أخبار الحمقى والمغفلين لإبن الجوزي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت كتاب أخبار الحمقى والمغفلين لإبن الجوزي فأعجبتني بعض الأخبار
فنقلت لكم بعضها لعلها تروح على قلوبنا بعض الشيئ..
ولابد ان نتذكر ما انعم الله به علينا من نعمة العقل التي فضلنا بها على سائر المخلوقات.. اللهم ادمها نعمة واحفظها من الزوال..
وإليكم بعض الأخبار..
وقد اختصرت بعض المقدمات.. تجنبا للإطاله..
اشترى جحا يوما دقيقا وحمله على حمال فهرب بالدقيق فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه فقيل له: مالك تفعل كذا فقال: أخاف أن يطلب مني كراه(أجرته).
نظر ابن الجصاص يوما في المرآة فقال: اللهم بيض وجوهنا يوم تبيضّ وجوه وسودها يوم تسود وجوه.
وكسر يوما لوزاً فطارت لوزة فقال: لا إله إلا الله كل شيء يهرب من الموت حتى البهائم.
ومن الحمقى فرعون فقد ضرب الحكماء له مثلاً فقالوا: أدخل إبليس على فرعون فقال: من أنت؟ فقال: إبليس، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت أنظر إليك فأعجب من جنونك قال: وكيف؟ قال: أنا عاديت مخلوقا مثلي وامتنعت من السجود له فطردت ولعنت، وأنت تدعي أنك أنت الإله! هذا والله الجنون البارد.
جاء رجل من أشراف الناس إلى بغداد فأراد أن يكتب إلى أبيه كتابا فلم يجد أحدا يعرفه فانحدر بالكتاب إلى أبيه وقال: كرهت أن يبطئ عليك خبري ولم أجد أحدا يجيء بالكتاب فجئت أنا به ودفعه إليه.
قال ابن خلف: اختصم رجلان إلى بعض الولاة فلم يحسن أن يقضي بينهما فضربهما وقال: الحمد لله الذي لم يفتني الظالم منهما.
وعن الأصمعي قال: خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار فأصابهم ريح عاصف يئسوا معها من الحياة ثم سلموا فأعتق كل رجل منهم مملوكا فقال ذلك الأعرابي: اللهم لا مملوك لي فأعتقه ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثا.
وقال بعض الأعراب: لنا تمر تضع التمرة في فيك فتبلغ حلاوتها إلى كعبك.
وكان لبعض المغفلين حمار فمرض الحمار فنذر إن عوفي الحمار صام عشرة أيام فعوفي الحمار فصام فلما تمت مات الحمار، فقال: يا رب تلهيت بي! ولكن رمضان إلى هنا يجيء والله لآخذن من نقاوته عشرة أيام لا أصومها.
وكان أعرابي يصلي فأخذ قوم يمدحونه ويصفونه بالصلاح، فقطع صلاته وقال: مع هذا إني صائم!
قال رجل لرجل: قد عرفت النحو إلا أني لا أعرف هذا الذي يقولون: أبو فلان وأبا فلان وأبي فلان. فقال له: هذه أسهل الأشياء في النحو، إنما يقولون: أبا فلان لمن عظم قدره، وأبو فلان للمتوسطين، وأبي فلان للرذله.
قرأ قارئ بين يدي أحد القصاص - واسمه سيفويه القاص وكان يضرب به المثل في التغفيل- قوله تعالىكأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) فقال: ماذا لقي القوم والله من أجل صلاتهم بالليل.
وقرأ القارئ: (كأنهن الياقوت والمرجان) فقال: هؤلاء خلاف نسائكم الفجار.
قيل لسيفويه: إن اشتهى أهل الجنة عصيدة كيف يعملون؟ قال: يبعث الله لهم أنهار دبس ودقيق وأرز، ويقال: اعملوا وكلوا واعذرونا.
وعن عبد الرحمن بن محمد الحنفي قال: قال أبو كعي القاص في قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا فقالوا له: فإن يوسف لم يأكله الذئب، قال: فهو اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
جاء رجل إلى قاص وهو يقرأك (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فقال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.
قال الجاحظ: وسمعت قاصا بالكوفة يقول: والله لو أن يهوديا مات وهو يحب عليا ثم دخل النار ما ضره حرها.
قال بعض القصاص: يا معشر الناس إن الشيطان إذا سمي على الطعام والشراب لم يقربه فكلوا أرز الخبز المالح ولا تسموا فيأكل معكم ثم اشربوا الماء وسموا حتى تقتلوه عطشاً.
