السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كريم الشاذلي



أحد أكثر أخطاء هذه الحياة تكراراً، هو ذلك الخطأ المتعلق بالبوح بالمشاعر و الأحاسيس.
فمعظمنا يعتقد أنه ما دام يحب شخص و يحمل له مشاعر طيبة، فإن هذه المشاعر ما تلبث تعلن عن نفسها بنفسها، و أن الشخص الآخر إن لم يرها فهو مخطئ و لا يقدر قيمة مشاعرنا النبيلة.

و هذا خطأ كبير، يحذرنا من الوقوع فيه علم النفس اليوم، فلا زالت مدارس علم النفس تؤكد على أنه يجب تعليم اللسان البوح بالجميل من المشاعر و الأحاسيس، و يحذرون من الاتكال على أن المشاعر الجميلة الطيبة الساكنة في القلب ستعلن عن نفسها وحدها.
أفلاطون ينصحك أن



إذا رغبت أن يدوم حبك فأحسن أدبك


أي اهتم دائماً بسلوكك و لتعبر دائماً جوارحك عما يسكن قلبك من المشاعر و الأحاسيس الجميلة.
و أعظم من قول أفلاطون قول سيد البشر محمد صلى الله عليه و سلم، للرجل الذي أتاه يخبره فيه أنه يحب صاحبه، فسأله النبي صلى الله عليه و سلم: هل أخبرته؟- أي هل قلت له أنك تحبه-، و عندما أجابه الرجل بالنفي، قال له النبي صلى الله عليه و سلم، إذن اذهب و قل له أنك تحبه، ثم التفت النبي إلى أصحابه و قال:


" إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره ".


إننا نعيش في زمن ندر فيه البوح بالكلم الطيب، و الاعتراف بالجميل من المشاعر و الأحاسيس التي تسكن الوجدان.
كثير من الأزواج و الزوجات يدمنون الصمت تجاه عواطفهم، و حجتهم (إنه يعرف أني أحبه !)، و لا يدركان أن المعرفة شيء، و البوح شيء آخر تماماً,
قلّ من تجده من الأصدقاء يخبر صديقه بعمق مشاعره تجاهه، و رغبته الحارة في أن يراه أفضل و أنجح شخص في الحياة، و حجته – كذلك- و هل يحتاج الحب إلى اعتراف؟



نعم يحتاج الحب إلى اعتراف و بوح و تأكيد، تحتاج الأحاسيس الراكدة في عمق الفؤاد أن تسيل كلمات على اللسان لتستمتع بها أذن و قلب المحبوب.
النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل هذا، كان يقول لزوجته عائشة ( حبك كعقدة الحبل، ثم يخبرها بين الحين و الآخر أن العقدة على حالها، أي لا يزال يحبها كأول الأمر)، هذا حاله مع زوجته، و لا يختلف حاله مع أصحابه، فنراه يقول " لو كان لي أن أتخذ خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا"، و نراه في إحدى الغزوات يقول " لأعطين الراية غداً رجل يحبه الله و رسوله" ثم يعطيها لابن عمه و زوج ابنته علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.


و الأمثلة كثيرة، و على هذا الأثر يجب أن نسير يا صديقي، يجب أن تعبر عن مشاعر الحب التي في قلبك تجاه أهلك و أصحابك، لا يجب أن تكتم الحب أو تخفيه.
لا يجب أن تتعلل بأن الآخر يعرف حقيقة مشاعرك، إن قلوبنا كقارورة عطر مغلقة، لن نستطيع أن نشم شذاها و نستمتع بها إلا إذا فتحناها و تنسّمنا من عبقها، فافتح قلبك يا صديقي، و انثر منه على أذن و قلب من تحب.
و دع حبك يعلن عن نفسه..



إشراقة


إن المُحِبّ إذا أحب حبيبه تلقاه يبذل فيه ما لا يُبذل