وقد تواتر عن سلف هذه الأمة وخلفها تعلُّم هذا الفن، والاعتناء به أشد العناية، إذ من دونه لا يُفهم القرآن الفهم الصحيح، وبغيره لا يمكن استنباط الأحكام والمقاصد على وجه معتبر؛ ومن ثَمَّ اشترط أهل العلم على المجيز لقراءة القرآن ألاَّ يُجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء؛ وذلك لأهمية ما ذكرنا، واعتبارًا لما قررنا. وصح عن الشعبي أنه قال: إذا قرأت قوله تعالى: { كل من عليها فان } (الرحمن:26) فلا تسكت حتى تقرأ: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } على ما ذُكر من فساد في المعنى، وهو ما ينبغي أن يُجلَّ القرآن عنه . (الرحمن:27) ووجه النهي واضح، لما يترتب
ثمإن لأئمة هذا الشأن اصطلاحات خاصة في الوقف والابتداء، حاصلها أن الوقف على ثلاثة أوجه، وإن شئت قل: على ثلاثة أنواع: وقف تام، ووقف حسن، ووقف قبيح، وهاك شيئًا من التفصيل في ذلك:
فالوقف التام: هو الوقف الذي يحسن الوقوف عليه والابتداء بما بعده، ويكون ما بعده غير متعلق بما قبله، ويُمثل لذلك بقوله تعالى: { وأولئك هم المفلحون } (البقرة:5) وقوله تعالى: { الله أعلم حيث يجعل رسالته } (الأنعام:124) وهذا الوقف أكثر ما يكون عند رؤوس الآيات، وانتهاء القصص .
والوقف الحسن: هو الوقف الذي يحسن الوقوف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده، ويُمثل له بقوله تعالى: { الحمد لله } (الفاتحة:2) فالوقف عليه حسن ومقبول، لأن المراد من ذلك يفهم؛ إلا أن الابتداء بما بعده، وهو قوله تعالى: { رب العالمين } (الفاتحة:2) لا يحسن، لكونه صفة لما قبله، فهو متعلق به، لتعلق الصفة بالموصوف؛ وكذلك الوقف على قوله تعالى: { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين } (الصافات:137) ثم الابتداء .بقوله تعالى: { وبالليل أفلا تعقلون } (الصافات:138) لارتباط المعنى في الآية الثانية بما قبله .
أما الوقف القبيح: فهو الوقف الذي ليس بتام ولا حسن، ولا يفيد المعنى المقصود؛ ويُمثل لهذا النوع من الوقف بقوله تعالى: { فويل للمصلين } (الماعون:4) وقوله تعالى: { لا تقربوا الصلاة } (النساء:43) لما في ذلك من فساد في المعنى، ومخالفة لما هو من معهود الشرع الحنيف. منقول
الروابط المفضلة