السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
معظمكم قد سمعتم هذه العبارة :
" يللي مش عاجبه، يروح يبلّط البحر ! "
يعني بالعربي الفصيح : هذا الحاضر، و ليس هناك أي استعداد للنقاش أو التفاهم.
***
موضوعي اليوم موضوع حيوي جداً بالنسبة لي، فكثيراً ما أجد نفسي في مواقف من هذا النوع، و أحتار كيف أتصرف..
شيء بديهي أن لا أحد منا يرضى أن يوضع بموضع ذل أو استغلال أو أي انتقاص من أمره
و كلنا نقف و نعترض و نأبى :
نسجل موقف
و هذا شيء طبيعي و جميل.. فعزة النفس غالية، و كرامتها فوق كل شيء
و الإنسان المسلم تحديداً يجب أن يكون إيجابياً.. يجب أن يسجل موقف..
طيب سؤالي :
ماذا لو أن تسجيل الموقف لن يقدم و لن يؤخر على أرض الواقع، يعني لن يأتي بأية فائدة عملية، بل و فوق ذلك سوف يسبب الضرر لصاحب الموقف ؟..
*****
أضرب لكم مثلاً في موقفي الأخير ( طازج اليوم )
أردت تسجيل إبني في حضانة لساعتين أو ثلاثة فقط في اليوم، و ذلك لأنني أشعر أنه يعاني من وحدة شديدة و غير ذلك من الأسباب التي استوجبت حل الحضانة رغم عدم ارتياحي له.. تعبت في البحث ، لأن الحضانات هنا لا تحبذ نظام الساعات ( الحضانة هنا دوام كامل مثل المدرسة) إلى أن هداني الله إلى واحدة افتتحت حديثا، بحاجة إلى أطفال، فقبلوا بشروطي بسرور. بداية الأمر واجهت صعوبة مع ابني، و لكنهم تعاونوا معي بشكل لطيف و ايجابي جدا لحل مشكلة تعلقه بي. بعد بضعة أسابيع أصبح الولد يحب الحضانة و ينتظر الذهاب إليها بشوق. سارت الأمور على ما يرام فترة، ثم بدؤوا يشددون في شروطهم و يزيدون متطلباتهم شيئا فشيئا، و أنا أتجاوب معهم و أسايرهم على أساس أنني أتعامل من منطلق رقي المسلم، و أتعالى عن سفاسف الأمور. و لكن إن أكرمت اللئيم تمرد.. تفاجأت بهم يستدعونني رسميا لـ 'يذكروني' يبضعة شروط ما أنزل الله بها من سلطان، فيها ظلم كبير لجانبي، و يدعون أنها كانت مدرجة في اتفاقنا أساساً و لكن لعلي لم أفهمها جيدا ( يستغلون أنني أجنبية لكي يستغبوني). أما الحقيقة فهي أن الحضانة قد امتلأت بالأطفال ، و لم يعد يناسبهم أن يحتل إبني مكانا فيها، فمسجلي الدوام الكامل أربح لهم مادياً. هذا حقهم كمؤسسة تجارية تسعى للربح، لا أعترض عليه. إنما اعتراضي على أسلوبهم الملتوي لـ'تطفيشي' باستغبائي و إيهامي أن سبب الخلاف هو سوء فهمي لثلاثة أرباع الشروط !! لم أحتمل هذا الانتقاص من كرامتي باستغبائي، فصارحت المديرة بكل ما يجول قي خاطري، و إذ بها تنظر لي نظرة 'والله و طلعتِ بتعرفي تحكي!!' ثم تقول : نعم، الوضع تغير.هذا ما عندنا، و لن تجدي عرضاً أفضل في الخارج. فقلت لها : قبلتم بشروطي عندما كنتم بحاجة لي، تعلق الولد بالحضانة، و الآن تغيرين كل البنود ، لا و بل فوق ذلك حاولتِ خداعي بإيهامي أن هذه الشروط كانت ضمن الإتفاق الأساسي! هذا استغلال و تلاعب و 'عيب'! فأجابت : هذا هو الحاضر!!
كان بودي أن أرمي لها أوراق التسجيل و أقول لها لن أدع إبني عند استغلاليين لا يجدون حرجاً من الاعتراف باستغلالهم
و لكنني بعد مواقف انفعالية سابقة قد تعلمت أن أتمهل .. فسكت..
***
ماذا سأجني لو أنني انفعلت و ثرت لعزة نفسي و رفضت أن أُستغل؟
بالنسبة لها، لن تكترث، و سوف تنسى أمري بعد عدة دقائق.
أما بالنسبة لي، سوف يشفى غليلي و أشعر براحة نفسية لفترة محدودة، و لكن سوف أعود لمشاكل إبني، و زيادة عليها، سوف تتعطل كل مشاريعي التي بنيتها على أساس أن ابني مؤمن في الحضانة.
تركت المنطق يتغلب على العاطفة و ضبطت نفسي، و رضيت أن أكون موضع استغلال علني مقابل راحتي العملية. في النهاية، هدفي هو تأمين حضانة لإبني، و هم يقومون بهذا الواجب. أما تعليمهم أصول التعامل الراقي و الصريح، فهذا لا يأتي في أولوياتي..
***
المشكلة الآن أنني أجد نفسي طول النهار مشتتة الذهن و عصبية بسبب هذا الموقف. لست مرتاحة.. أفكر : هل هذا صحيح؟ هل ممكن أن تكون السلبية و الخضوع هي الحل الأفضل حقاً ؟ أيهما أهم، الراحة النفسية أم العملية ؟
***
الوضع هنا يختلف عن مواطن أخرى اضطرارية، مثل سوء المعاملة الذي قد نلقاه في دائرة حكمية، أو تعسف أحد الدكاترة في الجامعة، أو غيرها من الأمثلة حيث يجب على الشخص أن يخضع إذ لا قدرة له على تحمل عواقب الاستنكار و الرفض. أعرف أحدهم لم يحتمل سوء المعاملة في دائرة حكومية، فقام بتمزيق جواز سفره أمام الموظفين... طبعا يمكنكم تخيل عواقب الأمر... بعض المواطن كهذه، لا حول لنا فيها و لا قوة.. ليس من الحكمة أن نثور..
و لكنني أتحدث هنا عن المواقف الاختيارية، كمثل حضانة ابني، هي خيار رفاهية ..
*****
ما رأيكم ؟ هل تعرضتم لمواقف مشابهة؟ كيف تصرفتم، و هل ندمتم؟
هل تأتي عزة النفس في المرتبة الأولى حقاً على أرض الواقع؟
أنتظر آراءكم حول هذا الموضوع
الروابط المفضلة