انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 5 من 5

الموضوع: رواية الباب في المسمار كاملة في حلقات حصريا

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الردود
    5
    الجنس
    رجل

    رواية الباب في المسمار كاملة في حلقات حصريا

    الفصل الاول
    1
    إنه اليوم الذى يسبق نهاية منتصف الشهر العاشر من العام الرابع عشر بعد الألفين حين دخل ناصر الى شقته في شارع غوته في فرانكفورت حيث يعيش وحيدا فى تلك المدينة التى لا يدعونها ماين-هاتن دون سبب!,أشارت الالكترونات المتسارعة على شاشة تليفونه المحمول الى الساعة الثانية عشرة من منتصف النهار, تثقله حقيبته التي تحتوي على البومات زبائنه وقبل أن يخلع معطفه وقميصه أخبرته معدته بأنه قد نسى أن يجلب وجبة الغداء معه , مما عرض حقيبته المسكينة لتحمل عواقب نسيانه حين رماها بقوة على الأرض! مجرد الفكرة بارتداء ملابسه مرة اخرى وذهابه الى المطعم زاد من ارهاقه,وأحس بشيء من الارتياح حين تذكر كارت احد المطاعم القريبه في محفظته مدون عليه عنوان احد ألأصدقاء, أخرج الكارت بسرعة تعادل سرعة كل خلية جريلين تهاجمه الان وتزيد احساسه بالجوع, واتصل فورا وطلب وجبته المعتادة وجلس يترقب حضور عامل ألدليفري كما يترقب الصائم غروب الشمس بدأت ألأفكار تغزو مخيلته من جديد هى هى الأفكار التى تفارق ذهنه كما تفارقه أنفاسه,الأفكار التي تطارده كالفريسة حتى فى نومه منذ عشرون عاما. حتى الاَن لم يستطيع أمساك طرف الخيط الذي سيوصله الى تحقيق غايته في تلك المدينة القديمة. وبينما هو جالس ونيسه أفكاره متغيبا عما يدور حوله , قرع جرس باب الشقه ليشتت أفكاره كما تشتت مساحات سيارته بخار الماء المتكاثف على زجاجها. نهض ناصر وفتح الباب ليجد عامل الدليفري مألوف الوجه لديه. أخذ الطعام من العامل الذى بدت عليه علامات القلق والترقب - لعله يترقب كم سيحصل علي "اكرامية" هذه المرة ,فكر ناصر- وبينما ادخل يده في جيبه لاخراج محفظة النقود تجرأ عامل الدليفري لفتح حديث مع ناصر:
    - سيدى؟
    - مذهولاً: ماذا؟
    - ممكن يا سيدي اطلب منك خدمه؟
    - تفضل.. ماذا تريد؟
    - أنا اسكن بالقرب منك ودائما أود مقابلتك ولكن أتردد . ممكن التقي بك اليوم بعد أن انتهي من العمل؟
    - بخصوص ماذا؟
    - سأخبرك سيدى كل شيء ان وافقت على لقائى
    - مممممم وفي اي ساعة تنتهي من عملك؟
    - الساعة السادسة.
    – جيد.. سأنتظرك الساعة السابعة قبل خروجي
    - شكرا جزيلا سيدى. دفع ناصر ثمن الطعام الى عامل الدليفري مع اكرامية تليق بحالة الترقب التى كان يعانى منها وان اتضح انها لم تكن بسبب الاكرامية , دخل الى الشقة متلهفا لإخماد الحيوانات المتقاتلة بداخل معدته و استلقى على فراشه ليأخذ قسط من الراحة .

    2
    يبدو أن من قال ان النوم ما هو إلا موت مؤقت اختبر حقا ما شعر به ناصر فى تلك اللحظة التى أفزعه فيها جرس باب شقته معلناً الساعة السابعة مساءا بقدوم عامل الديليفرى.. قام ناصر متثاقلاً كالثمل من الخمروكمن لا يزال نصف نائماً ليجيب الطارق فوجد العامل قد غير ملابسه ومتأنق وكأنه ذاهب الى حفل عيد الميلاد.
    - أسف يا سيدي على الإزعاج ولكني حضرت في الموعد الذي حددته لي .
    مشيراً الي أحد الكراسي بمنتصف الصالة سامحاً له بالجلوس رد ناصر على إعتذار الشاب متعبا أن: لا عليك.. سوف أغير ملابسي ونبدأ في الحديث
    دخل ناصر لتغيير ملابسه بينما كان العامل جالس ينتظره قلقاً حيث مرت الخمس دقائق عليه وكأنها أمد الدهر.. أخيراً عاد ناصر ليسرع العامل واقفاً :
    - هيا تفضل إجلس.. ما هي ألخدمه التي استطيع أن أقدمها لك؟
    - سيدي.. أنت لديك معارف وأصدقاء كثير هنا في فرانكفورت و أنا أمر في أزمة ماليه ولا استطيع أن أخرج من هذه ألازمه ألا بالعثور على عمل ثاني فلو تكرمت يا سيدي أن تجد لي عمل مع أحد أصدقائك وردية اخرى بالليل .
    - أجاب ناصر مستعجباً : وهل ستعمل في الليل والنهار؟! كيف ستتمكن من أن توافق بين العملين سيكون جهد كبير عليك! لماذا كل هذا التعب؟
    - أجابه العامل وصوته لا يخلو من نبره حزن عميق: سيدي أنا متورط بديون كثيرة وصاحب المال الذي أقرضني يملك كمبيالات أنا موقع عليها و أذا استمريت اعمل في عمل واحد فلن أستطي تسديد الدين طوال حياتي .
    - وماذا الذي أجبرك على اقتراض المال وأنت تعرف جيدا بأنك لا تستطيع تسديد الدين من أيراد عملك .
    - كلا يا سيدي أنا استطيع تسديد المال..أو ظننت ذلك .. ولكن كنت أتوقع بأن المال الذي اقترضته سأسدده على شكل دفعات ولكن صاحب المال وضع فائدة على المبلغ غير منصفه مما جعلني أسدد الفوائد فقط ولا استطيع التمكن من تسديد المبلغ ألأصلي فأنا من حوالي سنتين اعمل وأسدد في الفوائد ألمتراكمة فقط وكأنى اقوم بمسح الماء المتسرب من الصنبور والصنبور لا يفرغ ابداً!
    - والمبلغ الذي اقترضته ماذا فعلت به؟ أعلم انه ليس من شأنى ولكن انا لا أعرفك ..فان كنت سأساعدك ..أعتقد بان لى الحق فى ان اصدق بانك تستحق!
    - سيدي أنا مصرى اعمل في فرانكفورت منذ خمس سنوات وقبل سنتين اتصل بي أخي الاصغر وكانت عائلتي بحاجة الى المال لأجراء عمليه فى الكبد لأمي.. وعائلتي تعاني من أزمة ماديه.. وأنا كنت كذلك , كما نقول فى مصر"اللي جاى على أد اللى رايح" .. عملي يسد حاجاتي ألشخصيه فقط فاضطررت للبحث عن شخص يقرضني المال من أصدقائي المغتربين..كلنا هنا على باب الله.. فأ رشدني احد الأصدقاء الى السيد مارشال وهو شخص بولندي يسكن في فرانكفورت ذهبت إليه ووافق بان يقرضني المال مقابل فوائد شهريه وشروط جزائية على ألتأخير أعطاني المال ووقعني على كمبيالات لكي تضمن حقه وأخذ جواز سفري أمانه لديه وافقت مضطرا حين لم أجد بديلاً وحين تدهورت حالت أمى ومن يومها وأنا اعمل وأسدد في الفوائد والشرط الجزائي . ابتسم ناصر حزيناً
    - في هذه الحالة أنت سددته ضعف المبلغ الذي اقترضته منه .
    - نعم يا سيدي هذا صحيح لقد سددته أضعاف المبلغ والمشكلة بدأ مقدار المبلغ يزداد علي بدل من أن ينقص..حفرة أحاول ردمها فتزداد عمقاً ! شعر ناصر بهذا الإلزام الخلقى فى طبيعتنا الإنسانية..هذا النوع من الإلزام الذى يجبرك علي محاولة إنقاذ الغريق حتى وإن كنت سباح غير ماهر! كما انه احترم اصرار وكرامة هذا العامل على العمل حتى وان كان ضعف نوبته بدلا من ان يستعطى.
    - سوف أسعى لك في أيجاد عمل ليلي في اقرب وقت ممكن. .قالها ناصر بنبرة لا تخلو من عطف .
    - اترك رقم هاتفك معي وسوف اتصل بك في اقرب وقت.. ولا تخف سوف أبدا من هذه اللحظة في تكليف أصدقائي المقربين.
    إن كان للأمل وجه يمكن أن يمثله فقد كان حتما هو وجه العامل فى هذه اللحظة ! شكر عامل الدليفري ناصر متهللاً وترك رقم هاتفه معه وبعد خروجه جلس ناصر يفكر بأرباح السيد مارشال وكيف تمكن من جمع ثروة على أكتاف المغتربين وفجأة أضائت الفكرة عقله كما تضئء الشمس غرفتك المظلمة حين تفتح النافذة فى الصباح..هذا السطوع الذى لا تستطيع مقاومته او استيعاب من أين أتى! تلك الفكرة التى ظلت هاربة عن أفكاره منذ عشرون عاما كخروف ضل القطيع .. ها هى .. أخيرا حضرت .. أخيرا عاد الخروف الضال للحظيرة..توصل للفكرة الذي سيتمكن بها من الوصول الى بغداد وهو في فرانكفورت ,نهض ناصر مسرعا وتناول هاتفه واتصل فوراً بعامل الدليفري.
    - قول لي.. من هم زبائن السيد مارشال؟
    - متفاجئا من مباغته السؤال أجاب العامل أن السيد مارشال يتعامل فقط مع المغتربين و أكثر زبائنه من العرب .
    - هل يوجد من بين زبائن السيد مارشال عراقيين؟
    - نعم يا سيدي يوجد الكثير من العراقيين .
    - أين يعمل معاملاته السيد مارشال؟
    - السيد مارشال ليس لديه مكان ثابت نحن نتصل به هاتفيا ويحدد لنا أين هو ونذهب له وفي كل يوم يجلس في مكان مختلف .
    - أعطني هاتف السيد مارشال أريد ان اتصل به حالاً
    أجاب العامل دون أسئلة عن السبب وراء هذا الاصرار على مكالمة السيد مارشال اذ انك لا تستطيع غالباً التحقيق مع من تدين لهم!
    - نعم يا سيدي سوف أرسل لك رقم هاتفه في رسالة هاتفيه بعد أنهاء المكالمة .
    أرسل العامل رقم السيد مارشال لناصر الذى نظر الى ساعته فوجدها التاسعة ونصف..كيف مرت ساعتان ونصف كاملتان منذ استيقظ؟ غريب كيف تستطيع أفكارنا أن تخطفنا عن واقعنا كما تخطف الذئب القطيع الضال.. فكر قليلا ومن ثم اتصل هاتفياً وبعد لحظات رد السيد مارشال على المكالمة محاطاً بأصوات موسيقى صاخبة تضج من سماعة الهاتف
    - مساء الخير يا سيد مارشال .
    - مساء الخير ..من معي ؟
    - أنا زبون جديد أريد التعامل معك .
    - اتصل بي صباحاً فأنا لا أعقد معاملاتي في الليل
    مسرعاً كمن يلتقط طفل صغير على وشك السقوط أجابه ناصر متلهفاً قبل أن يغلق الخط :
    - كلا يا سيد مارشال أنا زبون من نوع أخر.. يجب عليك أن تقابلني في الحال .
    - ماذا تقصد بزبون من نوع أخر .
    - جميع الزبائن لديك يقترضون المال منك صحيح؟ أما أنا سوف أعطيك المال .
    استغرب السيد مارشال من كلام هذا الغريب المتصل ولكن هو الفضول وحده الذى يجعلنا نفعل أشياء لم نكن نتصور بقبولنا اياها!
    ماذا يريد هذا الشخص.. وكيف يتحدث بكل هذه الثقة؟! فكر السيد مارشال والفضول يأكله
    - أنا الآن جالس في مطعم بيلكان..أجاب مارشال .
    - نعم أنا اعرفه - أجاب ناصر كمن يتوقع هذا الرد - سوف أكون في المطعم بعد نصف ساعة .
    أنهى ناصر المكالمة وغير ملابسه مسرعاً وخرج واستقل سيارة أجره وبينما وهو جالس في سيارة الأجره فكرفي السيد مارشال الذي يجلس كل يوم في المطاعم الليليه الفاخره تحوم حوله النساء ويشرب من دماء هؤلاء الشباب علي هيئة مشروبات روحيه. يلهو منتشيا سكراناً وهناك الكثير من المغفلين يعملون مكانه ويقدمون له ألأموال.. فكر في الصفقه ألثمينة النائمة في بغداد.. اَاَه لو تمت.. سيصبح هذا المارشال بالنسبة له كأحد هؤلاء المغفلين بالنسبة لمارشال!

