انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 9 من 9

الموضوع: تفسير سورة المعارج على حلقات تابعوا بارك الله فيكم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة

    تفسير سورة المعارج على حلقات تابعوا بارك الله فيكم




    سورة المعارج (مقدمة وتمهيد)




    سورة (المعارج) هي السورة السبعون في ترتيب المصحف، أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثامنة والسبعون، وكان نزولها بعد سورة (الحاقة) وقبل سورة (النبأ) .

    وتسمى- أيضا- بسورة (سأل سائل) ، وذكر السيوطي في كتابه (الإتقان) أنها تسمى كذلك بسورة (الواقع) .

    وهذه الأسماء الثلاثة قد وردت ألفاظها في السورة الكريمة. قال- تعالى- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ. مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ.

    وهي مكية باتفاق، وعدد آياتها أربع وأربعون آية في عامة المصاحف، وفي المصحف الشامي ثلاث وأربعون آية.

    والسورة الكريمة نراها في مطلعها، تحكى لنا جانبا من استهزاء المشركين بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من بعث وثواب وعقاب.. وترد عليهم بما يكبتهم، حيث تؤكد أن يوم القيامة حق، وأنه واقع، وأن أهواله شديدة.


    - هذا والمتدبر في هذه السورة الكريمة، يرى أن على رأس القضايا التي اهتمت بالحديث عنها: التذكير بيوم القيامة، وبأهواله وشدائده، وببيان ما فيه من حساب، وجزاء، وثواب وعقاب.

    والحديث عن النفس الإنسانية بصفة عامة في حال عسرها ويسرها، وصحتها ومرضها، وأملها ويأسها ... واستثناء المؤمنين الصادقين، من كل صفة لا يحبها الله- تعالى- وأنهم بسبب إيمانهم الصادق، وعملهم الصالح، سيكونون يوم القيامة. في جنات مكرمين.
    كما أن السورة الكريمة اهتمت بالرد على الكافرين، وبتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لحقه منهم، وببيان مظاهر قدرة الله- تعالى- التي لا يعجزها شيء.



    فى ظلال سورة المعارج تقديم :

    هذه السورة حلقة من حلقات العلاج البطيء , المديد , العميق , الدقيق , لعقابيل الجاهلية في النفس البشرية كما واجهها القرآن في مكة ; وكما يمكن أن يواجهها في أية جاهلية أخرى مع اختلافات في السطوح لا في الأعماق ! وفي الظواهر لا في الحقائق !
    أو هي جولة من جولات المعركة الطويلة الشاقة التي خاضها في داخل هذه النفس , وفي خلال دروبها ومنحنياتها , ورواسبها وركامها . وهي أضخم وأطول من المعارك الحربية التي خاضها المسلمون - فيما بعد - كما أن هذه الرواسب وتلك العقابيل هي أكبر وأصعب من القوى التي كانت مرصودة ضد الدعوة الإسلامية والتي ما تزال مرصودة لها في الجاهليات القديمة والحديثة !.

    والحقيقة الأساسية التي تعالج السورة إقرارها هي حقيقة الآخرة وما فيها من جزاء ; وعلى وجه الخصوص ما فيها من عذاب للكافرين , كما أوعدهم القرآن الكريم . وهي تلم - في طريقها إلى إقرار هذه الحقيقة - بحقيقة النفس البشرية في الضراء والسراء . وهي حقيقة تختلف حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من الإيمان . كما تلم بسمات النفس المؤمنة ومنهجها في الشعور والسلوك , واستحقاقها للتكريم . وبهوان الذين كفروا على الله وما أعده لهم من مذلة ومهانة تليق بالمستكبرين . . وتقرر السورة كذلك اختلاف القيم والمقاييس في تقدير الله وتقدير البشر , واختلاف الموازين . . .


    وتؤلف بهذه الحقائق حلقة من حلقات العلاج الطويل لعقابيل الجاهلية وتصوراتها , أو جولة من جولات المعركة الشاقة في دروب النفس البشرية ومنحنياتها . تلك المعركة التي خاضها القرآن فانتصر فيها في النهاية مجردا من كل قوة غير قوته الذاتية . فقد كان انتصار القرآن الحقيقي في داخل النفس البشرية - ابتداء - قبل أن يكون له سيف يدفع الفتنة عن المؤمنين به فضلا على أن يرغم به أعداءه على الاستسلام له !
    والذي يقرأ هذا القرآن - وهو مستحضر في ذهنه لأحداث السيرة - يشعر بالقوة الغالبة والسلطان البالغ الذي كان هذا القرآن يواجه به النفوس في مكة ويروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة . ويرى أنه كان يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعا عجيبا . . تارة يواجهها بما يشبه الطوفان الغامر من الدلائل الموحية والمؤثرات الجارفة ! وتارة يواجهها بما يشبه الهراسة الساحقة التي لا يثبت لها شيء مما هو راسخ في كيانها من التصورات والرواسب ! وتارة يواجهها بما يشبه السياط اللاذعة تلهب الحس فلا يطيق وقعها ولا يصبر على لذعها ! وتارة يواجهها بما يشبه المناجاة الحبيبة , والمسارة الودود , التي تهفو لها المشاعر وتأنس لها القلوب ! وتارة يواجهها بالهول المرعب , والصرخة المفزعة , التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب ! وتارة يواجهها بالحقيقة في بساطة ونصاعة لا تدع مجالا للتلفت عنها ولا الجدال فيها . وتارة يواجهها بالرجاء الصبوح والأمل الندي الذي يهتف لها ويناجيها .وتارة يتخلل مساربها ودروبها ومنحنياتها فيلقي عليها الأضواء التي تكشفها لذاتها فترى ما يجري في داخلها رأي العين , وتخجل من بعضه , وتكره بعضه , وتتيقظ لحركاتها وانفعالاتها التي كانت غافلة عنها ! . . ومئات من اللمسات , ومئات من اللفتات , ومئات من الهتافات , ومئات من المؤثرات . . يطلع عليها قارئ القرآن , وهو يتبع تلك المعركة الطويلة , وذلك العلاج البطيء . ويرى كيف انتصر القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة .

    وهذه السورة تكشف عن جانب من هذه المحاولة في إقرار حقيقة الآخرة , والحقائق الأخرى التي ألمت بها في الطريق إليها .

    وحقيقة الآخرة هي ذاتها التي تصدت لها سورة الحاقة , ولكن هذه السورة تعالجها بطريقة أخرى , وتعرض لها من زاوية جديدة , وصور وظلال جديدة . .
    _في سورة الحاقة كان الاتجاه إلى تصوير الهول والرعب في هذا اليوم , ممثلين في حركات عنيفة في مشاهد الكون الهائلة:(فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة , وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة . فيومئذ وقعت الواقعة , وانشقت السماء فهي يومئذ واهية). .

    وفي الجلال المهيب في ذلك المشهد المرهوب:
    (والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية). . وفي التكشف الذي ترتج له وتستهوله المشاعر:(يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). .
    _كذلك كان الهول والرعب يتمثلان في مشاهد العذاب , حتى في النطق بالحكم بهذا العذاب: . كما يتجلى في صراخ المعذبين وتأوهاتهم وحسراتهم:
    (يا ليتني لم أوت كتابيه . ولم أدر ما حسابيه . يا ليتها كانت القاضية . .).


    فأما هنا في هذه السورة فالهول يتجلى في ملامح النفوس وسماتها وخوالجها وخطواتها , أكثر مما يتجلى في مشاهد الكون وحركاته . حتى المشاهد الكونية يكاد الهول يكون فيها نفسيا ! وهو على كل حال ليس أبرز ما في الموقف من أهوال . إنما الهول مستكن في النفس يتجلى مداه في مدى ما يحدثه فيها من خلخلة وذهول وروعة:
    يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ

    وجهنم هنا "نفس" ذات مشاعر وذات وعي تشارك مشاركة الأحياء في سمة الهول الحي: إ(14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)}.


    والعذاب ذاته يغلب عليه طابع نفسي أكثر منه حسيا:(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}
    ومن ثم فقد تناولت سورة المعارج - فيما تناولت - تصوير النفس البشرية في الضراء والسراء , في حالتي الإيمان والخواء من الإيمان . وكان هذا متناسقا مع طابعها "النفسي" الخاص:فجاء في صفة الإنسان

    {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)


    واستطرد السياق فصور هنا صفات النفوس المؤمنة وسماتها الظاهرة والمضمرة تمشيا مع طبيعة السورة وأسلوبها: ( إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)}). .

