ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية.. الأسباب والعلاج
أكدت إحصاءات عربية حديثة أن الأسرة العربية في خطر مع تزايد حالات الطلاق خلال عام 2002 و2003م.. ففي مصر ذكرت تقارير جهاز التعبئة والإحصاء أنه تم خلال العام الماضي 70 ألف طلاق أكثر من نصف حالات الطلاق زيجات لم يمر عليها 10 سنوات، فوفق إحصائية حديثة في مصر تقع عشر حالات طلاق في الساعة، مما يعني وقوع حالة طلاق كل ست دقائق.. وهذا يعني مؤشرا خطيرا على تراجع الرباط الأسري في المجتمعات العربية وفي مصر خاصة.. مما جعلنا نتساءل: ما أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة بهذه الصورة الكبيرة، خصوصاً أن عدد كبير من حالات الطلاق يقع في السنة الأولى من الزواج.. في هذا التحقيق نضع أيدينا على الأسباب والعلاج.
أسباب شخصية
في البداية أوضح لنا الدكتور محمد المهدي استشاري وأستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة متعددة ومتداخلة، وهي:
أسباب شخصية، وهي تعود إلي عيب في شخصية أحد الطرفين، ويستعرض الدكتور محمد أنماطاً من الشخصيات التي تفشل في العلاقة الزوجية هي الشخصية البارانوية وهو الشخص الشكاك أو الغيور، والشخصية النرجسية أو الأناني، والشخصية السيكوباتية (الكذّاب، المحتال، المخادع والذي لا يلتزم بقانون، ولا يحترم العرف، ولا يشعر بالذنب، ولا يتعلم من خبراته السابقة فيقع في الخطأ مرات ومرات)، والشخصية الهستيرية (الدرامية، الاستعراضية لأنها تعد ولا تفي وتغوي ولا تشبع، وهي الشخصية الجذابة، المهتمة بمظهرها أكثر من جوهرها، الخاوية من الداخل رغم مظهرها الخارجي البرّاق الأخّاذ، والتي تجيد تمثيل العواطف رغم برودها العاطفي، وتجيد الإغواء الجنسي رغم برودها الجنسي، ولا تستطيع تحمل مسئولية زوج أو أبناء، هي للعرض فقط وليست للحياة، كل همها جذب اهتمام الجميع لها، والشخصية الاعتمادية السلبية (الضعيف، السلبي، الاعتمادي، المتطفل)، أينما توجهه لا يأتي بخير!
عدم التكيف
ويضيف د. محمد المهدي: (هناك أسباب أخرى لحدوث الطلاق هي عدم التوافق وهو ما يعني عدم قدرة أحد الطرفين التكيف مع الآخر، ومع شخصيته على الرغم من سواء الشخصية، لكنه لا يستطيع التعايش معها، علاوة على بناء تصورات وهمية وغير حقيقية لشريك الحياة، بمعنى القصور في فهم النفس البشرية، وفي حال انطباق الواقع مع الصورة المرسومة يحدث سخط وتبرم، فهم لا يستطيعون قبول الشريك كما هو ويحبونه كما هو، وإنما يريدونه وفقاً لمواصفات وضعوها له، فإن لم يحققها سخطوا عليه وعلى الحياة، وهؤلاء يفشلون في رؤية إيجابيات الشريك لأنهم مشغولون بسلبياته ونقائصه.
أقنعة تخفي الحقيقة
ويضيف الدكتور محمد: والأسباب الشخصية لفشل العلاقة الزوجية تزيد بشكل خاص هذه الأيام نظراً لما يرتديه الناس من أقنعة تخفي حقيقتهم، ونظراً لعدم أو ضعف معرفة الطرفين ببعضهما قبل الزواج، وصعوبة المعرفة عن طريق سؤال الأقارب أو الجيران، حيث ضعفت العلاقات بين الناس ولم يعد لديهم تلك المعرفة الكافية ببعضهم.
كما أن غياب الحب والغيرة الشديدة من أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع، وهناك أسباب عائلية قد تؤدي لحدوث الطلاق مثل تدخل عائلة أحد الطرفين في العلاقة بينهما، ذلك التدخل الذي ينتهك صفة الخصوصية والثنائية في العلاقة الزوجية، ويسممها بمشاعر وأفكار واتجاهات متضاربة بعضها حسن النية وبعضها سيئ النية.
