جَنَى الليلُ وأظلمَ الكَونْ...
السّماءُ لا تكفّ عن البُكاء , والغيومُ كفقاعةٍ سوداءَ تنْفجرْ
تستبيحُ الوحلَ الذي يتشبثُ بالارضِ حَزين ,
الهواءُ يلعب بالمَساحات الخَاوية , كَانت بلا معالم بلا [ أنْفَاس ] ,
الأشيَاء تستوحشُ ظلّها , وصفير ريحٍ يعزف لحنَ المَنايَا ناحباً ...
حاول أن يركض في تلكَ [ المَدينة الجَاثمة ] .
أن يبتعد عَن كومةِ الأحجار المُتشنّجة ,
وتلك َالمقابر التي أخذت تزدادُ تُطبق عليهِ السّماء
وتَضيقُ عليه الأرْض ...
كان كل شَيء من حوله موحشْ وقَاتلْ ...
[ الصّمتْ ] ...
[ الكَآبة ] ...
[ اللّيلْ ] ,
أحسّ بأجنحةٍ بيضَاء تُحاول اخذهْ
قلبهُ انْفَجعْ والذّعر لم يَسمحَ لهُ بأنْ يلتفت إلى الخَلْف ...
كانَ يجري كطفلٍ فقد أمّه في الحربْ وصوت الرّصاصِ يُدويّ في اذنيه
[ يُمزق ] أحْشَائهْ !
ركضْ ... ركضَ حتى تقطّعت أنْفَاسه
والعُتمة امامه كوحشٍ مُنسلخْ يلتهم كل شيْء أمامه !
حاولَ أنْ يبتَعد لكنّه سقطْ ...
سقطَ مستسلماً تاركاً للسّكونِ التّمتع بلهاث أنفاسه المُتلاحقة ,
والبرودة تلعب كطفلٍ صغير تنخرُ جسده وأطرافه .!
:
كانَ [ الصّمت ] يخنقُ ببطء ,
عقارب السّاعة ستصيبه بالجنون إذا لم تُسرعْ
وجسده المُتهالك فوقَ قُماشٍ بالٍ عافهْ ...
ينتظرُ [ المَوت ] كمخلصٍ له من عذاب هذا الألم !
كان كل شيْء كمَا هُوَ ...
الخرابْ , الأعمدة الصدأة , المباني البائسة ,
وصوتُ طرطقةِ آنيةٍ مكسورةٍ بصفيحٍ مُتصلّب !
حاولَ أن يُغمض عينيه . علّه يصحُو فيجد نفْسه جثة هامدة
أو معجزة تخرج له من كومة الأوراق التي تحدق به من على المكتبْ
والتي خَاصمهَا في الآونة الأخيرة ...
تمنّى أنْ يصفعَ نفْسه فلمْ يُحس بذراعيه
كادَ أنْ يُجنّ ... يصْرخ ... يضرب برأسه الحَائط ,
لكنّ لطفَ الله بهِ كان أقرب إليه من حبْل الوريدْ
إذْ مسحت خُيوط فجرٍ متسللة من بين أنسجة ستارةٍ بنفسجيّة اللّون
- وضعت على ان تكونَ بحائل ! لكنّها ليْسَت بحائل ! -
جبينه بروحٍ دافئة , وضوءٍ حانٍ لَطيفْ
رسمت في مدينة أحْشائه تلكَ , ذكريات لهذا [ الوَقارْ ]
شعرةٌ تكبُر وتتنفس ماء الوَضوء لتكون كعابدٍ في مُصلّاه طهورْ ...
وبعضها الذي كانَ يستدفْء تحت غطاءٍ صُنعَ من نورْ
تُباهي بطراوتها وقوامها أمامَ من يحل له أن يراها عارية بلا غِطَاء
وتلكَ التي امتزجت مع عرقٍ نَديّ ...
تتحسسُ نَسيم الحَرمْ ثمّ تتبعثرُ محلّقة
كجناحي فراشة لتبدأ رحلة وداع جاثمة بلا نفْس
وعينيه تسبحان تُقبلان الدّموعْ ...!
وأخذَ يتبعُ نظرهُ خيوط القَمرْ , وتملئُ عينيه بضياءٍ كأنّه الحياة
ترسمُ دارة القمَرْ وكانّه هوَ في عينيه لا في السّمَاءْ ...
فكانَ عهداً علينَا انْ نُلبّيهْ !
:
الروابط المفضلة