    ومن ثم كانت الحقائق الأخرى في السورة كلها متصلة اتصالا مباشرا بحقيقة الآخرة فيها . من ذلك حديث السورة عن الفارق بين حساب الله في أيامه وحساب البشر , وتقدير الله لليوم الآخر وتقدير البشر: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة , فاصبر صبرا جميلا . إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا . . . الخ وهو متعلق باليوم الآخر .


    ومنه ذلك الفارق بين النفس البشرية في الضراء والسراء في حالتي الإيمان والخلو من الإيمان . وهما مؤهلان للجزاء في يوم الجزاء .
    ومنه غرور الذين كفروا وطمعهم أن يدخلوا كلهم جنات نعيم , مع هوانهم على الله وعجزهم عن سبقه والتفلت من عقابه . وهو متصل اتصالا وثيقا بمحور السورة الأصيل .
    وهكذا تكاد السورة تقتصر على حقيقة الآخرة وهي الحقيقة الكبيرة التي تتصدى لإقرارها في النفوس . مع تنوع اللمسات والحقائق الأخرى المصاحبة ! للموضوع الأصيل.


    المراجع

    الجامع لأحكام القرآن الكبير القرطبى
    الظلال لسيد قطب
    الطنطاوى تفسير الوسيط



    دمتم طيبين فى رعاية الله




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الموقع
    الصَاحِبُ الذي لاَيخذِلُ صَاحِبه أبدا *كتاب ربي*
    الردود
    19,607
    الجنس
    أنثى
    التدوينات
    6
    التكريم
    • (القاب)
      • درة صيفنا إبداع 1432هـ
      • إبداع الكلمة
      • بصمة مبدعة
      • باحثة متألقة في الصوتيات
      • فراشة الحلم والأناة
    (أوسمة)


    بارك الله في جهودكِ المُباركة
    جعلكِ الله مفتاحا للخير ()


    كل ما زاد الإنسان قربا إلى الله زادت ولاية الله للعبد وكل ما زادت الولاية
    زاد عطاء الله لك (توفيق , سداد , حفظ ورعاية , تأييد , يلطف بك )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة
    تعقيب كتبت بواسطة عُلو الهمّة عرض الرد


    بارك الله في جهودكِ المُباركة
    جعلكِ الله مفتاحا للخير ()

    وبارك فيكِ واحسن اليكِ ووفقكِ لرضاه دمتِ طيبة

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة


    سورة المعارج
    .تفسير الآيات (1- 4)



    {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4).



    شرح الكلمات:
    {سأل سائل}: أي دعا داع بعذاب واقع.
    {ليس له دافع من الله}: أي فهو واقع لا محالة.
    {ذي المعارج}: أي ذي العلو والدرجات ومصاعد الملائكة وهي السموات.
    {تعرج الملائكة والروح إليه}: أي تصعد الملائكة وجبريل إلى الله تعالى.
    {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}: أي تصعد الملائكة وجبريل من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق.



    .معنى الآيات
    سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
    كان كفار قريش يستهزئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به ، ويسألونه تعجيله ، قال تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ]


    { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وكانوا أيضاً يسألون الله أن يوقع عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً من عنده قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .
    * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ
    ولمَّا سألوا عن العذاب الذي هُددوا به عن وقته ووصفه سؤال استهزاء ، ودعوا الله أن يرسل عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً ، إظهاراً لقلة اكتراثهم بالإِنذار بالعذاب .

    فأعلمهم أن العذاب الذي استهزأوا به واقع لا يدفعه عنهم تأخر وقته ، فإن أرادوا النجاة فليحذروه .
    *مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ
    فالعذاب لا بد أن يقع عليهم من الله، فإما أن يعجل لهم في الدنيا، وإمَّا أن يؤخر عنهم إلى الآخرة ، فلو عرفوا الله تعالى، وعرفوا عظمته، وسعة سلطانه وكمال أسمائه وصفاته، لما استعجلوا ولاستسلموا وتأدبوا، ولهذا أخبر تعالى من عظمته ما يضاد أقوالهم القبيحة فقال: { ذِي الْمَعَارِجِ}

    * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
    أي: ذو العلو والجلال والعظمة، والتدبير لسائر الخلق، الذي تعرج إليه الملائكة بما دبرها على تدبيره، وتعرج إليه الروح، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها، برها وفاجرها، وهذا عند الوفاة، فأما الأبرار فتعرج أرواحهم إلى الله، فيؤذن لها من سماء إلى سماء، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل، فتحيي ربها وتسلم عليه، وتحظى بقربه، وتبتهج بالدنو منه، ويحصل لها منه الثناء والإكرام والبر والإعظام.

    * وأما أرواح الفجار فتعرج، فإذا وصلت إلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها، وأعيدت إلى الأرض.
    ثم ذكر المسافة التي تعرج إلى الله فيها الملائكة والأرواح وأنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب، وأعانها عليه من اللطافة والخفة وسرعة السير، مع أن تلك المسافة على السير المعتاد مقدار خمسين ألف سنة، من ابتداء العروج إلى وصولها ما حد لها، وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى، فهذا الملك العظيم، والعالم الكبير، علويه وسفليه، جميعه قد تولى خلقه وتدبيره العلي الأعلى، فعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة، وعلم مستقرهم ومستودعهم، وأوصلهم من رحمته وبره ورزقه ، ما عمهم وشملهم وأجرى عليهم حكمه القدري، وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي.
    *فبؤسا لأقوام جهلوا عظمته، ولم يقدروه حق قدره، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان، وسبحان الحليم الذي أمهلهم وما أهملهم، وآذوه فصبر عليهم وعافاهم ورزقهم.

    *هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية الكريمة فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا، لأن السياق الأول يدل على هذا.
    *ويحتمل أن هذا في يوم القيامة، وأن الله تبارك وتعالى يظهر لعباده في يوم القيامة من عظمته وجلاله وكبريائه، ما هو أكبر دليل على معرفته، مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح صاعدة ونازلة، بالتدابير الإلهية، والشئون في الخليقة.

    *في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة من طوله وشدته، لكن الله تعالى يخففه على المؤمن.


    فى ظلال الآيات:
    {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)}


    كانت حقيقة الآخرة من الحقائق العسيرة الإدراك عند مشركي العرب ; ولقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة , وكانوا يتلقونها بغاية العجب والدهش والاستغراب ; وينكرونها أشد الإنكار , ويتحدون الرسول صلى الله عليه وسلم في صور شتى أن يأتيهم بهذا اليوم الموعود , أو أن يقول لهم:متى يكون .
    _ وفي رواية عن ابن عباس أن الذي سأل عن العذاب هو النضر بن الحارث . وفي رواية أخرى عنه:قال:ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم .
    وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائلا سأل وقوع العذاب واستعجله . وتقرر أن هذا العذاب واقع فعلا , لأنه كائن في تقدير الله من جهة , ولأنه قريب الوقوع من جهة أخرى . وأن أحدا لا يمكنه دفعه ولا منعه . فالسؤال عنه واستعجاله - وهو واقع ليس له من دافع - يبدو تعاسة من السائل المستعجل ; فردا كان أو مجموعة !
    وهذا العذاب للكافرين . . إطلاقا . . فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر . وهو واقع من الله (ذي المعارج). . وهو تعبير عن الرفعة والتعالي , كما قال في السورة الأخرى: (رفيع الدرجات ذو العرش). .
    _ وبعد هذا الافتتاح الذي يقرر كلمة الفصل في موضوع العذاب , ووقوعه , ومستحقيه , ومصدره , وعلو هذا المصدر ورفعته , مما يجعل قضاءه أمرا علويا نافذا لا مرد له ولا دافع . . بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب , والذي يستعجلون به وهو منهم قريب . ولكن تقدير الله غير تقدير البشر , ومقاييسه غير مقاييسهم:
    تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5)

    الأرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة , لأن السياق يكاد يعين هذا المعنى . وفي هذا اليوم تصعد الملائكة والروح إلى الله . والروح:الأرجح أنه جبريل عليه السلام , كما سمي بهذا الاسم في مواضع أخرى .
    وإنِّما أفرد بالذكر بعد الملائكة لما له من شأن خاص .
    وعروج الملائكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك بالذكر , إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته , وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم ومهامه .