عدم النضج
كما أن عدم النضج يجعل الزوج أو الزوجة شديد الارتباط والاعتماد على أسرته وكأنه لم يتزوج ويستقل بحياته الخاصة فعلاً، علاوة على عدم فهم وإدراك قداسة العلاقة الزوجية كما يذكر الدكتور المهدي: تلك العلاقة التي يرعاها الله ويحوطها بسياج من القداسة ويجعلها أصل الحياة ويصفها بصفات خاصة مثل: "وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً" و"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" و"هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن".
السبب الخفي
ويضيف الدكتور محمد المهدي سبباً آخر لحدوث الطلاق هو فشل أو اضطراب العلاقة الجنسية فيقول: وهذا هو السبب الخفي (والأهم في نفس الوقت) لفشل كثير من العلاقات الزوجية، ونادراً ما يتطوع الزوجان بالحديث عنه رغم أهميته، وإنما يأتيان للعيادة الزوجية أو لمحاضر الصلح العائلي أو لمحكمة الأسرة بأسباب فرعية هامشية، ولكن السبب الأصلي للشقاق يكون كامناً في العلاقة الخاصة بينهما، وقد وجدت بعض الدراسات أن هذا السبب يكمن وراء 70 إلى 90% من حالات الطلاق.
خطة الإنقاذ
ويضع لنا الدكتور محمد ولكل زوجين خطة لمحاولات الإنقاذ المبكر، تتمثل في الآتي:
1- محاولات يقوم بها الطرفان: حين يستشعر أن زحف المشاعر السلبية على حياتهما يجلسان سوياً ليتدبرا أسباب ذلك دون أن يلقي أيهما المسئولية على الآخر.
وهذا الحل ينجح في حالة نضج الطرفين نضجاً كافياً، وهو بمثابة مراجعة ذاتية للعلاقة الزوجية وإعادتها إلي مسارها الصحيح دون تدخل أطراف خارجية.
2- دخول طرف ثالث: من أحد الأسرتين أو كليهما، استشارة زواجية، علاج زواجي أو عائلي. ودخول الطرف الثالث يصبح ضرورياً في حالة إصرار أو عناد أحد الطرفين أو كليهما، وفي حالة تفاقم المشكلة بما يستدعي جهوداً خارجية لاستعادة التناغم في الحياة الزوجية بعد إحداث تغييرات في مواقف الطرفين من خلال إقناع أو ضغط أو ضمانات خارجية تضمن عدم انتهاك طرف لحقوق الآخر.
3- تعلم مهارات حل الصراع: فالحياة عموماً لا تخلو من أوجه خلاف، وحين نفشل في تجاوز الخلافات تتحول مع الوقت إلى صراعات، ولهذا نحتاج أن نتعلم مهارات أساسية في كيفية حل الصراع حين ينشأ حتى لا يهدد حياتنا واستقرارنا، وهذه المهارات تتعلم من خلال قراءات ودورات متخصصة ومبسطة.
4- وضع العلاقة الثلاثية (الله – الزوج – الزوجة)، أمام كل طرف دائماً، يخفف من حدة الصراع وتهيئ النفس للتسامح، وتقبل بالصلح.
عوامل متعددة
أما الدكتور أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فيرى أن هناك أسباباً اجتماعية واقتصادية وثقافية تتفاعل معاً في المجتمع كي تؤدي لهذه النتيجة المؤسفة - كما يقول- وهي الطلاق، فيلاحظ الدكتور أحمد أن التغير الاجتماعي الذي صاحب التحولات الاقتصادية مثلاً في ربع القرن الأخير ضاعف من حالات الطلاق، وأدى إلي سرعة وقوعه أيضاً في كثير من الأحوال، فالظروف الحديثة - والكلام على لسان الدكتور أحمد - مثل الاختلاط الزائد حالياً وتحرر الفتيات وسيطرة المادة وتراجع القيم الاجتماعية التقليدية عن إطار الزواج، كل هذه الأسباب لها دور في أن أصبح الزواج مجرد عملية اقتصادية أكثر منه عملية اجتماعية، وهذا يؤدي لعدم استقرار المجتمع.
