||.. حِكَايَـةُ ظَـالِـمٍ ..||
[]
رأيتُ الناسَ في هَمٍّ كبير
فكَّروا طويلاً حتى سَئِموا التفكير
حتَّى الصغيرُ ما عادَ صغيرًا
حمل الهَمَّ قبل بلوغِه
ونَسِىَ أنَّه طِفلٌ مِن حَقِّهِ اللعبُ والتَّمتُّعُ بالحياة
جَهْلٌ و فقر .. فسادٌ و ظُلم .. سُوءُ مُعاملَةٍ و بطالة
و كأنَّهم يعيشونَ في غابةٍ ؛ البقاءُ فيها للأقوَى ، و الحياةُ فيها للأغنَى
و كأنَّهم حيواناتٍ ليس لهم أدنى حقوق
بل كأنَّهم جَمادات
و هُم يرفعون أَكُفَّهُم إلى السماء ... و يُكثِرونَ الدُّعاء
و حولهم أُناسٌ لا يخافون الله ، ولا يُراعون حُرمة
جَهروا بالمعاصي ، و صار هَمّهم المناصب و الكَراسي
زِنا و فُجور ، و رشاوي و خُمور ، و أكلٌ لأموال اليتامَى ،
أكلٌ للرِّبا و الحرام ، و آثامٌ تتبعُها آثام
غاب ضميرُهُم ، و ما راقبوا رَبَّهُم ،
و ما علموا أنَّ هناكَ آخرةً و حِسابًا ، و ثوابًا و عِقابًا ، و جنَّةً و نارًا ،
ما علموا أنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامة ،
ما علموا أنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الظَّالِمين .
و بينما الظَّالِمُ يمشي فَرِحًا مُتبختِرًا ، يظُنُّ أنَّه ملَكَ الأرضَ وما عليها ، إذ به يهوي وينقلبُ على وجههِ ، ويُحاوِلُ القِيامَ فلا يستطع ، ويُحاوِلُ الوقوفَ على قدميهِ فلا يُساعده أحد ،
قد تخلَّى عنه أصحابُ ، و هجره أحبابُه ،
وأخذ الناسُ ينظرون إليهِ بين شامتٍ و ضاحِـكٍ و فَـرِح ،
و هـو يستعطفُهم : ساعِدوني .. خُذوا بيدي .. أوقِفُوني .. لا ترحلوا وتتركوني ،
و لا أحـد يُجيبـه !
و الأعينُ إليه ناظِرة ، تترقَّبُ نهايتَه ، و لِسانُ حالِهم يقول :
... كما تدينُ تُدان ...
أتذكرُ ما فعلتَ بنا ...؟!
لقد ظلمتنا و أهنتنا ، و تركتنا نُعاني و نتألَّم
فابقَ هُنا وحدك ، حائِرًا تائِهًا ، لا مُعينَ لكَ ولا نصير
وانتظر ما يَحِلُّ بك
أرأيتَ مَن كانوا لكَ ناصحين ، وأظهروا أنَّهم عليك خائفون ، ويُريدون لكَ الخيرَ والتوفيق ..!
أين هُم الآن ...؟!
رحلــوا و تركـوك ،
و لسانُ حالِهم يقـول : نفسي نفسي ، و مَصلحتي مَصلحتي
قال : ارحموني و ساعدوني ، فلن أرجِعَ لظُلمي ، وسأعيدُ إليكم حقوقكم ، وسأفعل وسأفعل ....
قالوا : وعـودٌ كاذبة .. فكم وعدتَ و وعدت ، وما نفَّذتَ شيئًا مِمَّا قلت ، وأخذتَ تجمعُ الأموالَ الحرام ، مُستترًا بمنصبك . لكنْ : جـاء يومُـك ، لتعلمَ أنَّ اللهَ يُمهِل ولا يُهمِل ، وأنَّه إذا أخذ الظالِمَ لم يُفلته .
قال : ستتركوني أموت ..؟!
قالوا : قتلتَ و أبدتَ ، و هدَّدتَ و شرَّدت ..! فابقَ هُنا حتى تلقى حتفك .
قال : ألا تذكرون الودَّ الذي كان بيني و بينكم ..؟!
قالوا : أىّ وُدٍّ نذكر ..؟! بل قُل : بُغضٌ و ظُلم .
قال : ألم تكونوا تُحِبُّوني و تهتفون باسمي و تحترموني ..؟!
قالوا : كُنتَ واهِمًا .. فتحت وطأةِ التهديدِ و الوعيد والذُّل والإهانة ، لا ترى إلَّا الاستجابةَ و القبولِ و التسليم .
قال : ألهذه الدرجةِ تكرهوني ..؟!
قالوا : سرقتَ أموالنا ، و ضربتَ أجسادنا ، و شرَّدتَ أولادنا ، و قتلتَ شبابنا ، وأذهبتَ أمننا ، و تنتظرُ حُبَّنا ..! يا لَكَ مِن طامِعٍ علَّقَ أملَه بـ مُستحيل ، وأراد لَمَسَ السماء ،، فهل تُدركُها ..؟!
قال : أنتم أهلي و أحبابي .
قالوا : بل أحبابكَ و أهلُكَ هُم مَن عاونوكَ على ظُلمِك ، و زيَّنوا لَكَ أفعالَك . أحبابكَ هم مَن تخلَّوا عنك بمُجرَّدِ أن سقطت ، هُم مَن فضَّلتَهم على غيرهم ، و منحتهم ثِقتكَ و اهتمامك . لقد فضحوكَ الآن ، و أظهروا بكَ الشَّماتة . و ما وقف بجانبكَ إلَّا مَن لهم بقيةُ حاجاتٍ و مصالح يُريدون تحقيقها ، لكنَّهم أيضًا يُراقبونكَ مِن بعيد .. أتُراهم يأتونَ إليك و يَمُدُّونَ أيديَهم لإنقاذِك ..! هيهاتَ هيهات .
قال : يا رَبِّ إليكِ لَجْئِي و شكواى .
قالوا : أعرفتَ الآنَ أنَّ لَكَ رَبَّاً تلجأ إليه ، وتستعينُ به ، و تشكو إليه ما أَهَمَّك ..؟!
قال : و متى نسيتُه ..؟!
قالوا : لو ذكرتَه ما عصيته ، و لو أحببتَه لتقرَّبتَ إليه و أطعتَه .
قال : يا لها مِن دُنيا لا تُساوي شيئًا ..! الكُلُّ رحل عَنِّي و تركني .. و كأنَّهم وضعوني في قبري ، و خشوا الاقترابَ مِنِّي .. ماذا أفعل ..؟! و كيف أقِفُ على قدمَىَّ ..؟! أريـدُ الحياة .
قالوا : لو أردتَ الحياةَ لتُزيدَ مِن ظُلمِكَ و استبدادِكَ ، فخيرٌ لَكَ البقاءُ في مكانِك .
قال : لا ، بل أريدُ الخيرَ و الصَّلاح ، و التوبةَ إلى رَبِّي .
قالوا : سنذهبُ و نتركُك .. فتُب إلى رَبِّك ، واعترِف له بتقصيركَ و ذنبِك ، و لو قدَّرَ لَكَ الحياةَ بيننا فلا رادَّ لقضائِهِ و قدره سُبحانه .
قال : انتظروا ... انتظروا .
فـ ما أجابـوه .... و .... رحلــوا !
()
بقلم / الساعية إلى الجنة
ليل الأربعاء 6 ربيع الأول 1432 هـ
الروابط المفضلة