انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرالأخير
عرض النتائج 11 الى 20 من 26

الموضوع: التّضحية عند الكائنات الحيّة و السّلوك الحكيم لديها

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر

    flower3

    بطريق الإمبراطور و صبره الخيالي

    هناك حيوان يظهر عزما غريبا في الحفاظ على بيضه وصبرا لا مثيل له وتفانيا مثيرا للدّهشة, وهذا الحيوان هو بطريق الإمبراطور. فهذا الحيوان يعيش في القطب الجنوبي الذي يتميز بظروف بيئيّة قاسية جدّا. تبدأ أعداد كبيرة من هذا الحيوان تقدر ب 25000بطريق رحلتها للتزاوج, و يقدر طريق الرّحلة بعدة كيلومترات لاختيار المكان المناسب للتزاوج, وتبدأ هذه الرّحلة في شهر مارس وأبريل (بداية موسم الشتاء في القطب الجنوبي ), ومن ثم تضع الأنثى بيضة واحدة في شهر مارس أو حزيران. والزّوج من البطريق لا يبني عشّا لبيضته بل لا يستطيع ذلك لعدم وجود ما يبني به في بيئة مغطاة بالجليد. بيد أنّه لا يترك بيضته تحت رحمة برودة الجليد لأن هذا البيض معرض للتّجمد بمجرد تعرضه لبرودة الجليد القاسية, لذا يحمل بطريق الإمبراطور بيضه على قدميه و يقترب الذّكر من الأنثى بعد وضعها للبيضة الوحيدة بعدّة ساعات لاصقاصدره بصدرها ويرفع البيضة بقدميه. ويحرص كلاهما أشدّ الحرص على ألاّ تمسّ البيضة الجليد, ويقوم الذكر بتمرير أصابع قدميه تحت البيضة ومن ثمة يرفع الأصابع ليدحرج البيضة باتّجاهه. وهذه العمليّة تتم بكل هدوء وإتقان لتجنب كسر البيضة. وأخيرا يقوم بحشر البيضة تحت ريشه السّفلي لتوفير الدّفء اللازم .
    وعملية وضع البيضة تستهلك معظم الطّاقة الموجودة في جسم الأنثى لذا فإنّها تذهب إلى البحر لتجمع غذاءها وتسترجع طاقتها في حين يبقى الذكر لحضن البيض, و تتميز فترة حضن البيض لدى بطريق الإمبراطور بصعوبة مقارنة بباقي أنواع الطّيور إضافة إلى حاجتها الشّديدة للصّبر من جانب الذكر, فهو يقف دون حراك مدة طويلة و إذا لزمت الحركة فإنّه لا يفعل ذلك إلاّ لأمتار قليلة براحة القدمين. وعند الخلود إلى الراحة يستند الطير على ذنبه كما لو أنّه قدم ثالث ويرفع أصابع قدميه بصورة قائمة كي لا تلمس البيضة الجليد. ومن الجدير بالذّكر أنّ درجة الحرارة في الأقدام المغطّاة بالرّيش السّفلي أكثر ب:80 درجة عن المحيط الخارجي لذلك لا تتأثر البيضة بظروف البيئة الخارجية القاسية .
    وتزداد ظروف البيئة قسوة كلما تقدم فصل الشتاء بأيامه وأسابيعه حتى أن الرياح والعواصف تبلغ سرعتها 120-160 كم في الساعة, وبالرغم من ذلك يبقى الذكر ولمدة أشهر دون غذاء ودون حراك إلاّ للضّرورة ضاربا مثلا مثيرا للدّهشة في التّضحية من أجل العائلة, وتبدي العائلة تضامنا كبيرا لمقاومة البرودة القاسية إذ أنّ حيوانات البطريق تتراصّ واضعة مناقيرها على صدورها وبذلك يصبح ظهرها مستويا ومشكّلة دائرة فيما بينها وسدا منيعا من الرّيش في مواجهة البرد القارس. وتحدث هذه العملية بإخلاص و تنظيم دقيق دون أن تحدث أية مشكلة بين الآلاف من هذه الطّيور المتراصّة, وتظل هكذا لمدة أشهر عديدة بصورة من التعاون المدهش والمثير للحيرة والإعجاب. فحتّى الإنسان تصيبه مشاعر الملل و الأنانية في هذه الظروف القاسية رغم كونه مخلوقا عاقلا يسير وفق مقاييس أخلاقية و عقلية. ولكن البطريق يبقى متعاونا متكاتفا ويعمل الفرد من أجل المجموعة بأكمل صورة ممكنة، والتّضحية التي يبديها هذا الحيوان للحفاظ على البيض تحت هذه الظروف القاسية تعتبر منافية لمفاهيم نظرية التّطور التي تدّعي أنّ البقاء للأصلح والأقوى و نكتشف أنّ الطّبيعة ليست مسرحا للصّراع بل معرضا للتفاني والتضحية التي يبديها القوي للحفاظ على حياة الضعيف. وبعد ستين يوما من الظّروف القاسية يبدأ البيض في الفقس، ويستمر الذكر في تفانيه من أجل الصّغير علما أن هذا الذكر لم يتغذ أبدا طيلة فترة الرّقود على البيض. ومن المعلوم أن البطريق الخارج لتوّه من البيض حيوان ضعيف و صغير يحتاج إلى تغذية و عناية مستمرّة فيفرز الذكر من بلعومه مادة سائلة شبيهة بالحليب يتم إعطاؤها للفرخ الصغير ليتغذى عليها. و في هذه الفترة الحرجة تبدأ الإناث في العودة وتبدأ بإصدار أصوات مميزة فيردّ عليها الذكور بصوت مقابل وهذه الأصوات هي نفسها التي استخدمت في موسم التزاوج وبواسطتها يعرف الذكر والأنثى بعضهما البعض. وقد وهب الله سبحانه وتعالى هذه الحيوانات قدرة التمييز بين الأصوات وهو اللّطيف الخبير .
    وتكون الأنثى قد تغذت جيدا طيلة فترة الغياب ويكون لديها مخزون جيد للغذاء, وتضع هذا المخزون أمام الفرخ الصغير و هو أوّل طعام حقيقي يتناوله بعد خروجه من البيض. وقد يتبادر إلى الذهن أن عودة الأنثى تعني خلود الذكر للرّاحة ولكن هذا لا يحدث أبدا, فالذّكر يظل على اهتمامه ورعايته لمدة عشرة أيام أخرى ويقوم خلالها بمسك الفرخ الصغير بين قدميه, ثم يبدأ رحلة بعد ذلك إلى البحر ليتغذى بعد حوالي أربعة أشهر من الصيام عن الحركة والغذاء. و يظل الذّكر غائبا من ثلاثة إلى أربعة أسابيع يعود بعدها إلى الاهتمام بالفرخ كي ترجع الأنثى بدورها إلى البحر لتصيب من الغذاء ما تيسّر لها. تكون هذه الفراخ الصغيرة في المراحل الأولى من حياتها غير قادرةعلى تنظيم حرارة أجسامها لذا تكون معرضة للموت في حالة تركها وحيدة تحت ظروف البرد القاسية، لذلك يتناوب الذكر والأنثى في عملية الحفاظ على حياة الصّغير وتوفير الدّفء والغذاء له
    (62).
    وكما هو واضح في هذا المثال فكلاهما يتفانى ويضحي حتّى بحياته إذا اقتضى الأمر في سبيل الحفاظ على حياة الفرخ الصغير. إنّ الإلهام الإلاهي هو التّفسير الوحيد لهذه التضحية والتعاون الذيْن يبديهما الذكر والأنثى للحفاظ على حياة الصغير. إنّ المتوقع من هذا الحيوان غير العاقل أن يترك هذا البيض وشأنه ويفكر في الخلاص والنجاة من البرد القاسي إلا أن لطف الله سبحانه وتعالى بهذه الحيوانات جعلها ترأف ببيضها وفرخها وتظهر هذه الصورة الرائعة من التكاتف والتعاون والتضحية.

    حصان البحر: الكائن الحي الوحيد الذي يكون ذكره حاملا

    يتميز ذكر هذا الحيوان بأن جسمه يحتوي على كيس خاص يضع فيه البيض الذي تضعه الأنثى, وتقوم الأنثى بوضع هذا الجنين داخل كيس الذّكر, و يقوم هو برعاية هذا البيض و مده بالغذاء عبر سائل يتم إفرازه داخل هذا الكيس شبيه بـسائل البلازما, وتستمر عملية التغذية حتى اكتمال نمو الجنين. ويظل الذّكر على هذا الوضع مدة تتراوح بين عشرة أيام و اثنين و أربعين يوما. وتقوم الأنثى بتفقد الذكر كل صباح, و مراقبة البيض تساعدها في معرفة لحظة اقتراب الولادة من قبل الذّكر وبالتالي التهيؤ من أجل وضع البيض مرة أخرى (63).

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر
    سمك "الأثرينا" والرّحلة المحفوفة بالمخاطر


    يتميز هذا النوع من السّمك عن باقي الأنواع بأنه يضع بيضه على اليابسة، لأن البيض لا يكتمل نموّه إلا في هذا الوسط. والرّحلة إلى اليابسة ولو لفترة قصيرة تعني الموت بالنسبة إلى هذه الأسماك. وبالرغم من هذه المخاطر تقوم هذه الأسماك برحلتها مجابهة خطر الموت في سبيل الحفاظ على النّسل, ومن بفضل الإلهام الإلهي تقوم هذه الكائنات باختيار الوقت والظرف المناسبين للخروج من الماء، وتنتظر هذه الأسماك إلى أن يصبح القمر بدرا ثم تخرج لدفن البيض في رمال السّاحل. وانتظارها للبدر يرجع إلى أنّ الأمواج العاتية تتزامن مع اكتماله فتزحف هذه الأمواج على السّواحل الرّملية. وهذه الأمواج تستمر مدّا و جزرا لمدة ثلاث ساعات تختار فيها هذه الأسماك الموج الملائم كي تمتطيه لإلقاء فقسها على الساحل الرملي. وعند انحسار الموج تقوم الأنثى في خلال هذه الفترة القصيرة والخطيرة بحفر مكان بعمق خمسة سنتمترات بواسطة جسمها المتقلص والمنحني وتقوم بوضع بيضها في هذه الحفرة.
    ولا تنتهي هذه العملية عند هذا الحد لأنّ الإناث يجب أن تدفن هذا البيض وتغطيه كي ينمو بصورة جيّدة. كلّ هذه الخطوات يجب أن تحدث قبل أن تغمر السّاحلَ مياهُ الأمواجِ وإلاّ فإن حياة السّمكة سوف تكون معرضة للهلاك. والملاحَظ في هذا المثال أنّ السّمكة تخاطر بحياتها حرصا على النّسل في صورة رائعة من التّضحية والفداء فضلا عن سلوكٍ يتّسم بالحساب الدقيق و التقدير الذكيّ (64 ).
    ولو تأملنا في سلوك هذه السّمكة الذي يتسم بالتّخطيط والتضحية لأدركنا أنّ هناك موجّها ومنظّما لهذه الخطوات، فالسّمك يعمد إلى اختيار هذا الأسلوب للتكاثر من بين المئات من الأساليب الأخرى. ولنفترض أن هذا النّوع من السّمك قد اكتسبت هذه الطريقة في التكاثر عن طريق الصّدفة, ترى ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك ؟ إنّ هذه السّمكة ستتعرض للموت في أوّل خروج لها إلى اليابسة لأنها ستقوم بتجربة أنجع وسيلة لوضع البيض خلال فترة قصيرة جدا وخطيرة أيضا وتحت ظروف مستحيلة أيضا، لذا فإنّ انتظارها للبدر وتزامنه مع مدّ الأمواج و جزرها على السّاحل الرّملي وامتطاءها لهذه الأمواج وخروجها إلى السّاحل ووضعها البيض ودفنها إياه كلّ ذلك ليس إلاّ وحيا وإلهاما من الله العليّ القدير الذي ألهما بلطفه هذه المقدرة الفائقة.