تغيرات اجتماعية
ويضيف الدكتور أحمد المجدوب: (كما أن التغيرات الاجتماعية تمثلت في زيادة فرص عمل المرأة، وظهور دعاوى المساواة الكاملة والمطلقة بين الرجل والمرأة، وما فيها من تطرف فهو يناصب مبدأ القوامة للرجل العداء، وظهرت المطالبة بما يسمى حقوق المرأة، مما جعل العلاقة المستقرة في الغالب تعاني من الاضطراب والخلل، وهذه التغيرات لم يصاحبها توعية كافية للفتيات بالكيفية المرادة للحصول على حقوقها، ولم يتم توعيتها من أجل الإبقاء على الأسرة والزواج مع أخذ حقوقها بحيث لا تشذ عن الأوضاع الفطرية والطبيعية، فالدعاوى البراقة كثيراً ما تخدع المرأة ويجعلها تتنازل في مقابل حقوقها المزعومة عن أسرتها واستقرارها، فحدث تغير أدوار داخل الأسرة، فحتى الثلاثين عاماً الماضية كان الزوج يقود الأسرة بسلام وهدوء بدون دعاوى وشعارات، لكن مع مساهمة المرأة في الإنفاق على الأسرة جعلها تطالب بالمساواة، وقد تصدر القرارات الأسرية من منطلق أنها تساهم مثله في نفقات المنزل لأن المرأة في هذه الحالة كما يقولون بالبلدي "تستقو" على زوجها وتطالب بالطلاق عند أي خلاف).
الأزمة الاقتصادية
ويرى الدكتور أحمد أن للأزمة الاقتصادية تأثير فارتفاع الأسعار والفقر والعجز الذي يصيب الأزواج أمام الوفاء بمتطلبات الحياة الزوجية المادية يؤدي لوقوع مشكلات يومية توهن العلاقة الزوجية وتحدث مشكلات باستمرار تؤدي لانهيار الحياة الزوجية.
أما عن الأسباب الثقافية لزيادة معدلات الطلاق في المجتمع فيقول الدكتور أحمد: (طرأ على المجتمع أيضاً قانون الخلع الجديد الذي أدى لحصول المرأة على الطلاق من حكم بالمحكمة في حالات كثيرة، كما أن هناك قانوناً يسمح للفتاة المتزوجة عرفياً بالطلاق، مما يعني الاعتراف ضمنياً بالزواج العرفي، وهو يزيد من معدلات الطلاق بلا شك، كما أن الثقافة السائدة في المجتمع اختلفت، فالثقافة لم تعد تحمي الزواج وتشجعه، وإنما انتشرت ثقافة أن الطلاق أمر عادي ولا يسبب قلقاً أو مشكلات للأسرة خصوصاً الزوجة بعرض نماذج من المشاهير والفنانين والفنانات خاصة وهم سعداء بعد الطلاق وهذا يروج لفلسفة الطلاق في المجتمع من خلال أجهزة خطيرة مثل التليفزيون والسينما والمسرح، فهي تسيء لمؤسسة الزواج، وتظهر الطلاق بصورة مضيئة).
سوء الاختيار
أما عن رأي الشريعة في هذه القضية المهمة فتقول الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: (ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع ترجع من عدم الاختيار الجيد من البداية، بل سوء الاختيار سواء من قبل الفتاة أو الشاب، أو الأسرة لأن معيار الزواج الأول للأسف أصبح المادة فقط، والنظرة المادية هي التي تسود مسألة الزواج، ولم نعد نأخذ بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). فالأساس في الزواج هو خلق الزوج ودينه، كي نؤسس بيتاً قوياً على ميثاق غليظ.
السبب الآخر لهذه المشكلة هو عدم تربية الأبناء بشكل جيد، فالزواج ليس نزهة ولكنه مسئولية فهو بناء بيت وصبر ولكن الأم لم عد تربي ابنتها عليها، فنحن بحاجة إلى تربية سليمة ووعي ومعرفة جيدة بقواعد الزواج حتى لا يفاجأ كل منهما بعد الزواج بأمور لم يستعد لها).
عقلية مختلفة
وتضيف الدكتور آمنة أن عقلية البنت لم تعد كما كانت ففي حين يتربى الابن على ثقافة سي السيد، تتربي الفتاة على ثقافة جديدة ومفاهيم جديدة، يساعد هذا على انهيار الزواج كما ذكرت الدكتورة آمنة.
وتنهي الدكتورة آمنة نصير حديثها بقولها: (لابد على الأسرة أن تعيد التفكير ألف مرة في تربية الولد والبنت تربية جديدة وجادة تواكب مستجدات العصر، هنا لابد أن نتذكر قول الإمام علي كرم الله وجهه: "ربوا أولادكم على غير تربيتكم لأنهم ولدوا لزمان غير زمانكم"، فلابد على الأسرة أن تضع في اعتبارها مستجدات الشاب والفتاة ومستجدات التربية والحياة دون أن تقتلع ثقافتنا حتى نتفادى هذا الخطر العظيم وهو انكسار البيوت وبهذه السرعة التي نلمسها).