إعاقتي سر قوتي
هدى الجريسي


"لن تعيش سعيدة .. لن تتعلم .. لن تتزوج .. لن تنجب أطفالا"
بهذه الكلمات الصريحة وصفت هدى الجريسي سيدة الأعمال السعودية
وصاحبة مركز عصر الأريبية مشوار حياتها وتجربتها مع الإعاقة بالقول:
"تجربتي فريدة إلى حد ما، لمعاناتي في سن مبكرة مرض شلل الأطفال إذ كان عمري أربعة أشهر
ما اضطر والدي حينها بعد تفكير عميق إلى أخذي نحو لبنان للعلاج الذي لم يقتصر على العمليات الجراحية
فقط بل تبعتها جلسات طويلة من العلاج الطبيعي المكثف امتدت أكثر من عقد من الزمن".
وتضيف: "عانيت كثيرا ألم وطول العلاج وحرمانا من حنان الأبوين وعطفهما، إضافة إلى شعوري بالوحدة
لكني لم أنس حينها مدى صعوبة الفراق عن والدي الذي كان يعمل بكل جد ومشقة لتأمين نفقات علاجي الكبيرة
ووالدتي التي ذاقت مرارة الصبر لبعد ابنتها الصغيرة المريضة عنها"

معاناتها منذ الصغر مع الإعاقة:
"درست في الصف الخامس الابتدائي في لبنان حينها نشبت حرب أهلية
وعليه مكثت سنة كاملة في المملكة محاولة العودة ولكن الحرب استمرت
فاضطر والدي للذهاب بي إلى سويسرا وعندما بلغت الـ 12 من العمر بدأت أعيش معاناة من نوع آخر
لكن هذه المرة ليست مع المرض وإنما نظرة المجتمع لي بسبب الإعاقة"
وتؤكد: "نظرتهم أصابتني بإحباط ومرارة في النفس قبل المحاولة في بدء أي شيء لكني في النهاية
وعلى رغم جميع الصعوبات ومن ضمنها اللغة والثقافة انتصرت لنفسي أولا ولوالدي ثانيا".

صفعة أخي غيرت لهجتي

تقول:
"أكملت دراستي في سويسرا حتى حصلت إلى درجة البكالوريوس في الترجمة (فرنسي، إنجليزي، عربي) من جامعة جنيف عام 1409
من ثم عدت إلى أرض وطني ونظرا لاعتيادي حياة المجتمع الغربي خلال فترة دراستي
لم يكن اندماجي مع مجتمعي السعودي سهلا لأنني من خلاله بدأت حياتي المهنية وهي البحث عن وظيفة"
موضحة أن الوظيفة بالنسبة لها كانت إثباتا لوجودها وتحديا للإعاقة وإثباتا للآخرين أنه لا مستحيل مع الإرادة
مستطردة أنها وجدت اختلافا بين المجتمعات التي ألفتها خلال الـ 22 عاما التي قضتها في الغربة وحياتها الجديدة
منوهة إلى أنها تعرضت لصفعة من أخيها الكبير لتحدثها باللهجة اللبنانية ما غيرت مجرى حياتها ودفعتها للتمسك باللهجة السعودية.

وتابعت في حوار لم تنقصه الصراحة أن من المخاطر التي يشهدها أي مغترب أو مغتربة التأثير في دينهم
منوهة إلى أنها كادت أن تتأثر بالديانة النصرانية وهي طفلة وعمرها ست سنوات
وكانت تتقلد عقدا يحمل اسم "مريم العذراء" عندما تنبه لها والدها عبد الرحمن الجريسي خلال إحدى زياراته لها
ولفتت إلى ضرورة عدم إهمال الأسر الجوانب الدينية والاجتماعية خلال اغتراب أبنائهم للدراسة.

عملي في القطاع الحكومي

عن رحلة العمل، تقول:
"إن إعاقة الجسد لا تعني إعاقة العزيمة، وأول ما عملت لدى ديوان الخدمة المدنية
في مكتب التوظيف النسوي كمترجمة لمدة سنة على بند الأجور وبنصف الراتب المقرر لوظيفتي
لأن شهادتي لم تعادل آنذاك ثم عملت لدى مركز الأبحاث الوطني كمحللة لأخبار العالم لمدة سنة ونصف
وانتقلت للعمل في القطاع الخاص في مركز لتدريب السيدات، وتنقلت بين وظائف عدة متفرقة ومتتالية مثل: السكرتارية
والتسويق والمحاسبة في الفترة المسائية لمدة طويلة "
وتزيد: "في نهاية المطاف توليت إدارة المركز حتى امتلكت مركز الأريبية للمهارات النسائية، منذ عام 1420
وحتى الآن شاركت خلالها في معارض عدة لتعريف السيدات بالحاسب الآلي وفوائده وأخرى تهدف إلى سعودة الوظائف النسائية.