    العشّ الذي ينشأه السّمك "المقوس" من الطّحالب

    تقوم أنثى هذا النّوع من السّمك بوضع البيض طيلة شهري ماي وحزيران، والعلامة الدّالة على موسم التّبييض هي بروز لون البقعة السّوداء الموجودة في نهاية الذيل. وتختار الأنثى موضعا قريبا من ضفة بحيرة أو نهر جار تكثر فيه الطّحالب وتنشأ في هذا الموضع عشّا دائريّ الشّكل، و في تلك الأثناء يقوم الذّكر بالسّباحة حول نفسه دافعا الطّحالب اللاّزمة لبناء العشّ نحو الأسفل, ويلتصق البيض عند الوضع بأوراق النّباتات وفروعها التي بني منها العش ويقوم الذكر بحراستها والسّباحة حولها بحركة مستمرّة لدفع الماء وتحريكه لتسهيل التهوئة اللاّزمة لأجنّة البيض. ويستمرّ الذّكر في رعاية الصّغار حتى يبلغ طول الواحد منها 10سم (65).

    الارتحال طويلا من أجل التّكاثر: "الحوت الرّماديّ"

    في ديسمبر ويناير من كل سنة يقوم "الحوت الرمادي" برحلة تبدأ من المحيط المتجمّد الشّمالي عبر السّواحل الشّمالية والجنوبيّة الغربيّة لأمريكا متوجها إلى كاليفورنيا, وهدفه من هذه الرّحلة بلوغ المياه الدافئة من أجل التكاثر، والغريب في هذه الرّحلة أنّ الحيوان لا يتغذّى أبدا، وسبب ذلك أن هذا الحيوان قد تغذّى جيدا في الصّيف السّابق لهذه الرّحلة من موادّ الغذاء الموجودة في المياه القطبية الشمالية. وتضع الأنثى مولودها عند بلوغها المياه الاستوائية القريبة من السّواحل الغربية للمكسيك، وترضع الأنثى صغيرها باللّبن مثل جميع اللّبائن ويكون غنيّا بالدّسم اللاّزم لطاقة الصّغي,ر فهذه الطّاقة لازمة للصّغير الذي سوف يعود مع باقي الحيتان الرّمادية في رحلة مضنية إلى المناطق الشّمالية الباردة 68.

    العناية الفائقة التي تبديها سمكة"السّحليد"

    يظهر ذكر هذا النوع من السمك وأنثاه عناية فائقة بالبيض والصغار التي تخرج منه، فيظلّ أحدهما واقفا فوق المكان الذي يوضع فيه البيض ويحرك زعانفه وذيله باستمرار ويتناوبان على أداء هذا العمل كل بضعة دقائق، والهدف من تحريك الزّعانف والذّيل هو إتاحه أكبر كمية ممكنة من الأوكسجين اللاّزم لنمو الأجنحة وكذلك منع تراكم سبورات الفطريات التي تحول دون نمو الأجنّة. وهذه العناية الفائقة التي يبديها هذا النوع من السّمك تجاه بيضه مردّها كون النّظافة تمثل العنصر الأساس في نمو الأجنّة، حتى أنّ هذا السّمك يقوم بإتلاف البيض غير الملقّح كي يمنع تعفّنه لأنّ تعفّنه يؤدّي إلى إلحاق الضّرر بباقي البيض الملقح. وفي المراحل التالية يحمل الذّكر والأنثى البيض بفمهما بالتّناوب لوضعه في حفر صغيرة على شكل شقوق في الرّمل إلى أن يحين الفقس, وتتكرّر عمليّة الحمل عدة مرات حتى يكتمل نقلها، وعند فقس البيض عن أسماك صغيرة يتولّى الذّكر والأنثى مهمّة الحماية وبالتناوب أيضا. وتكون هذه الأسماك عموما مجمّعة في مكان واحد وإذا حدث و إن ابتعدت واحدة منها عن المجموع فإنّ الذّكر أو الأنثى يحملها في فمه و يعيدها إلى مكان اجتماع الصّغار مرّة أخرى (69).
    ليست سمكة السّحليد الوحيدة التي تهتم بالنظافة اهتماما شديدا بل هناك مخلوقات أخرى مشهورة في هذا المجال مثل: "أم أربع وأربعين" فالأنثى تعمل على لحس البيض باستمرار لكي تمنع نموّ الفطريات عليها ثم تلف نفسها حول هذا البيض لتوفّر لها الحماية الكاملة لها 70. أمّا أنثى الأخطبوط فتضع بيضها بين الشّقوق الموجودة في الأحجار وتظل تراقبها بعناية، و بين الحين والآخر تنظّف هذا البيض بدفع الماء إليه بواسطة التّراكيب العضوية اللاّمسة الموجودة في أذرعها (7).


    التّفاني لدى النّعام

    من المعلوم أن أشعّة الشّمس القوية التي تشرق على قارة إفريقيا لها تأثيرات قوية وقاتلة على الكائنات الحية، لذا تلجأ الكائنات الحية إلى المناطق الظليلة لحماية نفسها من هذه الأشعة، ويشذّ عن هذه القاعدة النعام الذي يستوطن جنوب إفريقيا لأنه يهتم بحماية بيضه وفراخه من الشّمس أكثر من حماية نفسه، ويستخدم جناحيه الواسعين في التّظليل على بيضه وفراخه (72) ولكنّ الملاحظ هنا أن هذا الطّير يقف بجسمه تحت الشمس معرضا نفسه لخطرها من أجل حماية العشّ ضاربا المثل بالتّضحية من أجل الصّغار الضعاف.

    "العنكبوت الذئب" وحمله صغاره داخل كيس حريري

    إنّ أنثى العنكبوت تقوم بوضع بيضها داخل شرنقة حريريّة على شكل كرة أو على شكل قرص, وتقوم بفرز هذه الشّرنقة لتكوين ملجئ آمن لبيضها فتقوم بلصق هذه الشّرنقة بمؤخرة بطنها وتظل هكذا أينما ذهبت و إذا حدث أن انفصلت عن جسمها تعود وتلصقها مرة أخرى. و عندما يفقّس هذا البيض عن عناكب صغيرة تظل داخل الشرنقة حتى أوان انشقاقها ثم تخرج إلى ظهر أمّها وتظل تحملهم أثناء حلّها و ترحالها. و بعض أنواع هذا الجنس من العنكبوت تكون أعداد صغاره كثيرة جدّا حتى أنّهم يشكّلون عبارة عن طبقة فوق طبقة على ظهر الأم, و هذه العناكب الصغيرة لا تتغذى في هذه المرحلة.
    وهناك نوع آخر يدعى بـ"عنكبوت الذئب المعجزة" و تقوم أنثى هذا العنكبوت عند حلول موسم فقس البيض في شهر حزيران أو تموز بفصل الشّرنقة الحاوية على البيض ونسج مظلّة عليها ثمّ تكمن إلى جانبها تحرسها, وفي تلك الأثناء يكون البيض قد فقّس عن عناكب صغيرة غير مكتملة النّمو وتبقى داخل المظلة, و عند اكتمال نموّها تخرج منها متفرّقة إلى نواحي شتّى (73).
    لاشك أنّ هذا السّلوك المتّسم بالإخلاص والرّعاية والرأفة والصبر يثير في أذهاننا تساؤلات عديدة.

    اهتمام الحشرات بالبيض

    إنّ المصاعب التي تواجه بعض أنواع الحشرات التي تعيش على سطح المياه تعتبر معها الحياة شبه مستحيلة لأن بيضها على درجة كبيرة من الضّعف تجاه التّيبّس, و إذا ترك على سطح الماء فإنّه سيتعرّض لهذا الخطر, أمّا إذا وضع تحت سطح الماء فإنّ الأجنة التي بداخلها سوف تهلك لانعدام الأكسيجين, لذا تتولى ذكورها عملية تهوئة البيوت الموضوعة على سطح الماء و ترتيبها. وهناك حشرة مائيّة عملاقة تدعى ثوسيروس. تقوم أنثى هذه الحشرة بوضع البيض على غصن طاف على الماء وأمّا الذّكر فيغطس في الماء ويخرج منه واثبا من فوق هذا الغصن كي تتساقط من جسمه قطيرات الماء على هذا البيض لترطيبه و حمايته من خطر باقي الحشرات. أمّا حشرة بيلوستوما العملاقة -وغالبا ما يمكن رؤيتها في أحواض السّباحة- فتقوم الأنثى بلصق البيض على ظهر ذكر الحشرة و يتحتّم عليه السّباحة في الماء لترطيبه وتهوئته، ويظلّ لعدة ساعات يحرّك أطرافه الخلفيّة والأماميّة للأمام والخلف أو يظلّ ملتصقا بغصن طاف لترطيب وتهوئة هذا البيض.
    أما الحشرات ذات الأجنحة الغمدية وخصوصا من نوع "بليديوس" والبريّة من نوع " بمبيديون" والتي تكثر في المستنقعات من نوع " هتروسيروس" فتتميّز بخاصيّة غريبة جدّا في المحافظة على البيض من تأثير المياه التي تغمرها, فتقوم بسدّ فتحة شرانق البيض الضيقة عندما تغمرها المياه و تفتح هذه الفتحة عند انحسار الماء عنها (75).
    إنّ استخدام الحشرات لهذه الطّرق المتقدمة في الحفاظ على سلامة البيض تنّم عن سلوك منطقي مستند إلى عقل مدبّر ممّا يقودنا إلى حقيقة الخلق مرة أخرى.