    ولا ندري نحن - ولم نكلف أن ندري - طبيعة هذه المهام , ولا كيف يصعد الملائكة , ولا إلى أين يصعدون . فهذه كلها تفصيلات في شأن الغيب لا تزيد شيئا من حكمة النص , وليس لنا إليها من سبيل , وليس لنا عليها من دليل . فحسبنا أن نشعر من خلال هذا المشهد بأهمية ذلك اليوم , الذي ينشغل فيه الملائكة والروح بتحركات تتعلق بمهام ذلك اليوم العظيم .
    وقوله (كان مقداره خمسين ألف سنة). . فقد تكون كناية عن طول هذا اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي . وقد تعني حقيقة معينة , ويكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض فعلا وهو يوم واحد ! وتصور هذه الحقيقة قريب جدا الآن . فإن يومنا الأرضي هو مقياس مستمد من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة .
    وهناك نجوم دورتها حول نفسها تستغرق ما يعادل يومنا هذا آلاف المرات . . ولا يعني هذا أنه المقصود بالخمسين ألف سنة هنا . ولكننا نذكر هذه الحقيقة لتقرب إلى الذهن تصور اختلاف المقاييس بين يوم ويوم !
    وإذا كان يوم واحد من أيام الله يساوي خمسين ألف سنة , فإن عذاب يوم القيامة قد يرونه هم بعيدا , وهو عند الله قريب . ومن ثم يدعو الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الصبر الجميل على استعجالهم وتكذيبهم بذلك العذاب القريب .
    بارك الله فيكم على طيب المتابعة..دمتم فى حفظ الرحمن ورعايته.



    من هداية الآيات:
    1- حرمة سؤال العذاب فإِن عذاب الله لا يطاق ولكن تسأل الرحمة والعافية.

    2_ العذاب الذي يستهزأ به الكفار واقع لا يدفعه عنهم تأخر وقته ، فإن أرادوا النجاة فليحذروه .


    فائدة:
    قوله- سبحانه- بِعَذابٍ واقِعٍ ولم يقل بعذاب سيقع، للإشارة إلى تحقق وقوع هذا العذاب في الدنيا والآخرة.
    أما الدنيا فمن هؤلاء السائلين من قتل في غزوة بدر وهو النضر بن الحارث، وأبو جهل وغيرهما، وأما في الآخرة فالعذاب النازل بهم أشد وأبقى.

    والمعارج جمع معرج، وهو المصعد، ومنه قوله- تعالى-
    ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ ).


    المراجع
    تفسير القرآن العظيم ابن كثير
    تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
    كلام المنان للسعدى.
    سيد قطب فى ظلال القرآن.
    الجزائرى أيسر التفاسير.

    بارك الله فيكم على طيب المتابعة وبارك الله فيمن قرأ ونشر

    فالدال على الخير كفاعله ورب حامل فقه غير فقيه ورُب حامل
    فقه إلى من هو أفقه منه
    دمتم طيبين .


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة


    {أذكركم أخواتى بأ ذكار الصباح والمساء}



    اضغطي هنا على هذا الرابط لتقرئي الأذكار
    https://www.islamware.com /.تقبل الله مَّا ومنكم.....



    تفسيرسورةالمعارج الآيات (14:5)


    فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)




    .شرح الكلمات:



    ( إنهم يرونه بعيدا )أي : وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع ، بمعنى مستحيل الوقوع

    ( ونراه قريبا ) أي : المؤمنون يعتقدون كونه قريبا ، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله ، عز وجل ، لكن كل ما هو آت فهو قريب وواقع لا محالة .

    {يوم تكون السماء كالمهل}: أي كذائب النحاس.
    {وتكون الجبال كالعهن}: أي كالصوف المصبوغ ألوانا في الخفة والطيران بالريح.
    {ولا يسأل حميم حميما}: أي قريب قريبه لانشغال كل بحاله.
    {يبصرونهم}: أي يبصر الأَحْماء بعضهم بعضا ويتعارفون ولا يتكلمون.
    {وصاحبته}: أي وزوجته.
    {وفصيلته التي تؤويه}: أي عشيرته التي تضمه إليها نسباً وتحميه من الأذى عند الشدة.




    معنى الآيات



    * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا
    أي: اصبر على دعوتك لقومك صبرا جميلا، لا ضجر فيه ولا ملل، بل استمر على أمر الله، وادع عباده إلى توحيده، ولا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم، وعدم رغبتهم، فإن في الصبر على ذلك خيرا كثيرا.

    ويقول ابن كثير( فاصبر صبرا جميلا ) أي : اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك ، واستعجالهم العذاب استبعادا لوقوعه ، كقوله : ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ) [ الشورى : 18 ]


    *{ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا }
    الضمير يعود إلى البعث الذي يقع فيه عذاب السائلين بالعذاب أي: إن حالهم حال المنكر له، أو الذي غلبت عليه الشقوة والسكرة، حتى تباعد جميع ما أمامه من البعث والنشور، والله يراه قريبا، لأنه رفيق حليم لا يعجل، ويعلم أنه لا بد أن يكون، وكل ما هو آت فهو قريب.

    * {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ}
    أي: { يَوْمِ } القيامة، تقع فيه هذه الأمور العظيمة فـ { تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ } وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كل مبلغ.


    *{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ }
    وهو الصوف المنفوش، ثم تكون بعد ذاك هباء منثورا فتضمحل، فإذا كان هذا القلق والانزعاج لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة، فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد أثقل ظهره بالذنوب والأوزار؟

    *{ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}
    أليس حقيقا أن ينخلع قلبه وينزعج لبه( عقله)، ويذهل عن كل أحد؟ ولهذا قال: { وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}

    * {يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}
    { يُبَصَّرُونَهُمْ } أي: يشاهد الحميم، وهو القريب حميمه، فلا يبقى في قلبه متسع لسؤال حميمه عن حاله، ولا فيما يتعلق بعشرتهم ومودتهم، ولا يهمه إلا نفسه، { يَوَدُّ الْمُجْرِمُ } الذي حق عليه العذاب { لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}.

    * {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ}
    [ وَصَاحِبَتِهِ } أي: زوجته { وَأَخِيهِ }


    *{وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ}
    {وَفَصِيلَتِهِ } أي: قرابته { الَّتِي تُؤْوِيهِ } أي: التي جرت عادتها في الدنيا أن تتناصر ويعين بعضها بعضا، ففي يوم القيامة، لا ينفع أحد أحدا، ولا يشفع أحد إلا بإذن الله.

    *{وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ}
    بل لو يفتدي [المجرم المستحق للعذاب] بجميع ما في الأرضِ ثم ينجيه لم ينفعه ذلك.




    فى ظلال الآيات:



    {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)}
    _ دعوة , وتكررت لكل رسول , ولكل مؤمن يتبع الرسول . وهي ضرورية لثقل العبء ومشقة الطريق , ولحفظ هذه النفوس متماسكة راضية , موصولة بالهدف البعيد , متطلعة كذلك إلى الأفق البعيد . .

    0 والصبر الجميل هو الصبر المطمئن , الذي لا يصاحبه السخط ولا القلق ولا الشك في صدق الوعد . صبر الواثق من العاقبة , الراضي بقدر الله , الشاعر بحكمته من وراء الابتلاء , الموصول بالله المحتسب كل شيء عنده مما يقع به .


    _وهذا اللون من الصبر هو الجدير بصاحب الدعوة . فهي دعوة الله , وهي دعوة إلى الله . ليس له هو منها شيء . وليس له وراءها من غاية . فكل ما يلقاه فيها فهو في سبيل الله , وكل ما يقع في شأنها هو من أمر الله . فالصبر الجميل إذن ينبعث متناسقا مع هذه الحقيقة , ومع الشعور بها في أعماق الضمير .

    _والله صاحب الدعوة التي يقف لها المكذبون , وصاحب الوعد الذي يستعجلون به ويكذبون , يقدر الأحداث ويقدر مواقيتها كما يشاء وفق حكمته وتدبيره للكون كله . ولكن البشر لا يعرفون هذا التدبير وذلك التقدير ; فيستعجلون . وإذا طال عليهم الأمد يستريبون . وقد يساور القلق أصحاب الدعوة أنفسهم , وتجول في خاطرهم أمنية ورغبة في استعجال الوعد ووقوع الموعود . . عندئذ يجيء مثل هذا التثبيت وهذا التوجيه من الله الخبير:

    إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ (14)

    • فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)..

    _والخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم تثبيتا لقلبه على ما يلقى من عنت المناوأة والتكذيب . وتقريرا للحقيقة الأخرى:وهي أن تقدير الله للأمور غير تقدير البشر ; ومقاييسه المطلقة غير مقاييسهم الصغيرة:

    إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6)..

