ستدر عليهما أرباحا خيالية وبدأ فى إغراء غريزتها الطامعة فى المزيد من كل شىء

    وقد كان أن سلبها كل ما تملك ومن ثم تبخر كليا ولم تعثر له على أثر قط وقد جن جنونها وهى لم تصدق أن تنال صفعتين متتاليتين على وجه غرورها وبدأ عقلها فى التهاوى إثر صدمتها المروعة

    وفى نهاية الأمر حُملت إلى تلك المصحة النفسية وقد تحولت لنبات لا تتكلم .. لا تنفعل .. لا يصدر عنها ما يوحى بأنها على قيد الحياة وقد قام الطبيب الذى هو صديق للأمير بإبلاغه بالأمر فى تلك الليلة التى خرج فيها مسرعا بدافع من واجبه الإنسانى نحو مطلقته وقام بما يلزم وبما يليق بنبل أخلاقه وتكفل بنفقات إقامتها للعلاج بالمصحة رغم تأكيد الطبيب بأنها ستبقى على جمودها هذا ما بقى من حياتها .. ولم يكن الأمير يرغب فى معرفتى بالأمر لولا إصرارى على ذلك فى لحظات جنونى

    ترى هل ستصدقونى لو أخبرتكم أننى أشفق عليها حقا .. تلك القابعة هناك بثوبها الأبيض وملامحها الجامدة وقد ذهب عنها غرورها وتسرب منها كبريائها وهجرتها شراستها للأبد

    لا يمكننى أن أحمل لها ضغينة .. لقد نالت عقابها من العزيز الجبار .. وليس لنا سوى أن نتعظ وندرك حقيقة ضعفنا البشرى ونكف عن التجبر فى الأرض التى لا تعرف لها سوى ملك واحد وكل ما دونه لا يعدو أن يكون سوى طعام ديدانها حين تبتلعه داخلها ليدرك حقيقته بعد فوات الأوان

    نحن الضعفاء إليك يا قوى .. نحن الفقراء إليك يا غنى .. نحن الأذلاء إليك يا عزيز .. نرجو عفوك .. نبتغى مرضاتك .. نتطلع لجنتك .. فاقبلنا يا الله وأدخلنا فى رحمتك

    كان قلبى يتمتم وعيناى تدمع ويداى تتحسس القطعة الدافئة الرابضة بين أحشائى ومزيج من الرهبة والخوف والسعادة والأمل والرضا والقلق يفعم نفسى والسيارة تنطلق بنا نحو مملكة النور التى تفتح ذراعيها لتحتوى ثلاثتنا بكل الحب


    (29)


    ألم .. ألم .. ألم


    يا إلهى أشعر أننى أوشك على الموت .. ما تلك التقلصات البشعة؟ .. ما هذا الألم الشنيع؟ .. قبضات الألم تعتصرنى .. تنتزعنى من مكانى وتلطمنى بالسقف .. بالجدران .. تتقاذفنى فيما بينها ككرة مطاطية .. تنزع روحى منى .. ما أصعب خروج الروح من الجسد .. لكنها ليست روحى أنا .. هى روح أخرى .. غُرست فى أحشائى منذ شهور .. ورافقتنى بضع شهور .. وأسعدتنى بضع شهور .. وآلمتنى بضع شهور .. والآن تريد الخروج فى بضع لحظات فحسب .. مصطحبة معها ثلاثة كيلوجرامات من اللحم البشرى.. يا إلهى لم أعرف أن الأمر بهذا القدر من الألم القادر على تفتيت جبل .. كيف تحتمل النساء هذا .. ويجرؤن على تكراره أيضا .. أنا لا أفهم .. ليتنى سألت جارتنا تلك التى تملك سبعة أطفال .. يا إلهى كيف هى على قيد الحياة الآن .. وأمى .. آه يا أمى .. هل تحملتِ من أجلى وأجل الوغدين الصغيرين كل هذا الألم .. أكاد أتلاشى يا أمى .. أشعر أننى بضعة خربشات بقلم رصاص على وجه الحياة .. وهناك ممحاة عملاقة تتقدم نحوى.. أبعديها عنى يا أمى أرجوكِ .. ذلك المشاغب الصغير يلهو بها وسيمحونى تماما



    رفقا بى يا صغيرى .. لا أحتمل كل هذا .. أعرف أن موعد خروجك للحياة قد آن .. ربما تكون قد مللت تكورك داخلى طيلة الشهور الماضية .. ربما وددت الخروج من ظلمات أحشائى إلى حيث النور .. ربما تشتاقنى والأمير كما اشتقنا لك .. ولكن على رسلك لست فى حاجة لكل هذا الصخب لأعرف .. أعدك أن نعمل على إخراجك بأمان إلى بيتك الجديد .. حيث سنلهو معا ونرعاك جيدا أنا والأمير وسأجلب لك لعبا كثيرة وسأحكى لك حكايات جميلة و ...........آآآآآه مهلا ماذا بك؟ لماذا تتعجل الأمور؟ .. حسنا سأحاول الآن لكنى لا أستطيع وحدى ساعدنى أرجوك