    اهتمام النحل البري بصغاره الذين لن يراهم أبدا

    هناك نوع من النّحل البرّي يدعى بـ"الحفّار" لأنّه يحفر في الأرض حفرة خاصة بيرقته وتكون هذه الحفرة منحنية بعض الشيء. وعمليّة الحفر بالنّسبة إلى هذه الحشرة غاية في الصّعوبة, فهي تأخذ حفنة بفمها و تدفعها بأطرافها الأماميّة للتخلص منها. وهناك خاصية أخرى لهذا النّوع من النّحل وهي اتقانه للتّمويه فهو لا يترك أثرا أبدا على عملية الحفر, ويتمثّل هذا التّمويه في التقامه لكتل التّراب التي أزالها عند الحفر ويجعلها تحت فكه وينقلها جزءا جزءا إلى مكان بعيد و يضع هذه الأجزاء مبعثرة منتشرة لا تجلب الانتباه. وعندما ينتهي الحفر و يصبح هناك مكان متّسع لحجم النّحلة تبدأ الأنثى بتكوين ملحق خاصّ لهذه الحفرة يكفي لاحتواء البيضة و مخزونها الغذائي. وعندما تنتهي من ذلك تقوم بسدّ هذه الحفرة مؤقتا وتبدأ رحلة طيران من أجل البحث عن الغذاء .
    تتخصص أنواع هذا النحل في اصطياد أنواع من الحشرات مثل الجراد واليرقات والحشرات الطّنّانة, وطريقة اصطياد هذا النّحل لفريسته مختلفة عن المعتاد لأنه عند اصطياده للفريسة لا يقتلها بل يعمل تخديرها بواسطة إبرته اللاّسعة ثم يحملها إلى ملجئه الآمن، وعند وصوله إليه يضع بيتضه الوحيدة على هذه الفريسة المخدّرة التي تظل طازجة و هي تكفي مادّةً غذائيّةً لليرقة التي ستخرج من البيضة الوحيدة. وبعد أن توفّر الأمّ المكان والغذاء لصغيرها يكون من اللاّزم توفير الحماية له, فتجتهد في سدّ مدخل الحفرة بالتّراب والحصى بكل إتقان و عناية ثمّ تتناول قطعة حجر بفكها وتستخدمها بمثابة مطرقة لتسوية مدخل الحفرة، وفي النّهاية تقوم بتهذيب التّراب في المدخل بواسطة سيقانها المشوّكة كي تكتمل عملية التمويه. و هكذا تصبح الحفرة مخفيّة تماما إلاّ أنّ هذه الحشرة لا تكتفي بذلك بل تنشر عدة حفر وهمية هنا وهناك بالقرب من الحفرة الأصليّة للتّمويه أيضا. أمّا الغذاء الموجود في الحفرة فيكفي لتغذية اليرقة التي ستخرج من البيض وحتى اكتمال نموها لتصبح حشرة كاملة تستطيع الخروج من الحفرة إلى العالم الخارجي (77). إنّ الحيوان الصّغير الذي سيخرج من البيضة يكون مجهولا دوما بالنّسبة إلى الأم ولكنّها تعدّ له مسكنا آمنا وغذاء كافياً وتتحمّل لتحقيق ذلك صعوباتٍ جمّةً, وكلّ ذلك ضمن سلوك يتمّ بأعلى درجات التّضحية والإخلاص والرّقّة.
    ويتضح لنا من خلال هذا المثال أنّ هذه الحشرة الصّغيرة غير العاقلة لا تستطيع أن تتصرّف من تلقاء نفسها هكذا إلاّ أن يكون ذلك بوحي توجيه من قوة عليّة تهديها نحو الأمن و السّلامة. ودعاة التّطور كما وضّحنا سلفًا يدّعون بأنّ هذه الأنماط السّلوكيّة المبرمجة في هذه الأحياء وهذه البرمجة مصدرها الطّبيعة أو المصادفات الموجودة في هذه الطبيعة، و نحن نعرف أنّ هذه المصادفة غير عاقلة ولا شعورّية في نفس الوقت. ولو تأمّلنا هذه الأنماط السّلوكية الصّادرة عن هذه الأحياء غير العاقلة لأدركنا مدى سطحيّة هذا الإدّعاء العقيم. والإنسان العاقل يستطيع أن يدرك أنّ الإلهام الإلهيّ لهذه الأحياء هو مصدر سلوكها العجيب والغريب.

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر

    heart2 "العنكبوت الذئب" وحمله صغاره داخل كيس حريري

    "العنكبوت الذئب" وحمله صغاره داخل كيس حريري

    إنّ أنثى العنكبوت تقوم بوضع بيضها داخل شرنقة حريريّة على شكل كرة أو على شكل قرص, وتقوم بفرز هذه الشّرنقة لتكوين ملجئ آمن لبيضها فتقوم بلصق هذه الشّرنقة بمؤخرة بطنها وتظل هكذا أينما ذهبت و إذا حدث أن انفصلت عن جسمها تعود وتلصقها مرة أخرى. و عندما يفقّس هذا البيض عن عناكب صغيرة تظل داخل الشرنقة حتى أوان انشقاقها ثم تخرج إلى ظهر أمّها وتظل تحملهم أثناء حلّها و ترحالها. و بعض أنواع هذا الجنس من العنكبوت تكون أعداد صغاره كثيرة جدّا حتى أنّهم يشكّلون عبارة عن طبقة فوق طبقة على ظهر الأم, و هذه العناكب الصغيرة لا تتغذى في هذه المرحلة.
    وهناك نوع آخر يدعى بـ"عنكبوت الذئب المعجزة" و تقوم أنثى هذا العنكبوت عند حلول موسم فقس البيض في شهر حزيران أو تموز بفصل الشّرنقة الحاوية على البيض ونسج مظلّة عليها ثمّ تكمن إلى جانبها تحرسها, وفي تلك الأثناء يكون البيض قد فقّس عن عناكب صغيرة غير مكتملة النّمو وتبقى داخل المظلة, و عند اكتمال نموّها تخرج منها متفرّقة إلى نواحي شتّى (73).
    لاشك أنّ هذا السّلوك المتّسم بالإخلاص والرّعاية والرأفة والصبر يثير في أذهاننا تساؤلات عديدة.

    اهتمام الحشرات بالبيض

    إنّ المصاعب التي تواجه بعض أنواع الحشرات التي تعيش على سطح المياه تعتبر معها الحياة شبه مستحيلة لأن بيضها على درجة كبيرة من الضّعف تجاه التّيبّس, و إذا ترك على سطح الماء فإنّه سيتعرّض لهذا الخطر, أمّا إذا وضع تحت سطح الماء فإنّ الأجنة التي بداخلها سوف تهلك لانعدام الأكسيجين, لذا تتولى ذكورها عملية تهوئة البيوت الموضوعة على سطح الماء و ترتيبها. وهناك حشرة مائيّة عملاقة تدعى ثوسيروس. تقوم أنثى هذه الحشرة بوضع البيض على غصن طاف على الماء وأمّا الذّكر فيغطس في الماء ويخرج منه واثبا من فوق هذا الغصن كي تتساقط من جسمه قطيرات الماء على هذا البيض لترطيبه و حمايته من خطر باقي الحشرات. أمّا حشرة بيلوستوما العملاقة -وغالبا ما يمكن رؤيتها في أحواض السّباحة- فتقوم الأنثى بلصق البيض على ظهر ذكر الحشرة و يتحتّم عليه السّباحة في الماء لترطيبه وتهوئته، ويظلّ لعدة ساعات يحرّك أطرافه الخلفيّة والأماميّة للأمام والخلف أو يظلّ ملتصقا بغصن طاف لترطيب وتهوئة هذا البيض.
    أما الحشرات ذات الأجنحة الغمدية وخصوصا من نوع "بليديوس" والبريّة من نوع " بمبيديون" والتي تكثر في المستنقعات من نوع " هتروسيروس" فتتميّز بخاصيّة غريبة جدّا في المحافظة على البيض من تأثير المياه التي تغمرها, فتقوم بسدّ فتحة شرانق البيض الضيقة عندما تغمرها المياه و تفتح هذه الفتحة عند انحسار الماء عنها (75).
    إنّ استخدام الحشرات لهذه الطّرق المتقدمة في الحفاظ على سلامة البيض تنّم عن سلوك منطقي مستند إلى عقل مدبّر ممّا يقودنا إلى حقيقة الخلق مرة أخرى.

    اهتمام النحل البري بصغاره الذين لن يراهم أبدا

    هناك نوع من النّحل البرّي يدعى بـ"الحفّار" لأنّه يحفر في الأرض حفرة خاصة بيرقته وتكون هذه الحفرة منحنية بعض الشيء. وعمليّة الحفر بالنّسبة إلى هذه الحشرة غاية في الصّعوبة, فهي تأخذ حفنة بفمها و تدفعها بأطرافها الأماميّة للتخلص منها. وهناك خاصية أخرى لهذا النّوع من النّحل وهي اتقانه للتّمويه فهو لا يترك أثرا أبدا على عملية الحفر, ويتمثّل هذا التّمويه في التقامه لكتل التّراب التي أزالها عند الحفر ويجعلها تحت فكه وينقلها جزءا جزءا إلى مكان بعيد و يضع هذه الأجزاء مبعثرة منتشرة لا تجلب الانتباه. وعندما ينتهي الحفر و يصبح هناك مكان متّسع لحجم النّحلة تبدأ الأنثى بتكوين ملحق خاصّ لهذه الحفرة يكفي لاحتواء البيضة و مخزونها الغذائي. وعندما تنتهي من ذلك تقوم بسدّ هذه الحفرة مؤقتا وتبدأ رحلة طيران من أجل البحث عن الغذاء .
    تتخصص أنواع هذا النحل في اصطياد أنواع من الحشرات مثل الجراد واليرقات والحشرات الطّنّانة, وطريقة اصطياد هذا النّحل لفريسته مختلفة عن المعتاد لأنه عند اصطياده للفريسة لا يقتلها بل يعمل تخديرها بواسطة إبرته اللاّسعة ثم يحملها إلى ملجئه الآمن، وعند وصوله إليه يضع بيتضه الوحيدة على هذه الفريسة المخدّرة التي تظل طازجة و هي تكفي مادّةً غذائيّةً لليرقة التي ستخرج من البيضة الوحيدة. وبعد أن توفّر الأمّ المكان والغذاء لصغيرها يكون من اللاّزم توفير الحماية له, فتجتهد في سدّ مدخل الحفرة بالتّراب والحصى بكل إتقان و عناية ثمّ تتناول قطعة حجر بفكها وتستخدمها بمثابة مطرقة لتسوية مدخل الحفرة، وفي النّهاية تقوم بتهذيب التّراب في المدخل بواسطة سيقانها المشوّكة كي تكتمل عملية التمويه. و هكذا تصبح الحفرة مخفيّة تماما إلاّ أنّ هذه الحشرة لا تكتفي بذلك بل تنشر عدة حفر وهمية هنا وهناك بالقرب من الحفرة الأصليّة للتّمويه أيضا. أمّا الغذاء الموجود في الحفرة فيكفي لتغذية اليرقة التي ستخرج من البيض وحتى اكتمال نموها لتصبح حشرة كاملة تستطيع الخروج من الحفرة إلى العالم الخارجي (77). إنّ الحيوان الصّغير الذي سيخرج من البيضة يكون مجهولا دوما بالنّسبة إلى الأم ولكنّها تعدّ له مسكنا آمنا وغذاء كافياً وتتحمّل لتحقيق ذلك صعوباتٍ جمّةً, وكلّ ذلك ضمن سلوك يتمّ بأعلى درجات التّضحية والإخلاص والرّقّة.
    ويتضح لنا من خلال هذا المثال أنّ هذه الحشرة الصّغيرة غير العاقلة لا تستطيع أن تتصرّف من تلقاء نفسها هكذا إلاّ أن يكون ذلك بوحي توجيه من قوة عليّة تهديها نحو الأمن و السّلامة. ودعاة التّطور كما وضّحنا سلفًا يدّعون بأنّ هذه الأنماط السّلوكيّة المبرمجة في هذه الأحياء وهذه البرمجة مصدرها الطّبيعة أو المصادفات الموجودة في هذه الطبيعة، و نحن نعرف أنّ هذه المصادفة غير عاقلة ولا شعورّية في نفس الوقت. ولو تأمّلنا هذه الأنماط السّلوكية الصّادرة عن هذه الأحياء غير العاقلة لأدركنا مدى سطحيّة هذا الإدّعاء العقيم. والإنسان العاقل يستطيع أن يدرك أنّ الإلهام الإلهيّ لهذه الأحياء هو مصدر سلوكها العجيب والغريب.

