السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لأن الموضوع مشاهد لا ينكره منكر ..
ولأن الحديث كثُر عن العشق والمحبة ..
فإنني آثرت أن أكتب هذه الكلمات تكون كالطوق لكل محبة ..
فإن خلت تلك المحبة من ذلك الطوق فأعلم أنها لا تناسبك ولا تناسب إسلامك ..
فاتق الله وتب منها فورا ..
فقد كتب شيخنا العلامة الجهبذ الأديب ..
محمد بن عمر بن عقيل الظاهري ..
نزيل الرياض صاحب مجلة الدرعية ودار ابن حزم للنشر ..
في كتاب له اسمه ..
الفنون الصغرى في السفر الخامس ..
موضوعا عن بني عذرة أو الحب العذري ..
( طبعا هو لا يتكلم عن حب الفسقة وإنما الحب المشروع ) ..
وتكلم عنهم وأنهم اشتهروا بالحب العفيف ..
الذي صحبه التوحيد والغزل والتشبيب ..
وتساءل حفظه الله تعالى وأمتعنا بعلمه وأدبه ..
هل هذا الحب أول لون من الحب في الأرض .. ؟!
أو هل هو ذلك الذي يسمى بالحب الروحي .. ؟!
وأجاب عن ذلك وبين خطأ هذا الظن ..
لأن الحب حالة يشترك فيها بنو آدم ..
ولأن العفة وجدت عند الصلحاء المؤمنين من النصارى واليهود وغيرهم الذين اتبعوا أنبيائهم قبل أن تنسخ شرائعهم ..
بذلك تكون نتيجته ..
أن العذريون ليسوا أول من أحب وليسوا أول من عفّ ..
وهو محق في ذلك سدد الله رأيه ..
ولكن لفت نظري ما قاله أمد الله في عمره ..
من أنه استبعد أن تكون محبة النساء محبة روحية ..
لأنه يقول ..
كيف تحب المرأة محبة روحية وأنت تريد غير الروح .. ؟!
فقد جعل رابطا بين الحب العذري وبين طلب الرغبة .. !!
فوضع قاعدة في هذا الباب بمعنى ..
أن الحب مهما كان نوعه لابد أن يكون لأجل الرغبة ..
ولكنه حفظه الله وإن كنت أتحفظ على لفظ مخالفة له ..
لكنني لي رأي غير رأيه مع فارق في العلم والتقوى والدين ..
ورأيي ..
أنه لو كانت قاعدته صحيحة ..
لم يوجد في الأرض من أحب لغير الرغبة .. !
وقد وجد هذا وهو مشاهد بيننا ولا ينكره منكر ..
لذلك خرمت القاعدة ..
لأن خرم القاعدة يحصل من خلال إيجاد ما يخالفها ..
ويسمى عند الفقهاء وغيرهم الاستثناء ..
وقد أعطوه حكما خاصا يخالف حكم القاعدة الأصلية ..
لكنني لا أميل إلى تلك التسمية ..
لأن الحب لا تلازم بينه وبين الرغبة ..
أي أنها ليست سببا ولا علة للحب ..
ولا هي كمال الحب العذري ..
فلماذا يعطى حكم الاستثناء كأنه من توابعه لست أدري .. !
فالحب الروحي أو العذري الذي تصحبه العفة دائما محفوف بالخوف من الله تعالى والحياء منه ..
كما فيه الحياء من الناس والمجتمع والمحبوب ..
لذلك ترى الذي يحب بعفاف يخالف من يحب لمقاييس الجمال الظاهر ..
وجلّهم يخشى أن ينظر إليه محبوبه وتجده يتلعثم ويحمر ويتعرق .. !
فإن خلوا مع أنفسهم ومحبوبهم في الفكر لم يزل عليهم الرقيب من الله تعالى يستشعرونه ..
ويأبى أولئك أن يشوهوا ذلك الوداد برغبات الدنيا ..
فما يحتاجونه هو محبة من يحبون والسكن إليهم ..
سواء كان هناك جمال أم قبح ظاهر ..
وسواء كان هناك رغبة أم لم تكن ..
لأن من يحب حبا عذريا عفيفا وتزوج بمحبوبته ..
لو حرم من رغبته لن يعزف عن محبوبته ..
بل سيظل كما كان حبه حبا متقدا ..
كما أنه لو حرم الاقتران بمحبوبته سيصون ذكرها ورسمها ..
لذلك كان حبهم لا لأجل رغبة ولا لغيرها ..
وإنما هو حب للروح فقط لا غير ..
لأنهم ألفوا من أحبوا بغير اختيار ..
فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ..
وهذا مشاهد بين الرجال والرجال والنساء والنساء ..
مع اختلاف طريقة هذه الألفة والمحبة ..
أما ما يعتري البعض ممن يدعي الحب العفيف ثم يغتال حرمة محبوبته ..
أو يرتكب ما حرم الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم فليس ذلك طريقنا ولا في حديثنا ولا من مذهبنا ..
فالعشق ما حرم منه إلا ما رافقه من أفعال وصفات تخالف منهج الشارع الحكيم ..
وكل من يدعي أن العشق حرام إن خلا عن محرم فهو لا يعي النصوص ولا يدرك معانيها ..
فكيف يحرم الله أمرا لا يملكه بني البشر ..
فوقوع القبول بين الأرواح ومحبتها لبعضها ليس بملك البشر ..
وإنما ما يملكه البشر كيف يتم توجيه هذه العاطفة التي ابتلوا بها أو منحوها عند محبها ..
فهذا هو ميدان الفتوى والتقوى الذي ينكشف فيه المؤمن والفاسق ..
فكل من ارتكب محرما بدعوى العشق فهو آثم ظالم ..
أما من لم يرتكبه فلا إثم عليه بما لم يكتسبه بنفسه ..
فلا يفهم من حديثي تأييدي للعلاقات المحرمة بين الجنسين ..
وإنما أنا أوضح ما يعتري الإنسان سواء رجل أو امرأة من رابط روحي لا تملك أو يملك صده أو رده ..
لأنه أمر وقر في القلب لا بيده وإنما بيد خالقه ابتلاء من الله ..
وقد كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى كتابا بعنوان غزل الفقهاء ..
وذكر فيه محبة بعض الفقهاء وأشعارهم ..
كما كتب قبله الإمام محمد بن داود في كتابه الزهرة في الأدب واللغة والشعر
وضمنه كذلك كثيرا من تلك الأشعار وبين الصحيح منه والخطأ ..
كما كتب الإمام ابن حزم الأندلسي كتابا بعنوان طوق الحمامة في الألفة والألاف ..
بين المحبة وأنواعها تراتيبها وما يشاكلها من أبواب وبين العفة فيها والتقوى ..
وغيرهم الكثير من أهل العلم لذلك لا ينكر في هذا الموضع ..
فبينوا ما يحرم من المحبة بما يرافقها من محرمات كحديث مباشر أو غيره ..
وبينوا المباح منه ..
فكل مدعٍ للمحبة إن انتهك المحرمات فإنه كاذب لا يعلم من المحبة إلا رغبة قبيحة ..
فمن أحب فليكن عفيفا ويتجنب الأفعال المحرمة لينجو من عقاب الله تعالى ..
والعفة في المحبة ..
هي الترفع عن كل فعل محرم شرعا ..
سواء في الفكر ـ وهو أثناء خلوة المؤمن مع نفسه ـ فلا يفكر في محبوبه بما لا يجوز شرعا ..
وسواء في الفعل والقول ..
فلا يكتب أو يقول أو يفعل محرما اتفقت الأمة على تحريمه ..
وتلك المحرمات لا تخفى على كل مسلم لوضوحها ..
ومن جهل ذلك فليسأل فإن شفاء العي السؤال ..
فالعفة طوق العشق ..
ومتى ما زال ذلك الطوق فأعلم أنك تغرر بمحبوبك وكنت ذئبا خائنا ..
أسأل الله أن يعصمكم من الزلل ..
وأن يرشدكم للعفة والتقوى ..
اللهم آمين ..
***
تحياتي واحترامي ..
الروابط المفضلة