    3
    - مطعم بيلكان سيدى..قالها سائق التاكس منتشلاً ناصر من أفكاره.دخل ناصر مطعم بيلكان وبقيت نظراته تتوزع في أرجاء المطعم كطفل ضال.. منبهراً من رُقى هذا المكان تفحص طاولات تعج بالنساء و ألأثرياء والمشروبات ألروحيه..عاد ناصر أخيرا لوعيه وتذكر لما هو هنا فى المقام الأول .. أخرج هاتفه واتصل بالسيد مارشال الذى أخبره بأنه جالس على الطاولة أربعة عشر, إتجه ناصر نحو الطاولة المعنية فوجد رجل يبلغ من العمر خمس وخمسين عاماً تقريباً رشيق طويل ذو شعر أشقر وعينين زرقاء..تعجب ناصر كيف يمكن للأصوات أن تخدعنا ! لم يتصور أبداً أن يكون السيد مارشال بهذه الهيئة!
    وجده يمسك في يده سيجاره من النوع الأميركي الفاخر والطاولة أمامه تزدحم بزجاجات المشروبات الكحولية والطعام الفاخر وتجلس بجانبه فتاتين جميلتين أشبه بالعاريات يبدو على الأكثر أنهن بنات ليل ويقف خلفه شخص ضخم طويل يبدو أنه حارسه الشخصي.
    - كيف حالك يا سيد مارشال؟ قالها ناصر وهو على وشك الجلوس .
    - أنا بخير كما تراني هيا قل لي ما هو النوع الآَخر من العمل فلقد ازداد فضولي لمعرفته .
    نظر ناصر متفحصاً الموجودين على الطاولة:
    - آسف لا استطيع أن أتحدث أمام الموجودين يجب عليك أخلاء ألطاولة فالموضوع شخصي .
    أمر السيد مارشال بانصراف ألأشخاص الموجودين ما بينهم الحارس الشخصى باشارة من يده كمن يطرد ذبابة تزعج نومه .
    - ها قد أخليت الطاولة وبقينا لوحدنا.. تكلم
    - سيد مارشال أنا هنا لتوفير عليك المشقة وسوف أسدد دين شخص أنت تثق بأنه وصل الى مرحله لا يستطيع بها دفع أي شيئ لك .
    - ومن هو ذلك الشخص؟
    - أنت حدده لي .
    - لا افهم ماذا تعني وضح أكثر .
    - سيد مارشال أنا بحاجه الى شخص عراقي ومقيم في ألمانيا مده لا تقل عن عشر سنوات ويكون عمره خمس وثلاثين عاما حد أقصى ويتمتع بجسم قوي وصحته جيده وعليه دين لا يستطيع أبداً تسديده و أوضاعة ألماديه متدهورة جدا.شخص اصطدم بالقاع كما يقولون .
    - وماذا تريد من هذا الشخص ولماذا كل هذه المواصفات؟
    - أريده في موضوع يهمني للغاية.. ولا تخف فانا لا أريده في تجارة المخدرات ولا لتنفيذ جريمة قتل أنا أحتاجه في مهمة من نوع أخر أريده ينفذها لي وسأسدد دينه وأعطيه مكافئه .
    - أنا لا يهمني أذا كان تستعمله أو ترسله أو ستقوم بطبخه فى عيد الشكر, ما يهمني فقط قبل أن ينفذ لك ألعمليه هو ان تسدد جميع ديونه .
    - أنا موافق.. سوف أعطيك المبلغ قبل أن ينفذ لي ألعمليه .
    - اتفقنا.. ولكن أنا الآن ليس لدي بيانات الزبائن البيانات موجودة في مقر شركة ألسياحة التابعة لي , لنلتقي هناك.. سوف أعطيك عنوان مقر شركة السياحة وسوف أنتظرك غد الساعة العاشرة صباحا لتختار بنفسك الشخص المناسب.
    شكر ناصرالسيد مارشال وتفاجأ حين نظر الى العنوان بأنه ايضاَ فى شارع غوته .. نفس الشارع الذي يسكن فيه ولكنه فضل إبقاء هذه المعلومة مخفية عن السيد مارشال. خرج ناصر من المطعم الليلي عائداً بنفس الطريقة التي أتى فيها حيث لا يملك سيارة خاصة به وكم كان مسروراً جداً لأنه توصل أخيرا لفكرته التي كانت شاردة من ذهنه منذ عشرين عاما وحينها تذكر عامل الدليفري الذي فتح عليه باب الفكرة وشعر بأنه مدين له ففكر بأنه يجب أن يساعده في الحال. اتصل حالاً بصديقه المصري الذي يعمل مدير فندق بالقرب من منزله وخبره بوجود شاب مصري صديقه يبحث عن عمل ليلي ويجب أن يوفر له فرصة عمل في الفندق. وكم كان مسروراً حين أخبره مديربأن لديه عمل شاغر في الفندق وأن يرسله له العامل غداً صباحا. اتصل ناصر فورا بعامل الدليفري و أخبره بوجود عمل ليلي في فندق وأعطاه العنوان.
    حسناً..الآن وقد وفيت بوعدى ..قالها ناصر متحدثاً الى نفسه..لنضع خطة جيدة تغير للأبد حياتى!