    كل شيء من أجل الصغار

    غالبا ما يكون الصّغار محتاجين إلى الرّعاية والاهتمام وهم يخطون خطواتهم الأولى في الحياة, وعموما يكون الصّغار إمّا عمياناً أو عراةً أو لا يملكون مهاراتٍ كافيةً في الصّيد, لذا وجب الاعتناء بهم وتوفير الرّعاية لهم من قبل الأبوين أو القطيع إلى حين النّضوج وإلاّ فإنّهم قد يهلكوا نتيجة الجوع والبرد. ولكنّ العناية الإلهية قضت بأن يعتني الكبار بالصّغار في صور رائعة من الفداء والتّضحية .
    تُصبح الكائنات الحيّة خطيرة وحسّاسة جدّا في حالة تعرّض صغارها لأيّ خطر، و ردّ فعل هذه الكائنات الحية عند شعورها بخطر هو الفرار إلى أماكن آمنة, و إذا تعذّر عليها النّأي بنفسها عن الخطر تُصبح هذه الكائنات متوحّشة و حادّة تجاه الخطر حفاظا على حياة الصّغار بشكل أساسيّ, فالطّيور والخفافيش (الوطاويط) على سبيل المثال لا تتوانـى في مهاجمة الباحثين يأخذون صغارها من الأعشاش لغرض البحث والدّراسة (79), و كذلك الحمير الوحشية أو الزيبرا التي تعيش على شكل مجاميع. و عندما يتهدّد الخطر حيوانات مثل ابن آوى تقوم الجموعة بتوزيع الأدوار فيما بينها لحماية الصّغار والذّود عنهم بكل شجاعة و إقدام. و تحمي الزّرافة صغيرها تحت بطنها وتهاجم الخطر بساقيها الأماميّتين أمّا الوعول والظباء فتتميّز بحساسيّة مفرطة وتهرب عند إحساسها بالخطر, و إذا كان هناك صغير ينبغي الذّود عنه فلا تتردّد في الهجوم مستخدمة أظلافها الحادّة.
    أمّا اللّبائن الأصغر حجما والأضعف جسمًا فتقوم بإخفاء صغارها في مكان آمن و عندما تحُاصر تصبح متوحشّةً ومتوثبّة في وجه العدو الذي يجابهها. فالأرنب على سبيل المثال مع فرط حساسيّتة و ضعفه يتحمّل المشقّة و الصّعاب من أجل حماية صغاره, فهو يسرع إلى عشّه أو وكره ويعمد إلى ركل عدوّه بأرجله الخلفيّة، و يكون هذا السّلوك أحيانا كافيا لإبعاد الحيوانات المفترسة (80). وتتميّز الغزلان بكونها تعمد إلى الجري وراء صغارها عند اقتراب الخطر منها, فالحيوانات المفترسة غالبا ما تهاجم من الخلف لذلك فإن الغزال الأمّ تكون بذلك أقرب ما يكون من صغارها وتبعدهم عن مواطن الخطر, وفي حالة اقتراب الخطر تجتهد في صرف نظر الحيوان المفترس بهدف حماية صغيرها (81).
    وهناك بعض اللّبائن تستخدم ألوان أجسامها للتّمويه وسيلة لدرء الخطر إلاّ أنّ صغارها تحتاج إلى توجيه وتدريب على وسيلة الاختفاء هذه، ومثال على ذلك حيوان اليحمور حيث تقوم الأنثى بالاستفادة من لون صغيرها في خطّة للتنكّر بهدف الإفلات من الأعداء, فهي تخفي صغيرها بين شجيرات وتجعله ساكنا لا يتحرك، ويكون جلد الصّغير بنّي اللّون مغطًّى ببقع بيضاء, وهذه التّركيبة اللّونية مع أشعّة الشّمس المنعكسة تكون خير وسيلة للانسجام مع لون الشّجيرات التي تحيط به. و هذه الطريقة في التخفّي تكون كافيةً لخداع الحيوانات المفترسة التي تمرّ بالقرب منه، أمّا الأمّ فتبقى على بعد مسافةٍ قصيرةٍ تراقب ما يحدث دون أن تثير انتباه الأعداء، غير أنّها تقترب أحيانًا من صغيرها لكي ترضعه. وقبل ذهابها إلى الصيّد تجبر صغيرها على الجلوس بواسطة منخرها، ويكون الصّغير عادة متيقظا و حذرًا, و عندما يسمع صوتا غير عاديّ سرعان ما يعود إلى الجلوس و الاختفاء خوفا من أن يكون مصدر خطرٍ بالنّسبة إليه. و يظلّ الوليد على هذا الشّكل حتّى يصبح قادرًا على الوقوف على قدميه والتّنقّل مع أمّه (82).
    و ثمّة حيوانات تُظهر ردّ فعلٍ عنيف تجاه العدوّ المرتقب بل وتوجيه ضرباتٍ بهدف تخويفه و إبعاده مثل البوم وبعض أنواع الطّيور التي تسلك سلوكا استعراضيّا يتمثّل في مدّ جناحيه فيبدو أكبر من حجمه الطّبيعي. وهناك طيور تقلّد فحيح الأفاعي لإرهاب الأعداء مثل طائر ذو الرأس الأسود mari ba?tankara الذي يصدر أصواتا صاخبة ويرفرف بجناحيه داخل عشّه, ويبدوا الأمر مخيفا داخل العشّ المظلم وسرعان ما يلوذ العدوّ بالفرار أمام هذه الضّوضاء والحركة (83).
    والظّاهرة الملحوظة لدى الطّيور التي تعيش على شكل تجمّعات هي العناية التي يوليها الكبار للصّغار وحرصهم على حمايتها وخصوصا من خطر طيور "النّورس" إذ ينطلق فرد أو اثنان بالغان و يحومان حول مكان تجمّع الأسراب لترهيب النّوارس وإبعادها عن الصّغار. و مهمّة الحماية هذه يتمّ تنفيذها بالتّناوب بين الطّيور البالغة و كلّ من ينهي مهمّته يذهب إلى مكان آخر بعيد تتوفّر فيه المياه للصّيد والتّغذية وجمع الطّاقة للعودة مرّة أخرى (84).
    و تتميّز الوُعول بروح التّضحية من أجل صغارها خصوصا عندما تشعر بخطر يداهم صغيرها، فهي تقوم بحركة غاية في الغرابة إذ تلقي بنفسها أمام هذا الحيوان المفترس لتلهيه عن افتراس ولدها الصغير. وهذا الأسلوب يمكن ملاحظته في سلوك العديد من الحيوانات مثل أنثى النّمر التي تجتهد في القيام بما في وسعها حتّى تصرف انتباه الأعداء المتربّصين بصغارها. أمّا الرّاكون فأوّل ما يفعله عند إحساسه بالخطر الدّاهم هو أن يأخذ صغاره إلى قمّة أقرب شجرة ثمّ يسرع نازلا إلى الحيوانات المفترسة ويكون وجها لوجه معها, ومن ثمّ يبدأ بالفرار إلى ناحية بعيدة عن مكان الصّغار ويستمر في الابتعاد حتّى يطمئنّ إلى زوال الخطر و عندئذ يتسلل خلسةً عائداً إلى صغاره. وهذه المحاولات لا يُكتب لها النّجاح دائماً لأنّ الصّغار قد ينجون من خطر المفترسين إلاّ أنّ الأبوين قد يتعرّضان للموت و الهلاك (85).
    وهناك طيور تقوم بتمثيل دور الجريح لصرف نظر العدوّ المفترس عن الفراخ الصّغيرة، فعند إحساس الأنثى باقتراب الحيوان المفترس تتسلّل بهدوء من العشّ ولماّ تصل إلى مكان وجود العدوّ تبدأ في التخبّط و ضرب أحد جناحيها على الأرض و إصدار أصوات مليئة بالاستغاثة وطلب النّجدة, بيد أنّ هذه الأنثى تأخذ حذرها اللاّزم فهي تمثّل هذا الدّور على بعد مسافة ما من الحيوان المفترس, و يتوهّم أنّ الأنثى المستغيثة تعتبر غنيمة سهلةً ولكنّه بذهابه في اتجاهها يكون قد ابتعد عن مكان وجود الفراخ الصّغار, ثمّ تنهي الأنثى تمثيلها وتهبّ طائرة مبتعدة عن الحيوان المفترس. إنّ هذا المشهد التّمثيلي يتمّ أداؤه بمهارة مقنعة للغاية، و كثيرًا ما تنطلي هذه الحيلة على القطط والكلاب والأفاعي وحتى على بعض أنواع الطّيور. أمّا الطّيور التي تبني أعشاشها مع مستوى سطح الأرض فيُعتبرُ التمثيل أداة فعّالةً و ناجعةً في حمايةِ فراخها من الأعداء المفترسين، فالبطّ على سبيل المثال يقوم بتمثيليّة العاجز عن الطّيران من على الماء عند إحساسه بقدوم الحيوانات الخطرة, ويظلّ هكذا يضرب بجناحيه على سطح الماء مع إحتفاضه بمسافة أمان بينه وبين الحيوان المتربّص به، وعندما يطمئنّ بأنّ الحيوان المفترس قد ابتعد عن عشّ الفراخ يقطع مشهده التّمثيليّ و يعود إلى عشّه. هذا السّيناريو الذي يتمّ تمثيله من قبل بعض أنواع الطّيور لم يجد التّفسير الكافي و المقنع من قبل علماء الأحياء (86).
    هل باستطاعة الطّير أن يعدّ مثل هذا السّيناريو؟ لاشكّ, ينبغي أن يكون على درجة عالية من الذّكاء والنّباهة. إنّ هذا السّلوك قبل يقتضي وجود صفات مثل الذكاء و التّقليد و القابليّة فضلا عن الشّجاعة المثيرة للإعجاب عندما يتصّدى للحيوان المفترس دفاعا عن الصغار, فهو يجعل من نفسه صيدًا مطارداً بدون أيّ تردّد أو خوف. والغريب في الأمر أنّ هذه الطّيور لا تتعلّم هذا السّلوك من غيرها من الحيوانات (87) لأنّ هذا يتّسم بكونه مكتسبا بالولادة. والأمثلة التي أوردناها في هذا العرض السّريع ما هي إلاّ غيض من فيض في عالم الإحياء لأنّ ملايين الأنواع من الكائنات الحيّة تختلف من حيث أساليب الدّفاع عن النّفس وطرق الحماية, ولكنّ النّتيجة المتأتّية من هذه الأساليب هي مبعث الغرابة في هذا المجال, لأنّه يصعب أن نفرض أنّ الطّير يضحّي بنفسه من أجل صغيره من منطلق سلوك عاقل منطقي. ويجب أن لا ننسى أنّنا هنا بصدد الحديث عن مخلوقات غير عاقلة ولا يمكن أن يتّصف تفكيرها غير الموجود أصلا بالرّحمة والمودّة والرّأفة, والتّعليق الوحيد الوارد في تفسير هذه الأنماط السّلوكية يتخلص في كون الله سبحانه وتعالى هو الذي ألهم الكائنات الحيّة سلوكا ملؤه الرّحمة والتّضحية ليضرب لنا الأمثال برحمته التي وسعت كل شيء.
    الحشرات أيضا تحمي صغارها من المهالك
    يعتبر عالم الأحياء السّويدي "أدولف مودر" أوّل من اكتشف رعاية الأبوين للصّغار في عالم الحشرات وذلك سنة1764 عندما كان يجري أبحاثه على حشرة "المدرع الأوروبي" فوجد أنّ الأنثى تجلس على بيضها دون أكل أو شرب وتصبح هذه الأنثى مقاتلة شرسة عندما يقترب الخطر من بيضها (88). وكان العلماء والباحثون في تلك الفترة أو ما قبلها لا يقبلون فكرة رعاية الحشرات لصغارها، وسببُ ذلك يورده لنا البروفسور دوغلاس.و.تللاني " من جامعة ديلاور والذي يعمل أستاذا في علم الحشرات ويؤمن بنظرية التطور كالآتي :
    تجابه الحشرات مخاطر عديدة أثناء دفاعها عن صغارها ويتساءل العلماء في مجال الحشرات عن السرّ في عدم انقراض هذه الخصلة (خصلة الدفاع والحماية) أثناء عملية التّطور، لأنّ وضع البيض بأعداد كبيرة أفضل استراتيجياّ من اتباع وسيلة الدّفاع المحفوفة بالمخاطر و المهاك (89).
    ويعلّق دوغلاسن.و.تللاني أحد دعاة التّطور على هذا التّساؤل المحيّر و يرى أنّه يجب أن تنقرض هذه الميزة حسب فرضيّات نظرية التّطور, ولكنّ الموجود والملاحظ في الطّبيعة أنّها لا تزال موجودة و بصور عديدة سواء في عالم الحشرات أو غيرها وليس دفاعا عن الصّغار فحسب بل عن الكبار أيضا. ونورد أيضا المثال الآتي عن التّضحية في سبيل الأحياء الصغيرة وهو متعلّق بسلوك حشرة الدانتيلا التي تعيش في المناطق الجنوبيّة الغربيّة من أمريكا وتتّخذ من بعض النّباتات وخاصة at?s?rgan مسكنا لها، وأنثى هذه الحشرة تسهر على حماية بيضها واليرقات التي تخرج منها وتضحّي بنفسها في سبيل ذلك. وألدّ أعداء هذه اليرقات هي حشرة "k?z" والتي تتميّز بمقدمة فمها الشبيه بالمنقار ويكون صلبا وحادّا. وتلتقم هذه الحشرة اليرقات في لقمة سائغة, ولا تملك حشرة "الدانتيلا" أيّ سلاح فعّال تجاه أعدائها سوى الضّرب بجناحيها وامتطاء ظهور خصومها لإزعاجهم وإبعادهم. وفي تلك الأثناء تنتهز اليرقات فرصة انشغال الأعداء بالصّراع مع الأمّ للهرب باقتفاء العرق الرئيسي للورقة النّباتية التي يعيشون عليه و يتّخذون هذا العرق طريقا رئيسيّا للانتقال إلى ورقة أخرى طريّة وملتوية للاختفاء داخلها. و إذا استطاعت الأنثى أن تنجو بحياتها فإنّها تتّبع طريق صغارها إلى الورقة التي اختفوا داخلها وتتولّى حراستهم ورعايتهم في غصن تلك الورقة قاطعة الطّريق أمام الأعداء الذين قد يكونون تتبّعوها إلى تلك الورقة. وأحيانا تنجح هذه الحشرة في طرد حشرات "k?z" ثمّ تمنع يرقاتها من الذّهاب إلى أيّة ورقة طرية أخرى اعتباطا وإنما تختار هي بنفسها الورقة الأكثر أمنا و اتخاذها ملجأ لهم. وغالبا ما تموت هذه الحشرات عند الدّفاع عن يرقاتها ولكنّها توفّر لهذه اليرقات امكانية الهرب والاختفاء عن نظر الأعداء (90).