كان لأبي العتاهية تلميذ تصوف وتزهد وقير إحدى عينيه وقال: النظر إلى الدنيا بعينين إسراف.
قال الجاحظ: من أعجب ما رأيت معلما بالكوفة وهو شيخ جالس ناحية من الصبيان يبكي، فقلت له: يا عم مم تبكي؟ قال: سرق الصبيان خبزي.
قال بعضهم: مررت بمعلم الصبيان يضربونه وينتفون لحيته فتقدمت لأخلصه فمنعني وقال: دعهم بيني وبينهم شرط إن سبقتهم إلى الكتاب ضربتهم وإن سبقوني ضربوني واليوم غلبني النوم فتأخرت ولكن ألا أبكرت غدا من نصف الليل وتنظر فعلي بهم، فالتفت إليه صبي وقال: أنا أبات الليلة ههنا حتى تجيء وأصفعك.
عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يمازح جارية له فيقول: خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام، فتغضب وتصيح وتبكي ويضحك ابن عمر.
قال: وسرقت دراهم من أحد الوراقين فقيل له: نرجو أن تكون في ميزانك فقال: من الميزان سرقت.
عن مسعود قال: وجه عمرو بن سلمة بن قتيبة أخاه ليشتري لأمه كفناً، فقال للبائع: لا تنتخبه فإنها رحمها الله كانت رديئة اللبس.
وخرج رجل إلى السوق يشتري حماراً فلقيه صديق له فسأله فقال: إلى السوق لأشتري حماراً، فقال: قل إن شاء الله، فقال: ليس ههنا موضع إن شاء الله الدراهم في كمي والحمار في السوق، فبينما هو يطلب الحمار سرقت منه الدراهم فرجع خائبا فلقيه صديقه فقال له: ما صنعت؟ فقال: سرقت الدراهم إن شاء الله، فقال له صديقه: ليس ههنا موضع إن شاء الله.
عن محمد الداري قال: كان عندنا رجل بدارا وكان فيه غفلة فخرج من دارا ومعه عشرة أحمر فركب واحدا وعدها فإذا هي تسعة فنزل وعدها فإذا هي عشرة فلا زال يفعل كذلك مرارا فقال: إن أمشي وأربح حماراً خير من أن أركب ويذهب مني حمار، فرأيته يمشي حتى كان يتلف إلى أن بلغ قريته.
عن المدائني: لقي رجل رجلا ومعه كلبان فقال: هب لي أحدهما فقال: أيهما تريد فإن الأسود أحب إلي من الأبيض قال: فهب لي الأبيض قال: الأبيض أحب إلي من كليهما.
وذكر ابن حبيب أن أخا لعثمان بن سعيد سقط في البئر فقال أخوه: أنت في البئر؟ قال: أما تراني! قال: لا تذهب حتى أجيئك بمن يخرجك!
عن المدائني عن عمرو بن الحسن قال: خرج أهل بيت من اليمن من منازلهم حتى صاروا إلى شعب من الجبل فاختفوا فيه، وقالوا: نهرب من شهر رمضان لا يدخل علينا.
قال ابن الجوزي: حدثني بعض أصدقائنا قال: كان بواسط رجل من المعدلين إلى جانب داره إصطبل فقال له أهله: إنا نغسل الثياب في السطح فيطير بعضها إلى الإصطبل فلا يردوه علينا، فقال: وأنتم إذا طار لهم شيء فلا تردوه، قالوا: أي شيء يطير من أرض الإصطبل إلى سطحنا؟ قال: أي شيء طار مثل لجام ومقود وفرس وغيره.
قيل: إن رجلا من السنديه وهي على ستة فراسخ من بغداد جاز بدجاج ليبيعه قريبا من دجلة ببغداد فأفلتت دجاجة فطلبها فلم تقع بيده فقال لها: اذهبي إلى القرية حتى أبيع الباقي، ثم جاء وباع البواقي ورجع إلى القرية وجعل يتفقد الدجاجة فلم يرها، فقال لزوجته: أين الدجاجة الرقطاء؟ فقالت: لا أدري، فقال: تركتها من بغداد لترجع إليكم فما جاءت.
دخل بعض المغفلين على مريض يعوده فلما خرج التفت إلى أهله وقال: لا تفعلوا بنا كما فعلتم في فلان مات وما أعلمتمونا إذا مات هذا فأعلمونا حتى نصلي عليه.
