انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 9 12345 ... الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 90

الموضوع: لسوف أعود (قصة من تأليفي)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة

    المواضيع المتميزة لسوف أعود (قصة من تأليفي)








    ملاحظة: حقيقيون أبطال قصصي

    سارة، مريم وسيف

    لطفاً اضغط على النشيد قبل أن تبدأ في القراءة


    [ram]http://www.anashed.net/audio/samtan/ommy.rm[/ram]
    آخر مرة عدل بواسطة الغزيل : 13-06-2009 في 03:10 PM السبب: مُتميّزة ..

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة
    لسوف أعود



    توقفت سيارة الأجرة التي كانت تقلني إلى المدرسة. أخرجت من محفظتي عشرة دراهم للسائق. دخلت بسرعة متوجهةً ناحية الحاسوب الذي اعتدنا تسجيل حضورنا عليه. الساعة تشير فيه إلى السابعة وست وأربعين دقيقة. نظرت إليّ المشرفة الإدارية قائلة:
    - توقيعك بعد الخط الأحمر!!
    أجبتها مبتسمة: بإذن الله غداً سيكون أخضر!



    ** ** ** **



    في غرفة المدرسات بدأت أحضّر لحصصي. دخلت علينا المعلمة المناوبة.
    - الطابور يا مدرسات. المديرة نبّهت بالأمس على حضور جميع المعلمات إلى جانب الطالبات.
    خرجت زميلاتي وبقيت وحيدةً في الغرفة. انهمكت في التحضير لكن توقفت عن الكتابة ورفعت رأسي حين ارتفع صوت نشيد في الإذاعة المدرسية.

    لسوف أعود يا أمي أقبّل رأسك الزّاكي(1)


    أبثّك كلّ أشواقي وأرشف عطر يُمناكِ



    كان الصوت يحمل نبرةً حزينة ومؤثرة. هذا الصوت أعرفه. إنه لـِ... لـِ... لـِ... وبينما أعصف أفكاري علّي أتذكر كانت كلمات النشيد تتساقط على مسامعي.

    أمرّغ في ثرى قدميـ ـكِ خدّي حين ألقاكِ

    أروّي التّرب من دمعي سروراً في مُحيّاكِ



    تذكرت! إنها "سارة" الطالبة في الصف التاسع. خرجت من الغرفة. تسارعت خطواتي نحو الطالبات المشاركات في الإذاعة. سألت مقدمة البرنامج التي وقفت تنتظر انتهاء الفقرة عن المعلمة المشرفة على الإذاعة، فأجابت:
    - إنها الآنسة "عبير" الاختصاصية الاجتماعية.
    التفت حولي، وألقيت نظرةً سريعة على جميع الواقفات في الطابور، فلم أجدها. هناك في غرفة أمينات السر وجدتها تصوّر مجموعةً من الأوراق. سلّمت عليها و...
    - عبير. هل أنتِ المشرفة على إذاعة اليوم؟
    - نعم. هل هناك شيء؟
    - النشيدة!
    سكتت، ووصل إلى أسماعنا صوت سارة.

    فكم أسهرتِ من ليلٍ لأرقد ملء أجفاني



    - النشيدة رائعة.
    - عبير ألَمْ تجدي غير سارة؟!!
    - إنها أجمل صوت إنشادي مميز في المدرسة وبدون منازع.
    - لكن لديها ظرفها الخاص.
    خرجت الكلمات مني وهي تحمل نبرة غضب مكتومة. هنا تذكرت أن عبير اختصاصية جديدة في المدرسة. كانت سارة تكمل النشيد.

    وكم أظمأت من جوفٍ لترويني بتحناني



    أكملت بهدوء:
    - قبل ست سنوات توفيت والدة سارة في حادث سيارة. كانت في طريقها للمدرسة لتأخذها إلى البيت لكن سيارتها انحرفت عن الطريق، وبسبب إصابتها الشديدة توفيت قبل قدوم سيارة الإسعاف.
    سكنت عينا عبير، وتمتمت بصوتٍ خافت:
    - وسارة؟!
    - سارة جلست تنتظرها في المدرسة برفقة بعض المعلمات اللواتي تأخرن في الذهاب ذلك اليوم، وحين وصل خبر الحادث إلى المعلمة المناوبة اتصلت بوالدها الذي لم يرد، فاضطرت لتوصيلها بسيارتها الخاصة إلى منزل جدها. طوال الطريق كانت سارة تبكي بصمت رغم عدم علمها بما حدث لوالدتها. سألتها المعلمة عن سبب بكائها فانطوت على نفسها ورفضت الحديث.