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر

    flower3 تغـذيـة الصّـغار

    تغـذيـة الصّـغار

    يحتاج الصّغار إلى تغذية من قبل الأبوين بقدر حاجتهم إلى الحماية من خطر الأعداء و يجتهد الأبوان في صيد ما يقتاتون به أكثر من أي وقت آخر وذلك لتوفير حاجة الصّغار من الغذاء وهما في الوقت نفسه على أهبة الاستعداد لدرء خطر الأعداء المتربّصين, فعلى سبيل المثال يقوم ذكر الطّير والأنثى بتغذية فراخهما بمعدل 4-12 مرة في السّاعة يوميا، وعندما يكون لديهم أكثر من فرخ ينبغي عليهم أن يخرجوا من عشّهم مئات المرّات يوميا لجلب الغذاء الكافي لأفراد العائلة، وخير مثال على ذلك الطّائر ذو الرأس الأسود"ba?tankara" الذي يخرج ويعود إلى عشّه بمعدل 900 مرّة يوميا جالبا في منقاره الحشرات اللاّزمة لتغذية فراخه (93).

    وعملية التّغذية لدى اللّبائن تختلف نوعا ما لأنّ مسؤوليّة تغذية الصّغار تخصّ الإناث لذلك فهي تحتاج تغذية أكثر من الأيام العادية لتوفير اللّبن الذي هو مصدر الطّاقة الوحيد للصّغار، فعلى سبيل المثال نجد "الفقمة" التي ترضع صغيرها بعد الولادة من 10-18 يوما ويزداد وزن الرّضيع في تلك الفترة، أمّا الأمّ فتتناول غذاء إضافيّا لتوفير اللّبن للرّضيع, ومع ذلك فإنّ وزنها يقلّ نسبيّا بالرّغم من هذه التّغذية الإضافية (94).و بصورة عامة يكون الذّكور والإناث في حالة صرف للطاقة أكثر بثلاثة أو أربعة أضعاف في المرحلة الأولى التي يكون لديهم رضيع منها في المرحلة العادية (95). والأبحاث التي أجريت في جامعة لوزان تم التّوصل من خلالها إلى ما ينفقه الذّكور والإناث لدى الطيور من طاقة وجهد عندما يكون لديها فراخ محتاجة إلى الرّعاية والتغذية. فقد أجرى أستاذ علم الأحياء في هذه الجامعة ويدعى "هاينز ريخفر" وتلامذته تجارب عديدة على طير ba?tankara وتوصّلوا من خلالها إلى المسؤولية الجسيمة التي يتحمّلها ذكر هذا الطّير. فقد قام هذا الأستاذ بتغيير عدد الفراخ في الأعشاش المختلفة و تمّ قياس المجهود الذي يبذله كل ذكر على حدة وتوصّل إلى نتيجة مفادها أنّ الذّكر الذي يملك عددا أكبر من الفراخ يبذل جهدا مضاعفا, ولهذا فإنّه يموت مبكرا. ونسبة التّعرض للأمراض الطفيلية لدى الذّكور كثيرة الفراخ تقدر بـ 76% أمّا الذّكور العادية والتي لها عدد أقلّ من الفراخ فتقدر بـ 36% (96). هذه المعلومات توضّح لنا مدى التّفاني والتّضحية التي يبذلها الطّير في تنشئة صغاره.
    الطّائر الغواصّ والرّيش الذي يقدّمه طعاما لصغيره

    يعتبر هذا الطّائر بمثابة عشٍّ متحرّك لصغاره إذ يمتطي الصّغار أباهم أو أمَّهم ثمّ يفرش هذا الطّائر جناحيه قليلا لئلاّ يقع الصّغار في الماء، وعندما يحين الإطعام يلوي الطير رأسه إلى الخلف ويبدأ في إطعام صغاره من منقاره المليء بالغذاء, إلاّ أنّ أوّل الغيث لا يكون طعاما بمعنى الطّعام لأنّ الذّكر أو الأنثى يطعمون صغارهم بالرّيش الذي جمعوه من الماء أو الذي نتفوه من صدورهم. ويبلع كلّ فرخ كمّا لا بأس به من الرّيش. ولكن لماذا يطعم الطّير صغيره هذا الريش؟ إنّ هذا الرّيش الذي يتناوله الصّغار لا يهضم في معدتهم و إنّما يتراكم فيها وقسم منها يتكلّس في الفتحة المؤدّية إلى الأمعاء، وهذا التّراكم يمنع من الأذى المصاحب لتناول الأسماك التي قد تؤذي بَطانة المعدة والأمعاء بعظامها. وتستمر الطّيور في تناول الرّيش طيلة فترة حياتها، وبلا شك فإنّ أوّل وجبة من الرّيش يتمّ إطعامها للصّغار لها أهمّيتها القصوى (97).

    و كما هو معروف فإنّ بعض أنواع الطّيور يطعم صغاره السّمك, فيغوص الطّير تحت الماء و يصيد السّمك من ذيله بحركة سريعة بارعة. وهناك سبب مهمّ يجعل الطّير يصيد السّمك من ذيله فالتقاطه بهذا الشّكل ييسّر على الفرخ الصّغير التقامه و أكله لأنّه يكون مقدّما باتجاه ترتيب العظام, أي أنّ التقامه لا يسبّب أيّ خدش أو غصّ في بلعوم الفرخ, وبالتّالي يتمّ التقامه وهضمه بسهولة. ثمّ إنّ الطّريقة التي يصيد بها الطّير السّمكة تكشف كون الصّيد له أو لأولاده, فإن كان المسك من الذّيل فالطّعام للفرخ الصّغير وإن كان من أي جزء آخر من السّمكة فهذا يعني أنّها طعام للبالغين و الكبار (98).
    المسافة الطّويلة التي يقطعها طائر الغواكارو لجلب الغذاء لصغاره

    هذا النّوع من الطّيور يبني عشّه في مكان مرتفع عن سطح الأرض بمقدار 20 مترا. وفي كلّ ليلة يخرج لجلب الفواكه اللاّزمة لتغذية الصّغار بمقدار خمس إلى ستّ مرات، وعند عثوره على الفاكهة المناسبة يسحب خلاصتها اللّينة ثمّ يعدّها لتصبح غذاء لذيذا للفراخ. وتخرج أسرابٌ من هذا النّوع كلّ ليلة للبحث عن الغذاء, وتقطع مسافاتٍ طويلةً تربو على 25 كيلومترا. وهناك أنواع من الحيوانات مثلها مثل طائر الغواكارو تهيّئ الغذاء قبل تقديمه إلى الصّغار, فطائر مثل البليكان يقوم بإعداد ما يشبه الحساء, أمّا طائر عقرب الدقائق yelkovan فتقوم أنثاه بخلط البلانكتون مع الأسماك الصّغيرة لإعداد غذاء دسم للصّغار، أمّا الحمام فيفرز من بلعومه سائلا يعرف بـ"حليب الحمام" و يكون غنيّا بالبروتين والدّهن, ويختلف عن حليب اللّبائن في أنّه يفرز من قبل الذّكر والأنثى على حدّ سواء.وهناك طيور تعد لصغارها غذاءا مشابها للحليب (100).

