::

::

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

::

::

::
::

السلام عليكم ،أنا محمد عاصم، غير أن اسمي ليس محمد عاصم، وإن سألتم عن سبب تغيير الأسماء، فسيكون الجواب لأني أخاف من الهاكرز، فقد يعلمون مكان بيتي من خلال اسمي، فيقفزون من خلال الكمبيوتر،ثم يسرقون أثاث منزلنا-على ما أظن- ويعودون... من حيث يأتون "أعني شاشة الكمبيوتر"هم وأثاث المنزل.


مرّت سنتان منذ أول قصة، ورزقنا الله عز وجل بأختين رقيقتين سلمى وليلى، وضاق المنزل القديم، فقررنا الرحيل عنه، كنت فرحاً في البداية، لأن المنزل الجديد أجمل وأوسع، على عكس منزلنا القديم، الذي كنت أنام فيه داخل غرفة الطعام، المفتوحة على المطبخ، فصارت غرفة نومي، وما عادت غرفة طعام، فلم أكن أشعر بالراحة و " الخصوصية"وزاد الأمر سوءاً عندما ولدت أمي التوأم، فكن ينمن معي، ويصرخن، فأتذمّر قائلاً: يا ربي إن الغرفة تتسع لفردٍ واحد، وإذا بمزعجتين تحتلانها, كما أني كنت أتذمر لأن المنزل في قرية موحشة ليلا، والمنزل صغير وغير صحي.

ولكني أحب منزلي القديم الذي ترعرعت فيه خمس سنوات، من أجمل سنين عمري لأني أحمل ذكرياتٍ لا يمكن نسيانها، فتعرّفت فيه على أصدقائي، وكانوا هم أيضا من شاركوني في تلك الذكريات، كنا نلعب في ساحته ولا نمل.
لقد تكلمت طويلاً عن منزلي السابق لأحدثكم عن منزلي الجديد، إنه جنة وليس منزلاً! أتصدقون؟! في الخارج حدائق بديعة المنظر،يفصل كل حديقة عن الأخرى سوراً من الشجيرات الصغيرة، وشارع يفصل الحديقة عن أختها، وعندما ندخل إلى باب" العمارة" أو نخرج منها، تستقبلنا زهور النرجس مصفوفة ترحّب بنا عندما نهلّ وندخل، تودعنا حين نرحل، ثم إن نافذة غرفتي تطل على شجرة خمرية مخملية سامقة رائعة، تتوسط بساطاً سندسياً أخضر، زادها البساط جمالا، وزادت البساط روعة، أما نافذة غرفة المعيشة فتطل على كوخٍ بسيط، وحوله أشجار زرعت بطريقة عفوية فكان جمالها بعفويتها،وبجانب الكوخ مسبح واسع، وأزهار بديعة المنظر حول المسبح، وأزهار أمام الكوخ، تجعلك تشعر براحة نفسية حينما تشاهد المنظر وتتفكر.

**********
بالمناسبة منزلنا الجديد في الطابق الثاني، والعمارة مؤلفة من ثلاث طوابق.
عند أول مرة دخلنا فيها باب العمارة، التقينا بامرأة من الصين تمسك بحبل موصول برقبة كلب من أغلى الأنواع وأندرها، أرادت المرأة أن ترحب بأمي، التي قفزت فزعة عندما رأت الكلب قد اقترب منها، فكظمت المرأة غيظها، وحملت الكلب وصارت تداعبه وتقبله، قائلة هو لا يخيف، ثم ذكرت عائلته العريقة "طلع ابن عيلة"، وبدأت تسترسل في الشرح عن أصله وفصله، والمبالغ الباهظة التي تدفع من أجل راحته، من طعام، ألعاب، ومراكز ترفيه، أما أمي فكانت تبتسم لتجامل المرأة، وهي تحمل أختيّ، قد تعبت ذراعاها وتلك المرأة ما تعبت من الكلام، ثم مر عجوز، فتغزل في الكلب وتجاهل الطفلتين!