تطوع بغير حدود

بينت هدى أن جهدها وتحديها الإعاقة تكلل حاليا بترؤسها كلاًّ من اللجنة الوطنية النسائية
في مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية المجلس التنفيذي لفرع الغرفة التجارية الصناعية النسائية في الرياض
وهي كذلك نائب رئيس مجلس أمناء منتدى الرياض الاقتصادي عضو لجنة التدريب الأهلي في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني
عضو المجلس الاستشاري لمنتدى الإعلاميات ولجنة التدريب الأهلي ولجنة الموارد البشرية في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض.

زواج تقليدي وبشروط

قالت
"تزوجت زواجا تقليديا واشترط حينها زوجي أن أسكن مع أهله
وقبلت لأن والدي علمنا أن نتقبل ظروفنا كما هي ونتأقلم معها وبفضل الله تمكنت من النجاح في حياتي الجديدة
رغم أنه لم تكن لدي حتى خادمة تعينيني ورزقت بثلاثة أطفال
مشيرة إلى أن دور والديها كبير في حياتها ومهم بعد فضل الله سبحانه وتعالى
فقد ساعدها على إثبات وجودها وتحقيق طموحها رغم الإحباطات الكثيرة من حولها.
واعتبرت الأميرة هيلة بنت عبد الرحمن الفرحان مديرة الفرع النسائي في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، أن تجربة سيدة الإعمال السعودية هدى الجريسي تجربة خصبة ومميزة، فضلا عن كونها من أوائل من حملن على عاتقهن النهوض بسيدات الأعمال ليكن جنبا إلى جنب مع الرجل ،ولا سيما وأنها ابنة رمز من رموز التجارة والأعمال في المملكة ومؤسس الفرع النسائي في الغرفة التجارية الصناعية.

إما الخبيرة الاقتصادية وفاء آل الشيخ مساعدة مديرة الفرع النسائي في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، فقالت إن هدى الجريسي جسدت المرأة الاقتصادية الناجحة في عملها لما تتمتع به من دقة في العمل ومثابرة، فضلا عن كونها قدمت للغرفة كثيرا من وقتها وجهدها تطوعيا من دون أي مقابل وساهمت في إصدار قرارات مهمة أثرت في صناعة استثمار المرأة نتيجة لمبادراتها حتى على المستوى الشخصي.


زوجها: أدين لها بنجاحي

وصف زوج هدى الجريسي زوجته بالبارعة الناضجة الواعية في ترتيب أولوياتها
كزوجة وصديقة ثم كأم وسيدة أعمال فهي تتقن فن الاستماع والإنصات بجدارة والتأني والروية ما يميز شخصيتها الفريدة.

وأضاف،"أدين لها بكثير من نجاحاتي الفردية في مجال العمل والأسرة وفي الاستقرار العاطفي والاجتماعي والدراسي لأبنائي".
وقالت الأميرة فهدة بنت بندر سيدة أعمال وناشطة في المجال الخيري والتطوعي
"تعرفت على هدى الجريسي خلال عملي في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض الفرع النسائي
وقد عملنا معاً خلال سنتين في المجلس التنفيذي للسيدات عندما كلفت برئاسة المجلس التنفيذي في الفرع النسائي"
. وتابعت، لمست فيها مثالا لسيدة الأعمال الناجحة والواثقة من نفسها جدا طموحة عصامية مثابرة
ملمة بجميع الأنظمة وفقا للمعايير التجارية مثقفة ومنظمة محترمة تقدر وتحترم الجميع جدية في اجتماعاتها دقيقة في مواعيدها ومتعاونة.

وقال علي الجريسي:
أفتخر كثيرا بشقيقتي هدى التي جمعت بين النجاح في أسرتها وعملها"
منوها إلى أنها تتحدث أربع لغات وتهتم بتطوير معلوماتها الاقتصادية ودائما ما تكون في قلب الحدث
مشيرا إلى أنها في كل مرة تقفز متجهة إلى أبعد مما كانت عليه

أخيرا
انا لا أملك إلا أن أنحنى تقديرا وأحتراما لهذه السيدة العظيمة
التى تغلبت على أعاقتها وأثبتت جدارتها وجعلت اعاقتها هى سر قوتها

ماشاءالله عليها حفظها الله
بارك الله فيكي بنوتة
موفقة غاليتي