    وتكون الفراخ الصّغيرة في أمسّ الحاجة إلى رعاية الأبوين، والشّيء الوحيد الذي تفعله أنّها تفتح أفواهها و تنتظر ما يجلبه لها الأبوان من غذاء. ويسلك مثل هذا السّلوك صغارُ طائر النّورس الذي يتغذّى على سمك الرّينكا, فالصّغار يركّزون أفواههم في النّقطة الحمراء الموجودة في منقار الأمّ. أمّا فرخ طائر عَرعَر ard?ç فعندما يشعر بحركة تنمّ عن قدوم أحد الأبوين إلى العشّ يمدّ عنقه بسرعة إلى الأعلى انتظارا للغذاء بالرّغم من أنّ عيونها لم تنفتح بعد. و يكون الصّغار في هذه المرحلة متميزين بهالة لمّاعة صفراء اللّون حول المنقار كأنّما تشير إلى مكان وضع الغذاء. ويكون حيّز المنقار على درجة كبيرة من الحساسيّة تساعده على فتحه بعد أن يغلقه, و هذا اللّون المختلف لمناقير صغار الطّيور وحساسيتها له أهميّة بالغة في عمليّة تغذية الكبار لهؤلاء الصّغار خصوصا لدى الطّيور التي تبني أعشاشها داخل حفر مظلمة.

    ومثال آخر في طير كوليديان اسبينوزا الذي يبني عشّه داخل شقوق مظلمة. ففرخ هذا الطّائر يتميّز بكون منقاره يحتوي من الخارج ومن كلا الجهتين على نتوءين بارزين بلون أزرق و أخضر يلمعان مع أوّل ضوء يدخل العشّ, ويصبحان بذلك مصدرا للضّوء داخل العش المظلم . وهذا اللّون المختلف لا يعتبر دليلا للأم للاهتداء إلى صغارها داخل العش فقط و إنّما يحمل معاني أخرى. فالاختلاف في درجة اللّون يجعل الأمّ تميز بين من تغذّى توّا ومن مازال جائعا لم يتغذّ بعد. فطائر الـ kenevir يكون ما حول منقار صغيره الجائع أحمر اللّون نتيجة تدفّق الدّم للأوعية الدّموية الموجودة في العنق, أمّا إذا تغذّى الفرخ فإنّ معدته تحتاج إلى كميّة أكبر من الدّم تسهّل عمليّة الهضم. لذا فالفرخ الجائع هو الذي يكون احمرار ما حول منقاره بدرجة أكبر. وبهذه الطّريقة يميّز الأبوان بين الفراخ الجائعة و غير الجائعة (101).

    إنّ هذا الانسجام الكامل بين المظهر الخارجي للطّير والأنماط السّلوكية التي يمارسها دليل واضح على وجود خالق واحد للطبيعة والكائنات الحية التي تعيش فيها بل خالق واحد لكل شيء. والصّدفة لا تستطيع أن تخلق هذا الانسجام والتكامل الرائعين.

  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر

    تنبيه الكائنات الحية بعضها البعض بالخطر القادم

    تنبيه الكائنات الحية بعضها البعض بالخطر القادم

    من أهم فوائد العيش ضمن تجمعات هو التنبيه للخطر القادم وتوفير وسائل الدفاع بصورة أكثر فاعلية ، لأن الحيوانات التي تعيش ضمن تجمعات تقوم عند إحساسها بالخطر القادم بتنبيه الباقين بدلا من الهرب والنجاة ، ولكل نوع من أنواع الأحياء طريقته الخاصة بالتنبيه بالخطر، على سبيل المثال الأرانب والأيل يقومان برفع ذيولها بصورة قائمة عند قدوم العدو المفترس كوسيلة لتنبيه باقي أفراد القطيع ، أما الغزلان فتقوم بآداء رقصة على شكل قفزات (110).
    أما الطيور الصغيرة فتقوم بإصدار أصواتا خاصة عند قدوم الخطر ، فطيور " "san?sa?ma تقوم بإصدار أصوات ذات ترددات عالية مع فواصل متقطعة ، وأذن الإنسان تتحسس هذا النوع من الصوت على شكل صفير وأهم ميزة لهذا الصوت هي عدم معرفة مصدره (111). وهذا لصالح الطير المنبه بالطبع ، لأن الخطورة تكمن في معرفة مكان الطير الذي يقوم بوظيفة التنبيه بالخطر وتقل نسبة الخطورة لعد معرفة هذا الصوت .
    أما الحشرات التي تعيش ضمن مستعمرات فوظيفة التنبيه والإنذار تقع على عاتق أول فرد يرى ويحس بالخطر ، إلا من المحتمل أن تكون رائحة المادة التي يفرزها هذا الفرد كوسيلة إنذار قد يحس بها العدو القادم لذا فإنه يضحي بحياته من أجل سلامة المستعمرة (112).
    أما الكلاب البرية فتعيش ضمن مجامع يربو عددها على 30 فردا وعلى شكل مساكن شبيه بمدينة صغيرة ، والأفراد يعرفون بعضهم بعضا في هذه المستعمرة ، وهناك دائما حراس مناوبون في مداخل هذه المدينة الصغيرة ويقفون على أطرافهم الخلفية مراقبين البيئة من جميع الجهات وإذا حدث أن أحد المراقبين رأى عددا يقترب فيبدأ من فوره بنباح متصل شبيه بصوت الصفير، ويقوم باقي الحراس بتأكيد هذا الخبر بواسطة النباح أيضا وعندئذ تكون قد علمت بقدوم الخطر ودخلت مرحلة الاستعداد للمجابهة (113).
    وهنا نقطة مهمة ينبغي التأكيد عليها ، فتنبيه الكائنات الحية عند قدوم الخطر مسألة تثير الاهتمام والفضول ، والأهم من ذلك أن هذه الكائنات تفهم بعضها البعض ، والأمثلة التي أوردناها أعلاه مثلا الأرنب الذي يرفع ذيله عند إحساسه بالخطر فهذه العلامة يفهمها باقي الحيوانات ويدخلون مرحلة التيقظ على هذا الأساس ، حيث يبتعدون أن وجب الأمر الابتعاد أو يختفون إن كان هناك مجال للاختفاء ، والأمر المثير للاهتمام هو :أن هذه الحيوانات متفقة فيما بينها مسبقا على هذه الإشارات بحيث تكون بإشارة واحدة متنبهة بقدوم الخطر ، إلاّ أن هذا الافتراض لايمكن أن يكون مقبولا من أي إنسان ذو تفكير ومنطق ، إذن فالأمر المحتم قبوله هو أن هذه الكائنات الحية مخلوقة من قبل خالق واحد وتتحرك وفق إلهامه وتوجيهه .
    أما المثال المتعلق بالصغير الذي يطلقه الطير عند إحساسه بالخطر وفهمه من قبل وحيد القرن ، وهنا يظهر أمامنا سلوك عاقل ومنطقي يثير الحيرة فينا ، فمن غير الممكن أن تفكر حيوانات غير عاقلة بتنبيه باقي الحيوانات بقدوم الخطر وتكون تلك الحيوانات قد فهمت الإشارة واستوعبتها، وهنا يبرز أمامنا تفسير واحد لسلوك حيوان غير عاقل بهذه الصورة المنطقية وهو : كون هذه الحيوانات قد اكتسبت هذه القابليات والأنماط السلوكية ، وإن الذي خلقها وسواها وهو الله الخلاق العلم الذي يتغمدها برحمته الواسعة .
    مجابهة الأحياء للخطر جماعيّا

