ندوة حوار الحضارات في السعودية - البحـث عن مقتربات المعرفة بالآخر - خالد عويس
ثمة ملاحظات جديرة بالتوقف عندها تقترن بطرح اسئلة كبري من خلال الندوة الفكرية المخصصة لبحث مسألة شائكة يتداخل فيها الفكري والسياسي والاقتصادي ليشكل نواة الوجود الانساني بوجهيه الخيّر والشرير برغم نسبيتهما، علي سطح الكوكب الارضي. افتراضات متقاطعة تلوح عندما يعكف الباحث علي حل جدلية الحضارات، فليس ثمة ما ينفي احادية الحضارة الانسانية وهندستها رأسيا في شكل طبقات، اودعت كل طبقة اسرارها وخلاصاتها لتاليتها فضلا او امرا ، وافقيا باحتفاظ كل المكونات العرقية والاثنية لحضارة ما بملامح تأبي الفكاك حتي في حالة تغيّر العصر والظروف، وليس ثمة ما ينفي احتدام الصراع بين مكونات مختلفة لحضارة واحدة، او لحضارات متشاكلة تصبح نقطة ثيوقراطية او ثقافية او حتي اقتصادية عاملا للتفريق والتشاحن، وليس ثمة ما ينفي ان حضارة المستقويين دائما تمارس نوعا من الاستعلاء علي حضارات المستضعفين في زمن ما، مؤدية الي خلخلة في المفاهيم ومحيلة صراع المجاميع الكلية الي صراعات متشبثة بقشور قابلة للحلحلة في حال مارس العقل دوره بعيدا عن المؤثرات النشطة لجهة الثيوقراطي خاصة او حتي الجيوسياسي .
. التناقضات بين الحضارات امر مفروغ منه، لكن المصير المشترك للانسانية علي سطح الارض يستدعي نوعا من التفاهم الحضاري علي الحد الادني من استيعاب الآخر بدلا من تدجينه، ومحاورته بدلا من تحقيره، وملاقحته بدلا من مساومته، والذي يجري الآن لا يخرج عن نطاق النقاط السابقة، ولا يعني هذا ان حضارة بعينها هي المقصودة بالامر، متي يعترف الآخرون بأنهم مهووسون تماما بفكرة افضلية الحضارة و اخلاقيتها ارتهانا للماضي؟، ان الحضارات في غالبها لا تحمل قدرا من التواضع بحيث يسهل التواصل الحضاري ومعظمها يتقوقع علي الذات في انكار كامل للمنجز البشري خارجه، ويعمد الي نبش السقطات والعثرات لتأكيد ديمومته، وفي ظل انهيارات اخلاقية جسيمة تعاني منها الحضارة الارضية ، تتقدم حثيثا القيّم المادية، ليس لأن حضارة مادية فرضت الامر علي حضارات روحانية، لكن، لأن واقعا جديدا طرأ علي الارض، ومفاهيم جديدة وثبت الي العقول، وديناميكيات فرضت حركتها، واشكالات دعت لتخفيف الاطر الروحية لصالح العمل والانتاج ، وتعقيدات ادت لتكوين مجتمعات مادية في طول العالم وعرضه ارتكازا علي الانتاج والاستهلاك، واطلت المصالح علي حقل التنافس الحضاري، فتبدلت القيم نفسها مجارية التاريخ الجديد للولادة الانسانية، القيم الجديدة في حقيقتها صادمت ثوابت قيمية وصادرت حقها في العيش الجديد ، اما ان تذعن للواقع او تصادمه، التقدم الذي صارت اليه جغرافيات بعينها، لا تصلح متوالياته قطعا في جغرافيات اخري تحدد مسارات تطورها وفقا لظروف لا تستند الي حيثيات الجغرافيات الاولي، العالم الشمالي انتفت عنده اشكاليات الانتماء و الانتاج و التحفيز وتوّضحت اشكاليات اخري بالافراط في المادية والتواطؤ علي الروحانية، والعالم الجنوبي قامت اشكالياته علي الانتماء فاما ان ينتمي للحضارة بزعمها الجديد شمالا ويحصل علي حقوقه كاملة، او ينتمي للجنوب فاقدا حقه الحضاري وعائشا في خارطة ماضوية تباعد عنه المعرفة و التقدم ، تفرّخ الارهاب عن هذا المناخ في مستويات عدة:
