روي ان فتى من الأغنياء صرف ما عنده , وكادت حالته ترق , وكانت له جاريه حسناء , محسنه في الغناء , فضاقت بهما الحال , ولم يجدا ما يقتاتان به فقال لها : إنك ترين ما حل بنا من هذه الحال السيئه , ووالله لموتي علي هذه الحال أهون على مما أذكره لك : فان رأيت ان أبيعك لمن يحسن اليك , وانتفع أنا بما يصير الي من المال , فقالت : والله لموتي علي هذه الحال معك آثر عندي من انتقالي الي غيرك ولو كان خليفه , ولكن اصنع ما بدا لك !.
فخرج وعرضها للبيع , فأشار عليه أحد الأصدقاء بعرضها علي ابن معمر , الوالي , فحملها إليه وعرضها فاستحسنها الوالي , وسأله : كم دفعت بها ؟
فقال مائة ألف درهم , وقد أنفقت عليها مالا كثيرا , حتي صارت برتبة الاستاذين في الغناء .
قال: ابن معمر : أما ما انفقت عليها فهو غير محتسب لأنك انفقته في لذاتك , أما ثمنها فقد أمرنا لك بمائة ألف درهم وعشرة أسفاط من الثياب وعشرة رؤؤس من الخيل وعشرة رؤؤس من الرقيق أرضيت ؟
قال : نعم , أرضى الله الأمير فأمر بالمال فأحضر , وأمر بادخال الجارية الي الحرم , فوقفت وأمسكت بجانب الستر وبكت وقالت :
هنيئا لك المال الذي قد أقدته
ولم يبق في كفي إلا التفكر
أقول لنفسي وهي في كرباتها
اقلي فقد بان الحبيب أو اكثري
إذا لم يكن للأمر عندك موضع
ولم تجدي بدا من الصبر فاصبري
فبكى مولاها , وأجاب قائلا:
ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن
يفرقنا شئ سوى الموت فاعذري
أروح بهم من فراقك موجع
أناجي به قلبا قليل التصبر
عليك سلام لا زيادة بيننا
ولا قرب إلا ان يشاء ابن معمر
فقال له ابن معمر : لقد شئت , فخذها بارك الله لك فيها , وفيما وصل اليك منا , فأخذها وأخذ المال والخيل والرقيق والثياب وعاد الى منزله .


منقول