    كان العرق يغمرنى ولا أكاد أرى أحدا ممن حولى الذين يرتدون الأبيض ويتكلمون دون انقطاع ويحاولون باستماتة إقناع صغيرى المشاغب هذا بالخروج ويسألونى أن أساعدهم .. يالحفنة الحمقى .. أنا لا أقو حتى على الصراخ .. ولا يمكننى فعل شىء لنفسى فكيف سأساعدكم بالله عليكم



    وهنا وصل الألم لذروته وأطلقت صرخة من أعماق قلبى عصفت بما بقى من وعيى قبل أن يتناهى لسمعى صوت صغيرى وهو يحتج على انتزاعه بتلك الطريقة ويوبخ كل من حولى بصراخه المتصل فى وجوههم .. أحسنت يا صغيرى .. أحسنــــ ...............


    وهنا غاب كل من حولى عنى أو لعلى غبت أنا عنهم




    حين أفقت كنت ممدة على الفراش وبجوارى الأمير يحمل أجمل ابتسامة فوق شفتيه


    - حمد لله على سلامتك


    - سلمك الله


    نظرت حولى ووجدت المهد الصغير حيث يغفو عليه صغيرى فى سلام أشرت نحوه وسألت الأمير


    - هل هو بخير؟


    - بل هى بخير


    - هى؟ .. هل هى أنثى؟


    - نعم


    - حقا وكيف تبدو


    - رائعة وتشبهكِ كثيرا


    - ياللمصيبة


    أشار بسبابته أمام وجهى كمن يوبخ طفلة صغيرة وهو يقول


    - اممم هل عدنا من جديد؟


    ابتسمت بخجل وأنا أجيب


    - لا .. أعنى .. يا لفرحتى


    ونظرت نحوها باشفاق وأنا أردد


    - هل جاءت للدنيا هيام أخرى


    - لا يوجد سوى هيام واحدة وكانت من نصيبى أنا لحسن حظى


    - إذن هى من تكون؟


    - اختارى لها اسم


    - سندريلا


    انسابت ضحكة جميلة منه وهو يقول


    - وهل سنبحث لها عن أمير


    فكرت قليلا قبل أن أجيب


    - لا .. قد لا تجد أمير آخر .. ربما كان حظ أمها أفضل بكثير


    - إذن فلنجعلها هى الأميرة


    - أميرة


    - ما رأيك؟


    - اسم جميل .. أنت الأمير وهى الأميرة فمن أكون أنا؟


    - أنتِ ملكتى ومولاتى وحبيبة قلبى


    - كفى أرجوك لا قوة بى للبكاء الآن


    - حسنا لا داعى لذلك


    - أريد أن أراها


    توجه نحو المهد الصغير وحمل الصغيرة بين يديه وقربها منى .. نظرت نحوها ولم أصدق أن ذلك المخلوق الرقيق كان بداخلى أحمله معى أينما ذهبت والآن وقد انفصل عنى وأصبح له كيانه الخاص


    كانت تبدو جميلة حقا وقد أسبلت عيونها وراحت فى نوم عميق بعد عناء طويل مع هؤلاء المزعجين الذين ضايقوها بشدة اليوم وتذكرت صراخها فى وجوههم وابتسمت لها


    مرحبا بكِ يا أميرتى الصغيرة .. تبدين قوية يا صغيرتى .. هكذا أريدكِ دوما .. سأمنحكِ كل ما حرمت نفسى منه .. سأجعلكِ تحبين نفسكِ كما أحبها خالقكِ الذى منحكِ نعمة الحياة .. سأعلمكِ كيف تواجهين الحياة ولا تتوارى عن عيون البشر .. سأعلمكِ كيف تثقين بنفسكِ وبقدراتكِ وبعقلكِ وبأحلامكِ .. سأعلمكِ كيف تطغى روحكِ الجميلة على ملامحكِ لتجعلكِ أجمل فتيات الكون .. ويوما ما ستقابلين أميركِ النبيل .. وستبنيان معا مملكة نور جديدة بحب وسعادة وإيمان

    قبلت الجبين الوردى الناعم بشفتين مرتعشتين .. وشعور جديد لم أجرؤ على الحلم به يوما يدغدغ كيانى


    ما أجمل إحساس الأمومة


    حمد لك يا إلهى


    (30)