    ثم يرسم مشاهد اليوم الذي يقع فيه ذلك العذاب الواقع , الذي يرونه بعيدا ويراه الله قريبا . يرسم مشاهده في مجالي الكون وأغوار النفس . وهي مشاهد تشي بالهول المذهل المزلزل في الكون وفي النفس سواء:


    يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ
    والمهل ذوب المعادن الكدر كدردي الزيت . والعهن هو الصوف المنتفش . والقرآن يقرر في مواضع مختلفة أن أحداثا كونية كبرى ستقع في هذا اليوم , تغير أوضاع الأجرام الكونية وصفاتها ونسبها وروابطها . ومن هذه الأحداث أن تكون السماء كالمعادن المذابة . وهذه النصوص جديرة بأن يتأملها المشتغلون بالعلوم الطبيعية والفلكية . فمن المرجح عندهم أن الأجرام السماوية مؤلفة من معادن منصهرة إلى الدرجة الغازية - وهي بعد درجة الانصهار والسيولة بمراحل - فلعلها في يوم القيامة ستنطفئ كما قال وإذا النجوم انكدرت)وستبرد حتى تصير معادن سائلة ! وبهذا تتغير طبيعتها الحالية وهي الطبيعة الغازية !

    _على أية حال هذا مجرد احتمال ينفع الباحثين في هذه العلوم أن يتدبروه . أما نحن فنقف أمام هذا النص نتملى ذلك المشهد المرهوب , الذي تكون فيه السماء كذوب المعادن الكدر , وتكون فيه الجبال كالصوف الواهن المنتفش . ونتملى ما وراء هذا المشهد من الهول المذهل الذي ينطبع في النفوس , فيعبر عنه القرآن أعمق تعبير:

    (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ (14)).

    _ إن الناس في هم شاغل , لا يدع لأحد منهم أن يتلفت خارج نفسه , ولا يجد فسحة في شعوره لغيره ولا يسأل حميم حميما). فلقد قطع الهول المروع جميع الوشائج , وحبس النفوس على همها لا تتعداه . . وإنهم ليعرضون بعضهم على بعض(يبصرونهم)كأنما عمدا وقصدا ! ولكن لكل منهم همه , ولكل ضمير منهم شغله . فلا يهجس في خاطر صديق أن يسأل صديقه عن حاله , ولا أن يسأله عونه . فالكرب يلف الجميع , والهول يغشى الجميع . .

    فما بال(المجرم)؟؟

    إن الهول ليأخذ بحسه , وإن الرعب ليذهب بنفسه , وإنه ليود لو يفتدي من عذاب يومئذ بأعز الناس عليه , ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة , ويناضل عنهم , ويعيش لهم . . ببنيه . وزوجه . وأخيه , وعشيرته القريبة التي تؤويه وتحميه . بل إن لهفته على النجاة لتفقده الشعور بغيره على الإطلاق , فيود لو يفتدي بمن في الأرض جميعا ثم ينجيه . .

    _ وهي صورة للهفة الطاغية والفزع المذهل والرغبة الجامحة في الإفلات ! صورة مبطنة بالهول , مغمورة بالكرب , موشاة بالفزع , ترتسم من خلال التعبير القرآني الموحي .




    من هداية الآيات:



    1- وجوب الصبر على الطاعة وعلى البلاء فلا تسخّط ولا تجزع.
    2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    3- عظم هول الموقف يوم القيامة وصعوبة الحال.



    فائدة:



    قوله تعالي_{يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ }

    _ كقوله : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هوجاز عن والده شيئا إن وعد الله حق )
    لقمان : 33 .

    _وكقوله : ( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) فاطر 18
    _وكقوله : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون المؤمنون101
    _ وكقوله : ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) [ عبس : 34 - 37 ] .




    المراجع
    تفسير القرآن العظيم ابن كثير
    تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
    كلام المنان للسعدى.
    سيد قطب فى ظلال القرآن.
    الجزائرى أيسر التفاسير.




  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة


    سورة المعارج
    تفسير الآيات (14- 18)




    أخواتى لاتنسوا أذكار الصباح والمساء

    اضغطى هنا على هذا الرابط لتقرئى الاذكار
    https://www.islamware.com /.تقبل الله منَّا ومنكم.....



    الآيات من18:14



    (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)}



    شرح الكلمات



    {إنها لظى نزاعة للشوى}: أي ان جهنم هي لظى
    {اللَّظَى} : لهبُ النار الخالص لا دُخانَ فيه.
    وهو اسم من أسماء جهنَّم وسمِّيت بذلك لأنّها أشدّ النيران.
    { نزاعة للشوى} جمع شواة جلدة الرأس.
    {أدبر وتولى}: أي عن طاعة الله ورسوله وتولى عن الإِيمان فأنكره وتجاهله.
    {وجمع فأوعى}: أي جمع المال وجعله في وعاء ومنع الله تعالى فيه فلم ينفق منه في سبيل الله.



    .معنى الآيات:



    لمّا قال تعالى :(وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ)هكذا نرى الآيات الكريمة تحكى لنا بهذا الأسلوب المؤثر، حالة المجرم في هذا اليوم، وأنه يتمنى أن يفتدى نفسه مما حل به من عذاب، بأقرب وأحب الناس إليه، بل بأهل الأرض جميعا.. ولكن هيهات أن يقبل منه شيء من ذلك.ثمَّ قال تعالي_
    {كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ}
    فجاء الرد الزاجر له عما تمناه في قوله- تعالى- كَلَّا إِنَّها لَظى وكلا حرف ردع وزجر، وإبطال لكلام سابق، وهو هنا ما كان يتمناه ويحبه.. من أن يفتدى نفسه ببنيه، وبصاحبته وأخيه.. إلخ.
    أى: كلا- أيها المجرم- ليس الأمر كما وددت وتمنيت.. وإنما الذي في انتظارك، هو النار التي هي أشد ما تكون اشتعالا.

    •( نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ)
    _ والتي من صفاتها كونها نَزَّاعَةً لِلشَّوى.. أى: قلاعة لجلدة الرأس وأطراف البدن، كاليد والرجل، ثم تعود هذه الجلدة والأطراف كما كانت.

    فقوله: نَزَّاعَةً صيغة مبالغة من النزع بمعنى القلع والفصل. والشوى: جمع شواة- بفتح الشين-، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا، مثل اليد والرجل. والجمع باعتبار ما لكل أحد من جوارح وأطراف.
    وقيل: الشواة: جلدة الرأس. والجمع باعتبار كثرة الناس.


    {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ}
    وهذه النَّار الملتهبة من صفاتها- أيضا- أنها تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى أى: تدعو لدخولها والاصطلاء بحرها، من أدبر وأعرض وتولى عن الحق والرشد، ونأى بجانبه عن طريق الهدى والاستقامة.
    قال ابن كثير: فتدعوهم يوم القيامة بلسان طلق ذلق- أى: فصيح بليغ- ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر، كما يلتقط الطير الحب، وذلك أنهم كانوا كما قال- سبحانه- ممن أدبر وتولى. أى: ممن كذب بقلبه، وترك العمل بجوارحه
    {وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ}
    أي : جمع المال بعضه على بعض فأوعاه ، أي : أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة . وقد ورد في الحديث : " ولا توعي فيوعي الله عليك " وكان عبد الله بن عكيم لا يربط له كيسا ويقول : سمعت الله يقول ( وجمع فأوعى )
    وقال الحسن البصري : يا ابن آدم سمعت وعيد الله ثم أوعيت الدنيا .
    وقال قتادة في قوله : ( وجمع فأوعى ) قال : كان جموعا قموما للخبيث ..
    يقول ابن عاشور_ أي تدعوك يا من أدبر عن دعوة التوحيد وتولى عنها ولم يعبأ إلاّ بجمع المال .



    فى ظلال الآيات:



    لمّا قال تعالى :(وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ)وبينما المجرم في هذه الحال , يتمنى ذلك المحال , يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل , أو كل حديث خادع من النفس . كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه:



    _ {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)}

    _ إنه مشهد تطير له النفس شعاعا , بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله . .(كلا !)في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا . .
    _(كلا ! إنها لظى)نار تتلظى وتتحرق(نزاعة للشوى)تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا . . وهي غول مفزعة . ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد: تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى . . تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى . ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها . ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها !



    والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير , وعدم الحض على طعام المسكين , وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية . . هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة . مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر , والتخويف من عاقبته ، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله .



    وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى , وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة . فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا . وكان كبراء قريش هم أصحاب هذه المتاجر , وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف . وكان هنالك تكالب على الثراء , وشح النفوس يجعل الفقراء محرومون , واليتامى مضيعين . ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير .



    وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص ; ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء . مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا , ومن أكل أموال الناس بالباطل , ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا ! ومن الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن ! ومن نهر السائل , وقهر اليتيم , ومن حرمان المساكين . . . إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة . فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة . وحب المال , والحرص عليه , وشح النفس به , والرغبة في احتجازه , آفة تساور النفوس مساورة عنيفة , وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها , والتحرر من ربقتها , إلى معارك متلاحقة , وإلى علاج طويل !


