فتح مكة / مسرحية






تأليف : أيمن خالد دراوشة


شخصيات المسرحية

1- أبو سفيان بن حرب.
2- عمرو بن سالم الخُزَاعِي.
3- الحارث.
4- عّمَّار بن نُمير.
5- حكيم.
6- عُروة.
7- سَعْد.
8- رجل(1).
9- رجل(2).
10- رجل(3).
11- رجل(4).
12- رجل(5).
13- رجل(6).
14- الحضور.
















المشهد الأول
























(جنديان ِ يحرسان ِ مدخلَ المدينة المنوَّرة وقد توشَّحا سيفَهما ، وفي أثناء ذلك يخرجُ عليهما رجلٌ كبيرٌ بالسن ، وهو عمرو بن سالم الخزاعي)

عُروة : مَنْ ؟ عمرو بن سالم الخزاعي ؟ ماذا تفعلُ هنا ؟

عمرو : لقد جئتُ لمقابلة رسول ِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

سَعْد : وهل تَمَّت المقابلة؟

عمرو : نعم يا سعد ، قابلتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسجدِه ، وأخبرتُه بما فَعَلَتْ قريش وبنو بكر من نقض صلح الحديبية ، بالاعتداء علينا ـ نحن قبيلة خزاعة ـ حلفاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنْشدته قائلاً :

يا رَبَّ إني ناشد ٌمحمـــدا حلفَ أبينا وأبيــه الأتلدا
إِنَّ قريشا ًأخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقَكَ المؤكدا
هم بَيَّتونـــا بالوتيرِ وهُجُّدا وقتَّلونا رُكـــــَّعاً وسجَّدا

عُروة : وبماذا أجابكَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟

عمرو : قال لي نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم .

سعد : إلى أين العزم الآن .. ؟

عمرو : إلى قبيلتي خزاعة ، أخْبرُهُم بأمر رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حتى يطمئنوا إلى عونه ونصرته .
(عروة وسعد بصوت واحد)

مع السلامة يا عمرو...

عروة لصاحبه سعد : وماذا سيفعلُ رسول الله بقريش ، ومدة الصلح لم تنتهِ بعد؟

سعد : ما دامت قريش قد نَكَثَتْ عَهْدَها وَغَدَرَتْ بحلفائنا فقد قَضَتْ على الصلح ، وليس بيننا وبين قريش ٍ بعد الآن أيُّ صلح ٍ أو عهد.

عروة : وهل ترى يا سعدُ ، أنَّ رسولنا الأمين سوف يأمرُنا بقتال قريش ؟

سعد : لا أدري ، ولكن انتبه يا عروة ! مَنْ ذاك القادم إلينا من جهة مكة ؟! وَمَنْ يكون يا ترى؟!

سعد : علينا أنْ نُضَاعِفَ من الحراسةِ حتى لا يباغتُنا العدوُ فجأة.

عروة (بصوتٍ عالٍ):

مَن ِ القادم ؟ مَنْ هناك ؟ قِفْ مكانك ولا تتحرك.

أبو سفيان : أنا أبو سفيان بن حرب " سيدُ قريش" قَدِمتُ لمقابلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

سعد : وماذا تريد من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد فَعَلْتَ ما فعلت ؟

(أبو سفيان يتقدم أكثر باتجاه الجنديان)

أبو سفيان : عمتم صباحاً.

عروة : لقد أبدلنا تحيتكم هذه بتحيةٍ أفضلَ منها هي " السلام عليكم" ، ولكن قل لي يا أبا سفيان ماذا تريدُ بعد أن غَدَرْتَ بحلفائنا ، وقتلت منهم ما قتلت ؟!

أبو سفيان : أريدُ تجديدَ العهدِ مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزيادة مدته.

سعد: وهل تعتقدُ أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سوف يقبلُ بهذا العرض بعد أن رأى منكم ما رأى ؟

عروة : الغدر والخيانة من طباعكم ، اذهب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولن يُغْني هذا عنك شيئاً...