    كــــــــــــان يا مـــــــــا كـــــــــــان


    فى هـــــــذا العصـــــــــر والآوان


    عاشـــــــــــت سندريــــــــــلا


    سندريــــــــلا .. كانت فقيــرة


    سندريــــــــلا .. لم تكن جميلة


    أو هكذا تراها العينــــــــــان





    سندريــــــــلا .. لم ينقصهــــا الحنـــان


    سندريــــــــلا .. لم تفتقــــــد الأمـــــــان


    وعليهـــــــا لم يقسُ الزمــــــــــــــــــــان


    لكنهـــــــــا لم تطلق لأحلامهــــا العنان


    لم تحلم يوما بحذاء أو فســــــــتان





    ولم تجرؤ على الذهاب لحفل الأمير


    لم ترتدى فستـــــــــان من حريـــــــر


    ولم تفقد حذاء البلور فى القصر الكبير





    لكن الأميــــر عرف إلى بيتها الطريــق


    وعشق قلبهـــــــــا الطيب الرقيــــــق


    ودعـــــــــاها لتكون الأميــــــــرة





    سندريــــــــلا .. الجميــــــــــــلة


    هكذا تراها مرآتـــــها الأثيــــــرة


    وهكذا يراهــــــــا الأميــــــــــر






    وهكذا تحكى الأساطيـــــــــــــر


    عن سندريــــــــلا والأميــــــــر


    أو عن


    هيــــــــــــــــام ونبيـــــــــــــــل



    أغلقت كتاب الحواديت ونظرت لأميرتى النائمة فى سلام


    وضع كفه على كتفى وهو يسألنى بخفوت


    - هل حكيتِ لها حدوتة قبل النوم؟


    التفت له وأجبته


    - نعم يا نبيل


    - نبيل؟!


    - نعم


    - وأين ذهب الأمير؟


    - ذهب ليلحق بسندريلا


    ابتسم وهو يسأل

    - وماذا عن هيام؟



    نظرت له فى امتنان وأنا أجيب

    - هيام شُفيت من عقدة الأساطير لأن واقعها بات أجمل بكثير



    أحاطنى بذراعيه ونظر لعينى وهو يهمس

    - هيام .. أنا أهيم بكِ حقا



    التمعت دمعة فى عينى وأنا أهمس بدورى

    - وأنا أعشقك يا نبيل .. يا أنبل نبلاء الكون



    خطوت معه نحو الشرفة وتأملنا المملكة الناعسة حيث تغفو الطيور فى أعشاشها .. وتضم الورود بتلاتها الناعمة .. ويطل القمر من فوق عرشه على مملكته السوداء وقد تراصت رعاياه من النجوم حوله تتلألأ على سبيل التحية

    وقد سرت فى نفسى طمأنينة وخشوع لمالك هذا الملكوت الذى يغمرنا بنعمه التى لا حصر لها

    أسندت رأسى على كتف أغلى نعمه علىّ .. وأسبلت عينى وشعور بالأمان يتغلل فىّ ليحتل كل ذرة فى كيانى للأبــــــــــد


    **************

    تمت بحمد الله

    **************

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الموقع
    أحزان قلبي لا تزول حتى أبشر بالقبول وألقى كتابي بيميني وبعيني ارى الرسول (صلى الله عليه وسلم )
    الردود
    5,921
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    11
    جهد تشكرين عليه يا حبيبه
    جزاك الله خيراا وزادك من فضله ودام قلمك ضياءا للفيض

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,357
    الجنس
    امرأة
    من اجمل ماقرات فى حياتى
    سلمت يمناك
    ياريت تتقبلينى فى صفوف معجبيك
    آخر مرة عدل بواسطة smsmy : 23-06-2010 في 08:04 PM

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى
    تعقيب كتبت بواسطة الخلاص عرض الرد
    جهد تشكرين عليه يا حبيبه
    جزاك الله خيراا وزادك من فضله ودام قلمك ضياءا للفيض
    شكرا لكِ مشرفتنا الغالية / الخلاص

    أسعدنى حضوركِ جدا

    وشكرا لتشجيعكِ المتواصل

    بارك الله فيكِ

    تحيتى

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى
    تعقيب كتبت بواسطة smsmy عرض الرد
    من اجمل ماقرات فى حياتى
    سلمت يمناك
    ياريت تتقبلينى فى صفوف معجبيك
    شكرا لقلبكِ غاليتى

    أسعدنى مروركِ جدا

    ولى الشرف بمتابعتكِ

    تحيتى

مواضيع مشابهه

  1. الردود: 302
    اخر موضوع: 09-11-2010, 11:45 AM
  2. الردود: 19
    اخر موضوع: 01-08-2010, 11:29 AM
  3. حلقات ستغير حياتك مئة و ثمنين درجة ....الآن حلقات قصة النهاية كاملة
    بواسطة اذا و فقط اذا في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 2
    اخر موضوع: 18-07-2010, 12:35 AM
  4. ..........بلايز طويلة كات.............
    بواسطة DrBasmaElshaf3i في الأزياء والأناقة
    الردود: 115
    اخر موضوع: 19-07-2007, 10:29 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