    من هداية الآيات:



    عظم هول الموقف يوم القيامة وصعوبة الحال.
    التنديد بالمعرضين عن طاعة الله ورسوله الجامعين للأموال المشتغلين بها حتى سلبتهم الإِيمان والعياذ بالله فأصبحوا يشكُّون في الله وآياته ولقائه.

    بارك الله فيكم على طيب المتابعة فى رعاية الرحمن

    المراجع
    تفسير القرآن العظيم ابن كثير
    تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
    كلام المنان للسعدى.
    سيد قطب فى ظلال القرآن.
    ابن عاشور تتفسير التحرير والتنوير
    الجزائرى أيسر التفاسير.
    الطنطاوى التفسير الوسيط




  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة




    سأتوقف عن بقية تفسير جزء المفصل لبعد العيد باذن الله وسيكون التفسير فى شهر رمضان المبارك سورة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام
    بلغنا الله وايَّاكم هذا الشهر المبارك وانتم فى خير حال



    أذكار الصباح والمساء وتفسير ما تيسر من سورة المعارج
    اضغط هنا على هذا الرابط لتقرأ الاذكار

    https://www.islamware.com /.تقبل الله مَّا ومنكم.
    ....


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    سورة المعارج:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    تفسير الآيات (19- 35):

    {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)}



    .شرح الكلمات:



    {إن الإنسان خلق هلوعا}: أي إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعا أي كثير الجزع سريعه وكثير المنع حريصا عليه.
    {على صلاتهم دائمون}: أي لا يقطعونهات أبداً ما داموا أحياء يعقلون.
    {حق معلوم}: أي نصيب معيّن عينه الشارع وهو الزكاة.
    {للسائل والمحروم}: أي الطالب الصدقة والذي لا يطلبها حياء وتعففا.
    {يصدقون بيوم الدين}: أي يؤمنون بيوم القيامة للبعث والجزاء.
    {مشفقون}: أي خائفون متوقعون العذاب عند المعصية.
    {لفروجهم حافظون}: أي صائنون لها عن النظر إليها وعن الفاحشة.
    {أو ما ملكت أيمانهم}: أي من السُّريات من الجواري التي يملكونها.
    {فأولئك هم العادون}: أي المعتدون الظالمون المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
    {لأماناتهم}: أي ما ائتمنوا عليه من أمور الدين والدنيا.
    {راعون}: أي حافظون غير مفرطين.
    {قائمون}: أي يقيمون شهاداتهم لا يكتمونها ولا يحرفونها.
    {يحافظون}: أي يؤدونها في أوقاتها في جماعات مع كامل الشروط والأركان والواجبات والسنن.



    .معنى الآيات:




    •{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21}
    _ وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية،...
    ففسر الهلوع بأنه: { إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله.
    { وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره، فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء.
    •إِلَّا الْمُصَلِّينَ
    { إِلَّا الْمُصَلِّينَ } الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا.
    • الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ
    أي: مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها. الذين يواظبون على أدائها مواظبة تامة، دون أن يشغلهم عن أدائها: عسر أو يسر، أو غنى أو فقر، أو إقامة أو سفر.
    وليسوا كمن لا يفعلها، أو يفعلها وقتا دون وقت، أو يفعلها على وجه ناقص.
    • ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
    والسائل: هو الذي يسأل غيره الصدقة، والمحروم: هو الذي لا يسأل غيره تعففا، وإن كان في حاجة إلى العون والمساعدة.
    أى: ومن الذين استثناهم- سبحانه- من صفة الهلع: أولئك المؤمنون الصادقون الذين جعلوا في أموالهم حقا معينا، يخرجونه عن إخلاص وطيب خاطر، لمن يستحقونه من السائلين والمحرومين.. على سبيل الشكر لخالقهم على ما أنعم عليهم من نعم.
    • { وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ }
    أي: يؤمنون بما أخبر الله به، وأخبرت به رسله، من الجزاء والبعث، ويتيقنون ذلك فيستعدون للآخرة، ويسعون لها سعيها. والتصديق بيوم الدين يلزم منه التصديق بالرسل، وبما جاءوا به من الكتب.
    •وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ
    وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ أى: أن من صفاتهم: أنهم مع قوة إيمانهم، وكثرة أعمالهم الصالحة، لا يجزمون بنجاتهم من عذاب الله- تعالى- وإنما دائما أحوالهم مبنية على الخوف والرجاء، إذ الإشفاق توقع حصول المكروه وأخذ الحذر منه.
    إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ
    • وجملة إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ تعليلية، ومقررة لمضمون ما قبلها، أى: إنهم مشفقون من عذاب ربهم.. لأن العاقل لا يأمن عذابه- عز وجل- مهما أتى من طاعات، وقدم من أعمال صالحة.
    وشبيه بهذه الآية قوله- سبحانه- وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ .
    • ثم قال- تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.
    _{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } فلا يطأون بها وطأ محرما، من زنى أو لواط، أو وطء في دبر، أو حيض، ونحو ذلك، ويحفظونها أيضا من النظر إليها ومسها، ممن لا يجوز له ذلك، ويتركون أيضا وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة.
    { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي: سرياتهم { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } في وطئهن في المحل الذي هو محل الحرث.
    _ { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ } أي: غير الزوجة وملك اليمين، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } أي: المتجاوزون ما أحل الله إلى ما حرم الله، ودلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة، لكونها غير زوجة مقصودة، ولا ملك يمين.
    • وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ
    أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها، وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربه، كالتكاليف السرية، التي لا يطلع عليها إلا الله، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار، وكذلك العهد، شامل للعهد الذي عاهد عليه الله، والعهد الذي عاهد عليه الخلق، فإن العهد يسأل عنه العبد، هل قام به ووفاه، أم رفضه وخانه فلم يقم به؟.
    • وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ
    أي: لا يشهدون إلا بما يعلمونه، من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان، ولا يحابي فيها قريبا ولا صديقا ونحوه، ويكون القصد بها وجه الله.
    قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } .
    وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ

    _ وكما افتتح- سبحانه- هذه الصفات الكريمة بمدح الذين هم على صلاتهم دائمون، فقد ختمها بمدح الذين يحافظون عليها فقال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ أى: يؤدونها كاملة غير منقوصة. لا في خشوعها، ولا في القراءة فيها، ولا في شيء من أركانها وسننها.
    وهذا الافتتاح والختام، يدل على شرفها وعلو قدرها، واهتمام الشارع بشأنها.
    _ قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قال: عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ثم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ؟. قلت: معنى دوامهم عليها، أن يواظبوا على أدائها، لا يخلون بها، ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل.
    _ومحافظتهم عليها: أن يراعوا إسباغ الوضوء لها، ومواقيتها، وسننها، وآدابها.. فالدوام يرجع إلى نفس الصلاة، والمحافظة تعود إلى أحوالها



    -فى ظلال الآيات:



    {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
    * . هلوعا . . جزوعا عند مس الشر , يتألم للذعته , ويجزع لوقعه , ويحسب أنه دائم لا كاشف له . ويظن اللحظة الحاضرة سرمدا مضروبا عليه ; ويحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به . فلا يتصور أن هناك فرجا ; ولا يتوقع من الله تغييرا . ومن ثم يأكله الجزع , ويمزقه الهلع . ذلك أنه لا يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه , ويعلق به رجاءه وأمله .
    * منوعا للخير إذا قدر عليه . يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره ,ويحتجنه لشخصه , ويصبح أسير ما ملك منه , مستعبدا للحرص عليه ! ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ودوره هو فيه . ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه وهو منقطع عنه خاوي القلب من الشعور به . . فهو هلوع في الحالتين . . هلوع من الشر . هلوع على الخير . . وهي صورة بائسة للإنسان , حين يخلو قلبه من الإيمان .
    *******************
    *ومن ثم يبدو الإيمان بالله مسألة ضخمة في حياة الإنسان . لا كلمة تقال باللسان , ولا شعائر تعبدية تقام . إنه حالة نفس ومنهج حياة , وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال . وحين يصبح القلب خاويا من هذا المقوم فإنه يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة ! ويبيت في قلق وخوف دائم , سواء أصابه الشر فجزع , أم أصابه الخير فمنع
    * فأما حين يعمره الإيمان فهو منه في طمأنينة وعافية , لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال ; مطمئن إلى قدره شاعر برحمته , مقدر لابتلائه , متطلع دائما إلى فرجه من الضيق , ويسره من العسر . متجه إليه بالخير , عالم أنه ينفق مما رزقه , وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله , معوض عنه في الدنيا والآخرة . . فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة , يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا .
    *******************
    وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع , تلك السمة العامة للإنسان , يفصلها السياق هنا ويحددها:
    إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
    والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان , هي وسيلة الاتصال بالله والاستمداد من ذلك الرصيد . ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة . وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا الذين هم على صلاتهم دائمون). . تعطي صورة الاستقرار والاستطراد , فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة . . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل شيئا من العبادة أثبته - أي داوم عليه - وكان يقول:" وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل " . . لملاحظة صفة الاطمئنان والاستقرار والثبات على الاتصال بالله , كما ينبغي من الاحترام لهذا الاتصال . فليس هو لعبة توصل أو تقطع , حسب المزاج !
    *****************
    *( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)). .
    _وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر . . وهي حق في أموال المؤمنين . . أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر . وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم . وفي هذا تخلص من الشح واستعلاء على الحرص ! كما أن فيه شعورا بواجب الواجد تجاه المحروم , في هذه الأمة المتضامنة المتكافلة . .
    _ والسائل الذي يسأل ; والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم . أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال .
    _ والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة , وبآصرة الإنسانية من جهة , فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح . وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها . فهي فريضة ذات دلالات شتى , في عالم الضمير وعالم الواقع سواء . . وذكرها هنا فوق أنه يرسم خطا في ملامح النفس المؤمنة فهو حلقة من حلقات العلاج للشح والحرص في السورة .
    *****************
    *( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)). .

