الشيْب...لون الحكمه

لمح ماجد نفسه في واجهه احد محال الملابس مائلاً بعض الشئ, فسارع الى الحمام, واخذ لنفسه نظره, وكانه يرى وجهه لاول مره في حياته بعد مرور اكثر من اربعه عقود على رؤيته يومياً, واكثر من مره في ايام كثيره...لمح الشيب المتناثر هنا وهناك, لمح عمق التجعد حول العيون, لمح اهتراء البشره هنا وهناك, رآى من مر بحياته كلها مفعم بالحيويه والشباب, نفسه عجوزاً...رغم ابتعاد ارذل العمر عن مخيله ماجد الا انه كمسلم يعلم ان لا يبقى على ما هو الا هو, ولكن المفاجاءه انه قد وصل هذه المرحله كان لوقعها على قلبه وعقله صدى كبير لم يسمعه الا هو, صدى هز كيانه, لم يتمالك نفسه من شده الضحك...تذكر عندما كان يود لشاربه ان ينمو وهو في اول العمر, وتذكر معها محاولاته رسم شوارب تحت جنح الظلام, كيف انه كان يختار الاركان المعتمه وهو يقرؤا السلام رجالاً ذوي شوارب كثه يجلسون الى جاني الطريق, ثم تذكر ممثله المفضل, ذلك الممثل الوسيم, ذا السوالف الطويله يتخللها الشيب كخليط من الفلفل الاسود وبعض الملح, لقد غاب عنه اسم ذلك الممثل, لا بد انه العمر, فللعمر مراحل, وفي كل مرحله له بها مجموعه من المفاجات, وفي كل مرحله ما احلى ان تكتشف دقات قلبك تتسارع عندما تراها, وما اجمل الشعور بالتخرج, وشعورك عندما ترى كثره حلاقه شعر ذقنك التي لا ترى بالعين المجرده قد اتت اكلها...فهذه اللحظات في عمر الانسان لا تنسى, ولم تضحى تمنحك السعاده من جديد, الا هذه الزمره من المفاجات, فبعد اربعه عقود من الاستهتار والثقه الغير متناهيه على هذا الجسد المسكين, اعذرني, لم تكن المفاجاءه بموضوع يحتمل الضحك او حتى الابتسام...ليس هناك معضله لا يستطيع حلها الموس, فراح الموسى ياكل الاخضر واليابس في طريقه من وجنه الى الاخرى, واتبعها ببعض الصبغه السوداء تعود شاب كوزير اعلام العراق السلبق السيد محمد الصحاف...لا بد من اختيار لون اقل حلكه من هذا, حتى الاطفال ينظرون اليه ويعجبون من شده سواد شعره في هذا العمر الذي يحاول ان يخفيه بكل ما تحمل هذه الكلمه من معنى, ولكن لا يصلح العطار ما افسده الدهر تكاد تكون لائحه على صدر كل انسان يمر به, وخصوصاً النساء, اللون البني الغامق يكاد يكون طبيعياً...ومشى على هذه الحال الى ان تنبه صباح احد الايام, فعندما تصل بك الايام الى المفاجاْه الغير مرغوب بها, تصبح كل حواسك حارساً لاي تطور جديد, فما بال هذا الشيب يجتاح وجهه وقبه راسه حتى خدوده لم تخلوا من هذا المستعمر العنيد, وكلما استد عناد الشيب بالانتشار اقترب ماجد من القناعه بتقبل سّنه الحياه, اذا ما العمل؟ فكلمات الشاعر عندما قال:

[align=center]الا ليت الشباب يعود يوماً
لاريه ما فعل المشـــيب[/align]

غير مطمئنه, عندها وجد ماجد نفسه يتطلع نحو الوراء, نحو الماضي, نعم الماضي, لم يكن يحلم يوماً ان يقول كلمه الماضي ويعني بها نفسه...وراح يفنط ذكرياته, فالوقت قد حان لنتعلم مما مررنا به, والناس الذين مروا بحياتنا, ونستخلص منها العبر, تماماً كمجموعه من اوراق الكوتشينه, كّل على حدى...عند بزوغ الصباح كان ماجد يتطلع على قطعتين من الذكريات, قطعتا الذكريات التي غّيرت مجرى حياته, اما بقايا الذكريات فقد احترقت لتبقي شمعته مضيئه طيله الليل...فتفكر ماجد لنفسه, ياله من عالم صغير, اربعه عقود لم اجمع بها الا ذكرياتان اثنتان فقط, ويا ليتها سعيده, ولكن ماذا عن نجاحاتي؟ تسائل ماجد فاجابه وجدانه, لقد مسحت كلها عندما فشلت بتربيه ولدك, فاصر انه لم يفشل بتربيه ولده, يعتبر الوجدان حكيم الجسد, ومن مواصفات الحكماء انهم قليلين الكلام, ولا يجادلون حمقى, فهز وجدانه راسه موافقاً واردف قائلاً فليكن غباءك في استخدام وقتك, هز ماجد راسه عده مرات موافقاً...نظر حوله شده ما ظن انه قنديله ليكتشف انه كسيرات الضوء تعلن اقتراب الفجر, فنهض من توه وتوضاء, وصلى صلاه الفجر, واردفها بركعتين لله على ارواح قطعتي الذكريات التي غيرت حياته.

الى اللقاء برحله اخرى. دمتم بخير

مشاركه جميله
تحياتي لك

احساس ملاك بترك الله فيك وكل عام وانتي وكل امه محمد بالف الف خير

وانت بالف خير ينعاد بالخير والامان ان شاء الله

اتمنى منك المواصله وامتعنا بمشاركاتك الجديده
تحياتي اختك