    4
    عند إشراق تلك التى تدفئنا كل صباح اتجه ناصر الى شركة السياحة والسفر التابعة الى السيد مارشال وبعد بحث قليل في شارع غوته - هذا الشارع المعقد عثر الفهم مثل صاحبه المدعو باسمه - وجد الشركة ووقف يأمل بأن يجد الشخص المناسب بداخلها , توجه نحو الإدارة العامة للشركة متحسبا أن السيد مارشال لابد وانه يجلس في الإدارة ,مما دفعه الى ان يتجه فوراً الى السكرتيرة .
    - صباح الخير .
    - صباح النور.. تفضل .
    - أود أن أقابل السيد مارشال , لدي موعد معه .
    - آسفه أنت هنا في المكان الخطأ السيد مارشال ليس المدير ولا يجلس في الإدارة .
    - ولكني حسب علمي انه صاحب الشركة .
    - هذا صحيح ولكن ليس له علاقة في الأمور الإدارية .
    - أذن أين أجده فانا لدي موعد معه في الشركة ؟
    - نعم هذا صحيح فهو يجري مقابلاته في الشركة لكنه يجلس في إداره خاصة في الطابق الأعلى.. ستجده هناك..قالتها مشيرة الى السماء!
    شكر ناصر السكرتيرة وذهب الى الطابق الأعلى ليبحث عن الإدارة الخاصة بالسيد مارشال وبعد دخوله الإدارة وجد سكرتيرة أخرى أيضاً . - صباح الخير .
    - صباح النور.. تفضل ,كيف يمكنني أن أخدمك؟
    - لدي موعد مع السيد مارشال .
    - ما هو الرقم الخاص بك كي استخرج بياناتك؟
    - كلا أنا لست زبون , بل لدي موعد خاص مع السيد مارشال .
    - حسناً..ما هو اسمك من فضلك؟
    - ناصر .
    - تفضل..قالتها بعد أن اطلعت على كشف الأسماء.. إنه في إنتظارك..مشيرة الى باب زجاجى لغرفة مكتب.
    دخل ناصر مكتب إدارة السيد مارشال وسلم عليه فأوضح السيد مارشال:
    - لقد تأخرت عشرون دقيقه على موعدك .
    - هذا صحيح فقد ذهبت الى الإدارة الرئيسية ظننتك هناك .
    - أنا لا اشغل تفكيري في أمور الشركة فأنها لا تعني كثيراً لي .
    - شركة سياحة وسفر في فرانكفورت لا تعني شي لك ؟!
    قالها ناصر متعجباً
    نعم , فأنا في عملي في الربا أجد متعه كبيرة حقاً! لا علينا.. لقد وجدت لك الشخص المناسب , شاب من العراق اسمه نزار, عمره واحد وثلاثين عاماً عليه ديون بقيمة تسعون ألف يورو ..لم يستطيع التسديد ومتعسر لمدة ثلاثة شهور ,أعطيته أنذار أخير ولكنه لم يستجيب.
    - ما هي مواصفات هذا الشخص ال" نزار"؟
    - نفس المواصفات التي طلبتها تقريبا.
    - هل لديك صوره له ؟
    - كلا..قالها مديراً رأسه يميناً ويساراً.. أنا لا اهتم بصور العملاء ولكن ماذا تفعل بصورته سأحدد لك موعد معه ..اجلس معه وانظر له كما يحلو لك .
    - لا - رفض ناصر- يجب أن أراه قبل أن أحدد الموعد فأنا أخشى أن يكون يعرفني.. أريد شخصاً لم ألتقي به مسبقا.
    صمت السيد مارشال قليلا و نادى على السكرتيرة
    - متى زارنا نزار العراقي أخر مره ؟ راجعي السجل.
    -لقد زارنا أخر مره في الخامس عشر من أبريل الساعة الحادية عشر صباحا- قالتها بعد مراجعة السجل . - اذهبي الى مهندس الصيانة وأجلبي نسخة هذا التوقيت من تسجيل كاميرات المراقبة .
    ظهر نزار على الشاشة بعد إعادة تشغيل كاميرات المراقبة بالتوقيت المضبوط , تمعن ناصر في الصورة فوجد شاب أسمر طويل رشيق ذو شعر أسود قصير..تماماً كما قد نرسم عراقي فى مخيلتك! الأمر المهم انه لم يسبق أن قابله من قبل.
    - ما رأيك ؟ قالها مارشال وهو يقوم بالضغط على زر الاغلاق بجهاز التحكم. هذا هو الشخص المطلوب ,متى تحدد لي معاد معه؟
    - سأقابله أولاً واحدد لك موعد لكي تشرح له المطلوب منه.. ولكن لا تنسى عليك تسليم المبلغ قبل تنفيذ نزار المهمة.
    - نعم هذا أكيد سأدفع لك المبلغ بالكامل..قالها وهو يهم بالوقوف..
    - سأذهب ألان فلدي أعمال كثيرة يجب القيام بها...سأنتظر منك مكالمة لكي أقابل نزار .



    الإسم:  1455220152011.png
المشاهدات: 791
الحجم:  143.1 كيلوبايت


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الردود
    5
    الجنس
    رجل
    سيتم تنزيل بقية الفصول

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الردود
    5
    الجنس
    رجل

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الردود
    5
    الجنس
    رجل

    الفصل الثاني حسرة وامل من جديد

    استطاع الانسان ترويض الأسود ,كما استطاع تدريب النسور كيف تحلق وتتنافس ..استطاع مواجهة أسماك القرش وإخضاع الطبيعة لصالحة ولكن يبدو أن مواجهة الانسان مع نفسه تظل هى نوع المواجهة الوحيد الذى لم يستطع الانسان الإنتصار فيه, مواجهة دائما ما يكون الخاسر الوحيد فيها هو الشخص عندما تراوده تلك الفكرة اللعينة التي أودت بحياة كثير من البشر ,حين يصبح ذاتك عدوك كيف ومن أى جهة تربح؟ هى تلك الفكرة الشاذة حين يقرر الانسان فجأة الهروب من الحياة وترك وصمة العار له ولعائلته فتأثيرنا لا ينتهى بنهايتنا, ونزار أحد هؤلاء الذين كانت الفكرة تراودهم بشكل يومي. ولكن يبدو أن إيمانه بالله وثقته الكبيرة فيه سبحانه وتعالى ويقينه التام أن الله لم ولن ينساه وحتماً سيخرجه من تلك المشكلة الذي وضع نفسه بها منذ سنين أرجح الكفة المنطقية فينا.. تلك الكفة الروحية التى تتمسك بالحياة والايمان وتبقيك طافياُ حين تثقل الكفة الأخرى ميزانك وتشده نحو القاع! هكذا كان يفكر نزار كل يوم قبل أن تبدأ صالة الملهى اليلي في انتقاص عددها رويداً رويداً من الزبائن .


    وعند خروج آخر زبون من المطعم الليلي الساعة السادسة صباحا ,بدأ نزار ومن معه في العمل بالتنظيف وفي غضون الساعة الثامنة كانوا قد أنهوا عملهم بالكامل ,غير نزار ملابسه وخرج متجهاً إلى محطة الباص الذي يقله إلى محل سكنه , لايدرى لما تعاوده فكرة الانتحار حين يرى هذا الباص ذو اللون الأزرق ؟! هل ترتبط حواسنا بشكل ما؟ هل يبعث اللون الأزرق بداخل نزار تلك الذكريات الحزينة والواقع المرير؟ أم أن لجسمه المنهك من التعب وعيونه الناعسة من قلة النوم لهما الكلمة العليا؟ يفكر إلى متى يستمر هذا الوضع التعس يطارده.. يسهر الليل ينام قليلاً في النهار والديون تزداد؟ لا يستطيع تسديدها ولا يستطيع العودة إلى بلده ولا يستطيع فعلاً عمل أى شيئ؟! هل فعلا يوماً من الأيام ستتغلب تلك الكفة التى تجذبنا لأسفل وتمحو كل ما هو روحانى وإيمانى ومتعلق بالحياة فينا وينفذ فكرة الإنتحار ويخسر كل شيئ؟؟ هل فعلا سيخسر الاَخرة بعد ما خسر الدنيا؟


    تلك كانت حياة نزار..مجرد غرق تام فى سلسلة لا متناهية من الافكار السوداء! ولكن قطع تفكيره فجأة رنين هاتفه , نظر إلى شاشة الهاتف ووجد المتصل السيد مارشال ..لم يرد على المكالمة فلا يوجد جواب شافي أو عذر مقنع يقدمه إلى السيد مارشال لعدم تسديد الفوائد المستحقه عليه. استقل نزار الحافلة الزرقاء اللعينة حتى وصل الى موقع سكنه, دخل شقته التى يسكن فيها مع خمسة أخرين..مما يعنى خمسة مشاكل مختلفة وخمسة قصص معاناة أخرى! تختلف المشاكل وتختلف القصص ولكن يبدو ان القاسم المشترك الوحيد بينهم هو عدم إيجاد حلول! نعم لا يوجد من بينهم مشكلته تفوق مشكلة نزار ولكن من منا لا يظن أنه لا توجد مشكلة أكبر من مشكلتة الشخصية؟ ذهب نزار إلى سريره واستلقى وفي غضون لحظات رن هاتفه مره أخرى من السيد مارشال فلم يرد عليه ووضع هاتفه على وضع الصامت.. كيف استطاعت التكنولوجيا أن تجعل أمثال مارشال يتحكمون فيه ويخيفوه حتى فى عدم وجودهم؟ خلد نزار إلى نوم عميق من شدة التعب.