    _وهذه الصفة ذات علاقة مباشرة بموضوع السورة الرئيسي .
    _وهي في الوقت ذاته ترسم خطا أساسيا في ملامح النفس المؤمنة .
    _ فالتصديق بيوم الدين شطر الإيمان . وهو ذو أثر حاسم في منهج الحياة شعورا وسلوكا .
    _ والميزان في يد المصدق بيوم الدين غير الميزان في يد المكذب بهذا اليوم أو المستريب فيه . ميزان الحياة والقيم والأعمال والأحداث . . المصدق بيوم الدين يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض , ولحساب الآخرة لا لحساب الدنيا ويتقبل الأحداث خيرها وشرها وفي حسابه أنها مقدمات نتائجها هناك , فيضيف إليها النتائج المرتقبة حين يزنها ويقومها . .
    _ والمكذب بيوم الدين يحسب كل شيء بحسب ما يقع له منه في هذه الحياة القصيرة المحدودة , ويتحرك وحدوده هي حدود هذه الأرض وحدود هذا العمر . ومن ثم يتغير حسابه وتختلف نتائج موازينه , وينتهي إلى نتائج خاطئة فوق ما ينحصر في مساحة من المكان ومساحة من الزمان محدودة . . وهو بائس مسكين معذب قلق لأن ما يقع في هذا الشطر من الحياة الذي يحصر فيه تأملاته وحساباته وتقديراته , قد لا يكون مطمئنا ولا مريحا ولا عادلا ولا معقولا , ما لم يضف إليه حساب الشطر الآخر وهو أكبر وأطول . ومن ثم يشقى به من لا يحسب حساب الآخرة أو يشقى غيره من حوله . ولا تستقيم له حياة رفيعة لا يجد جزاءها في هذه الأرض واضحا . .
    _ومن ثم كان التصديق باليوم الآخر شطر الإيمان الذي يقوم عليه منهج الحياة في الإسلام .
    تابعوا



  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة
    *********************
    *(وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)). .
    _ وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين . درجة الحساسية المرهفة , والرقابة اليقظة , والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة , والخوف من تلفت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة , والتطلع إلى الله للحماية والوقاية .
    _ ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من هو عند الله . وهو يعرف أن الله قد اصطفاه ورعاه . . كان دائم الحذر دائم الخوف لعذاب الله . وكان على يقين أن عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلا بفضل من الله ورحمة . وقال لأصحابه:" لن يدخل الجنة أحدا عمله " قالوا:ولا أنت يا رسول الله ? قال:" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته "
    _ وفي قوله هنا( إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ). . إيحاء بالحساسية الدائمة التي لا تغفل لحظة , فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحق العذاب . والله لا يطلب من الناس إلا هذه اليقظة وهذه الحساسية , فإذا غلبهم ضعفهم معها , فرحمته واسعة , ومغفرته حاضرة . وباب التوبة مفتوح ليست عليه مغاليق ! وهذاقوام الأمر في الإسلام بين الغفلة والقلق . والإسلام غير هذا وتلك . والقلب الموصول بالله يحذر ويرجو , ويخاف ويطمع , وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال .
    *********************
    *(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ). .
    _ وهذه تعني طهارة النفس والجماعة , فالإسلام يريد مجتمعا طاهرا نظيفا , وفي الوقت ذاته ناصعا صريحا . مجتمعا تؤدى فيه كل الوظائف الحيوية , وتلبي فيه كل دوافع الفطرة . ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل , وبغير التواء يقتل الصراحة النظيفة . مجتمعا يقوم على أساس الأسرة الشرعية المتينة القوائم . وعلى البيت العلني الواضح المعالم . مجتمعا يعرف فيه كل طفل أباه , ولا يخجل من مولده . لا لأن الحياء منزوع من الوجوه والنفوس . ولكن لأن العلاقات الجنسية قائمة على أساس نظيف صريح , طويل الأمد واضح الأهداف , يرمي إلى النهوض بواجب إنساني واجتماعي , لا لمجرد إرضاء النزوة الحيوانية والشهوة الجنسية !
    _ ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
    _ فيقرر نظافة الاتصال بالأزواج وبما ملكت الأيمان - من الإماء حين يوجدن بسبب مشروع
    _ والسبب المشروع الوحيد الذي يعترف به الإسلام هو السبي في قتال في سبيل الله . وهي الحرب الوحيدة التي يقرها الإسلام - والأصل في حكم هذا السبي هو ما ذكرته آية سورة محمد: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق , فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)
    _ ولكن قد يتخلف بعض السبي بلا من ولا فداء لملابسات واقعية ; فهذا يظل رقيقا إذا كان المعسكر الآخر يسترق أسرى المسلمين في أية صورة من صور الرق - ولو سماه بغير اسمه !
    _ ويجوز الإسلام وطء الإماء عندئذ من صاحبهن وحده , ويجعل عتقهن موكولا إلى الوسائل الكثيرة التي شرعها الإسلام لتجفيف هذا المورد . ويقف الإسلام بمبادئه صريحا نظيفا لا يدع هؤلاء الأسيرات لفوضى الاختلاط الجنسي القذر كما يقع لأسيرات الحروب قديما وحديثا ! ولا يتدسس ويلتوي فيسميهن حرات وهن إماء في الحقيقة !
    *(فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ). . .
    _ وبذلك يغلق الباب في وجه كل قذارة جنسية , في أية صورة غير هاتين الصورتين الواضحتين الصريحتين . . فلا يرى في الوظيفة الطبيعية قذارة في ذاتها ; ولكن القذارة في الالتواء بها . والإسلام نظيف صريح قويم . .
    ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)}).
    وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع . ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان . وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها اختيارا لا اضطرارا . . ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس وهم بعد في الأصلاب أن الله ربهم الواحد , وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود . . ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد , ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة . وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفسالمؤمنة , كما جعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة . ورد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الأمر البالغة في عرف الإسلام .
    ( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)). .
    وقد ناط الله بأداء الشهادة حقوقا كثيرة , بل ناط بها حدود الله , التي تقام بقيام الشهادة . فلم يكن بد أن يشدد الله في القيام بالشهادة , وعدم التخلف عنها ابتداء , وعدم كتمانها عند التقاضي , ومن القيام بها أداؤها بالحق دون ميل ولا تحريف . وقد جعلها الله شهادة له هو ليربطها بطاعته , فقال: (وأقيموا الشهادة لله). . وجعلها هنا سمة من سمات المؤمنين وهي أمانة من الأمانات , أفردها بالذكر للتعظيم من شأنها وإبراز أهميتها . .
    وكما بدأ سمات النفوس المؤمنة بالصلاة , ختمها كذلك بالصلاة:
    (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)). .
    وهي صفة غير صفة الدوام التي ذكرت في صدر هذه الصفات . تتحقق بالمحافظة على الصلاة في مواعيدها , وفي فرائضها , وفي سننها , وفي هيئتها , وفي الروح التي تؤدى بها . فلا يضيعونها إهمالا وكسلا . ولا يضيعونها بعدم إقامتها على وجهها . . وذكر الصلاة في المطلع والختام يوحي بالاحتفال والاهتمام . وبهذا تختم سمات المؤمنين . .
    وعندئ يقرر مصير هذا الفريق من الناس بعد ما قرر من قبل مصير الفريق الآخر:
    (أولئك في جنات مكرمون).


