" الجو بارد في الخارج "
قالت جملتها و أغلقت النافذة ، أدارت ظهرها لغرفتها ناظرة حولها ، ثم... اتجهت نحو صورة موضوعة على طاولتها
الصغيرة ، تاملتها بتمعن و دارت في رأسها المتعب ذكريات مضت و لن تعود ... و كعادتها التي لم تتركها منذ عام و
ثمانية اشهر ، وفي نفس التاريخ من كل شهر جلست خلف طاولتها و أخرجت من أحد الأدراج دفتر رسائلها و بدأت
تخط كلماتها المعتادة ، و التي اصبح رأسها ذاكرة تحتفظ بكلمات ما تغيرت حتى التاريخ الموعود ... تنهدت بحرقة و كتبت :
بسم الله الرحمن الرحيم
ولدي الحبيب :
يا فلذة كبدي و جزءا من روحي ، يا دقات قلبي و همسات روحي و طرقات وجداني أنت ... يا حنين نفسي و صديق
أمسي و عدو يومي ... يا حلمي القديم و جرحي الأبدي و انّاتي الطويلة ، يا دمعتي التي لا تكف و همي الذي لا يزول!!!
ولدي إليك اكتب رسالتي العشرين ، اسالك يا حبيبي العودة لحضن أمك ، اسالك الحنين إلي و العطف علي والعودة
لروحي المشتاقة إليك ... ارحم أي ولدي ضعفي وعد...
عزيزي :
أتذكر عندما كنت صغيرا؟؟! كنتَ الضعيف وأنا القوية ، كنتَ تحتاجني ولا أرى في حاجتك إلا واجبا و سعادة ،
أعطيتك عطفي و حناني و قلبي و كياني ... حرقت نفسي لأنير دربك ، و خبأت دمعي لاواسي همك ، و أخفيت
حرقتي لاسمع آهاتك ، حرمتُ نفسي ولم أحرمك ، علمتك أمور دينك و دنياك ، أحببتك كما لم احب على الأرض
سواك !!، كانت فرحتك مسرتي ونجاحك رغبتي و أمانيك أحلامي ... كنتَ كل شئ في حياتي .. و ظننتُ أن ما
أعطيتك إياه كافٍ لان تذكر خيري وكفاني أنى لم انتظر منك مكافأة على حقك وواجبي ؟؟؟
صغيري :
اسمح لي أن أناديك صغيري ، فرغم انك من بين الرجال سيد إلا أنى لا زلت أراك طفلي الصغير ، الذي كان يجري
حولي ... لا ادري ؟؟؟ ربما قلتُ لك صغيري لانك كنتَ في صغرك احن عليّ مما أنت عليه الآن؟؟؟! لستُ اعلم كيف
هان عليك وضعي في هذه الغرفة المظلمة ليعتني بي من ليس من صلبي؟؟؟ أتعلم يا حبيبي ؟؟؟ لم أضعك في حضانة
تبعدك عني ساعة أنت تحتاجني بها ، وها قد هان عليك وضعي في قبر العجزة ، و وأبعدتني عنك في وقت أنا اكثر
حاجة إليك فيه من أي وقت مضى !!! ، ألم تعدني بزيارتي يا صغيري ؟؟؟ لماذا لم تفعل ؟؟؟ لما لم تهاتفني كما سبق
و قلت ؟؟؟ اذكر أنى ما نسيت لك يوم ميلاد قط !!! وجعلته عيدي !، وها أنت تنسى ميلادي وحاضري ووجودي ؟؟؟
ما حرمتك من ثانويات الحياة و ها أنت تمنع عني أساسياتها ... ما قسوتُ عليك يا غالي ، فكيف سكنت القسوة
جدران قلبك ، وتبعثرت بين قطرات دمك ؟
ولدي :
يا من كنت في الماضي ولدي ، و علمتني أن ابني من كان في حجري صغيرا ، و بات ابن غيري حين راقه حجر
غيري ! ، اسالك الرجوع ، باسم كل لحظة جميلة قضيناها سوية اسالك الرجوع !! زرني ،،، تعال ،،، تقتُ إليك ،،،
لشم رائحتك ,,, لضمك و البكاء على خدك !!! ولدي يا قاسي ، يا ابن بطني يا ناسي ، يا ظالما فيمن عدل !! يا جاحدا
لمن ذكر ،،، ارحم شيبتي و أقم عثرتي ،،، ارحم آخرتي ،،
أدعو لك بالخير دوما ،،و ليرضى عنك ربي أبدا،، يا.... يا ابن بطني!!!
واسلم ،،، المحبة : أمك؟؟
قرأت الرسالة و الدمع حارا يحرق وجنتين ما خلقتا للألم !!! دونت اسفل الصفحة التاريخ ثم وضعتها في مغلف عليه
عنوانها ومقابله عنوان ولدها ... قبلت الرسالة .
أخرجت مفتاحا من جيبها و فتحت به الدرج الثالث الموجود اسفل الطاولة ,,, تنهدت وهي تتأمل مجموعة من
المغلفات مرصوفة فوق بعضها بترتيب وهدوء ، وضعت المغلف فوق اخوته وهمست : أراك الشهر القادم لو كتب لي
من العمر عمرا ،، تصبح على خير، أغلقت الدرج كعادتها و أعادت المفتاح لجيبها ... نهضت ووقفت لحظات طويلة
أمام النافذة متأملة الأشجار المتمايلة و التي تنبئ بعاصفة هوجاء ، همست لصورتها المعكوسة على الزجاج : من لم
يُعده الخير فيه فلن تُعيده كلمات تبكيه ... و بدأت تنتظر الشهر القادم و دمعها ثابت منحوت على جدار قلبها الحزين .
( م ن ق و ل )
الروابط المفضلة