    - نزار! -نزار.. استيقظ!


    أستيقظ نزار على صوت صديقه حيث لم يتبقى سوى ساعتين على موعد عمله..اَاَه كيف تبدو ساعة الاستيقاظ بمثل هذا السوء؟! حين نعانى تبدو ساعات النوم هى مهربنا الوحيد من العالم ,لنستيقظ فجأة على كابوس الواقع! نهض نزار مكتئبا بطيئاً متكاسلاً مثل كل يوم غير ملابسه وتناول طعامه واتجه نحو الباب للخروج ,نادى عليه أحد أصدقائه نزار لقد نسيت هاتفك عاد نزار والتقط هاتفه وخرج فنظر الى الهاتف فوجد أن هناك رسالة وارده من السيد مارشال .. لابد أنه سب وشتم وتوبيخ-فكر نزار- وهو يهم بفتح الرسالة ليتفاجىء بأنها مختلفة تماماً عما ظنه!


    " كيف حالك يا نزار أنا السيد مارشال لم اتصل بك بشأن تأخرك بتسديد المبلغ لقد وجدت لك عمل مناسب سوف تسدد دينك وتحصل على مكافئه أنا انتظرك في مقر الشركة في الساعة العاشرة صباحا غدا" . تعجب نزار بعد أن قرأ الرسالة ..لابد وأنه فخ ..إعتقد نزار..لكنه تراجع عن الفكرة حيث لا يحتاج السيد مارشال أن ينصب فخ لفأر مثل نزار..تُرى أتنصب الأسود فخاخاً؟فقط تهجم وتفترس وتمزق!وعلم نزار من تجارب سابقة أن السيد مارشال يستطيع أن يجلب أي شخص إلى مكتبه في غضون دقائق حيث يملك مجموعه كبيره من الحراسات الشخصية الشبيهه بالمافيا, ذهب نزار إلى عمله والرسالة هى كل ما يستطيع أن يفكر فيه,وان كان لها جانب مشرق حيث شغلته عن فكرة الانتحار الحمقاء..حين تصبح المصيبة لهواً عن مصائب أكبر!






    2


    أنهى نزار عمله تماماً وذهب مسرعاً نحو محطة الباص استقل ثلاث باصات مختلفة لكي يصل إلى شارع غوته- لماذا يسمونه غوته بأى حال؟! - تساءل نزار محدثاً نفسه- وبعد وصوله توقف قليلاً أمام مقر الشركة متردداً ولكنه كسر حاجز خوفه ودخل إلى الشركة واتجه نحو المكتب الخاص بالسيد مارشال وبعد وصوله الى السكرتيرة


    - صباح الخير لدي موعد مع السيد مارشال .


    - صباح النور موعدك الساعة العاشرة بعد عشرون دقيقة - قالت وهى تنظر للحائط خلفه- تفضل


    بالجلوس وفي الموعد المحدد ستدخل لتقابله .


    إحذر مما تتمنى! – قالها نزار لنفسه حين تذكر أول مره دخل فيها إلى هذا المكان وكيف كان يدعو الله أن يوافق السيد مارشال على طلبه ويعطيه القرض..هذا القرض الذي لا ينتهي كمنبع نهر الفرات .. القرض الذي تبقى فوائده تلاحقك مهما بذلت من جهد!. ليتني لم أسمع عن هذا المارشال اللعين وليته لم يوافق على طلبي .. قالها نزار محدثاً نفسه خافضاً رأسه حتى انتشلته السكرتيرة من أفكاره


    - تفضل بالدخول


    دخل نزار على السيد مارشال ويديه تأبه تنفيذ أوامر عقله بقرع باب مكتبه


    - صباح الخير يا سيدي..قالها والذل واضح في عينيه


    - صباح النور.. أعلم انك لا ترد على مكالماتي بسبب تعسرك المادي في تسديد الديون ..لكنك محظوظ فلقد وجدت لك الشخص الذي سوف يسدد جميع ديونك .


    - من هذا الشخص ولماذا سيسدد لي ديوني؟


    - إنه شخص عراقي اسمه ناصر ويريدك في مهمة خاصة تنفذها له .


    - و.... وما هي هذه المهمة الذي يريدني فيها؟ سأل نزار قلقاً


    - لا أعلم, ولكنك يجب أن توافق..أخبرنى ما هى الخيارات الأخرى المتاحة لديك؟ لقد نفذ صبري وأنت لم تستطيع التسديد.


    - نعم سأوافق على تنفيذ طلباته مهما كانت ..أجاب نزار دون تفكير فيما هو مسلم به .


    - هناك أمر أخر لقد أبلغت الرجل انك مدين لي بتسعين ألف يورو و الحقيقة انك مدين لي بخمسين ألف يورو فقط .


    - لقد أصبحت خمسين ألف يورو؟!! ما هى الرياضيات التى تستعملها فى حساباتك؟


    - يبدو أنك نسيت أن تحسب الشرط الجزائي والفوائد المتراكمة.


    - أكمل لا عليك ,سوف أقول للرجل أنا مدين بتسعين ألف يورو.. كيف التقي بهذا الرجل ؟


    - في أي ساعة يبدأ عملك؟


    - التاسعة مساءً .


    - سيكون موعدك معه في الساعة السادسة اليوم في مطعم بيلكان هل تعرفه؟


    - نعم أعرفه جيداً فلقد عملت به فتره .


    - أذن اذهب ولا تنسى موعدك مع الرجل .


    خرج نزار وهو لا يصدق ما حدث هل فعلا سيسدد دينه؟؟!! يقولون أن هناك من الأشياء جيدة جداً كى تكون حقيقية! هل يعود لبلده ويعيش بين أهله وأقاربه ويرى أصحابه كل يوم؟ هل فعلا سيعود إلى العيش في بغداد بعد أحدى عشر سنه من الذل والنكد والغربة؟؟


    قاطعت أحلام نزار تلك المهمة الغامضة التى يريد هذا الغريب منه تنفيذها. ترى ما هي تلك المهمة؟ تجارة مخدرات؟ لو أنها تتعلق بتجارة المخدرات لا يحتاج الى شخص لديه ديون كثيرة مثل نزار فهناك كثير من الأشخاص المستعدين للعمل في مثل هذا المجال ..ما خشاه نزار حقاَ هو أن تكون متعلقة بجريمة قتل ولكن هناك كثير من أفراد المافيا مستعدين لعمل كل شيئ ؟؟ ظلت الفكرة تليها الفكرة تراود نزار وظل النفي تلو النفي يمحو فكرة وراء فكرة.. ترى ماذا يريد ذلك الشخص المجهول؟


    هل فعلا سيفتح له باب يخرج منه من كل تلك المشاكل أم أنه سيفتح له باب ليدخل فى المزيد منها؟ لكن يجب أن أوافق على شروطه- أخبر نزار نفسه بصوت مرتفع- مهما كانت صعبه يجب أن أتخلص من هذا الكابوس الذي يلاحقني ويطاردنى كفريسة منذ إحدى عشر عاما!


    وصل نزار الى شقتة المشتركة أخيراً, استلقى على سريره بدون أن يغير ملابسه,إذ لم يكن النوم بملابس العمل أكبر مشاكله الآن! لكن هذه المره ليست مثل كل يوم ,فكل يوم عندما يستلقي على السرير بعدها بلحظات يغط في نوم عميق من التعب ولكن اليوم وإن ظل يشعر بالتعب الشديد لا يستطيع أن ينام! يبدو أن لعقولنا السلطان الأكبر علي أجسادنا! ظل ينتظر الساعة السادسة لكي يعرف مصيره المجهول لقد علق نزار كل آماله على هذا اللقاء كما يتعلق طاقم السفينة المحطمة بأطواق النجاة, وبينما هو يفكر لم يستطيع التغلب على التعب وسيطر عليه النعاس فغط في نوم عميق .






