غاب عني سريعاً في لحظات وجيزة فلم أره منذ ذلك اليوم الحزين الذي تلقاني فيه بشوق وفرح وأمسك بي خوفاً ألا أتركه وأخذته وهو في أتم سعادة وأمان وأعطيته حلوى فأخذها بسعادة ولم يخطر ببالي أن تكون هذه آخر حلوى يأخذها وأن هذا آخر لقاء بيني وبينه فلقد تركنا وارتحل عنا بعيداً في لحظة وجيزة افتقدته اشتقت إليه بحثت عنه في كل مكان كلما رأيت أطفال مجتمعين اقترب منهم فأراهم يلعبون بسعادة فأبحث عن ولدي وحبيبي فلا أجده معهم ياترى أين فلذة كبدي وريحانة فؤادي ذهبت إلى كل مكان كنت ألقاه فيه فلم ألقاه هذه المرة نظرت إلى ألعابة فوجدت الغبار قد غطاها ونظرت إلى مكان نومه فوجدته مهجوراً فارغاً .
آآآه ياأنوسي أين ذهبت وتركتنا وتركت أختك وصديقتك أموني التي عز عليها فراقك ولا تدري أين ذهبت ودائماً تسأل عنك ليتك ترى الألعاب والحلوى التي تحفظها لك ولا تنساك كلما حصلت على شيء يسعدها .
ليتك ترجع إلينا وتملأ أعيننا برؤية وجهك الجميل الذي يفيض براءة ووضاءة وتنفض التراب عن ألعابك التي كنت تحبها ولا ترضى لأي طفل أن يقربها كعادة الأطفال .
ليتك تسمعنا صوتك العذب وندائك البريء (مــــامـــــا بـــــــابـــــا حبيــــبي ) وتملأ فؤادي الذي أصبح فارغاً لفراقك وأصبحت فريسة للحزن والآلام التي ملأت قلبي لقد اشتقت إليك اشتقت لرؤيتك اشتقت لندائك اشتقت لضجيجك وصخبك ولكن أنى لك أن ترجع بعد أن واراك التراب .
والله لقد كنت مؤنساً لنا ياأنس لقد ملأت بيتنا سعادة والآن ليتك ترى بيتنا بعد فراقك لقد أصبح موحشاً مظلماً وأصبحت أختك وحيدة دائماً تبحث عنك فقد كنت أخاها الوحيد الذي تشاركها المرح والترح ليتني علمت أن ذلك هو آخر يوم أراك فيه لأملأ عيني منك ولن تمتلئ وأشبع قلبي بحبك ولن يشبع ولو استطعت أن أحميك لحميتك بكل ماأملك وكنت أمني نفسي بأنك ستقوم من بين الأطباء وتعود إلي ولكنهم قالوا إن علاجك سيطول وأخذوني للبيت رغما عني فكيف أرجع بدون ولدي وقرة عيني وعندما رجعت رأيت الناس يتوافدون علينا فأحسست بالخوف لأن وجوه القادمين لا تبشر بخير وامتلأ البيت وأنا انتظر رجوعك بفارغ الصبر وأحاول دفع الأفكار السيئة وأقول لنفسي الآن سيأتي ولدي فهو بخير ولن يصيبه مكروه بإذن الله ولكني فوجئت بالخبر الذي لم أكن أتوقعه في يوم من الأيام الخبر الذي هد جسدي وأدمى قلبي ( لقد رحل أنس )لم أستوعب هذه الكلمة إلى الآن ذهلت ولم اصدق كدت أن أجن لولا رحمة الله بدأت الأسئلة تدور في خاطري هل حقاً سأفقد ولدي ولن أراه بعد اليوم هل سيرحل عنا ويتركنا هل سيدفن حبيبي في التراب هل هل أسئلة كثيرة ثم بدا الأمل يراودني من جديد أن يعود إلي ولدي سليماً معافى ويعيش معنا ولكن وبعد صراع بيني وبين نفسي جاء ولدي محمولاً ومدد على السرير وجهزوه ثم طلبوا مني أن أدخل لأودعه وألقي عليه آخر نظرة فما استطعت وقلت لنفسي سأجلس وسيسأل هو عني ويأتي إلي ولكنه لم يأتي فكنت أقول كيف سيكون حالي إذا رأيت طفلي ممدداً لا يتحرك وكيف إذا أخذوه وأنا لم أره ولم أودعه ثم قررت أن أدخل عليه وأناديه فسيبتسم ويجيبني كعادته عندما أوقظه من نومه ودخلت عليه فكدت أن أجن لقد رأيت طفلي الحبيب ممدداً لايتحرك فناديته أنوسي حبيبي وكررت النداء ولكنه لايجيب فقلت لهم اتركوه سيقوم بعد قليل ابني لم يمت ثم تحسست جسده فوجدته بارداً مصفراً وأمسكت جنبه فإذا هو بدأ يتصلب فأيقنت
بأنه الحق وأنه لا مفر لنا من الأقدار فنحن عبيد لله يفعل بنا مايشاء فلله ماأخذ وله ماأعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ولا نقول إلا مايرضي ربنا وعزائي أن يجمعنا ربنا في الجنة ويجعلك شافعاً لنا ويسعدنا جميعاً فهذه الدنيا لايستقر فيها حال ولا تؤمن أحدا وأسألك يارب أن تجعل ولدي وحبيبي في روضة وسعادة بالغة ورضا تام وتجعل أنس في أ ُنس دائم وفرح وحبور مع أطفال المسلمين وتؤنس وحشته وتشبع جوعه وتروي ظمأه ياأرحم الراحمين .
واسالك ياالله أن تعصم قلبي وتجبر كسري وتلهمني الصبر وتربط على قلبي لأكون من المؤمنين .
ويبقى ملاذنا الأول والأخير هو الله عز وجل وأنيسنا وقرة أعيننا ونور حياتنا هوكتاب (الله اللهم اجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا ) اللهم ارضنا وارض عنا ياأرحم الراحمين .