ستار











المشهد الثاني


















(أبو سفيان ومعه أحد لمشركين يتجولان هنا وهناك بسلاحهما).



أبو سفيان: واللات والعزى ، لا أدري ماذا سيفعلُ محمدٌ بنا ، فأنا لا أعرفُ منه شيئاً ، ورََفَضَ الحديث معي حين قابلتُه في مسجدِه.

حكيم : يجب علينا الانتباه فنحنُ في حراسةِ قريش ، ولعل أحدهم يهجمُ علينا ، ونحنُ عنه لاهون ، فكن على حذر ٍ يا أبا سفيان.

أبو سفيان : ما بالكُ خائفاً يا حكيم فأنا سيدُ قريش ، وليس من السهل ِ النيلُ مني أبداً.

حكيم : أرجو ذلك ، ولكن قُلْ لي يا أبا سفيان هل قابلتَ أحداً في المدينة غير محمد؟

أبو سفيان : لقد رَفَضَ الجميع حتى النظر إليَّ ، فهم جميعاً يكرهونني حتى ابنتي رَمْلَة...

حكيم : ما هذا الذي أسمع؟ وهل تكرهُ البنتُ أباها؟!

أبو سفيان : لقد دَخَلْتُ عليها يا حكيم ، وتوجهتُ نحو فراش ٍ ممدود ٍعلى الأرض ، وحين توجهتُ للاستلقاء عليه منعتني، فقلت لها: ما أدري يا بنية أرَغِبْتِ بي عن هذا الفراش ، أم رَغِبْتِ به عني ؟

حكيم : وماذا قالت ابنتُك؟

أبو سفيان : لقد وَبَّخَتْني يا حكيم وقالت:" هذا فراشُ رسول ِ الله ، وأنتَ مُشْرِكٌ نَجِس ، ولا يَحِلُّ لك الجلوسَ على فراش ِ رسول الله".

حكيم : إذاً ، هل تتوقعُ هجوماً وشيكاً من محمد ٍ وأتباعِه ؟

أبو سفيان : إنَّ عمرَ بن الخطاب يَوَدُّ لو يكونُ الهجوم الليلةَ ... وكلُّ واحدٍ من المسلمين متعطشٌ لقتالنا حتى الموت... ولكن لا أدري هل سيأذنُ لهم محمدٌ بذلك أمْ لا ؟!

حكيم : أبا سفيان... انظرْ ماذا أرى ؟

أبو سفيان : ماذا يا حكيم ؟

حكيم : النارُ العظيمة تلك!

أبو سفيان: لكنْ مَنْ أوْقَدَها ؟

حكيم : هذا أغرب ما رأيتُ في حياتي ! لعلها خزاعة؟

أبو سفيان: إنَّ خزاعةَ أذل وأقل من أنْ تكونَ هذه نارُها ، ولكن امكثْ أنت هنا ، وسأذهبُ أنا حتى أتقصَّ أمرَ هذه النار...
(يذهب أبو سفيان باتجاه النار)
ستار



المشهد الثالث




(أبو سفيان وقد أقبل يلهث باتجاه نفر من قريش)

أبو سفيان: يا معشرَ قريش.. يا معشرَ قريش.. هذا محمدٌ قد جاءكم بما لا قِبَلَ لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

الحضور: ماذا قلت ؟ محمد! ما هذا الذي تهذي به؟

أبو سفيان: أقول: هذا محمدٌ قد جاءكم بجيش ٍ جرّاَر لا طاقةَ لكم به ولا قدرةَ على المواجهة ، فألقوا سلاحَكم..

رجل(1) بغضب: أعطني شاربَك الطويلَ هذا أنتفُه! وأنتم يا معشرَ قريش ، اقتلوا هذا المنافقَ قبَّحَه الله من رسولِ قوم ٍ ، اقتلوا الأحمقَ الذي لا خيرَ فيه.