    3


    يحمينا تعبنا وإرهاقنا غالباً مما لا نستطيع السيطرة عليه حين ننام..حين نصبح تحت رحمة عقولنا المرتابة المترقبة المحملة بالكوابيس لكن هذه المرة ليست مثل كل مرة, فلقد رأى نزار حلم مخيف ومرعب جداً .. رأى داره القديمة الواقعة في بغداد وحيده وكل الدور التي تحيط بها مهدمة ومتحولة إلى خراب ,ونظر فوق دارهم راية ترفرف والغربان تحوم من حول الراية , وكلاب تحوم حول الدار تنبح ,وزجاج المنزل مهشم, سمع صوت بكاء شقيقته الصغرى ندى وصوت أمه تقول يا ليت نزار ههنا لكان ساعدنا ! تقدم نزار بخطى ثقيلة مرتجفة مرتعبة مثل قلبه المرتعب المرتجف لكي ينقذ أمه وأخته..شعر بأن كل ما يحتاج عمله لانقاذهم هو فقط أن يلمسهم! لكنه حين اقترب أخيراً ليلمس يد أمه وأخته تفاجئ بأسلاك شائكة وشيئ يسحبه من الخلف كما الفهد يسحب صغير الغزال ,وبدأ الدار يبتعد شيئاً فشيئاً وصوت بكاء أمه وأخته يعلو متحدياً قوانين الطبيعة والمسافات! يدخل في جوف أذنه صارخا "نزاااااار" وهو لا يملك إلا أن يصرخ أمي أمي..وإن كان صوته يبهت ويخفت وصوت أمه يعلو ويخترق كل ذرة من كيانه وخلاياه.


    -نزار ..نزااااار .. استيقظ نزااار


    نهض نزار مفزوعا والعرق يصب من جبينه وقدميه ترتجفان من الخوف وفمه جاف من العطش ..كان يظن بأنه سيرى أمه توقظه وتحتضنه وتطمئنه ولكن إذا بأحد أصدقائه يوقظه حين راَه يهذى ,نهض ودخل الحمام واغتسل ومشاهد الحلم تلاحقه كومضات متلاحقة من فيلم سينمائى.. وبعد خروجه إتصل فوراً بعائلته ليطمئن عليهم ,غير ملابسه وخرج دون أن يتناول وجبة الطعام..فكيف يستطيع أن يأكل بعد ما رأى فزعاً وخوفاً يقلص الأمعاء؟.


    كان بحاجه الى أن يتمشى قليلا لكي يرتاح من قوة الصدمة التي تعرض لها وكان يتمنى أن يرتمي في أحضان والدته بعد هذا الكابوس المزعج. ظل نزار يتمشى حتى قد اقترب موعده بذاك المجهول, استقل سيارة أجره وذهب إلى مطعم بيلكان الليلي ,كان قد أخبره السيد مارشال برسالة هاتفية بأن الرجل سيجلس على الطاولة رقم أربعة عشر دخل نزار وذهب مباشرةً نحو الطاولة حيث يعرف المكان جيداً وبعد أن وصل وجد رجل يبلغ من العمر خمسين عاماً تقريباً ..بدين.. أقرع أبرص ..يرتدي سلسة ذهبيه ومعصم أسود لا يليقان بسنه.


    - نزاز.. قالها ناصر ماداً يده ليصافح الرجل المجهول


    - ناصر ؟


    سلم نزار على ناصر وجلس وبعد تردد غلبه الفضول بدأ نزار الحديث


    - لقد بعثني السيد مارشال إليك وأخبرنى انك تريدني في مهمة وستسدد لي كل ديوني


    - هذا صحيح أنا مستعد لتسديد ديونك وأعطيك مكافئه خمسون ألف يورو بعد تنفيذ كل ما أطلبه منك.


    - وما هيه طلباتك الذي تريدني أن أنفذها لك؟


    - اترك العمل الاَن..سنعود إليه حتما..اليوم أريد أن أعرف معلومات أكثر عنك, قل هل لديك عائله في بغداد؟ وأين تسكن؟ وما هو عمل عائلتك؟ سأل ناصر بصيغة تحقيق عسكرى أقرب منه إلى تعارف أصدقاء


    - نعم بالطبع لدي عائله.. أبي وأمي ولدي أخ أصغر مني خريج جامعه ويعمل في أحد المحلات التجارية في الشورجة ولدي شقيقتين واحدة أكبر مني متزوجة والصغرى في الدراسة الثانوية ,وتعتمد عائلتي على عمل أبي حيث يعمل سائق سيارة أجره ويقع دارنا في بغداد في مدينة الحرية.


    – جيد.. قل لي يا نزار ما هو سبب وجودك في ألمانيا؟ وما هو سبب بقائك بعد أن فشلت بكل شيئ هنا؟


    - سبب وجودي هو مثل باقي كل الشباب الذي غرر بنا حلم الحياة الوردية في أوربا ,فحلم كل شاب عربي في مرحلة المراهقة أن يترك بلده ويذهب للعمل في أوروبا أو أميركا.. المغتربين الذي يعودون إلى البلد ,يبدأون كلامهم عن بلدان أوروبا وكأنها جنة الله في ألأرض وبنك متنقل بدون حراس ولا أبواب, مغارة لصوص وكلنا علي بابا!, سمعت هذا الكلام كثيرا وبدأ الحلم يراودني أن أسافر إلى أوروبا واعمل وأحصل على راتب جيد وأرسل إلى أهلي الأموال لكي أغير من واقع عائلتي, فقررت السفر رغم المعارضة القويه من عائلتي لكني أصريت ورغم أني أنا لا أملك النقود الكافية للسفر إلا أن عائلتي اضطرت أن تبيع بعض الحاجات الخاصة بالعائلة الفائضة عن الحاجة مثل الذهب وبعض الاثاث ليوفروا لي تكاليف السفر, أكملت الإجراءات وسافرت, تنقلت في أوربا من دولة إلى دولة كالرحالة إلى أن استقريت في المانيا ,


    عملت في البداية عدة أعمال ولكني لم أجد عمل يمكنني من الإدخار, ولكي أوفي بعهدي إلى عائلتي اضطررت إلى العمل في الملهى الليلي لأن راتبه أفضل من باقي الأعمال و به بعض المخصصات الأضافية مثل البقشيش وغيرها ظللت أقصر على نفسي في المصروف وأرسل بعض المال إلى عائلتي لكي أثبت لهم أني كنت على حق وعندما كانوا يسألونني عن عملي كنت أبالغ لهم في عملي وفي سكني وأن حالتي المادية جيدة والحمد لله,


    وبعد ثلاث سنين من العمل الشاق والكذب الشاق أيضاً على عائلتي اتصل بي أخي الأصغر وأخبرنى أنهم بحاجة إلى مبلغ من المال فصاحب الدار سوف يخرجهم منها في وقت قريب وأعطاهم مهله لكي ينقلون أثاثهم إلى دار أخرى , لحسن الحظ وجدوا دار ثانية ولكن لسوء الحظ أيضاً كانت بحاجه إلى ترميم ودفع أيجار سنوي مقدم,


    لم أتمكن يومها بأن أقول لهم أني لا أملك أي شيئ ,وسمعت حينها المغتربون يتحدثون عن السيد مارشال حتى أضطررت إلى أن اقترض منه ومن يومها جواز سفري عند السيد مارشال


    وأنا أوقع على الصكوك ,وكل شهر أسدد ,ويزيد المبلغ بحجة الفوائد والشرط الجزائي ..هذا هو السبب الذي يمنعني من العوده إلى بغداد..إلى أبى وأمى ..إلى أخوتى وإلى الدار.


    سمع ناصر كلام نزار دون أى يبدو عليه تعاطف أو تحامل


    - ما رأيك يا نزار أن أسدد دينك وأرسلك إلى بغداد لتنجز مهمة بسيطة وبعدها تصبح حراً طليقاً وتذهب إلى عائلتك ومعك خمسون ألف يورو؟


    ابتسم نزار ولم يتمالك نفسه من الفرح كمن ربح اليانصيب..


    - مهمة في بغداد؟! هل أتمكن من أن أرى بغداد مره أخرى؟! نعم أنا استطيع على تنفيذ أي مهمة تطلبها مني..قالها نزار دون ذرة واحدة من الشك أو التردد .


    - أذن اتفقنا..قالها ناصر بلغة الواثق .


    - قل لي يا سيد ناصر ما هي طبيعة تلك المهمة؟


    - لا تستعجل يا نزار المكان هنا ليس مناسب للكلام في مثل هذه المواضيع .


    - أذن متى ستخبرني بتفاصيل المهمة؟ اعذرنى فالفضول يقتلنى .


    - لا تتعجل-قالها ناصر مشيراً براحة يده-غدا سأنتظرك في مكتبة فرانكفورت العامه الساعة التاسعة صباحاً وسنتكلم في جميع التفاصيل .


    - حسنا يا سيدي سوف أكون في المكتبة في تمام الساعة التاسعة صباحا .


    خرج نزار من المطعم وأستقل سيارة أجرة إلى عمله وعلى غير المعتاد شعر بالسعادة لأول مرة منذ زمن طويل..ذلك الإحساس الممتع الذى يغمر كل خلية من خلايانا.


    ظل يترقب يوم الغد ترقب صغار الطيور لأمها عائدة بالحب والطعام, وتمنى لو أن يمر الوقت سريعاً حتى تنكشف الصوره أمامه .