    لا تكتفي الحيوانات التي تعيش على شكل مجامع بإنذار بعضها البعض بقدوم الخطر بل تشارك أيضا بمجابهته ، مثلا الطيور الصغيرة ، تقوم بمحاصرة الصقر أو البوم الذي يتجرأ أو يتجرأ ويدخل مساكنها ، وفي تلك الأثناء تقوم بطلب المساعدة من الطيور الموجودة في تلك المنطقة ، وهذا الهجوم الجماعي الذي تقوم به هذه الطيور الصغيرة يكفي لإضافة وطرد الطيور المفترسة (114).
    ويشكل السرب الذي تطير ضمنه الطيور خير وسيلة للدفاع ، فالسرب الذي يطير ضمنه الزرزور يتركون بينهم مسافات طويلة أثناء الطيران وإذا رأوا طائرا مفترسا يقترب كالصقر فسرعان ما يقللون ما بينهم من مسافات مقتربين من بعضهم البعض بتلك يقللون من إمكانية اقتحام الصقر للسرب وإذا أمكن له ذلك فسيجد مقاومة شديدة وربما يصاب بجروح بجناحيه ويعجز عن الصيد (115).
    واللبائن تتصرف على هذه الشاكلة أيضا خصوصا إذا كانت تعيش ضمن قطعان ، ومثال على ذلك الحمار الوحشي حيث يدفع بصغاره نحو أواسط القطيع أثناء هربه من العدو المفترس ، وهذه الحالة درسها جيدا العالم البريطاني "جون كودول" في شرق إفريقيا حيث سجل في مشاهداته كيف أن ثلاثة من الحمير الوحشية تخلفت عن القطيع وحوصرت من قبل الحيوانات المفترسة وعندما أحس القطيع بذلك سرعان ما قفل راجعا مهاجما الحيوانات المفترسة بحوافرها وأسنانها ونجح القطيع مجتمعا في إخافة هؤلاء الأعداء وطردها من المكان (116).
    و عموما فإن قطيع الحمير الوحشية عندما يتعرض للخطر يظل زعيم القطيع متخلفا عن باقي الإناث والصغار الهاربين ، ويبدأ الذكر يجري بصورة ملتوية موجها ركلات قوية إلى عدوه وحتى أنه يرجع ليقاتل عدوه (117).
    ويعيش "الدولفين"ضمن جماعات تسبح سويا وتقوم بمهاجمة عدوها اللدود { الكواسج } بصورة جماعية أيضا ، وعندما يقترب الكوسج من هذه الجماعة يشكل خطرا جسيما على صغار الدولفين حيث يبتعد اثنين من الدولفين عن الجماعة ليلفتا انتباه الكوسج إليهما ويبعدانه عن الجماعة ، وعندئذ تنتهز الجماعة تلك الفرصة في الهجوم فجأة وتوجيه الضربات تلو الضربات على هذا العدو المفترس (118).
    وتسلك سلوكا غريبا آخر حيث أنها تسبح بموازاة جماعات سمك " التونة " التي تشكل مصدرا غذائيا مهما لها ، لهذا السبب فإن صيادي سمك " التونة " يتخذون الدولفين دليلا لهم في اصطياد هذا النوع من السمك ولسوء الحظ هناك حالات كثيرة يتم فيها وقوع الدولفين في شباك الصيادين ولكون هذا الحيوان لينا غير قادر على السفر تحت الماء فسرعان ما يصاب بالهلع ويبدأ بالوقوع نحو قاع الماء ، وفي تلك الأثناء يبدأ باقي الدلافين بنجدة زميلهم وهذا دليل على الترابط العائلي الموجود في الجماعة ، ويبدأ كافة أفراد الجماعة بالنزول إلى الأسفل ومحاولة دفع الشباك إلى الأعلى لإنقاذ حياة زميلهم ، ولكن هذه المحاولات كثيرا ما تبوء بالفشل والموت للكثير منهم لعدم قدرتهم على التنفس تحت الماء ، وهذه السلوك عام لكافة أنواع الدولفين (119).
    أما الحيتان الرمادية فيتسابق ذكرا أو اثنين منها لنجدة أنثى مصابة بجروح عن طريق دفعها نحو سطح الماء لتسهيل تنفسها وكذلك حمايتها من هجمات الحوت القاتل (120).
    ويقوم ثيران المسك بتشكيل دائرة فيما بينها تجاه العدو المفترس ، حيث تخطوا خطوات للوراء دون أن تجعل ظهرها نحو العدو ، والهدف هو حماية الصغار الذين يبقون داخل هذه الدائرة متمسكين بشعر أمهاتهم المتدلي الطويل ، وبهذا الشكل الدائري تنجح الثيران البالغة في المحافظة على حياة الثيران الصغيرة ، وعندما يهجم أحد أفراد هذه الدائرة على هذا العدو سرعان ما يرجع إلى نفس موقعه في الدائرة كي لا يتخلل النظام الأمني (121).
    وهناك أمثلة أخرى تتبعها الحيوانات أثناء الصيد شبيهة بسلوكها أثناء الحماية والدفاع عن النفس فالبجع يقوم بصيد السمك بصورة جماعية ، حيث تشكل نصف دائرة قريبة من الضفة وتضيق من هذه الدائرة شيئا فشيئا ومن ثم تبدأ بصيد الأسماك المحاصرة في هذه المياه الضحلة ، وينقسم البجع في الأنهار الضيقة والقنوات إلى مجموعتين ، وعندما يحل المساء تنسحب هذه الطيور إلى مكان تستريح فيه ولا يمكن أن ترى متشاحنة أو متعاركة فيما بينها سواء في الخلجان أو في أماكن استراحتها (122).
    هذه الأنماط السلوكية التي تبديها الحيوانات من تعاون وتكاتف وتكافل وتضحية تثير أسئلة عديدة في مخيلة الإنسان ، لأن الحديث يدور عن مخلوقات غير عاقلة ليس عن أناس ذوي عقل ودراية أي أن الحديث يدور عن حمير وحشية أو طيور أو حشرات أو الدلافين وغيرها. ولا يمكن للإنسان العاقل أن يفترض أرضية منطقية وعاقلة كتفسير لسلوك هذه الحيوانات ، والتفسير الوحيد الذي يمكن للإنسان العاقل أن يتوصل إليه أمام هذه الأمثلة هو : أن الطبيعة ومحتوياتها ما هي إلا مخلوقات خلقها خالق واحد قدير لا حد لقدرته ، وهذا الخالق هو الذي خلق كافة الأحياء من إنسان أو حيوان أو حشرة أو نبات وخلق كل شيء حي أو غير حي وهو الله البارئ المصور ذو القدرة والرحمة والرأفة والحكمة ، وكما ورد في القرآن الكريم :
    "سورة الجاثية الآية 36-37" قوله تعالى : {فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين (36) وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (37) } صدق الله العظيم
    سورة ص الآية 66 يقول تعالى : { رب السماوات والأرض و ما بينهما العزيز الغفار} صدق الله العظيم .
    التكاتف والتعاون بين طيور إفريقيا

    تعيش طيور إفريقيا على شكل جماعات متعاونة ومتناسقة في أروع صورة ممكنة ، ومصدرها الغذائي يتشكل من الفواكه التي تحملها أغصان الأشجار التي تعيش عليها ، وللوهلة الأولى تبدو لنا عملية التغذي على الفواكه التي توجد في قمة الأغصان غاية في الصعوبة ، لسببين أولهما عدم إمكان الوصول للفاكهة الموجودة في قمة الأغصان وأطرافها من قبل الطيور البعيدة عنها وثانيهما شحة المكان الذي يمكن للطير أن يحط عليه فوق الشجرة فالمتوقع لهذا الطير أن يعاني من الجوع حتما ، ولكن الحقيقة والواقع عكس ذلك تماما .
    تتحرك هذه الطيور الإفريقية نحو أغصان الأشجار وكأنها متفقة فيما بينها مسبقا على أن تكون حركتها بالتناوب حيث تتراص بينها على غصن الشجرة ، ويبدأ الطير الأقرب إلى الفاكهة يتناولها ويأخذ حصته منها ومن ثم يناولها إلى الذي بجانبه وهكذا تتجول الفاكهة من فم إلى آخر حتى أبعد طير على غصن الشجرة وبذلك تتشارك الطيور في التغذية ، ويثار هنا تساؤلا مفاده كيف أمكن لهذه الحيوانات غير العاقلة أن تتصرف وفق هذه التضحية والتعاون فيما بينها وكيف لا يفكر الطير الأقرب إلى الفاكهة بالاستحواذ عليها دونا على الباقين ، ومن أين أتى هذا النظام والانتظام في التغذية بين هذه الطيور في تطبيق لا نظير له في الإحياء ، علما أن لا أحد من هذه الطيور يسلك سلوكا من شأنه أن يخلخل النظام على غصن الشجرة مع هذا لا يشبع العدد المتوقف على غصن الشجرة في المرة الواحدة لعدم كفاية الفاكهة الملتقطة والموجودة على غصن تلك الشجرة ، لذلك تقوم هذه الطيور في الوقوف على غصن آخر مليء بالفاكهة ولكن هذه المرة يكون الطير الأكثر جوعا والأبعد عن الفاكهة في المرة الماضية الأقرب إلى الفاكهة وتبدأ دورة التغذية من جديد وفق نظام يتم بالعدالة والدقة (123).
    الحيوانات المتعاونة عند الولادة

    تكون الحيوانات وخصوصا اللبائن أكثر تعرضا للخطر أثناء الولادة ، لأن الأم ووليدها يكونان لقمة سائغة للحيوانات المفترسة ، ولكن الملاحظ أن هذه الحيوانات تكون بحماية أحد أفراد القطيع عندما تضع وليدها ، على سبيل المثال تختار أنثى الانتيلوب مكانا أمينا بين الأعشاب الطويلة لتضع وليدها ولا تكون وحدها أثناء الولادة حيث تكون بجانبها أنثى أخرى من نفس القطيع كي تساعدها حين الحاجة .
    وهناك مثال آخر للتعاون بين الحيوانات أثناء الولادة وهو " الدولفين" فالوليد الصغير عندما عندما يخرج توا من رحم أمه عليه أن يخرج لسطح الماء للتنفس ، لذلك تدفعه أمه بأنفها إلى أعلى كي يستطيع التنفس ، وتكون الأم ثقيلة الحركة قبل الولادة ، ويقترب منها أنثيين من نفس الجماعة لمساعدتها لحظة الولادة ، وتكون هذه المساعدان تسبحان إلى جانبي الأم لحظة الولادة لمنع أي ضرر يلحق بها في تلك اللحظة الحرجة ، خصوصا أن الأم تكون ثقيلة الحركة ومعرضة للخطر أكثر وقت مضى .
    ويكون الوليد الجديد لصيقا بأمه طيلة الأسبوعين الأولين ، ويبدأ السباحة شيئا فشيئا بعد ولادته بفترة قصيرة وتدريجيا يبدأ بالاستقلال عن أمه ، وتكون الأم في هذه الحالة ضعيفة بعض الشيء ولا تستطيع أن تتأقلم مع حركات الولي الجيد لذا فتتدخل أنثى أخرى لحماية الصغير وتوفير العون الكامل للأم حتى تلتقط أنفاسها (124).
    وعلى نفس الأسلوب تلد الفيلة أولادها ، حيث تكون أنثى دوما لمساعدة الأم أثناء الولادة ، حيث تختفي الأم ووصيفتها داخل الأعشاب الطويلة بكل مهارة حتى تنتهي عملية الولادة وتستمران في رعاية الفيل الجديد طيلة حياتهما ، وتتميز الفيل الأم بحساسية مفرطة خصوصا عندما تكون بجانب وليدها (125).
    وهناك أسئلة عديدة تطرح نفسها في هذا المجال مثلا كيف تتفاهم الفيلة أو غيرها من الحيوانات مع بعضها أو الأنثى التي تصبح مساعدة كيف تفهم أو تشعر باقتراب موعد الولادة لقريبتها ؟
    وهذه الحيوانات لا تمتلك عقلا مفكرا أو إرادة فاعلة لتحديد هذه الأمور الحياتية ، إضافة إلى أن هذه الفيلة السالفة الذكر تسلك نفس السلوك في أية بقعة أخرى في العالم ، ونفس الشيء يقال للدولفين أو غيره من الحيوانات ، وهذا دليل على كونها مخلوقة من قبل خالق واحد يتغمدها برحمته وعلمه الواسعين أينما كانوا .
    الحيوانات الحاضنة لصغار غيرها من الحيوانات