أبو سفيان: لا يغرَّنَّكم قول هذا الرجلَ من أنفسِكم ، فإنَّ محمداً قد جاءكم بما لا قِبَلَ لكم به.

رجل(2): أخبرنا ماذا رأيت يا وجهَ النحس؟ وأين كنتَ منذُ ليلةِ أمس ؟

أبو سفيان : يا معشرَ قريش ، لقد احتبسني العباسُ عمُ محمد ٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذُ صباح ِ هذا اليوم في مَضيق الوادي بعد أنْ استجَرْتُ به ، ورأيت معه كتائبَ المسلمين واحدةً تِلْوَ الأخرى لا يَحْصُرُها عَدَدٌ ، ولا يَقْدِرُ عليها أحد.

رجل(3) : لا تصدِّقوه ، فقد أصاب الهذيانُ من هذا الرجل ِ الأحمق ِ مقتلاً فَكَفَرَ بديننا دين ِ أجدادِنا ، فإنَّه جبانٌ خائن فاحملوا سلاحَكم يا قومي ، قاتلوا محمداً ، ودافعوا عن عُزَّتِكم واحموا آلهتَكم.

أبو سفيان (بغضب) : وَيْحَكَ يا هذا ، لقد شاهدتُ ما لم تشاهدوه أنتم ، السلاحَ والرجال.. ولا طاقةَ لي لأصفَ لكم ماذا رأيت ؟!

رجل(4) : وماذا رأيتَ أيضاً ؟ً

أبو سفيان : آخر ما رأيتُ من كتائبَ كتيبةً خضراء ، وهي كتيبةُ محمدٍ ومعه المهاجرون والأنصار ، لم أرَ منهم سوى عيونَهم من كَثْرَةِ الحديد ، فالنجاةُ النجاة يا قوم.

رجل(5): أنكونُ لقمةً سائغةً بفم ِ محمدٍ وأنصارِه ، لا وحق اللات لن نستسلمَ أبداً حتى نقضيَ عليهم.

أبو سفيان: محمدٌ يا قوم أنبلُ مَنْ رأيت ، فقد سمعته يقول: " اليومُ يومٌ تُعَظَّمُ فيه الكعبة ، اليومُ أعَزَّ الله فيه قريشاً ، محمدٌ لا يريدُ قتالاً ، ولا يحبُّ سَفْكَ الدِّماء"

رجل(6): ماذا نفعلُ إذن ؟

أبو سفيان: أنجوا بأنفسكم ، وَمَنْ دَخَلَ داري فهو آمِن.
" الجميع بصوتٍ واحد"

قاتلكَ الله ، وماذا تُغني عَنَّا دارُك ؟

أبو سفيان: وَمَن دخل المسجدَ فهو آمِن ، وَمَنْ ألقى سلاحَه فهو آمِنْ. هكذا أخبرني الرسولُ الكريم ، فتفرَّقوا يا قوم قبل أنْ يدرككم جيشه الزاحف باتجاهكم ، فقد حاصرَ مكةَ من جميع الجهات ، في كل جهةٍ فرقةٌ من جيشِه ، يقودُ كلَّ فرقةٍ قائدٌ بارع ٌكخالدٍ والزبير وقيس ، فالنجاةُ النجاة...

(المشركون بصوتٍ واحد)

هيا يا رجال.. هيا إلى المسجد.. هيا إلى البيوت..

(الكل يَهُمُّ بالانصراف)

ستار












المشهد الرابع













(أبو سفيان والحارث يجلسان في فناء الكعبة ، فيما يُقْبِل عليهما عمَّاربن نُمير).

أبو سفيان : مَنْ ؟ عَمَّار بن نمير. تَعالَ اجلسْ مَعَنا لنتحدثَ ونتسامر.

عَمَّار موجِّهاً كلامَه إلى الحارث : ما لي أراك تسامرُ أبا سفيان ، هل عَجَّزْتَ مثله ، وتركتَ دينَ آبائك وأجدادك؟!

الحارث : لا يا عَمَّار، فأنا مثلُك لم أخضعْ لنصر ِ محمدٍ الذي حقَّقَه في لحظةِ غفلةٍ من قريش.

أبو سفيان : هل رأيتم أنبلَ وأكرمَ وأحلمَ من محمد، لقد رأيته يقفُ على باب الكعبة ، فَيَصْدِرُ عَفْواً عَامًًّا عن جميع ِ الذين مارسوا بحقِّه شَتَّى أنواع ِ العذاب من أهل ِ مكة.

عَمَّار : لقد سمعته في خطبته يقول: " الحمد لله ، لا اله إلا الله وَحْدَه ، صَدَقَ وَعْدَه ، وَنَصَرَ عَبْدَه ، وَهَزَمَ الأحزابَ وَحْدَه ، لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له "

الحارث: لقد خِفْتُ أن يَغْدُرَ بنا محمد ، فيقتُلُنا جميعاً ، وحينما سمعته يقولُ : يا معشرَ قريش ، يا أهلَ مكة ، ما ترون أني فاعلٌ بكم ؟ ظننتُ أنَّه سَيَقْتُلًنا لا محالة.

أبو سفيان : والله ما عَرَفْنا من محمدٍ إلا البرَّ والوفاءَ والإحسان ، فقد عَفا عن الجميع ِ حين قال : " اذهبوا فأنتم الطلقاء "
عَمَّار : لقد كانت خُطْبَتُهُ في اليوم الثاني من أيام ِ الفتح خطبةً جامعةً ، حَدَّدَ فيها الحلالَ والحرام ، وأوضحَ مبادئَ الإسلام ، وحرَّمَ الربا ، وَأعْلنَ المساواة بين الناس ِجميعاً.

الحارث:لم يبق َ للسادة ِ والزعماء في ظلِّ الإسلام أيُّ مَيِّزات يفاخرونَ بها منذُ قالَ الرسولُ الكريم:" يا معشرَ قريش ٍ ، إنَّ اللهَ قَدْ أذْهَبَ عنَْكم نَخْوَةَ الجاهلية وَتَعاظُمَها بالآباء. النَّاسُ من آدمَ وآدمُ من تراب."

أبو سفيان: (موجِّهاً حديثَه لصاحبيه الحارث وعمَّار)

ماذا تنتظران إذن فهيَّا يا عمَّار، وأنت يا حارث أسلِما لله ربِّ العالمين فلا يَمْنَعُكُما عنه إلَّا الكِبْرُ.

الحارث: لقد كَثُرَ أتباعُ محمدٍ من أهلِ مكة ، وبايعوه على السَّمْع ِ والطَّاعة لله ولِرَسولِه، ولم يتخلَّفْ عنه إلَّا القليل.

عَمَّار: وَهَلَّا بايَعْتُه معهم يا حارث ؟ أراكَ فيما يبدو نادماً على عدم مبايعته!!
" يُسْمَعُ صَوْتُ الآذان"

أبو سفيان: كُفَّا عن هذا الكلام. واستمعا إلى النِّداء هذا هو بلالٌ مؤذِّنُ رسول ِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَصْعَدُ بأمر ٍ من الرسول الكريم ليؤذِّنَ لصلاة ِالظهر.

الحارث: لو أعلمُ أنَّ محمداً على الحق لاتَّبَعْتُه.

أبو سفيان: أمَّا أنا فلا أقولُ شيئا ً، لو تَكَلَّمْتُ لَأخْبَرَتْ عنِّي هذه الحصى.
" صوت من الخارج يقول : ثُمَّ إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم فقال : قد عَلِمْتُ الذي قلتم. ثم ذَكَر ذلك لهم."

الحارث وعمَّار معاً : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، وأشهد أنَّ محمداً ًرسولُ الله.

ما اطَّلَعَ على هذا أحدٌ فنقولُ أخْبَرَ عَنَّا.

ستار