ضاع لرجل ولد فجاءوا بالنوائح ولطموا عليه وبقوا على ذلك أياما فصعد أبوه يوما الغرفة فرآه جالسا في زاوية من زواياها فقال: يا بني أنت بالحياة أما ترى ما نحن فيه؟ فقال: قد علمت ولكن ههنا بيض قد قعدت مثل القرقة (الدجاجة) عليه ما يمكنني أن أبرح أريد فريخات أنا أحبهم. فاطلع أبوه إلى أهله فقال: قد وجدت ابني حيا ولكن لا تقطعوا اللطم عليه، الطموا كما كنتم.
حكى عبد الله النوفلي قال: قال مدني: إني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا لم يحبه أحد قط، قيل: وما بلغ من حبك له، قال: وددت أن عمه أبا طالب أسلم ويسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأموت كافراً بدلا عنه.
دخل أحمق على مريض فقال: إذا رأيتم المريض على هذه الحال فاغسلوا أيديكم منه.
أجريت خيل فطلع منها فارس سابق فجعل رجل يثب من الفرح ويكبر فقال له رجل إلى جانبه: أهذا الفرس لك، قال: لا ولكن اللجام لي.
نظر رجل في الجب فرأى وجهه فعاد إلى أمه فقال: في الجب لص فجاءت الأم فاطلعت فقالت: أي والله ومعه فاجرة.
نظر بعض المغفلين إلى منارة الجامع فقال: ما كان أطول هؤلاء الذين عمرو هذه! فقال آخر: اسكت ما أجهلك، ترى أنه في الدنيا أحد طول هذه؟ وإنما بنوها على الأرض ثم رفعوها.
وقالت امرأة لأخرى: اليوم مشيت إلى قبر أحمد فدخل في رجلي مسمار، فقالت لها: وكان الخف الجديد في رجلك؟ قالت: لا، قالت لها: فاحمدي الله.
اجتمع رجلان في طريق الحج فقال أحدهما للآخر: كم قد حججت؟ قال: مع هذه التي نحن فيها واحدة.
ماتت جارية لرجل فلما دفنها قال: لقد كنت تقومين بحقوقي فلأكافئنك اشهدوا علي إنها حرة.
عن إبراهيم بن القعقاع: انتبه قوم ليلة في رمضان وقت السحور فقالوا لأحدهم: انظر هل تسمع أذانا فأبطأ عنهم ساعة ثم رجع فقال: اشربوا فإني لم أسمع أذانا إلا من مكان بعيد.
شهد رجل عند بعض القضاة على رجل فقال المشهود عليه: أيها القاضي تقبل شهادته ومعه عشرون ألف دينار ولم يحج إلى بيت الله الحرام، فقال: بلى حججت، قال: فاسأله عن زمزم، فقال: حججت قبل أن تحفر زمزم فلم أرها.
وقع جرف في بعض السنين فقال بعض المغفلين: مات في هذه السنة من لم يمت قط.
قال ابن الجوزي: حكى لي بعض الإخوان أن بعض المغفلين كان يقود حماراً فقال بعض الأذكياء لرفيق له: يمكنني أن آخذ هذا الحمار ولا يعلم هذا المغفل، قال: كيف تعمل ومقوده بيده ؟
فتقدم فحل المقود وتركه في رأسه وقال لرفيقه: خذ الحمار واذهب فأخذه ، ومشى ذلك الرجل خلف المغفل والمقود في رأسه ساعة ثم وقف فجذبه فما مشى فالتفت فرآه فقال: أين الحمار؟ فقال: أنا هو، قال: وكيف هذا؟ قال: كنت عاقاً لوالدتي فمسخت حماراً، ولي هذه المدة في خدمتك والآن قد رضيت عني أمي فعدت آدمياً، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله وكيف كنت أستخدمك وأنت آدمي! قال: قد كان ذلك، قال: فاذهب في دعة الله، فذهب ومضى المغفل إلى بيته فقال لزوجته: أعندك الخبر كان الأمر كذا وكذا وكنا نستخدم آدمياً و لا ندري فبماذا نكفر وبماذا نتوب، فقالت: تصدق بما يمكن، قال: فبقي أياما ثم قالت له: إما شغلك المكاراة فاذهب واشتر حماراً لتعمل عليه فخرج إلى السوق فوجد حماره ينادى عليه، فتقدم وجعل فمه في أذنه وقال: يا مدبر عدت إلى عقوق أمك!!
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة