أمومة مختلفة!
(هذه المشكلة روتها صاحبتها للشيخ عبد الله النوري رحمه الله - بتصرف)
قد لا تصدقون قصتي، ولكني عاهدت الله أني سأكون معكم صادقة كل الصدق فيما أكتبه لكم عنها.
قد لا تصدقون أن الأمومة بكل ما أودع الله فيها من حنان وإيثار ومعانٍ سامية تتحوّل إلى قسوة وأنانية مطلقة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى سيئ.
لقد تعلمنا في المدارس وقرأنا في الكتب الدينية تفسيراً لآيات منزلة، وأحاديث مروية عن الصادق المصدوق الذي آمنا أنه لا ينطق عن الهوى، علّمنا القرآن وعلمتنا هذه الأحاديث وهذه الكتب الدينية أن الأمومة تعني التضحية والعطاء والحنان وإنكار الذات والتفاني في سبيل الولد.
لهذا كلّه بشّر النبي صلى الله عليه وسلم الأولاد بأن الجنة تحت أقدام أمهاتهم جزاءً من عند الله لتلك المعاني التي تعطيها الأم لولدها.
لا أريد أن أسترسل مع مشاعري في مقدمتي هذه، حتى لا أطيل عليكم، لهذا أبدأ بقصتي أكتبها من البداية.
كنت في الرابعة من عمري حين مات أبي وتركنا ثلاثة، بنتين وابناً، أنا أكبرهم، وكان الواجب على والدتنا أن تعيش لنا لتحضننا، لتسهر علينا، لتربينا، لترعانا في الليل، وتحمينا في النهار كما تفعل الأمهات اللواتي يتركهن أزواجهن أمهات أرامل أو مطلقات، ولكن أمنا تزوجت بعد وفاة والدي حين انتهت العدة. تزوجت من ابن عمها بعد حبٍ ادّعته كبيراً كان بينهما (كما تقول). وأنجبت أمي من هذا الزوج أربعة.
كان زوجها يعاملنا كالحيوانات! لا والله، فالحيوان يرحمه راعيه، ولكننا لم نرَ منه رحمة. كان يستعمل الطرق الوحشية في إيذائنا ضرباً وإهانةً وإزعاجاً وتجويعاً. كان يقصد بذلك كله إخراجنا من البيت الذي هو ملكنا بالميراث من أبينا، ولما لم تنجح معاملته الوحشية معنا حاول الاعتداء على عرضي أكثر من مرة.
ولعلكم تقولون أين أمك؟!!! أمنا في البيت، ولكن موقفها كان سلبياً للغاية، لم تحاول الدفاع عني ولا عن أخوتي،لم تحاول أن توقف زوجها عند حده، لقد كان موقفها غريباً، كانت ترانا أذلةً محتقرين ومع ذلك كله تقف كالمتفرجة أو كمن لا يهتم بما يحدث لنا أمام عينيها وكأننا غرباء.
ويشاء الله ولا راد لمشيئته أن تذوق أمي بعض الذي ذقناه، فينقلب زوجها ضدّها، وبدأ معها بالإهانة والسب والشتم، وأكثر من ذلك أخذ يطعنها في شرفها ويصفها بالخائنة حتى وصلت بها الحالة إلى طلب الطلاق فطلقها.
كنّا يوم تزوّجته ثلاثة أمّا الآن فنحن سبعة، كان زوجها يأمل أن يستولي على بيت أبي فلمّا لم ينجح لم يبالِ بها في أيّ وادٍ هلكت ولا بأولاده منها.
والغريب أن أمي لم تتعظ بما حدث لها ولم تستيقظ، كنت أظن أنها ستعقل أو سيكون لها من هذا الدرس القاسي ذكرى، وستعيش لنا نحن السبعة، ولكنها لم تكن كما ظننا فما كادت تنتهي عدّة الطلاق حتى أخذت تنظر خطيباً جديداً.
وتقدّم لها رجل فرفض أبوها الذي هو جدي زواجها منه بعد إلحاحنا عليه، خصوصاً بعد أن عرفنا هذا الرجل متزوج وله تسعة من الأولاد، ولكن أمي أصرت إلاّ أن تتزوج منه، فلم يفد رجاؤنا ولا بكاؤنا ولا رفض أبيها ولا قسوته عليها، كلنا حاول معها المستحيل وكأننا نضرب في حديدٍ بارد.
أتيتها بالتي هي أحسن، أبكي وأرجوها أن تؤجل هذا الزواج ولو لسنة واحدة حتى أنال الثانوية العامة لعلي أجد عملاً أنفق منه على أخوتي ولكنها رفضت، ورفضت وركبت رأسها، مدعيةً أنها تريد أن تتخلّص من كلام الناس.
ولمّا سألتها أي كلام الناس تعنين؟! وأيّ ناس هم الذين يتكلّمون؟ وما هو هذا الكلام الذي يقولونه؟ سكتت ولم تجب. وأخيراً تزوجت أمي وخرجت مع زوجها الجديد وتركت البيت لي أنا بنت السابعة عشرة ومعي ستة هم أخواي الشقيقان وأخوتي الأربعة لأمي.
أنا حائرة لا أتبين طريقي، الإنسانية تطالبني برعاية أخوتي الصغار، تفرض علي أن أكون لهم أماً وأباً، ومستقبلي يفرض علي أن أكمل دراستي حتى أستطيع شق طريقي في الحياة.
البيت يحتاج إلى خدمة، والأخوة يحتاجون إلى رعاية، والدراسة تحتاج إلى فراغ… قولوا لي ماذا أفعل؟! وكيف نعامل هذه الأم التي تصرفت معنا التصرف السيئ ولم تحسن إلينا منذ كنّا صغاراً؟ هل يفرض علينا ديننا برّها؟! أسألكم بالله ما رأيكم؟!
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة