الزيارة






من الأدب التركي
الاستاذ جنيد السعاوي
ترجمة اورخان محمد علي



قيل لي انه في المستشفي منذ اسبوع وانه اجريت له عملية.
قلت :
- أرجو له من الله الشفاء.
لا أستطيع القول انني حزنت كثيراً من أجله على الرغم من كونه صديق طفولة، لأن تصرفاته في السنوات الأخيرة بدأت تثير غضبي، وبدأت أغّير طريقي لكي لا التقي به. ولم أكن أشك أبداً في صحة وصواب قراري هذا . ذلك لأنه على الرغم من كونه شخصاً متديناً إلا انه لم يكن يقرأ الكتب والمجلات التي أقرأها ولا يتحدث مع الأصدقاء الذين أصاحبهم وأتسامر معهم ، ولا يشترك مع نظرتي السياسية.
ومع أنني كثيراً ما كنت أراه في الجامع الا انني كنت أشك في اخلاصه ، بل كنت اؤمن بأنه يشغل عبثاً مكانه في صف الصلاة.
لا أدري لماذا أرقت في الليلة التي سمعت بمرضه ، ولم أملك نفسي من التفكير فيه.


وأخيراً قلت لنفسي :
- الكل مرضى الآن ... اذا مرض قليلاً فقد يعود عقله إلى رأسه.
عندما فكرت في المستشفي تذكرت عملية ازالة الزائدة الدودية التي أجريت لي عندما كنت في مرحلة الدراسة الثانوية ، فعلى الرغم من آلامي فقد كنت أفرح كطفل صغير من كثرة زواري وكوني محط اهتمام وعناية.
ولكن ... رباه ! ... كيف نسـيت انه كان من ضمن زواري آنذاك ؟ ... كيف نسـيت هذا ؟ ... الم يبق قربي ساعات عديدة يواسيني وينسيني لآمي ؟
وماذا بعد خروجي من المستشفي ؟
ألم يساعدني أياماً عديدة في الدروس التي فاتتني بسبب مرضي ؟



كانت الذكريات تمر أمام عيني كشريط سينمائي وتذكرني بأيام طفولتي وصباي ، بصديقي الراقد الآن في المستشفي لسبب لا اعرفه والذي يحتل موقعا مهما من ذكريات تلك الأيام الجميلة ... لعل السبب في تقربه مني واتخاذه لي صديقا بل أخا ووقوفه إلى جانبي في جميع أوقاتي العصيبة يعود إلى انه لم يكن له أقارب.
رباه! ... ماذا حصل لنا حتى اصبحنا كالأعداء ؟
ألم نكن كمسلمين نعيد الأله نفسه ونتبع الرسول نفسه ؟
ألم تكن لغتنا وبلدنا وكعبتنا وغايتنا واحدة ؟
لماذا لم نكن نضمر العداء لأعدائنا الحقيقيين بينما نضمره لأنفسنا ؟
كنت أتقلب في فراشي وأنا افتش عن أجوبة لأسئلة صعبة.
أجل ! ... أجل ! ... يجب ان أراه واعتذر منه ولا سيما ان العيد مقبل بعد اسبوع ... أي ان هناك سبباً جيداً لهذه الزيارة.
لا أفهم حتى الآن لماذا انتظرت سنوات لكي أصالحه ، ولا أدري لماذا تأخرت عن زيارته أسبوعا واحداً ... ولكني تعودت منذ ذلك العيد على زيارته كل عيد ... أزوره وأقرأ القرآن على قبره لعله يعفو عني ويصفح.