    من هداية الآيات:


    1- بين شر صفات الإِنسان وانها الهلع.
    2- بيان الدواء لهذا الداء داء الهلع الذي لا فلاح معه ولا نجاح.
    3- انحصار العلاج في ثماني صفات أو ثماني مركبات دوائية.
    4- وجوب العمل بما اشتملت عليه الوصفة من واجبات.
    5- حرمة ما اشتملت عليه الوصفة من محرمات.


    فائدة:

    قوله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ}
    1_هىَّ الزكاة والصدقات ولكنّ الزكاة فُرِضت بالمدينة؟؟!!
    قالوا: ولا يمنع ذلك من أن تكون السورة مكية، فقد يكون أصل مشروعية الزكاة بمكة، ثم أتى تفصيل أحكامها بالمدينة، عن طريق السنة النبوية المطهرة.
    2_ووصف- سبحانه- ما يعطونه من أموالهم بأنه حَقٌّ للاشارة إلى أنهم- لصفاء أنفسهم- قد جعلوا السائل والمحروم، كأنه شريك لهم في أموالهم، وكأن ما يعطونه له إنما هو بمثابة الحق الثابت عندهم له.
    3_فيا أيها المسلم ترى أن الله- تعالى- قد وصف هؤلاء المؤمنين الصادقين، الذين حماهم- سبحانه- من صفة الهلع.. قد وصفهم بثماني صفات كريمة، منها: المداومة على الصلاة، والمحافظة على الإنفاق في وجوه الخير، والتصديق بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب، والحفظ لفروجهم، وأداء الأمانات والشهادات.فهل حرصت ان تكون منهم ؟؟.
    اللهم اهدنا فيمن هديت واجعل شهر رمضان سبب لغفران ذنوبنا ورضاكِ عنَّا
    بارك الله فيكم على طيب المتابعة دمتم فى حفظ الرحمن

    المراجع
    تفسير القرآن العظيم ابن كثير
    تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
    كلام المنان للسعدى.
    سيد قطب فى ظلال القرآن.
    ابن عاشور تتفسير التحرير والتنوير
    الجزائرى أيسر التفاسير.
    الطنطاوى التفسير الوسيط






  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    الموقع
    مصر
    الردود
    383
    الجنس
    امرأة



    سورة المعارج
    بسم الله الرحمن الرحيم

    تفسير الآيات:36- 44
    {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}

    .شرح الكلمات

    {قبلك مهطعين}: أي نحوك مديمي النظر إليك.المهطع هو الذي يسرع الخطى مادا عنقه كالمقود.
    { عزين } : جمع عِزَة بتخفيف الزاي ، وهي الفِرقة من النّاس :أي كانوا جماعات حلقا حلقا يقولون في استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلها قبلهم.
    {إنا خلقناهم مما يعلمون}: أي من منيّ قذر وإنما يستوجب دخول الجنة بالطاعات المزكية للنفوس.
    {على أن نبدل خيرا منهم}: أي إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بأناسٍ خير منهم.
    {وما نحن بمسبوقين}: أي بعاجزين على إيجاد ما ذكرنا من اهلاك القوم والإِتيان بخير منهم.
    {يوم يخرجون من الأجداث}: أي من القبور مسرعين إلى المحشر.
    {سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون}: أي كأنهم في إسراعهم إلى المحشر إلى نصب أي شيء منصوب كراية أو علم يسرعون.
    {ترهقهم ذلة}: أي تغشاهم ذلة.
    {ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}: أي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة؟



    معنى الآيات



    {أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}
    • وحاصل هذا، أن الله وصف أهل السعادة والخير بهذه الأوصاف الكاملة، والأخلاق الفاضلة، من العبادات البدنية، كالصلاة، والمداومة عليها، والأعمال القلبية، كخشية الله الداعية لكل خير، والعبادات المالية، والعقائد النافعة، والأخلاق الفاضلة، ومعاملة الله، ومعاملة خلقه، أحسن معاملة من إنصافهم، وحفظ عهودهم وأسرارهم ، والعفة التامة بحفظ الفروج عما يكره الله تعالى.
    •ثم بين- سبحانه- ما أعده لهم من عطاء جزيل فقال: أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ أى: أولئك المتصفون بذلك في جنات عظيمة، يستقبلون فيها بالتعظيم والحفاوة.. حيث تقول لهم الملائكة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.
    ---------------------------------------------------------------------------
    _ وبعد هذه الصورة المشرقة لهؤلاء المكرمين.. أخذت السورة في تصوير موقف المشركين من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم إلى الحق، وفي تسليته عما لحقه منهم من أذى، وفي بيان أحوالهم السيئة عندما يعرضون للحساب..

    _فقال تعالى:{فمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)}
    • يقول تعالى منكرا على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له ، ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات ، ثم هم مع هذا كله فارون منه ، متفرقون عنه ، شاردون يمينا وشمالا فرقا فرقا ، وشيعا شيعا ،
    _كما قال تعالى : ( فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ) [ المدثر : 49 ، 51 ] الآية ، وهذه مثلها .

    • المعنى: ما بال هؤلاء الكافرين مسرعين نحوك- أيها الرسول الكريم- وناظرين إليك بعيون لا تكاد تفارقك، وملتفين من حولك عن يمينك وعن شمالك، جماعات متعددة، ومظهرين التهكم والإستهزاء بك وبأصحابك؟
    ما بالهم يفعلون ذلك مع علمهم في قرارة أنفسهم بأنك أنت الصادق الأمين!!!
    _{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ}
    والمراد بقوله: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ: جميع الجهات، إلا أنَّه عبر بهاتين الجهتين، لأنهما الجهتان اللتان يغلب الجلوس فيهما حول الشخص.

    وقوله: عِزِينَ تصوير بديع لالتفافهم من حوله جماعات متفرقة في مشاربها، وفي مآربها، وفي طباعها.
    ---------------------------------------------------------------------------
    {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ}
    والاستفهام في قوله- تعالى- أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ للنفي والإنكار.
    أى: أيطمع كل واحد من هؤلاء الكافرين أن يدخل الجنَّة التي هي محل نعيمنا وكرامتنا بدون إيمان صادق، وبدون عمل نافع..؟

    وقوله- سبحانه- كَلَّا ردع لهم وزجر عن هذا الطمع، أى: كلا ليس الأمر كما يزعمون من أنهم سيدخلون الجنة قبل المؤمنين أو معهم أو بعدهم.. وإنما هم سيكون مأواهم جهنم وبئس المصير.

    ---------------------------------------------------------------------------

    {كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ}

    وجملة إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ تأكيد لهذا الردع والزجر، وتهوين من شأنهم، وإبطال لغرورهم، وتنكيس لخيلائهم بأسلوب بديع مهذب.. لأنه مما لا شك فيه أنهم يعلمون أنهم قد خلقوا من ماء مهين، ومن كان كذلك فلا يليق به- متى كان عاقلا- أن يغتر أو يتطاول.

    ---------------------------------------------------------------------------

    _ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ
    هذا إقسام منه تعالى بالمشارق والمغارب، للشمس والقمر والكواكب، لما فيها من الآيات الباهرات على البعث
    عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
    وقدرته على تبديل أمثالهم، وهم بأعيانهم، كما قال تعالى: { وَنُنْشِئَكُمْ فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ } .
    { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي: ما أحد يسبقنا ويفوتنا ويعجزنا إذا أردنا أن نعيده. فإذا تقرر البعث والجزاء، واستمروا على تكذيبهم، وعدم انقيادهم لآيات الله.

    _ وهذا كقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ .

    ---------------------------------------------------------------------------

    فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ

    { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا } أي: يخوضوا بالأقوال الباطلة، والعقائد الفاسدة، ويلعبوا بدينهم، ويأكلوا ويشربوا، ويتمتعوا أى: ما دام الأمر كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- فاترك هؤلاء الكافرين، ليخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم، ولا تلتفت إليهم.
    ودعهم في هزلهم ولهوهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ وهو يوم القيامة الذي لا شك في إتيانه ووقوعه.
    { حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } فإن الله قد أعد لهم فيه من النكال والوبال ما هو عاقبة خوضهم ولعبهم.


    ---------------------------------------------------------------------------

    {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ}
    أى: يخرجون من قبورهم مسرعين إلى الداعي، مستبقين إليه، كما كانوا في الدنيا يسرعون نحو أصنامهم وآلهتهم لكي يستلموها، ويلتمسوا منها الشفاعة.


