اضطرابات التوافق لدى الشباب.. الاسباب والعلاج
* ديانا هيلز
لكل واحد منا، نحن البشر، مصاعبه التي تواجهه لكي يتكيف مع أزمات الحياة. لكن البعض يكونون أكثر عرضة من سواهم، حينما تجابههم بعض المواقف الجديدة الصادمة كما يحصل لهم عندما يغادرون أول مرة منازل آبائهم كما ألفوها، أو حينما يتقاعدون من العمل بعد حياة طويلة حافلة بالنشاط والعطاء. عمر الإنسان وحياته عامل مؤثر في تكيفه وفي تصرفه. فالشاب وهو في الثلاثين من العمر مثلاً يكون أقل تعرضاً للتأزم النفسي من الرجل وهو في الستين من عمره حينما يدرك أنه قد يصعب عليه أن يجد عملاً جديداً. وكذلك الحال بالنسبة للمرأة التي لا ولد لها فتواجه موقفاً صعباً إذ تحس أنها وحيدة، بخلاف المرأة المتوسطة العمر ولها أولاد تشعر أنها يمكن أن تلجأ إليهم عند الحاجة. فحال المرأة الأولى إحساس بفراغ ومن ثم خوف من مجهول، وشعور الثانية اطمئنان واسترخاء. وإن التكيف يختلف في الحالين لا شك.
اضطرابات سوء التوافق لا تقتصر على عمر دون آخر. فقد تبين نتيجة للبحوث والدراسات أن معظم الناس الذين ينشدون العون للتخلص من اضطراباتهم هذه هم في العشرينات من أعمارهم. لكن الأمر لا يتوقف عند هذه الأعمار. فالمراهقون، مثلاً، كثيراً ما يجلبون عناصر اضطرابات الضغوط الحياتية لأنفسهم بأيديهم: مثلاً تصدر عنهم:
1_ عوامل الهروب من مدارسهم.
2_ إهمال واجباتهم المدرسية.
3_ التسكع في الشوارع.
4_ السرقة من المخازن والبقالات.
5_ ارتكاب أعمال سلوكية أخرى مناهضة للمجتمع.
أما من هم أكبر سناً من المراهقين والشباب، فإنهم في الغالب يهوون فريسة للإكتئاب.
ما هي أسباب سوء التوافق
الضواغط النفسية psychological stressors يمكن أن تتخذ في ظهورها إشكالاً شتى، من ذلك مثلاً:
1_ حوادث وأحداث عالمية كالحروب، أو القحط والجوع.
2_ احداث وطنية تقتصر على مجتمع بعينه، كحدث معين يهز كيان أبناء ذلك الوطن جميعاً.
3_ أحداث أو حوادث إقليمية كالزلازل التي تصيب منطقة معينة.
4_ حوادث تخص جماعات محددة، كما في حالات التمييز العنصري.
5_ حالات محدودة، كما في حالة خسارة مباراة في لعبة كرة القدم الدولية، حيث يمنى فريق بهزيمة فيها.
6_ حالات على المستوى الفردي، كما في حالة الإصابة بمرض، مثلاً، أو عندما يصدم الفرد بخيانة صديق له إذ يتبين أنه أودع صديقه كل ثقته فإذا بهذا الصديق لم يكن صديقاً حقاً.
فالأمر في جميع هذه المواقف يتوقف على ما تعينه هذه المواقف للشخص الذي يتعرض لها. إذ من المستبعد أن يستجيب شخصان بنفس الطريقة لموقف مؤثر يتعرضان له.
والمفتاح الأساسي لفهم الاستجابات للضغوط هنا لا يعتمد على طبيعة الضواغط ومصادرها وإنما يتوقف الأمر في حقيقة الوضع على الكيفية التي بها يستجيب الفرد إلى تلك الضغوط. فبعض الناس ينهارون، بينما ترى غيرهم يتماس ويجتهد للتعامل مع الظرف الطارىء الضاغط.
لماذا كل ذلك؟
الجواب على هذا يتمثل في حقيقة سيكولوجية تلك هي: أن لكل شخص (نقطة انهيار) نفسي psychological breaking point، تختلف تمام الإختلاف عن أي شخص آخر. والوضع كله يتوقف على جملة عوامل، منها مثلاً:
1_ طبيعة الضغوط ومصادرها.
2_ بنية شخصية الفرد.
3_ مزاج الشخص الذي يتعرض للضغوط.
4_ عمر الشخص.
5_ الجنس: ذكوراً كانوا أم نساءاً.
6_ الصحة الجسمية للفرد.
وأياً كانت الحال، فإن الأمر يعتمد على شدة الضغوط، وعلى مصادر الضغوط، وعلى تكرار الضغوط، وعلى نوعية الضواغط، وعلى تجارب المرء في الحياة.
كيف يحس المصاب باضطراب سوء التوافق
تختلف الأحاسيس المرتبطة باضطراب سوء التكيف اختلافاً كبيراً من درجاتها، ومن حيث حدتها، ومن حيث تباين خبرات الأفراد الذين يتعرضون لها. فإذا كان القلق، مثلاً، هو أساس المشكلة، فإن الفرد يصبح خائفاً، متطيراً، وجلاً، فتراه عصبياً طول الوقت أو معظمه. وفي حالة اقتران سوء التوافق بالاكتئاب، فإن الانفعالات المرافقة لذلك الاكتئاب تكون أكثر حدة فتظهر على الفرد أعراض مثل:
1_ الحزن،
2_ البكاء،
3_ الإحساس بالعجز أمام أي شيء،
4_ فقدان الأمل،
5_ الإحساس باليأس.
وبعض الناس يلازمهم نوع مزيج من سوء التكيف يتمثل بتداخل القلق مع مشاعر الكآبة. وهذه الحالات كثيراً ما تستمر مع الأشخاص الذين تنتابهم عوامل مختلطة من سوء التكيف والقلق والإكتئاب. ومثل هؤلاء الأشخاص تبدأ أعراض سوء التوافق تظهر عندهم بعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً من بدايات تداخل عناصر مشكلاتهم المرضية المذكورة. لكن مدة استمرار الاضطراب تتفاوت من فرد إلى آخر، ومن حدث إلى سواه: ففي حالة الحوادث الصادمة العنيفة، أو في طول فترة المرض، تبقى الآثار المرضية عالقة بأصحابها فترات أطول، ويتوقف الأمر كذلك على عنف الضواغط stressor التي يتعرض لها المرء في حياته، وللإرادة هنا وعمق التجارب دخل كبير في التخفيف من وطأة الصدمة وعنف الضواغط.
ومن المضاعفات الخطيرة التي تترتب على سوء التوافق، في حالة عدم علاجه، أنه ينتهي بالفرد إلى الاكتئاب الشديد المزمن، والقلق المرضي باضطراباته المزعجة.
علاج سوء التوافق
الهدف من علاج اضطرابات سوء التوافق يرمي دائماً إلى تحسين قدرة الفرد لتمكينه مع بيئته. وأن الوسيلة الأساسية في هذا العلاج هي التحدث إلى الشخص المضطرب. لكن الكلام العلاجي هذا يجب أن يكون صادراً من مختص بالطب النفسي، ووفق أسس علمية معروفة لدى المختصين. وذلك يتم بصب المخاوف المؤلمة المختلطة بالمشاعر في قوالب من الألفاظ، وهذا من شأنه أن يقلل الضغط المتسبب عن الضواغط الحادة ويرفع من معنوية الفرد ويشحذ قدرته على التصدي للمشكلة التي هو فيها، وأن مرور الزمن يعد عاملاً مساعداً على الشفاء؛ وذلك بتضافر عنصري العلاج والوقت معاً. إذ أن تفهّم الخبرة المؤلمة وكيفية مواجهتها بالعلاج المطلوب يفضيان إلى مواقف يتمثل فيها النجاح. وفي الحالات التي تكون فيها الأزمة النفسية حادة ووقعها أشد إيلاماً واستمرارها لا يشير إلى إنتهاء، فإن ما يطلق عليه في التحليل النفسي (العلاج الرافد) supportive theorapy، يعد أنجع وسيلة في هذا المجال. فهذا العلاج المعين يساعد كثيراً على إزالة المشكلة والتخفيف من وطأتها.
وهناك في مثل هذه المواقف، ما يسمى بالعلاج النفسي العاجل أو السريع، وهذا مما يساعد الشخص على أهمية الحدث ومسبباته، ويجعله في صورة الحدث الذي هو فيه، ويجعله يواجه مشكلته بشكل ادعى إلى الموقف الصحي الصحيح، فيمكّنه من مواجهة الضغوط النفسية بشجاعة وفعالية، كما في الحالات التي تتم فيها العناية بالمسنين. ومما يجدر إتباعه من نصائح في هذه الحالات هي أن تشجّع الأشخاص على مواجهة المشكلات التي كانوا يتحاشون مواجهتها، هذا بالإضافة إلى:
1_ أن يدوّنوا في مذكرات خاصة بهم فترات الأعراض التي مروا بها، وخلال الأيام التي يراجعون فيها للعلاج.
2_ تعلمهم طرائف وتقنيات التخفيف من شدة الضغوط.
3_ تشجعهم على الانضمام إلى جماعات يأنسون الالتحاق بها غايتها التعاون فيما بين أفرادها لإزالة آثار المعزلة وتبديد مشاعر الخوف من الغربة النفسية. وفضلاً عما تقدم ذكره، فإن هناك أساليب أخرى العلاج، من ذلك مثلاً:
أولاً: العلاج الجمعي، وفيه يتم جمع كل الأفراد الذين لديهم نفس الاضطرابات، على صعيد واحد ومن ثم يتم علاجهم. وهذا من شأنه أن ينسيهم آلامهم، ويمتص انفعالاتهم، ويجعلهم يحسون بجو من الاطمئنان.
ثانياً: العلاج ببعض العقاقير الطبية النفسية، وهناك عقاقير تصنّع الآن لهذا الغرض الخاص بحالات سوء التكيف. ولكن يجب استعمالها بإرشاد الطبيب النفسي المختص.
ثمة ما يسمى بالعلاج الذاتي self-help، وأول خطواته هي أن تعترف في قرارة نفسك أنك تواجه ضغطاً من الضغوط النفسية. تلي ذلك خطوات أخرى، أهمها:
1_ العناية بالتغذية الصحيحة.
2_ تنظيم أوقات النوم.
3_ إجراء التمارين الرياضية المناسبة لكل عمر.
4_ التحدث عما تشعر به إلى شخص تثق به.
منقوووووووووووووووووووووووووووول