مستوي الارهاب الذي مورس بحق شعوب بأكملها بزعم حملها علي التقدم وفي حقيقته اخفي نزعات استعمارية قصدت استغلال الثروات وتطويع الحضارة لصالح الحضارات المستعمرة، ومستوي الارهاب الذي يمارس بحق الشعوب بزعم حمايتها من اختراقات المستوي الاول بعد رحيل جنوده والابقاء علي مدوناته الثقافية واطره النظرية، ومستوي الارهاب بزعم ان المستوي الثاني تخلي عن ثوابت حضارية وانصهر في المستوي الاول مشكّلا حلقة واحدة وضرورة محاربة المستويين بالقدر ذاته من الصرامة، ومستوي اخير بعودة المستوي الاول لانزال اقصي قدر من العقوبة بحق الذين ثاروا عليه. المستويات المختلفة من الارهاب المتوّلدة عن شروط حضارية مختلة، تضمنت اجندة فكرية وثقافية واقتصادية وعسكرية جردت الانسان في الجنوب والشمال من كرامته وحقوقه الطبيعية، الجنود الذين قاتلوا في فيتنام سيقوا اليها بمبررات تطعن في نزاهة الحضارة، كذلك معظم الحروب التي يقررها صنّاع السياسة ويحشر بها آدميون بحجة الحق الحضاري او ربما تهذيب الشعوب ، والشعوب التي تجلد صباح ومساء وتقطع السنتها الي الابد، لا تخرج عن كونها تروس في الآلة الحضارية المزيفة، والذين ابتلوا بالهوس الحضاري ليشنوا غارات علي مواطنيهم وعلي الغرب في عقر داره، ليسوا مجرمين بالفطرة وانما حمولاتهم الفكرية الاساسية ترتهن الي عامل حضاري فرّخته عوامل داخلية وخارجية هادمة، والعنصرية التي تتحلي بها امم بأكملها ليست ناشئة من فراغ، انما هي حالة حضارية تمثل اقصي طاقات الدفاع وعزل الآخر، ودعني استعرض نموذجين حضاريين، الاول، ما كتبه الكاتب الامريكي ريتش لوري عن ضرب مكة المكرمة بالاسلحة النووية، وقد سبقه الي ذلك كاتب اسرائيلي في اسرائيل من الداخل ، يتوقع ان تتبعه حملة شعواء ضد مثل هذه المفاهيم الساذجة التي تعمّق العداء بين الحضارات، حالة لوري، تحاسب عليها حضارة بأكملها وتعطي انطباعا بأن الغرب كله متهور ومنحط، مثلما يتصور الغرب ان كل المسلمين بن لادن ، النموذج الثاني، نقيض لما كتبه لوري، رسالة من الرئيس نلسون مانديلا الي الصحفي توماس فريدمان، يستعرض فيها الاول نظرته حيال فلسطين الناتجة عن شعوره هو سابقا وباء العنصرية ومضارها وضرورة ان يتسع العالم للجميع لتحقيق السلام والامن، مطالبا فريدمان بأن يعتبر بما جري في جنوب افريقيا حيث اتخذ قرار جماعي لانهاء العنصرية، مانديلا لم يحصر العنصرية في رسالته لفريدمان في العنصرية البيضاء، فهو اشار الي العنصرية السوداء كذلك، وغني عن القول بأن مانديلا كان يفنّد ادعاءات فريدمان ودفوعاته عن عنصرية اليهود، المثال الاول قادم من الشمال، مدللا الي ان الحضارة العظيمة لا تبّشر بالضرورة دائما بأفكار حضارية خلاقة، المثال الثاني قادم من اعماق قارة وصفت علي الدوام بالجهل والتخلف، لكنه مثال يبيّن ان التجربة الانسانية قادرة علي خلق نماذج متوازنة في قراءاتها الحضارية، هما مثالان لا يقللان من اهمية ادراك ان جوانب كثيرة تقف الي جانب حضارة ما، لكنهما يوضحان بجلاء ان تصويبات اساسية قد تدخل علي مفاهيم حضارة متقدمة من خضم مخزون حضاري اكثر عراقة واوفر فهما للتجربة الانسانية المتسعة، من ذلك تتأكد حقيقة اهمية التواصل الحضاري، وهي لا تتأكد فقط من مجرد طرح مثالين، انما يعمّق المثالان رؤية الواقع الانساني القائم علي المساواة حتي في الشروط الحضارية، واولوية التناظر الحضاري بدلا من الهدم، لأن الحضارات المتقدمة آنيا، هي بحاجة الي جهود حضارات اخري داعمة، وللتخلي عن مفاهيم نتجت عن تقدم حضارات وتقهقر اخري، يلزم شيئا من التواضع الخليق بانسانية بلغت شأوا بعيدا من الادراك والمعرفة، ويلزم شيئا من المؤازرة الحضارية بحيث يسود مناخ اعترافات متبادلة بالانجازات وحاجة الانسان لمعرفة الآخر ومحتواه الحضاري وتجربته الانسانية حتي لو كنا ننظر اليها بشيء من التحقير والازدراء، فمن وسط المستنقعات الآسنة واكوام النفايات في جنوب افريقيا، خرجت افكار عجزت عنها قاعات باريس الفخمة ومصانع يوركشير، تنادي بالحق الانساني في ان يعيش المرء من دون عقد عنصرية.






حياكم الله وبياكم
سوف نعرض نبذه عن كل مدينة من مدن البلاد مع الصور