قالت أمي بعد أن ذهبت المرأة: أعانكم الله على حياتكم التعسة! مبالغ طائلة تدفع من أجل كلب؟
أحياناً أمي تنتظر المناسبات حتى تلقى "لمسات تربوية"، ولكن "اللمسة" هذه المرّة من حقي، فقلت بدهاء: ولكن يا أمي... ألم تقولي.. لا يحق لنا بأن نستغيب الآخرين؟
أمي غيداء:صدقت يا ولدي، ما أجمل أن يذكرنا أبنائنا بأخطائنا.
غلبتني!

*************

فُتح باب المنزل، المكان واسع على عكس المنزل القديم، وفارغ فأغراني بالركض، فصرت أركض بجنون وأضحك مازحاً مثل الأشرار، داخل أرجاء المنزل، فما أن رأتني سلمى أركض وأضحك، حتى ركضت معي، ثم تبعتها ليلى، وكانتا تركضان كما تركض البطة، وكن يركضن ويسقطن، يزئطن ويضحكن، نظرت أمي إلينا، فابتسمت لأنها تعلم فرحنا بمنزلنا الواسع، وأكملت عملها في المطبخ تنتظر أبي حتى يحضر بقية الصناديق.


دُق الباب، ففتحته وحسبته أبي،أسرعت أمي لترى الخبر، فكان جارنا الإسباني، يرتدي ملابس النوم وأثر النعاس بادياً على وجهه، يتكئ بيده اليسرى على "الدرابزين" والأخرى على خصره، فقال: أنا جاركم الذي في الطابق الأرضي، إن أبنائكم يركضون فوقنا وهذا منزل خشبي، زوجتي مصابة بالصداع النصفي و ابنتيّ تدرسان، فلا يقدران على التركيز بسبب الجلبة التي يحدثها أبنائكم، إحداهما في الجامعة تدرس القانون وهي كلية صعبة والأخرى تدرس في الثانوية، تجدان وتجتهدان، وقد كنا نعيش مثلكم في طابق ثاني في مدينه لورنس-هذا عندما كانت ابنتاي صغيرتان- فشكا الجيران و بدلنا منزلنا،
ثم أردف: يا سيدتي، أنا أعمل في الليل وأنام أثناء النهار، وزوجتي تذهب من الصباح الباكر إلى عملها، وترجع في الساعة الثامنة، أرجو من أولادك أن لا يركضون وإن لم تسيطري عليهم فأنصحك بأن تبحثي عن منزل في طابق أرضي ...
و ظل الرجل يتكلم ويسترسل في الشرح...وظلت أمي تعتذر وتتأسف من الجلبة التي أحدثناها، لكن هيهات أن يسكت! حتى انتهى من سرد قصة حياته، ونزل فحمدت الله أنه نزل، ثم سمعت محاضرة طويلة عريضة من أمي، لأني فتحت باب الدار لغريب.


*****************

وصل أبي وساعدته في حمل بقية الصناديق، وشرعنا في ترتيب أثاث المنزل، أما سلمى وليلى فلم تستوعبا الأمر، فركضتا فرحتين في المكان الواسع الجديد، وفجأة ... سمعنا صوتا كأنه انفجار أو زلزال، جاء من الأرض فرجّ المنزل وهزهُ هزةً عنيفة، فزعت البنتان وصارتا تبكيان.
قالت أمي: لابد إن هذا الصوت من المرأة المجنونة التي تسكن في الطابق الأرضي، لا بد أنها أمسكت المقشة وضربت سقف منزلها! فأفزعتنا هذا الفزع.
وتركنا ترتيب الأثاث، وصرنا نعلم الطفلتين مشية "الباليه" لكن هيهات أن تفهما الوضع الجديد، فكيف نعلم رقصة الباليه، لمن تعلم للتو مشية البطة!؟
ما أن انتهينا من العمل حتى أسدل الليل ستاره، ورقصت فرحاً بغرفتي الجديدة، ألقيت نفسي على السرير ونمت مستسلماً.

