"لماذا لم تأتِ "
كلمات حفرتها في جذع شجرة في باحة منزلنا الجديد بعد مرور ثلاث سنوات على انتقالنا...
ثلاث سنوات بمئة سنة عندي...
وفي ذاك اليوم أراد أبي ان أذهب معه لزيارة صديق قديم...
سألته...هل اعرفه ؟؟
قال لي...نعم...إنه ابو عاصم مدير شركتي القديمة...
توقفت أركاني عن الحركة و تجمد كياني...
فقد عاد بي التاريخ الى ذلك المنزل بسطحه العالي ...مساحة كبيرة...ضحكات كثيرة..حركة دائمة
فقد كان روضة من رياض طفولتي...لم تكن اطراف صغيرة تفترق كثيراً فوق ذلك السطح...
أريد أن أستعيد لحظاتٍ أُخِذت ظلماً...
أريد ان اجلس على ذلك السور الخطر و انظر إلى الاسفل و اصرخ صرخة طفولية...
اريد أن أقبض على الياسمين بأنفٍ صغير...
و أن اقذف علبة عصير بآخر رشفاتها باتجاه ذلك المنزل المهجور...لعل عصف الريح في مداخل شجرة الصنوبر العجوز تلك...يوحي إليّ بصوت مارد غاضب...فتتشابك يدٌ مع يدِ طلباً للطمأنينة و الدفء....
خرجنا من بيتنا و سرنا مسافة طويلة حتى وصلنا الى ذلك المنزل...
رحّب بنا صاحب المنزل اجمل ترحيب ...
فدخلنا الى الغرفة...
فوجدنا ضيوفاً آخرين...
إنهما والدا ليلى !!
لم استطع إلقاء السلام عليهم...فقد كان هول الموقف كفيلاً بإسكاتي و تكفل والدي بمراسم الترحيب و العناق المتبادل...
جلسنا جميعاً...فلم أنطق بكلمة طوال فترة جلوسنا...
حتى سأل والدي عن ليلى و أحوالها...فقال والدها نعم انها بأحسن حال و هي الآن تجلس في "البيك أب" في الخارج !!
توقف الكلام و سكتت الانفس تماماً , على الاقل بالنسبة لي...فلم أكترث بأي كلام آخر يقال بعدها...
استأذنت والدي ان اصعد الى السطح كعادة الطفولة....
فسمح لي بعد ان استأذن من صاحب المنزل....
صعدت و الفؤاد يعدّ الدرجات كأنها لحظات فراق..
فكان باب السطح مفتوحاً على غير عادة...
وصلت الى السطح و نظرت حولي جيداً و بإحكام شديد...
فلم أجد ليلى....
جلست على السور و نظرت إلى الاسفل...
فوجدت "البيك أب" المزعوم يخلو من أي ليلى ...
فما عدت ببصري الى مستوى السطح ...حتى سمعت صوت احدهم يصعد الى المكان...
التفت عنقي برأسي و بصري الى الدخيل ....
فكانت ليلى ...
نظرتْ إلي بعينِ قاربت على الاغلاق و فم تائه يبحث عن كلام...
اطلقت زفرة كثرت مخارجها بلا صوت ...و أرجعت رأسي لوضعه السابق , انظر الى الخارج...
حلّ سكوت بعشر ثوانٍ...تبعه جلوسها على السور تبعد عني مسافة مترين تقريباً...لم أنظر نحوها...و لكنها كانت تنظر طول الوقت إليّ ...حتى قالت لي...
"أكنت تعلم طول الوقت ان عصف الريح داخل تلك الشجرة هو مصدر صوت المارد الوهمي ؟؟(ضحكة خفيفة)"...
سكتت قليلاً...و قالت...
با لها من أيام...سقا الله تلك..
فقاطعتها قائلاً : لماذا لم تأتِ ؟؟؟؟
لم تستطع ان تُجب على سؤالي فكررته ثلاثاً...
فقالت لي : انا آسفة...و نزلت الى الاسفل فنظرت الى الخارج ...فوجدتها تركب مع اهلها و تغادر...
و بعد تلك الحادثة بأربع سنوات أخرى..سمعت ان ليلى قد خطبت من شاب ثلاثيني و هي ما زالت لم تنهي عقدها الثاني من عمرها...و انفصلا بعد بضع اشهر من ذلك..
كانت تلك قصتي مع ليلى الصغيرة ...
....رفعت رأسي شيئاً فشيئاً...حتى رأيت تلك الفتاة التي تكبرني بسنة واحدة تقف أمامي و عيناها تآمرت مع عيناي فسرقوا منا الوقت و المكان ..فتركنا الحياة جانباً و استرقنا النظر الى الملائكة فكان العتاب ....
قالت : بشار...
قلت : اهلاً ...كيف حالك يا ليلى...أرجو ان تكوني قد استمتعت بهذه الحفلة ...و عقبال عندك (ابتسمت و التفتّ الى بقية المدعوين)...
فاعتصرت تعابيرها و استسلمت تراكيبها فسلّمت لبارئها حتى بدت للناظر انسانة لم تترك داءً يعتب عليها...
تركتها و ذهبت لأرحّب بالمدعوين...و بعد برهة نظرت الى الخلف فرأيتها تغادر الصالة مع والدتها ...
حاولت الرجوع الى مكان اللقاء ...فبحثت عنهم فلم أجدهم...
و في اليوم التالي ... سألت والدتي عن أم ليلى...
قالت لي...انها لم تكن تريد حضور الحفل لولا ابنتها...فقد أصرّت على القدوم...و لكنها كانت تتصرف بطريقة غريبة...
قلت لها : كيف ؟؟
قالت لي : كانت تلفّ المكان و تبحث في كل الارجاء...و عندما سألتها عن ماذا تبحثين...قالت لي : "اني ابحث عن طفل صغير , شقي المأخذ , باحث عن الحياة..."
مقصلة الوقت تعلّقت في هواء بلا جاذبية...
فكانت الضحكة...
الروابط المفضلة