    4


    مستيقظاً نشطاً متفائلاً على غير المعتاد في تمام الساعة الثامنة خرج نزار مسرعاً نحو محطة الباص وبعد تنقله بين ثلاث باصات حتى وصل إلى شارع غوته والذى أسعفه الوقت ليعرف إنه سمى على إسم أديب ألمانى شهير لم يقرأ له يوماً, لكن هذه المره ليس للذهاب للشركة لتسديد المال كالمعتاد , لكن إلى مكتبة فرانكفورت ليعرف ما هي المهمة التي ستعيد له الأمل في الحياة, دخل نزار إلى المكتبة المهيبة ذات العدد الذى لا يحصى من النوافذ,تُرى كيف يصل لناصر فى وسط لعبة البازل العملاقة هذه؟ لكنه تذكر فجأة أنه حصل على رقمه بالأمس, فأخرج هاتفه واتصل بناصر ليعرف مكانه وبعد أن حدد مكانه بصعوبة ,إتجه إليه ووجده جالس يقرأ فجلس أمامه


    - لماذا اخترت هذا المكان الغريب؟ سأل نزار مستنكراً


    - هنا كل الأشخاص الجالسين منشغلين في الكتب والمراجع لعمل بحوثهم ولا يهتمون بحديث من حولهم


    - قل لي يا ناصر ما هو المطلوب مني وكيف يمكن أن أساعدك؟


    - إسمع يا نزار أنا هنا في ألمانيا منذ عام 1994 ولا أستطيع العوده إلى بلدي ,عشرون عاماً لم أزر العراق


    - وما الذي يمنعك من زيارة العراق؟


    - أنا مطلوب للعدالة .. عليا قضيتان واحده قتل و الثانية سرقه وأنا بريء من كلا التهمتان


    - لم أفهم ,ما علاقتي أنا في قضاياك وبما ستحتاجني؟ أجاب نزار دون أن يصدق خطاب البراءة الذى قصه ناصر للتو


    - أنت ستثبت براءتي وتعيد الحقوق المسروقة


    - كيف سأثبت براءتك في قضيه حدثت منذ عشرون عاماً؟


    - سأشرح لك ألان كل تفاصيل قصتي وكيف وصلت إلى هنا!


    حين كان لى من العمر ثمان وعشرون عاماً .. كنت ملتحقاً بالجيش العراقى ,تعرفت على شاب من عمري اسمه فارس وأصبحت علاقتنا قوية جداً وبمرور الأيام وبعد أن أنهينا خدمتنا في الجيش بقيت العلاقة قوية وبمرور السنين عملت أنا مع صاحب محل مجوهرات في بغداد وكان صاحب المحل وإبنه يثقون بي ثقة عمياء وفي يوم من الأيام أعطاني نبراس إبن صاحب المحل جوهرة نادرة وصغيرة الحجم جداً,لم أسمع بجمال مثل جمالها إلا فى قصص على بابا والسندباد وأخبرنى أن أحافظ عليها جيداً وأعطاني مفاتيح السيارة وأعلمنى بأن هناك شخص ينتظرنى أمام فندق الرشيد ,أذهب إليه وأعطيه الجوهرة,وهو يعطينى ظرف موجود عليه ختم المحل.. أعطاني تفاصيل الشخص وإسمه وكيف سأتعرف عليه وعند ركوبي السيارة وضعت العلبة التي تحتوي على ألجوهرة بجانبي واتجهت إلى فندق الرشيد بالسيارة و أذا بي أقابل صديقي فارس يقف على الشارع ليستأجر سيارة أجرة . وقفت له وأخذته معي وفي هذه الأثناء أخبرته عما بداخل العلبه لثقتي العمياء به, وبعد أن وصلنا تركت فارس في السيارة مع الجوهرة ونزلت أبحث عن الرجل الذي ينتظرني.. وبعد أن وجدته وأعطاني الظرف المختوم بختم المحل إتجهنا سويه الى السيارة لأعطيه العلبه وحينها فوجئت أن فارس غير موجود بالسيارة..رسم عقلي السيناريو المرعب فى مخيلتى بلمح البصر.. نظرت إلى داخل السيارة فلم أجد العلبة كما توقعت.. جن جنوني وركبت السيارة وإتجهت بسرعة نحو الطريق العام فوجدت فارس يهرول بسرعة لكي يصل إلى الطريق العام ,ناديت عليه فلم يعير لي إنتباه, فأستمريت في مطاردته حتى تعرض فارس إلى حادت دهس مروع من شاحنة ضخمة, نزلت من السيارة و ركضت نحو فارس واحتضنته وقلت له لماذا فعلت ذلك يا فارس؟ لماذا خنتني وأنا صديقك؟ لم يجبني فارس والدماء كانت تسيل منه بشدة وعلمت بدنو أجله , فقمت بأدخال يدي في جيوبه لكي أخرج الجوهرة ,فأخبرنى بأنفاس سريعة متقطعة كأنفاس المحموم بألا أحاول عبثاً فلن أجدها.. لقد إبتلعت الجوهرة .. أخبرنى بصوت مخلوط بدماء ثقيلة تعوقه عن التحدث بوضوح,أصابني الذهول وأنا أشاهده يفارق الحياة ,نهضت ولم أعرف ماذا أفعل أو كيف أتصرف حينها, هربت ولم أعد لعملى أو عائلتى حتى وجدت طريقة للخروج من العراق بطريقة غير شرعيه وصدر علي حكماً غيابياً بالسجن المؤبد .


    - قصه غريبة ! - قالها نزار متعجباً- ولكن لم أفهم ما هو المطلوب مني .


    - المطلوب منك يا نزار هو الذهاب إلى بغداد وتعيد الجوهرة .. قالها ناصر وهو يتوقع وقعها الغريب على نزار .


    - كيف يمكنني أن أعيد الجوهرة وهي في جوف فارس؟ وفارس يرقد في جوف القبر منذ عشرون عاما؟


    - هذا الأمر بسيط جداً لقد أعددت لك كل شيئ, سوف تعيدها بسهولة ,أنا أعيد الجوهرة إلى أصحابها وأنت تعود إلى عائلتك, أعود أنا الى وطني وأنت إلى دارك.. لا تخف يا نزار الموضوع هو إعادة حقوق لا أكثر , نحن لن نسرق أحداً..ما ستفعله هو خير..لا شر!


    - أنا موافق على عمل الخير.. متى سأذهب وأنفذ العملية؟


    - أريد منك أن تمارس حياتك هنا بشكل طبيعي وتذهب إلى عملك بشكل منتظم ولكن تبقى على أهبة الإستعداد للسفر, وسوف أتصل بك هذه الأيام بشكل مفاجئ وقبل موعد السفر بخمس ساعات.


    إتفق ناصر ونزار على العمليه وذهب كل واحد منهم في إتجاه ..ناصر ذهب لكي يرتب أمور السفر وحل مشاكل نزار.. فيما نزار سيبقى ينتظر مكالمة ناصر بفارغ الصبر!

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الردود
    5
    الجنس
    رجل
    الفصل الثالث بغداد من جديد

    1


    الساعة الثانية بعد منتصف الليل, يجلس نزار في مطبخ المطعم الليلي الذي يعمل به يتأمل دخان سيجارته التي يأمل أن تنتهي قبل إكمال إعداد الطلب الذي من المفترض أن يقدمه إلى أحد الزبائن أصوات الغناء والموسيقى تضج في جميع أرجاء المطعم جاعلة الأجواء لا تحتمل, يسمع نزار أصوات قرع الأقدام منتجة نغمات عشوائية متفرقة لتعلن هؤلاء يرقصون وهؤلاء يمرحون, ليقطع فجأة مراقبته الغير مجدية لقوم لم ولن يعيره إنتباهاً, صوت الفنانة لميعة توفيق تغنى (يلماشية بليل الهلج) نغمة تليفونه المحمول الذى أخرجه من جيبه مسرعاً لتتغير ملامح وجهه من الحزن إلى الفرح, فالمتصل هو ناصر..الذى لم يعرف منه غير الأخبار الجيدة منذ التقاه و المنقطع عنه لمدة إثنان وعشرون يوماً, عاد ناصر أخيراً, إذن فقد عاد الأمل , عادت أحلام العودة إلى بغداد وإلى الديار.. إلى الأهل وحضن الأم والأب.. إلى رائحة سمك المسكوف.. إلى الكنافة وحلاوة السميد.. 'لى شمس ودفء بغداد.


    تمالك نزار أعصابه بصعوبة ليرد على المكالمة


    - أترك كل شيئ الآن واحضر فوراً إلى مطار فرانكفورت.. قالها ناصر دون أن يدع أى مجال للنقاش أو التفاوض .


    – حسناً حسناً..أجاب نزار متلهفاً .. ساذهب إلى الشقه لإحضار حقيبتي سوف لا أتأخر


    - لا.. لاتذهب إلى الشقه.. إحضر فوراً .


    - مسافة الطريق سوف أستأجر سيارة أجرة في الحال .. قالها نزار مصارعاً الزمن .


    ترك نزار كل شيئ في يده وإتجه فوراً نحو باب الخروج .