****************

الساعة الثالثة ليلا، أمي تمشي نحو المطبخ وتجرّ قدميها، التفتت إلى الأريكة فرأتني متمددا عليها، فجلست بجانبي وقالت والتعب الشديد يظهر على ملامحها:يبدوا أنك لم تنم.
قلت: أجل،لأن كلب المرأة الصينية، صار ينبح طوال الليل فلم أنم.
و نزلت الدموع من عيني وأردفت: أكره هذا المنزل، لا أقدر أن أركض وعلي أن أمشي على أطراف أصابعي،وإن ركضت أصيبت جارتنا بالجنون تدق سقف بيتها وترعبنا، قد لا أستطيع أن أدعوا أصحابي، وفي الليل لا نعرف أن ننام، أين منزلنا القديم المستقل عن كل الجيران المزعجين، كنا نركض فرحين، وكنا ننام وبالنا مرتاح ......
كانت أمي تضع رأسها بين كفيها تستمع وهي صامتة..و مرت لحظات طويلة، وأنا أتذمر وهي تستمع صامتة..
كانت أمي في بعض الأحيان عندما أكثر " الزن" تصمت ولا ترد، ثم تفعل ما تشاء، فكنت أسميها "التربية بالصمت"-على ما أظن- لكن حاجتي إلى التربية بالكلام "الآن" أشد من حاجتي إلى التربية بالصمت.
قلت: لماذا لا تتكلمي!
غيداء وقد رمت رأسها على ظهر الأريكة: أنا أيضا لم أنم، فنباح الكلب الذي فوقنا ضايقني، ثم تشاجرت المرأة التي تسكن في الطابق الأرضي مع زوجها وكنا نسمع صياحها، أما عن الطفلة التي تسكن عن يميننا تلعب بالكرة، أما من يسكن عن يسارنا، فقد جاءته نوبة طرب، فجن وصار يطبل فوق رؤوسنا، وما نامت سلمى ولا نامت ليلى.
تأملتها أكثر، فرأيت ملامح وجهها منهكة متعبة محبطة، وكأنها تقول"لا تشكوا لي حتى لا أبكي لك" فالحال واحد.
تنهدت ثم أردفت: أتعلم؟ في منزلنا القديم مزايا رائعة.. لم تكن هنا، وفي هذا المنزل مزايا رائعة.. لم تكن هناك.....يا ولدي الحبيب، إن الكمال في الدنيا مفقود، فنحن لن نحصل على كل ما نريده من الدنيا، فارضَ بما عندك، واستمتع به، ولا تتحسر على ما لا تقدر أن تحصل عليه .
فهمت كلماتها وهدأت نفسي وقمت إلى غرفتي لأنام.

********************

في الصباح الباكر أرادت أمي أن تجهز الإفطار، فدخل أبي ليساعدها ودخلت أنا ودخلت الطفلتان، فاكتظ المكان، فصاحت أمي: هلا رحلتم ككلكم، أنا سأعد الفطور وحدي..
ثم قالت:يا ربي! ما أصغر المطبخ! كم أفتقد مطبخ منزلنا القديم.
قلت بدهاء: الحياة لا تكتمل يا أمي وعلينا أن نتعلم الرضا.
أبي عاصم ضاحكا: إيه يا غيداء! أتعلمين ابنك الحكم وتنسيها؟
ضحكت أمي و ضحك أبي وحتى التوأم سلمى وليلى، ضحكتا دون أن تفهما ما القصة.

التوقيع
أم البنين1977

****

إلا أن الرضا لا ينافي الطموح والمحاولة لتحسين الأوضاع، فلقد "فررنا" من المنزل بعد سنه وثمانية أشهر، كان جنة من الخارج وجحيما من الداخل.


فما فائدة الجمال وراحة البال مفقودة ؟

على كل حال إن هذه الشجرة تحمل في قلوبنا ذكريات جميلة

وهذه المرة ليست ذكريات محمد عاصم بل عائلة محمد عاصم بغض النظر إن كان في منزلنا سلمى وليلى أم لا .
فما أن قرأ والد محمد عاصم حكاية الرجل الإسباني الذي دق بابنا حتى إنفجر ضاحكا لأنه تذكر الرجل و حركاته ، فكان يقف بنفس الطريقة و يثرثر بنفس الطريقة
وزوجته تضرب سقف بيتها بنفس الطريقة .