    ---------------------------------------------------------------------------
    _خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ
    وذلك أن الذلة والقلق قد ملك قلوبهم، واستولى على أفئدتهم، فخشعت منهم الأبصار، وسكنت منهم الحركات، وانقطعت الأصوات.

    _فهذه الحال والمآل، هو يومهم { الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }
    ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ أى: ذلك الذي ذكرناه من الأهوال، هو اليوم الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل، والذي كانوا ينكرون وقوعه، وها هو ذا في حكم الواقع، لأن كل ما أخبر الله- تعالى- عنه، فهو متحقق الوقوع. كما قال- سبحانه- في أول السورة: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ.

    وهكذا افتتحت السورة بإثبات أن يوم القيامة حق، واختتمت كذلك بإثبات أن يوم القيامة حق.

    فى ظلال الآيات
    وعندئذ يقرر مصير هذا الفريق من النَّاس بعد ما قرر من قبل مصير الفريق الآخر:
    (أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ). .

    ويجمع هذا النص القصير بين لون من النعيم الحسي ولون من النعيم الروحي . فهم في جنَّات . وهم يلقون الكرامة في هذه الجنات . فتجتمع لهم اللذة بالنعيم مع التكريم , جزاء على هذا الخلق الكريم , الذي يتميز به المؤمنون . .
    ثم يعرض السياق مشهدا من مشاهد الدعوة في مكة , والمشركون يسرعون الخطى إلى المكان الذي يكون فيه الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن . ثم يتفرقون حواليه جماعات . ويستنكر إسراعهم هذا وتجمعهم في غير ما رغبة في الاهتداء بما يسمعون:
    {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)}
    المهطع هو الذي يسرع الخطى مادا عنقه كالمقود . وعزين جمع عزة كفئة وزنا ومعنى . . وفي التعبير تهكم خفي بحركتهم المريبة . وتصوير لهذه الحركة وللهيئة التي تتم بها . وتعجب منهم . وتساؤل عن هذا الحال منهم ! وهم لا يسرعون الخطى تجاه الرسول ليسمعوا ويهتدوا , ولكن فقط ليستطلعوا في دهشة ثم يتفرقوا كي يتحلقوا حلقات يتناجون في الكيد والرد على ما يسمعون !
    •ما لهم ؟؟ {يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)}
    وهم على هذه الحال التي لا تؤدي إلى جنة نعيم , إنما تؤدي إلى لظى مأوى المجرمين !
    ألعلهم يحسبون أنفسهم شيئا عظيما عند الله ; فهم يكفرون ويؤذون الرسول , ويسمعون القرآن ويتناجون بالكيد . ثم يدخلون الجنة بعد هذا كله لأنهم في ميزان الله شيء عظيم ?! .
    كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)

    _ (كلا !)في ردع وفي تحقير . . (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ)!

    وهم يعلمون مم خلقوا ! من ذلك الماء المهين الذي يعرفون ! والتعبير القرآني المبدع يلمسهم هذه اللمسة الخفية العميقة في الوقت ذاته ; فيمسح بها كبرياءهم مسحا , وينكس بها خيلاءهم تنكيسا , دون لفظة واحدة نابية , أو تعبير واحد جارح

    بينما هذه الإِشارة العابرة تصور الهوان والزهادة والرخص أكمل تصوير ! فكيف يطمعون أن يدخلوا جنَّة نعيم على الكفر وسوء الصنيع؟؟ وهم مخلوقون مما يعلمون ! وهم أهون على الله من أن تكون لهم دالة عليه , وخرق لسنته في الجزاء العادل باللظى وبالنعيم .

    واستطرادا في تهوين أمرهم , وتصغير شأنهم , وتنكيس كبريائهم , يقرر أن الله قادر على أن يخلق خيرا منهم , وأنهم لا يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم:
    _(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)).

    والأمر ليس في حاجة إلى قسم . ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب , يوحي بعظمة الخالق . والمشارق والمغارب قد تعني مشارق النجوم الكثيرة ومغاربها في هذا الكون الفسيح . كما أنها قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع الأرض . وهي تتوالى في كل لحظة . ففي كل لحظة أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يطلع مشرق ويختفي مغرب . . .


    وأيا كان مدلول المشارق والمغارب , فهو يوحي إلى القلب بضخامة هذا الوجود , وبعظمة الخالق لهذا الوجود . فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون إلى قسم برب المشارق والمغارب , على أنه - سبحانه - قادر على أن يخلق خيرا منهم , وأنهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ولا يهربون من مصيرهم المحتوم ؟؟! .
    وعندما يبلغ السياق هذا المقطع , بعد تصوير هول العذاب في ذلك اليوم المشهود ; وكرامة النعيم للمؤمنين , وهوان شأن الكافرين . يتجه بالخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعهم لذلك اليوم ولذلك العذاب , ويرسم مشهدهم فيه , وهو مشهد مكروب ذليل:
    _( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
    وفي هذا الخطاب من تهوين شأنهم , ومن التهديد لهم , ما يثير الخوف والترقب . وفي مشهدهم وهيئتهم وحركتهم في ذلك اليوم ما يثير الفزع والتخوف . كما أن في التعبير من التهكم والسخرية ما يناسب اعتزازهم بأنفسهم واغترارهم بمكانتهم
    فهؤلاء الخارجون من القبور يسرعون الخطى كأنما هم ذاهبون إلى نصب يعبدونه وفي هذا التهكم تناسق مع حالهم في الدنيا . لقد كانوا يسارعون إلى الأنصاب في الأعياد ويتجمعون حولها . فها هم أولاء يسارعون اليوم , ولكن شتان بين يوم ويوم! !
    ثم تتم سماتهم بقوله: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ )فنلمح من خلال الكلمات سيماهم كاملة , وترتسم لنا من قسماتهم صورة واضحة . صورة ذليلة عانية . . لقد كانوا يخوضون ويلعبون فهم اليوم أذلاء مرهقون . .
    _(ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ).
    فكانوا يستريبون فيه ويكذبون ويستعجلون !

    •بهذا يلتئم المطلع والختام , وتتم هذه الحلقة من حلقات العلاج الطويل لقضية البعث والجزاء , وتنتهي هذه الجولة من جولات المعركة الطويلة بين التصور الجاهلي والتصور الإسلامي للحياة .

    من هداية الآيات
    1- بيان الحال التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بين ظهراني قريش وما كان يلاقي من اذاهم.
    2- بيان أن الجنة تدخل بالطهارة الروحية من قذر الشرك والمعاصي وإلاّ فأصل الناس واحد المنيّ القذر باستثناء آدم وحواء وعيسى فآدم أصله الطين وحواء خلقت من ضلع آدم، وعيسى كان بنفخ روح القدس في كم درع مريم فكان بكلمة الله تعالى ومن عدا الثلاثة فمن ماء مهين ونطفة قذرة.
    3- الاستدلال بالنشأة الأولى على إمكان الثانية.
    4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    5- بيان أن حياة أهل الكفر مهما تراءى لهم ولغيرهم أنها حياة مدنية سعيدة لم تَعد كونها باطلا ولهوا ولعباً.



    تم تفسير السورة والحمد لله رب العالمين
    بارك الله فيكم على طيب المتابعة ألقاكم فى تفسير بقية الجزء بعد شهر رمضان بإذن الله تعالى على أن أبدأ بإذن الله فى سورة يوسف من اول رمضان تقبل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال دمتم طيبين مقبولين عند الرحمن.



    المراجع
    تفسير القرآن العظيم ابن كثير
    تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
    كلام المنان للسعدى.
    سيد قطب فى ظلال القرآن.
    ابن عاشور تتفسير التحرير والتنوير
    الجزائرى أيسر التفاسير.
    الطنطاوى التفسير الوسيط





مواضيع مشابهه

  1. تفسير سورة المنافقون بالتسلسل تابعوا تقبل الله
    بواسطة ام امه الله في دار لكِ لـ تحفيظ القرآن
    الردود: 8
    اخر موضوع: 12-05-2015, 09:33 AM
  2. تفسير سورة التغابن .....تابعوا
    بواسطة ام امه الله في دار لكِ لـ تحفيظ القرآن
    الردود: 4
    اخر موضوع: 04-05-2015, 09:03 AM
  3. الردود: 1
    اخر موضوع: 02-05-2015, 01:51 PM
  4. الردود: 1
    اخر موضوع: 21-04-2015, 07:47 AM
  5. وين بقية الصور لهذه الفيلا .. يوجد صورة .. بارك الله فيكم ..
    بواسطة ريحانة العلا في الديكور الداخلي والخارجي
    الردود: 5
    اخر موضوع: 29-11-2010, 12:12 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