    ويومَ مرضتُ لا أنسى دموعا منكِ كالمطر

    وعيناً منك ساهرة تخاف علي من خطرٍ



    - وما الذي حدث بعدها؟
    - تغيبت سارة عن المدرسة أسبوعاً كاملاً، ولم يمر عام حتى تزوج والدها، وتركها تعيش في كنف جدها.
    - ومن يعتني بها؟!
    - جدتها وخالاتها.
    وقفت عبير إلى جانبي نستمع إلى سارة وهي تنشد. كانت علامات التأثر باديةً على وجهها. رغِبت في إيقافها لكني أمسكت يدها، وطلبت منها أن تدعها تكمل.

    ويوم وداعنا فجراً وما أقساه من فجرِ

    يحار القول في وصف الـ ـذي لاقيتِ من هجري




    كانت خصلات شعر سارة الناعمة تكاد تقترب من عينيها. حجابها الأسود سقط على كتفيها، والشريط الأزرق الذي رفعت بِه شعرها زادها جمالاً، وصوتها الشجي الهادئ اخترق القلوب، وأرغم كل من وقف ذلك الصباح في الطابور على الصمت حتى همسات الطالبات التي اعتدنا عليها اختفت.

    وقلتِ مقالةً لا زلـ ـتُ مدّكراً بها دهري


    محال أن ترى صدراً أحنَّ عليك من صدري



    ** ** ** **
    آخر مرة عدل بواسطة وفاء العميمي : 13-06-2009 في 03:32 PM

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة
    بعد انتهاء الطابور سألتني عبير: أما تزال سارة متأثرة بفقد والدتها؟
    أمسكت يدها وقلت: تعالي معي إلى المكتبة؟
    كانت أمينة المكتبة قد جهزت ركناً خاصاً حمل مجموعةً من الكتب والمجلات والمطويات. كانت كلها عن الأم.


    ببركِ يا منى عمري إلهُ الكون أوصاني

    رضاؤك سرّ توفيقي وحبّكِ ومض إيماني

    وصدق دعائكِ انفرجت به كربي وأحزاني


    أمسكت مجلةً قديمة. فتحت على صفحة أعرفها جيداً وناولتها إيّاها. بدأت تقرأ بصوت مسموع: نتائج مسابقة أجمل رسالة إلى الأم. توقفت وأكملت القراءة بصمت.






    بسم الله الرحمن الرحيم


    أمي الغالية... منذ سنوات وأنا أكتب لكِ رسائل عديدة. كنت كلّما أحس أنّي بحاجة إلى الحديث معكِ أمسك قلمي لأوجّه لكِ ما أعجز عن البوح بِه لمن هم حولي. بودّي لو أطلعكِ على كل ما كتبته، وأبثّكِ بعضاً ممّا في قلبي الصغير.

    أمي العزيزة...
    لا أعرف ماذا أكتب؟! أو ماذا أقول؟! أو من أين أبدأ؟! سأبدأ بالبوح عن أمنتياتي. تمنّيت أن أسألكِ، تمنيت أن أناقشكِ في أمور عدّة. أياماً كثيرة مرّت احتجت فيها إلى نصحك وإرشادكِ. احتجت إلى من يجيب على أسئلة عديدة يضج بها رأسي. أسئلة لم أجد لها إجابة! حيّرتني وما تزال!
    دائماً ما تخالجني هواجس عديدة، منها ما يدوم، ومنها ما ينتهي لحظة ميلاده. متأكدة أنّي سأجد لديك أذناً صاغية، لما أقوله أو أكتبه لكن هيهات هيهات. لقد منحتني ذات يوم كل اهتمامك. منحتني ما كنت أتمناه، وما لم أكن أتمنّاه.
    مرّة شاهدتكِ في المنام تطلبين منّي أن أقول لكِ كل شيء. استغربت من طلبك، لكن تمنيت ساعتها لو أحكي لك كل شيء. آآه لو عرفتي يا أمي ما في جوفي من حكايات ضاق بها صدري. حكايات لا تموت أقصها على نفسي كل يوم لكن ذلك مستحيل.
    أمي ... إن الحياة صعبة، أصعب ممّا تصورت، والواقع يجب أن أرضى به حتى لو وقفت عاجزةً أمامه. ثقي بأني كل صباح أتذكرك ويلوح طيفك أمام ناظري حين أرتّب شعري، وحين أنتظر الحافلة، وحين أعود إلى البيت وقت الظهيرة.
    أمي... كنتِ موجودةً معي، والآن رحلتي. أنا في دار وأنتِ في دار أخرى، ولا أعلم إن كُتِبَ لنا أن نلتقي مرةً أخرى.

    من تفتقدك كثيراً


    ابنتك

    سارة


    ملاحظة: هذه الرسالة كتبتها لأمي التي غابت عن عيني لكنها ما تزال تسكن روحي.


    ** ** ** **

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة
    بعدها بأيام وفي غرفة المدرسات جلست أصحّح مجموعة من الكراسات. دخلت سارة وهي تحمل ملفاً لمعلمة اللغة الإنجليزية. وقفت زميلتها مريم عند الباب تنتظرها. تأملت مريم. إنّها تقارب سارة في الطول. عيونها ناعسة و...!!! وعلامات حمراء على خدها الأيسر. يبدو لي أنها كدمات.
    - مريم. من فضلك اقتربي.
    فدخلت والتردد يثنيها. دققت النظر. "نعم، إنها كدمات!" هكذا ردّدت في نفسي.
    - هل أصابكِ مكروه؟
    - لا يا معلمتي!
    - هل سقطتِ؟
    وهي تهز رأسها نافيةً، قالت: لا!
    - حسناً ما هذه الكدمات التي على وجهك؟
    - إنها الخادمة!
    سرت رعشة في أوصالي، وسألتها: أتعنين أن الخادمة قد مدت يدها عليكِ؟
    - نعم. لقد صفعتني على وجهي!
    - ولماذا؟
    - اغتاضت منّي اليوم حين رفضت تناول الفطور.
    - بهذه البساطة؟
    ردّت بانكسار: لقد اعتدت على ذلك!
    رن الجرس معلنا انتهاء فترة الاستراحة. استأذنتي في الذهاب إلى صفها وخرجت برفقة سارة.



    ** ** ** **


    - والآن. ما رأيكِ فيما حدث؟!
    - إنه موضوع لا أستطيع أن أتدخل فيه.
    - أنتِ يا عبير من يقول هذا الكلام؟! أين حرصكِ واهتمامكِ بالطالبات؟!
    - موجود لكن هنا بين أسوار المدرسة لا خارجها!
    - ومريم ألا تستحق الاهتمام؟ أليس ما حدث لها جريمة في حقها؟ وممن؟ من الخادمة؟!
    - ماذا يمكنني أن أفعل؟!
    - أقل شيء استدعي والدتها، وأعلميها ما حدث.
    - وإن كانت تعلم؟!
    - فتلك مصيبة! وأيّ مصيبة!!





    ** ** ** **

    بعد اتصالات عديدة جاءت الأم، وليتها لم تأتِ. حين ناقشنا معها موضوع ابنتها رأت أنّنا نهوّل الأمور، ونعطيها أكبر من حجمها!! والخادمة -من وجهة نظرها- التي تعمل لديها منذ ثماني سنوات لم ترتكب خطأ وقد تكون ابنتها المخطِئة!!
    - لكن هل يُعقل أن يصل الأمر إلى الضرب! "هكذا حدثتها بانفعال"
    - ربما لم تكن تقصد.
    - كيف... ومريم أخبرتنا أنها اعتادت على ضرب الخادمة؟!
    - والمطلوب؟
    - انتبهي لابنتك لأنها بحاجة إليكِ خاصة وهي في هذا السن، وأوقفي الخادمة عند حدها.
    - كيف؟
    - استغني عن خدماتها.
    - أستغني عن خدماتها!!! مستحيل!! من سيدبر شؤون منزلي إن ذهبت؟! أنتِ لا تعرفين خادمتي، وقد لا تعلمين أن جميع جاراتي يحسدنني عليها.
    خرجت أم مريم مثلما جاءت! خرجت وقلبي يتفطّر على ابنتها المسكينة، ويشتعل غيضاً منها ومن الخادمة التي خلا قلبهما الرحمة!!