    - نزار.. ناداه الشيف غاضباً .. إحمل هذا الطلب وقدمه للزبون على طاولة رقم عشرة


    - إذهب وقدمه أنت .. قالها نزار ملوحاً بيده فى عدم إكتراث وهو يهم سريعاً بالخروج تاركاً الشيف فى حالة ذهول تام ! - سوف أسجل عليك مخالفه..قالها بحنق شديد


    إكتفي نزار بأن لوح له بيده فى عدم إكتراث تام ليخرج بسرعه من المطعم نحو الشارع .. أشارلأول سيارة أجرة صادفته على الطريق


    - مطار فرانكفورت..قالها بألمانية طليقة.


    وبينما هو جالس في المقعد الخلفى للفولكس فاجن راودته بعض الأفكار ,تُرى لماذا ناصر أمره أن يتوجه فوراً إلى المطار بدون حقيبة وبدون أن يغير ملابسه حتى؟! لماذا كل هذا الإستعجال؟ ألم يكن ممكناً أن يعطيه خبر مسبق لكي يرتب وضعه؟ وصل نزار إلى المطار والأفكار والتساؤلات لم تفارقه, ليدخل للمرة الأولى إلي مطار فرانكفورت فعندما قدم إلى المانيا دخل في صوره غير شرعية,


    ولكن يبدو أن الوضع مختلف الاَن.. تفائل نزار.. أخرج الهاتف المحمول من جيبه وإتصل بناصر ليحدد مكانه وسط كل هذا الإزدحام وخصوصاً أن الوقت مساء, وبينما هو يحدثه تقابل معه صدفةً وجهاً لوجه ,


    إبتسما وسلما على بعض,لمح نزار ناصر يحمل حقيبة سفر وحقيبة شخصية وكيس كبير, أخذ ناصر نزار إلى حمامات المطار وأعطاه الكيس ليدخل ويغير ملابسه بسرعة, دخل نزار إلى أحد الحمامات وغير ملابسه متعجباً كيف عرف ناصر مقاساته بهذه الدقة؟! لكن هذا ليس بالمهم الاَن


    قالها نزار مستنكراً إهتمامه بتفاصيل غير مهمة- وبعد خروجه من الحمامات أخذه ناصر إلى مكان منعزل في المطار ليتحدثا . - إسمع يانزار يجب تنفذ الأوامر بالشكل الدقيق ولا تتهاون في أبسط الأمور..قالها ناصر بنبرة حادة غير معتادة .


    - أنا جاهز وعلى أهبة الإستعداد.. أجاب نزار بصدق .


    - إذن إتصل الآن بعائلتك وأخبرهم بأنك ستذهب إلى رحلة برية لمدة شهر والمكان هناك لا توجد فيه وسائل إتصال حتى لا يقلقوا عليك .


    اتصل نزار فوراً وأخبر عائلته بما قال له ناصر وبعد أن أنهى المكالمه سأل ناصر عما يجب فعله الاَن


    2


    - الآن وبعد أن أخبرت عائلتك.. إخرج شريحة شركة الإتصالات الالمانية هذه , إتلفها وإغلق جميع مواقع التواصل الاجتماعي, ولا تجعل هاتفك يتصل بالإنترنت خلال فترة تنفيذ العملية وإحرص على تنفيذ الأوامر بشكل دقيق .


    أخرج ناصر شريحه إتصال عراقيه وأعطاها إلى نزار لكي يستبدلها ,أخرج نزار الشريحة القديمة ووضع الشريحة الجديدة وأغلق الإتصال بالإنترنت , ومن ثم أعطى حقيبة السفر إلى نزار.


    -هذه الحقيبه موجود فيها جميع احتياجاتك من ملابس وأحذية وعطور وحتى شفرات الحلاقة, أخرج ناصر ما يعلم أن نزار متلهف لإخراجه .


    - هذا جواز سفرك الذي كان لدى السيد مارشال, وهذا مبلغ سبعة ألاف دولار وسأحول إليك أي مبلغ تحتاج اليه عن طريق مكاتب تحويل الأموال والحوالات .


    - خذها ومزقها.. قالها ناصر حين أخرج من جيبه الكمبيالات التى كانت لدى السيد مارشال


    - أنت لم تعد مدين للسيد مارشال... أخبره بوجه مشرق .


    فرح نزار كثيراً عند إستلامه الصكوك, فكر كيف اسطاعت مجموعة من الورق أن تجعل حياته جحيماً لايحتمل, تفاجأ بأن مبلغ الصكوك كان تسعون ألف يورو وتوقيع نزار على كل الصكوك وهذا المبلغ غير الحقيقي لأن دين للسيد مارشال بمبلغ خمسين ألف يورو فقط لاغير.


    - الصكوك مزورة! قالها نزار دون أن تتفوه بها شفتاه .. مسرعاً أخرج جواز سفره ليدقق إن كان مزوراً أيضاً, لكنه تنفس الصعداء حين وجده جوازه الأصلي ,وتعجب لماذا الجواز أصلي والصكوك مزوره؟! كيف يمكن للسيد مارشال أن يسلم جواز السفر بدون أن يستلم نقوده كامله؟!


    - بماذا تفكر يانزار لم يتبقى وقت على الرحلة سوى ساعه ونصف ؟ قاطع ناصر أفكاره المتلاحقة فيما لم يعد له القدرة علي السيطرة عليه .


    - هذه تذكرة سفرك, ستغادر من فرانكفورت إلى أبو ظبي , ستمكث في مطار أبو ظبي أربع ساعات وبعدها إلى بغداد, هيا خذ الحقيبة وأكمل إجراءات السفر.. قالها ناصر مساعداً إياه فى حمل حقيبته .. سأتصل بك بعدما تصل إلى بغداد, آه بالمناسبة.. لديك حجز في فندق بغداد في شارع السعدون بإسمك .


    هم نزار بالإنصراف دون أن يدرى كيف يكون الوداع اللائق بينهم..صحيح أن معرفتهم لم تتخطى شهر واحد ولكن بينهم الكثير والكثير! أيحتضنه؟ أيكتفى بمجرد سلام اليدين؟ ولكن ناصراً أعفاه من إرهاق التفكير حين قام وحضنه واستودعه السلامة.


    - الله يوفقك..قالها ناصر متأثراً .


    إتجه نزار يحمل حقيبته نحو مكان تسليم الحقائب وبعد تسليم الحقيبه وإستلامه بطاقة الصعود إلى الطائرة, شعر بخوف شديد أمام ضابط الجوازات خشيةً أن يكون جوازه كما الصكوك- مزوراً! وقف نزار أمام الضابط لحظات بدت كأنها ساعات, ليقوم الضابط بختم الجواز بختم تنفس الصعداء كما شعر نزار.


    أقلعت الطائره من مطار فرانكفورت بعد ساعة , ينظر نزار إلى تلك المدينة تتقلص وتنكمش كلما حلقت الطائرة لأعلي لتبدو فى دقائق مجرد مربعات صغيرة عديمة التفاصيل.. كيف يمتلئ هذا المكان الذى يبدو صغيراً بهموم وأحزان تفوق حجمة بملايين الأضعاف؟ تلك المدينة القاسية التى يراها من أعلى لأول مرة والتى أقسم بصدق في نفسه لن يعود إليها ولو ظهر فيها الموعود! أغلق نزار النافذة وأغلق معها آخر لمحات من المدينة التى مكث بها إحدى عشر عاماً.. إحدى عشر عاما من الغربة, من الذل والإرهاق الجسدي والنفسي.. من البعد عن الأحبة.. عن تراب الوطن وعن دفا شمس بغداد!


    3


    أعاد نزار التفكير في الصكوك وكيف استطاع ناصر أن يحصل على جواز السفر بدون أن يدفع المال.. لكن دون جدوى.. لا طائل الاَن من التفكير فيما لن يتوصل إلى جواب مقنع له بأى حال.


    ست ساعات وعشرون دقيقه استغرقتها الرحلة, ست ساعات مرت بصورة غامضة غير مُصدقة ظنها نزار حلم اَخر من أحلامه ينتهى قريباً حين يراه أحد أصدقاؤه فى الشقة يهذى ويقوم بإيقاظه, هبطت الطائرة بمطار أبو ظبي وقد تحول إلى صالة الإنتظار حيث وجد أناس من جميع أنحاء العالم ينتظرون رحلاتهم وهناك النائمين على الأرض والجالسين على المقاعد والجالسين في المطاعم والكوفيهات, قرر نزار أن يجلس ليلحظ على مرمى بصره مقعد مكون من ثلاث مقاعد متصلة لا يجلس عليه أحد, جلس على أحد المقاعد وأخرج هاتفه لكي يتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي فتذكر أمر ناصر له بمنعه من إستخدام الإنترنت, بملل ودقائق تمر ببطء شديد انتظر ناصر , وحين نظر إلى ساعته تذكر أن أصدقائه الاَن في فرانكفورت لابد وأنهم قلقون عليه, وصاحب العمل هذا الذى لابد وأنه لم يجد تفسيراً لخروجه منفعلاً بشكل غير مبرر دون إذن,


    ابتسم نزار وقرر في نفسه أن يتصل بهم ويطمئن عليهم ولكن عندما تنتهي من العملية .مدد رجليه على مقعد من المقاعد الإثنين المتصلين بمقعده وأغمض عينيه لينام قليلاً, وبعد ساعة من النوم الغير مريح, هذا النوم الذى تستيقظ منه مجهداً أكثر مما كنت قبل أن تنام , استيقظ فوجد رأسه على كتف شخص يجلس بجانبه, رفع رأسه مسرعاً متأسفاً ومعتذراً .