البيت القديم مهما يكون فيه مساوء بس يبقى بقلوبنا
لان مو البيت اللي يعبر معنى الحب

مشكوره حبيبتي ذكرتيني باحلى ايام حياتي
بيت اهلي القديم والله اجمل من كل شئ جميل

:

الماضي ينطبع ُ في ذاكرتنا بحلوه ِ ومُـرّه ..

مِن َ المُـحال ِ أن ْ ننساه ..

وتلك َ الذكريات ُ التي ترتبط ُ بطفولتنا يبقى لها في النفس ِ عـظيم ُ الأثر ..

خاصة ً ما كان َ جميلا ً منها

سلمت ْ يمينك ِ أم البنين .. قصتك ِ من َ الروعة ِ بمكان ..

بلا استئذان ٍ ولجت ْ قلبي .. وسبحت ْ بي في عالم ِ الطفولة ِ البديع ..

دُمت ِ مُـبدعة ..

:

الله استمتعت جدا ام البنين
خاصة انى على اعتاب الرحيل لمنزل جديد
اروع ذكرى سأحملها معى هناك
انا دخلنا البيت اثنان
وسنخرج خمسة
باذن الرحمن
بغض النظر عن المظهر
سأتابعك بجوارحى غاليتى
ننتظر القادم بشغف

شخصية محمد عاصم عجبتني جدا
فرغم طفولته الا انه حذر في تصرفاته
و يدل على شخصية مسئولة...
تأرجحت معه بين مشاعر الوفاء و الحنين لكل ما يمثله منزله القديم
و بين مشاعر الترقب و الحماس لمنزله الجديد ... ثم

فُتح باب المنزل

عشت فرحته الغامرة
ثم تتابع الاحداث و احباطه و اداركه بان كل ما ترقبه و تمناه امامه و لكن .... لن يستمع به كما حلم و انتظر
و صولا للخاتمه تقبله لهذا الواقع و التهكم على عدم رضى امه بأسلوب مرح

رائعة ام البنين
اسلوب رائع و رشيق لا مجال للملل
ننتظر دائما في شوق... ما تجود به اناملك

كتبت بواسطة ام خلود الحلو

البيت القديم مهما يكون فيه مساوء بس يبقى بقلوبنا
لان مو البيت اللي يعبر معنى الحب

مشكوره حبيبتي ذكرتيني باحلى ايام حياتي
بيت اهلي القديم والله اجمل من كل شئ جميل

نعم يا غاليتي
إن من بداخل المنزل هو من حمل الذكريات ومن صنع جمال المنزل

وأشكرك على ردك اللطيف

كتبت بواسطة قـمر الشـــــام

:

الماضي ينطبع ُ في ذاكرتنا بحلوه ِ ومُـرّه ..

مِن َ المُـحال ِ أن ْ ننساه ..

وتلك َ الذكريات ُ التي ترتبط ُ بطفولتنا يبقى لها في النفس ِ عـظيم ُ الأثر ..

خاصة ً ما كان َ جميلا ً منها

سلمت ْ يمينك ِ أم البنين .. قصتك ِ من َ الروعة ِ بمكان ..

بلا استئذان ٍ ولجت ْ قلبي .. وسبحت ْ بي في عالم ِ الطفولة ِ البديع ..

دُمت ِ مُـبدعة ..

:

أجل يا قمورتي

الذكريات تنطبع في قلوبنا ونحن من نصنعها

ولكن الأجمل أن نكتبها على شكل قصة نسنفيد منها ويستفيد منها غيرنا

وهذه القصة بالظبط تحمل أحداث منزلنا الذي كان جديدا

طبعا إنسي حكاية المبالغة من الجيران عن اليمين والشمال

فأنا أحمل الذكريات وأنسجها بطريقتي وأسلوبي وأزيد بعض الاحداث التي تناسب القصة

أشكرك على الكلمات الحلوة العذبة الرقيقة التي أسعدتني