    ** ** ** **
    آخر مرة عدل بواسطة وفاء العميمي : 13-06-2009 في 03:36 PM

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة

    من بعيد كنت أتابع أخبار سارة التي لم تتمكن من إكمال دراستها. تزوجت قبل تقديمها لامتحان الثانوية العامة بأسبوع. انقطعت أخبارها بعد ترقيتي إلى وظيفة وكيلة، وانتقالي للعمل إلى إحدى رياض الأطفال.



    ** ** ** **



    خمس سنوات عشتها بين أطفال الروضة. خلالها عُرِض عليّ منصب مديرة على مدارس عديدة لكني رفضت. لا أتوقع أن أجد مكاناً أجمل من روضة الأطفال التي أعمل فيها.



    ** ** ** **

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة
    وقت الاستراحة اعتدت الخروج من مكتبي لأراقب الأطفال. ها هو طفل يبكي، وهناك طفلة اتسخت يدها وملابسها بالحلوى، وغيرهم يتشاجر عند الأرجوحة. مرّت أمامي المعلمة منال وطفل صغير متعلق بطرف عباءتها ويسير خلفها.
    - لماذا لا تدعينه يلعب مع بقية الأطفال؟!
    - لا يرغب سيف في ذلك.
    حاولت الحديث معه لكنه اختبأ وراء معلمته. حدّثته بلطف فنظر إلي نظرات لا معنى لها. ولم يُجِب!
    - لابد أنه خجل منّي.
    - لا يا أستاذة إن سيف لم يتمكّن حتى اليوم من الكلام!
    - هل هو أبكم؟! "سألتها متعجبة".
    - لا أظن لأنه يسمعنا جيداً، ويفهم عليّ إن طلبت منه شيء!
    - هل حاولتي التواصل مع الاختصاصية الاجتماعية لبحث حالته؟
    - أنسيتي يا أستاذة أن روضتنا بدون اختصاصية اجتماعية؟!!


    ** ** ** **


    قبل انتهاء الدوام جلست مع معلمة التربية الرياضية أسألها عن الطفل سيف.
    - سيف صاحب الأذنين الكبيرتين؟!
    قلت منزعجة: لا يجوز أن تتحدثي عنه بهذه الطريقة.
    - أكاد أجزم أنه مجنون!!!
    - إنه طفل!!
    - تخيّلي... ماذا يفعل في حصصي؟! يحبو على الأرض ويقلد صوت الكلب، وينطلق خلف الأطفال! وحين يريد الخروج من الصف يفتح النافذة ويقفز منها!!
    - هذا الطفل بحاجة إلى مزيد من الاهتمام.
    - بل يستحق خيزرانة تلسعه قليلاً ليكف عن شقاوته المزعجة.


    ** ** ** **

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة
    في اليوم التالي وبعد انتهاء الطابور سمعت صوت بكاء ينطلق من إحدى الغرف. لابد أنه أحد الأطفال. لم أهتم ودخلت غرفتي. جلست أمام الحاسوب لأطبع جدول المعلمات الغائبات. نظرت إلى الورقة، وقلت في نفسي: "غريبة! منال غائبة اليوم. يجب علي أن أوزع تلاميذها على بقية الفصول".

    ** ** ** **

    بعد أن انتهيت من توزيع الأطفال جلست أقرأ الجريدة، وفوجئت بإحدى المعلمات تقول إن أحد أطفال المعلمة منال يرفض الدخول إلى الفصل، ويبكي بشدة فخرجت معها. حين اقتربنا من الفصل وجدت طفلاً يحضن العمود ويبكي. اقتربت منه. لقد كان سيف! لابد أنه افتقد معلمته منال. حاولت أن أهدئه لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل. جلبتُ له المرطبات والحلوى ثم الألعاب بلا فائدة!! فجأة تذكرت تعلقه الشديد بمعلمته. ليتها موجودة. قلت له: هل تريد الذهاب إلى معلمتك منال يا سيف؟
    هزّ رأسه يالإيجاب وهو يبكي، فأكملت ما بدأت: هيّا بنا نحدثها بواسطة هاتفي، ونطلب منها المجيء.