    - اًسف جدا سيدى.. اَسف جدا.. قالها نزار وهو يحاول أن يفتح عينيه اللتان غلبهما النعاس والإرهاق ليجد الجالس بجواره فتاة حسناء بيضاء ذات ملامح عربية جميلة ترتدي فستان أبيض مجسم وحجاب أبيض لايقارن ببياض وجهها المشرق, ذلك الوجه الذى يطغي على بياض فستانها وحجابها كما تطغى الشمس بنورها لتخفى النجوم والقمر عن الأنظار!


    - أنا.. أنا أسف لم أكن أقصد.. قالها نزار متلعثماً .


    - لا عليك , يظهر عليك التعب الشديد وأنا أقدر وضعك .


    - شكراً لكي فعلاً أنا متعب جداً , لم أنم منذ يوم كامل .


    - السفر متعب وخصوصاً عندما لا تكون الرحلة مباشرةً إلى البلد المقصود .. أجابت بلطف يليق بوجهها الطفولي .


    - بالتاكيد فلو كانت الرحلة مباشرة لكنت الاَن في بغداد بدلاً من كل هذا الانتظار هنا.. قالها نزار متزمراً .


    - ماهذا هل أنت ذاهب إلى بغداد؟! سألت بتعجب وفضول


    - نعم .. إلى بغداد .


    - وأنا أيضا ذاهبة إلى بغداد .


    ابتسم نزار ابتسامة خفيفة تخفى كثيراً من السعادة وراءها, عادت المشاعر بداخله من جديد لتبث في داخله روح الأمل بعد أن فقدها من سنين.. منذ سنوات لم يكلم فتاة من بلده ولم يرى ابتسامة بغداد الساحرة .


    - هل تسمحي لي أن أدعوكي على وجبة الغداء في مطعم المطار؟سألها نزار والقلق يأكله خشية رفضها


    - لا مانع لدي, ولكني لا أستطيع تناول الطعام الاَن , سأشرب فنجان من القهوه معك, لا أستطيع أن أرد عزومتك وصراحةً أنا مللت من الجلوس وحيدة فى إنتظار الطائرة وأريد شخصاً أستغله يتكلم معي.. فأنا بطبيعتى اجتماعية أحب الحديث مع الاخرين كثيراً


    - إذا كان الاستغلال من هذا النوع فاستغليني كل يوم .. قالها نزار مداعباً


    - بالتاكيد سأستغلك ..قالتها ضاحكة,لكنى لم أتعرف على اسمك إلى هذه اللحظه! ما اسمك ومن أين أنت؟


    - إسمي نزار من بغداد وأسكن مدينة الحرية .


    - أنا اسمي نوال.. أيضا من بغداد وقريبه منك


    - أين قريبه منى؟ سأل نزار متحمساً.. هل تسكنين في مدينة الحرية أو في المناطق القريبه عليها؟


    - أنا أسكن في حي الجامعة


    نهض نزار ونوال متجهين نحو مطعم المطار وعاوده الحنين.. فتذكر زميلته مريم ,زميلة الجامعة حينما كانا يجلسان معا في كافتريا الجامعة يتحدثان لساعات دون ملل..غريب إمتلاكنا القدرة على الحوار والكلام حين نتحدث مع من نحب . ألم يكل لحظة من النظر اليها ؟ ,حلم حياته كان أن يتزوجها لكن ظروفه الماديه هى التى منعتهما من أن يجتمعا في بيت واحد ,والاَن بعد كل هذه السنوات.. كيف سيقابل مريم بعد عودته إلى بغداد؟؟ هل تزوجت؟؟هل أصبحت أماً؟هل مازالت ساكنة في نفس المكان؟ حين نفارق أحبائنا لا نتصور ما قد تفعله السنون من تغيير..نظن بأننا سنعود لنجدهم كما تركناهم..ولكن ينتهى غالبا هذا الأمل بالإحباط.. هو متلهف ليرى مريم قبل كل شيئ ,حتى قبل عائلته..كيف يا ترى سيفعل هذا خصوصاً ان كانت متزوجة؟!


    قطعت نوال حبل تفكيره وأحزانه حين أشارت أن يجلسا في المطعم المقابل.


    جلس مع نوال في مطعم الذي اختارته وبعد ساعة أعلن المطار قرب قيام رحلة بغداد, توجها سوياُ إلى الطائرة وكل منهما يجلس في مقعده ينتظر بفارغ الصبر أن يصل إلى بغداد,هذا الحلم الذى لم يعد يفصله عنه الا سرعة هذا الطائر المعدنى ذو الجناحين الكبيرين ,حلم الأرض التى ولد فيها وغاب عنها احدى عشر عاماً,


    وبعد رحلة استمرت ساعتين وربع هبطت الطائرة إلى مطار بغداد نزل نزار متلهفاً فلم تعد تفصله عن بغداد غير جدران هذا المطار. دخل المطار الذي لم يسبق وأن زاره فى حياته, وبعد أن أنهى الاجراءات الأمنية متعجلاً, وقف لينتظر ظهور حقيبته, وإذا بنوال تلوح له و تنادي


    - نزار.. أريد رقم هاتفك لكي اتصل بك .


    - لدي رقم هاتف عراقي ولكن لا أعرف رقمه .


    - إذن اعطني عنوان دارك لكي أزورك .


    - أنا سوف لا أذهب إلى البيت لدي عمل أقوم به ومن هناك سوف أذهب إلى البيت . أعطني انتي رقم هاتفك وأنا سوف أتصل بك


    - أنا ايضا لا أعرف رقم هاتفي .


    - إنتظر قليلاً .. قالتها نوال متجهه إلى أحد المسافرين .


    ذهبت نوال إلى أحد المسافرين وطلبت منه أن تتصل برقمه .. عرفت الرقم وكررت نفس العملية مع نزار لتعرف رقمه هو الاَخر .


    -حُلت المشكلة .. قالتها بمرح .


    استلموا الحقائب وإستقل كل منهم سيارة أجرة . بقيت عينا نزار تحدقان في شوارع بغداد , الميادين التى لم تعد كالميادين, الشوارع التى لم تعد مثلما يتذكرها .


    كان يتمنى لو يتجه إلى دارهم بدلاً.. رائحة وحنين الدار .. الذكريات التى لا تحصى , تحتاج الى سنوات حتى تتصل بالمكان.. والفندق ما هو إلا دار غرباء..يأتى الواحد ليذهب الاَخر.


    قاطعة فجأة إتصال كان يتوقعه من ناصر


    - كيف حالك يانزار الحمد لله على سلامتك .


    - الحمد لله لقد وصلت.. أنا الآن في بغداد..أجاب نزار وأذناه لا تصدقان ما تقوله شفتاه


    - كم تحتاج من الوقت لكي تبدأ في تنفيذ العملية؟


    - انا مستعجل فأنا بحاجة تامة أن أذهب إلى دارنا , مستعد أن أبدأ من الغد.


    - كلا يانزار .. أنت متعب وأنا أحتاجك بكامل طاقتك ,إرتاح تماماً غداً وابدأ بعد الغد,أعتقد أنك تتفق معى أن التأخير ليس من مصلحتى؟


    - اتفقنا اذن.


    - سوف أهاتفك بعد الغد صباحاً حتى لأعطيك أول أوامر المهمة


    وصل نزار الفندق واستلم الغرفة ,لم يصدق نفسه انه على بُعد عدة كيلو مترات عن عائلته ولا يستطيع أن يراهم.. يبدو أن ما يفصل بيننا أحيانا ما هو أقوى من المسافات .. ظل جالساً لتلمح عيناه حقيبته, ليتوجه نحوها يفتحها ليجد جميع احتياجاته فيها, لفت إنتباهه حقيبة جلدية صغيرة بين طيات الملابس, أخرجها وفتحها ليجد جهاز صغير يحتوي على شاشة لم يعرف ماهو ذلك الجهاز..


    يشبه التليفون المحمول لكنه مربع الشكل ولا يحوى على ما يدل أن بالامكان التحدث منه أو إحداث إتصال .لماذا يضع ناصر هذا الجهاز فى حقيبتة؟ولماذا لم يخبره عنه؟ لم يزد فضوله فأعاده إلى الحقيبة مسرعاً وتوجه إلى السرير ليحتضن بغداد وينسى بها أعوام طويلة مرت من التعب والإرهاق!

مواضيع مشابهه

  1. حلقات ستغير حياتك مئة و ثمنين درجة ....الآن حلقات قصة النهاية كاملة
    بواسطة اذا و فقط اذا في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 2
    اخر موضوع: 18-07-2010, 12:35 AM
  2. حلقات بدون رتوش للدكتورة هبه قطب كاملة
    بواسطة البنت نوره في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 0
    اخر موضوع: 21-07-2009, 07:46 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