    أمسكته بيده، فسحبها. عدت إلى أسئلتي: ما رأيك أن تنتظرها في غرفتي؟!
    كانت عيونه حمراء من شدة البكاء. مسح دموعه. ابتعدت عنه قليلاً وتوجهت ببطء ناحية غرفة مكتبي.تبعني وحين وصل رفض الدخول!


    ودادكِ لا يشاطرني به أحد من البشر


    فأنتِ النبض في قلبي وأنتِ النور في بصري


    وأنتِ اللحن في شفتي بوجهكِ ينجلي كدري


    اتصلت بمعلمته منال لكن هاتفها مغلق. هنا قررت أن أتصل بولي أمره. جلبت ملف سيف. "ها هو الرقم". هاتفت والد سيف. يبدو من حديثه أنه مشغول. أعطاني رقم هاتف أم سيف وأنهى المكالمة بسرعة، واتصلت بها. إنّها أشد انشغالاً من زوجها!! أعطتني رقم والدتها المسؤولة عن تربية سيف!!


    ** ** ** **

    كانت صوت الجدة ودوداً وهادئاً. طلبت منها أن تأتي لتأخذ سيف نظراً لبكائه الشديد. اعتذرت بلطف فلا يوجد لديها أحد يوصلها. تجاذبت معها أطراف الحديث، وعرفت منها أن والدي سيف مشغولان دائماً وكلٌّ منهما في عمله، وأحياناً لا يلتقي بهما إلاّ قبل موعد نومه!! وفي عطلة نهاية الأسبوع يخرجان معاً للاستجمام ويتركانه عندها!!
    - وماذا عن عدم تمكنه من الكلام؟ ألم يعرضاه على طبيب؟!
    - تحت إلحاحي أخذه والده ذات يوم إلى الطبيب. أخبره أنه سليم والمسألة مسألة وقت ليس إلاّ وسيتمكن بعدها من الحديث.

    ** ** ** **

    سيف!! لقد اختفى سيف عن ناظري. أنهيت المكالمة وخرجت أبحث عنه. ناديت عليه. التفت حولي لم أجده! بحثت عنه في ساحة الألعاب. في الفصل. فتشت بقية الفصول وغرف النشاط. بحثت طويلاً وأخيراً وجدته نائماً في غرفة المدرسات، وتحت مكتب منال!!!


    ** ** ** **

    مرّ اليوم بطيئاً. بعد أن صحا سيف تركته يلعب ويتجول في الروضة كيفما شاء حتى جاءتني العاملة لتخبرني عن ورود اتصال لي من إحدى الأمهات.

    ** ** ** **

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة

    - السلام عليكم.
    - "... ... ... ...".
    - الحمد لله بخير.
    - "... ... ... ...".
    -لا داعي للشكر هذا واجبي.
    - "... ... ... ...".
    - لحظة أسجل اسم الطفلة.
    أمسكت بقلم على مكتبي وأخذت ورقة صغيرة ودونت.
    - الطفلة نورة خالد. ما اسم معلمتها؟
    - "... ... ... ...".
    - المعلمة أسماء. حسناً لن أذهب قبل وصولك اطمئني. ابنتك ستظل معي. لا داعي للقلق.



    ** ** ** **



    قبل أن ينتهي وقت انصراف الأطفال بدقائق ذهبت إلى صف المعلمة أسماء. استفسرت عن الطفلة نورة خالد.
    - نورة. نورة.
    نادت المعلمة عليها. كانت نورة منهمكة في تلوين لوحة حملت وروداً كبيرة. رفعت رأسها. ملامحها جميلة وزيها الوردي زادها براءة. شعرها القصير يحمل أشرطةً ملونةً مرتبةً بعناية.
    - ملامحها ليست غريبة علي.
    - طبيعي ألاّ تكون غريبة لأنها تحضر كل يوم إلى الروضة.
    هكذا ردت المعلمة أسماء.


    ** ** ** **



    ذهب الجميع ولم يبقَ سواي ومعي الطفلة نورة إلى جانب عاملات النظافة. تأخرت والدتها قليلاً، وما هي إلا لحظات حتى سمعت صوت محرّك السيارة. من النافذة شاهدت سيدة بعباءتها السوداء تنزل منها. دخلت الروضة. ركضت نورة نحو والدتها. حضنتها. رفعت النقاب عن وجهها وطبعت الأم قبلةً على جبينها.


    إليكِ أعود يا أمي غداً أرتاحُ من سفري


    ويبدأ عهدي الثاني ويزهو الغصنُ بالزهر





    رحبت بها، ومدّت يدها لتسلم عليّ. كان صوتها مألوفاً. دققت في قسمات وجهها.
    - معلمتي ألم تعرفيني؟!
    - سارة. هل أنتِ سارة؟!!
    سلمت عليها بحرارة مرة أخرى. جلست معي قليلاً تحدثني أخبارها. لقد تزوجت من قريب لها تحت إصرار جدها، ونورة ابنتها البكر. أخبرتني أيضاً أنها منذ أسبوع تمكنت من الحصول على رخصة القيادة، وبالأمس ألحت ابنتها عليها أن تأتي لتأخذها في سيارتها الجديدة.
    - هل أنتِ سعيدة يا سارة؟
    - ما الداعي لهذا السؤال؟
    - أرغب في الاطمئنان عليكِ.
    - الحمد لله رب العالمين. إن نورة نعمة كبيرة رزقني إيّاها الخالق. لقد فرحت بها كثيراً.
    - هل أنتِ من اختار اسمها؟
    - نعم سميتها نورة على أمي.
    - رحمها الله.
    - كانت طيبة وحريصة على مصلحتي.
    ودعت سارة وتبادلت معها أرقام هواتفنا النقالة. قبل أن تصعد إلى السيارة طلبت منها أن تنتبه إلى نفسها أثناء القيادة. انطلقت السيارة وأنا أتذكر الأم التي خرجت بلا رجعة، والابنة التي ظلت وحيدة إلاّ من ذكريات وكلمات تردّدها دائما في إذاعة المدرسة كلّما سنحت لها الفرصة.



    ** ** ** **

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    May 2001
    الموقع
    الإمارات
    الردود
    1,824
    الجنس
    امرأة
    في صباح اليوم التالي وجدت على مكتبي ظرفاً كبيراً ومعه وردة جوري حمراء. سألت العاملة التي كانت تنظف غرفتي عمّن جلبهم. لقد كانت إحدى الأمهات. فتحت الظرف وجدت فيه صورة كبيرة للطفلة نورة.
    - "لابد أن هذا الظرف من سارة". هكذا رددت في نفسي. في الخلف وجدت كلمات مكتوبة.




    معلمتي وصديقتي العزيزة

    نسيت بالأمس أن أشكرك على اهتمامك بي قبل سنوات خلت


    أشكر لكِ حرصكِ الدائمِ علي


    أشكر لكِ مشاعركِ ومحبتكِ


    ثقي بأن لكِ مكانة خاصة في حنايا القلب


    ابنتكِ


    سارة


    تمت

    __________
    (1) قصيدة لسوف أعود للشاعر: هشام زرزور.

  10. #10
    الغزيل's صورة
    الغزيل غير متواجد كبار الشخصيات
    - بصمة إبداع - "نبض وعطاء" "عذبة الخواطر "
    ذوقي راقي-دانه متألقة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الموقع
    مع رفقة للخير هم هذا السنا ..*
    الردود
    5,984
    الجنس
    أنثى
    التدوينات
    2
    رائــــــــــــــــــــــــعة ..

    يعجز الحرف عن الثناء على قاصّة مُبدعةٌ كأنتِ ..

    بورك المِداد وزادكِ الله من فضلِه ..

    عوداً حميداً ..


    ..


    عصفورة ،،*


    ..

مواضيع مشابهه

  1. :: فلاش لسوف أعود يا أمي ::
    بواسطة :: Queen :: في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 0
    اخر موضوع: 04-12-2009, 07:07 PM
  2. لسوف أعود يا أمى
    بواسطة ريهام قاعود في فيض القلم
    الردود: 12
    اخر موضوع: 19-04-2009, 10:05 AM
  3. لسوف أعود يا أمي ... أنشودة أبو خاطر
    بواسطة moda_zido في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 16
    اخر موضوع: 29-09-2007, 04:15 AM
  4. طلب نشيد: لسوف أعود يا أمي
    بواسطة السيدة وقار في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 16
    اخر موضوع: 21-09-2006, 02:32 PM
  5. لسوف أعود يا امي
    بواسطة محبة الحق في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 10
    اخر موضوع: 15-04-2006, 08:57 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