    تمتاز اللبائن بأنها تنشأ علاقات قرابة وطيدة فيما بينها ، على سبيل المثال الذئاب تعيش ضمن عائلة واحدة تتألف من ذكر وأنثى وصغيرهما وربما واحد أو اثنين من ولادات سابقة ، وكل الحيوانات البالغة تقوم بمهمة حماية الصغار ، وأحيانا تبقى إحدى الإناث في الوكر لتقويم بمهمة الحاضن لأحد الصغار طول الليل بينما تقوم الأم بالخروج إلى الصيد مع باقي أفراد الجماعة .
    تعيش كلاب الصيد الإفريقية ضمن جماعات تتألف الواحدة منها من عشرة أفراد ، وتبدأ توزيع الواجبات بين الذكور و الإناث والتي تتلخص بحماية الصغار وتغذيتهم ، وتتسابق فيما بينها على رعاية الصغار ، وعند اصطيادها لفريسة تقوم بتشكيل حلقة حولها لحمايتها من هجوم الضباع ولإفساح المجال للصغار بالتغذي عليها (126).
    ويعيش " البابون " أيضا ضمن جماعة يقوم زعيمها برعاية المرضى والجرحى من أفرادها ، حتى أن البالغين قد يتبنون " بابون " صغير في حالة فقدانه لأبويه ، حيث يأذنون له بالسير معهم نهارا والمبيت عندهم ليلا ، وقد تغير الجماعة مكانها عندئذ تقوم الأم بالمسك من يد صغيرها ليمشي الهويدا في حالة كونه صغيرا جدا لا تستطيع أن تضبط توازنه أثناء حملها له ، والصغير قد يتعب أثناء سيره ويتسلق ظهر أمه غالبا ، وهذا يؤدي إلى تقهقرهم عن الجماعة ، ولو فطن زعيم الجماعة لهذا الأمر يقفل راجعا إلى حيث تقف الأم ويبدأ بمرافقتهم أثناء المسير (127).
    أما أبناء آوى فتعيش مع أمهاتها حتى بعد انقطاعها عن الرضاعة وتصبح يافعة تساعد أمها عند ولادتها لرضيع جديد ، حيث تجلب الغذاء للصغار أو تذهب بهم إلى مكان بعيد لحين ابتعاد الخطر الداهم (128).
    وليس أبناء آوى وحدهم الذين يهتمون برعاية أشقائهم بل تقوم بنفس المهمة طيور مثل دجاج الماء و السنونو حيث تقوم صغارها في الأعشاش القديمة بمعاونة أشقائهم في الأعشاش الحديثة .
    والتعاون في عالم الطيور يتخذ شكلا آخر لأنه يكون بين أزواج الطيور مثل طير النحل حيث يتعاون الزوجان في تنشئة أطفالهما وهذا التعاون من الممكن مشاهدته لدى الطيور بكثرة (129).
    وهذه الرعاية التي تبديها الحيوانات تجاه صغار لا تعود إليهم تعتبر من الأدلة القوية لنسف مزاعم دعاة " التطور " ، وكما أسلفنا القول فإن المؤمنين بنظرية "التطور" يفسرون سلوك الحيوانات المتسم بالتضحية على كونها ليست تضحية بل أنانية لأنها تهدف إلى الحفاظ على الجينات الوراثية ونقلها إلى أجيال لاحقة فقط .
    ولكن اتضح من الأمثلة السالفة أن هذه الحيوانات لا تبد اهتمام ورعاية لأبناءها من حملة جيناتها فقط وإنما تجاه حيوانات لا تحمل أية جينات منها أصلا بمنتهى الرأفة والرحمة والشفقة ، أي أن هذه الفرضية فرضية "الجين الأناني" التي ساقها المؤمنون بنظرية " التطور" قد أفلست تماما وثبت عدم صحتها بالمرة. ومن المستحيل ان يفكر حيوان غير عاقل بنقل جيناتها إلى جيل لاحق. ولو قبلنا أن تكون هذه الحيوانات مبرمجة على عملية نقل الجينات فيجب علينا أن نقبل وجود مبرمج لهذا البرنامج. وكلّ حيوان نصادفه في الطبيعة وندرس طبائعه وخصائصه يقودنا الى الى خالق واحد لهذا الوجود .وهذا الخالق بلا شك هو الله الرحمن الرّحيم.
    التضحية الموجودة في المستعمرات

    تعيش كائنات مثل النحل والنمل و النمل الأبيض ضمن تشكيلات اجتماعية يتم بناؤها بانتظام وطاعة وتوزيع الواجبات إضافة الى التضامن والتضحية .وهذه الأحياء الصغيرة تبذل كل جهدها ووقتها في سبيل الحفاظ على سلامة اليرقات منذ لحظة خروجها من البيض وعلى سلامة المستعمرة وتأمين غذاءها. و تتقاسم غذاءها فيما بينها وتقوم بتنظيف المكان الذي تتواجد فيه وإذا اقتضى الأمر تضحي نفسها من أجلها غيرها.
    والكل يعرف ما عليه أن يفعله ة ويحرص على فعل ما بوسعه على بأكمل وجه .وكل واحد منها يهتم بالمستعمرة واليرقات الضعيفة وهذان الهدفان من الأولويات المهمة لديها. ولا يمكن لنا أن نشاهد ضمن أنماطها السلوكية أي دليل على أنانيتها البتة.وهذا بلا شك سبب نجاح هذه الأحياء في الحياة ضمن مستعمرة ملؤها النظام والانتظام.
    ويحدثنا بيتر كرو بوتكين عن مدى النجاح الذي يتوصل إليه النحل و النمل اللأبيض ضمن العيش في مستعمرة يتسم كيانها بالتعاون المتبادل كما يلي : لو تصورنا المستعمرات التي ينشئها النحل أو النمل اللأبيض بمقياس المنازل التي ينشئها بني الإنسان لكانت هذه المستعمرات متطورة للغاية في أسلوب بنائها وادارتها لانها تتالف من طرق معبدة ومخازن مهياة للاستهلاك عند الحاجة وصالات فسيحة اضافة الىمخازن للحبوب ومساحات اخرىلجعلها مخزنا للحبوب وتستخدم في هذه المستعمرات مختلف الوسائل لرعاية البيض واليرقات .وأخيرا المجهود الضخم الذي تبذله في حياة المستعمرة كل ذلك دليل على التضحية و التعاون المتميزين في كل خطوة من خطوات العمل 130.

  6. #16
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر
    معالم التضحية في مستعمرة النمل

    من أهم معالم الميزة لمستعمرة النمل المشاركة في الغذاء . فإذا تقابلت نملتان وكانت إحداهما جائعة أو عطشى والأخرى تملك شيئا في بلعومها لم يمضغ بعد فان الجائعة تطلب شيئا من الأخرى التي لا ترد الطلب أبدا وتشاركها في الأكل والشرب .وتقوم النملات العاملات بتغذية اليرقات بالغذاء الموجود في بلعومها .وفي أغلب الأحيان تكون كريمة مع غيرها وبخيلة مع نفسها يشأن الغذاء131.
    2. هناك توزيع في أداء الواجبات ضمن المستعمرة الواحدة وكل نملة تؤدي ما عليها من واجب بكل تفاني وإخلاص .وإحدى هذه النملات هي البوابة او حارسة الباب .وهي المسؤولة عن السماح بدخول النمل من أبناء المستعمرة فقط ولا يسمح للغرباء بالدخول أبدا وتكون رؤوس هذه الحارسات بحجم بوابة المستعمرة فتستطيع أن تسد هذه البوابة برأسها. وتظل الحارسات طيلة اليوم يقمن بواجبهن وهو حراسة مدخل المستعمرة 132 لذلك فان أول من يجابه الخطر هؤلاء الحارسات.
    3. لا تكتفي النملات بمشاركة أخواتها بالطعام الذي تحمله في معدتها بل تقوم بتنبيه الباقيات الى وجد طعام أو كلإ في مكامن ما صادفته .وهذا السلوك لا يحمل في طياته أي معنى للأنانية. وأول نملة تكشف الغذاء تقوم بملء بلعومها منه ثم تعود الى المستعمرة .وفي طريق العودة تقوم بلمس الأرض بطرف بطنها تاركة مادة كيمياوية معينة ولا تكتفي بذلك بل تتجول في أنحاء المستعمرة بسرعة ملحوظة ثلاث او ستة مرات وهذه الجولة تكفي لإخبار باقي أفراد المستعمرة بالكنز الذي وجدته .وعند عودة النملة المكتشفة إلى مصدر الغذاء يتبعها طابور طويل من أفراد المستعمرة.
    4.هناك نمل يدعى قطاع الورق تكون عاملاته المتوسطة الطول مشغولات طيلة اليوم بحمل أجزاء الورقة النباتية إلى المستعمرة .ولكنها تكون في غاية الضعف عند حملها للورقة النباتية خصوصا تجاه الذباب أو أبناء جنسه .ويترك الذباب بيضه على رأس هذا النمل .وتنمو يرقة هذا الذباب متغذية من مخ هذه النملة وهو ما يؤدي الى موتها.وتكون عانلات هذا النوع من النمل في غاية الضعف أمام سلوك هذا الذباب خصوصا عند حملهن للورقة النباتية .ولكن هناك من يحميهن من هجوم هذا الذباب وهم النمل الذين من نفس المستعمرة وقصيري القمة يقومون بوظيفة حراسة العاملات بواسطة جلوسهم فوق الورقة النباتية وعلى أهبة الاستعداد لرد أي هجوم من الذباب على أعقابه133.
    هناك نوع من النمل يدعى نمل العسل وسبب هذه التسمية أنها تتغذى على فضلات بعض الحشرات المتطفلة على الأوراق النباتية وتكون فضلات هذه الحشرات غنية بالمواد السكرية. وتحمل هذه النملات ما مصته من فضلات سكرية إلى مستعمرتها و تخزنها في أسلوب عجيب وغريب .لان البعض من هذه النملات العاملات يستخدم جسمه كمخزن للماد السكرية .وتقوم العاملات اللاتي حملن المواد السكرية بتفريغ حمولتهن داخل أفواه العاملات او-المخازن الحية-والتي بدورها تملأ الأجزاء السفلية من بطونها بهذا السكر حتى تنتفخ بطونها ويصبح حجمها في بعض الأحيان بحجم حبة العنب .ويوجد من هذه العاملات في كل غرفة من غرف الخلية عددا منهن يتراوح بين 25و30نملة ملتصقات بواسطة سيقانهن بسقف الغرفة في وضع مقلوب .ولو تعرضت إحداهن للسقوط تسارع العاملات الأخريات إلى إلصاقها من جديد .والمحلول السكري الذي تحمله كل نملة يكون أثقل بثماني مرات من وزن النملة نفسها.وفي موسم الجفاف أو الشتاء تقوم باقي النملات بزيادة هذه المخازن الحية لأخذ احتياجاتها من الغذاء - السكر - اليومي .حيث تلصق النملة الجائعة فمها بفم النملة المنتفخة وعندئذ تقوم الأخيرة بتقليص بطنها لإخراج قطرة واحدة الى فم أختها .ومن المستحيل ان يقوم النمل بتطوير هذه المخازن وابتكارها بهذه الطريقة العجيبة ومن تلقاء نفسها .واضافة الى ذلك التفاني والتضحية التي تتسم بها النملة المنتفخة حيث تحمل ما هو أقل من وزنها ثماني مرات فضلا عن بقائها ملتصقة وبالمقلوب مدة طويلة جدا ودون مقابل. وان هذا الأسلوب المبتكر وفقا لبنية تلك النملة ليس من الصدفة وحدها .لأن هناك نمل متطوع أن يصبح مخزنا حيا في كل جيل جديد وطيلة أجيال سابقة ولاحقة .بلا شك أن سلوكها هذا من تأثير الإلهام الإلهي الذي خلقهن وسواهن عز وجل .
    6.هناك أسلوب للدفاع عن المستعمرة يتبعه النمل أحيانا وهو الهجوم على العدو والتضحية حتى الموت.وتوجد أشكال عديدة لهذا الهجوم الانتحاري .منها الأسلوب الذي يتبعه النمل الذي يعيش في الغابات المطرية في ماليزيا فجسم هذا النوع من النمل يتميز بوجود غدة سمية تمتد من رأس النمل حتى مؤخرة جسمه.وان حدث أن حوصرت النملة من كل جهة تقوم بتقليص عضلات بطنها بشدة تكفي لتفجير هذه الغدة بما فيها من السم بوجه أعدائها ولكن النتيجة موتها بالطبع 134.
    7.يقدم ذكر النمل ومثله الأنثى تضحية كبيرة في سبيل التكاثر .فالذكر المجنح يموت بعد فترة قصيرة من التزاوج .أما الأنثى فتبحث عن مكان مناسب لإنشاء المستعمرة وعندما تجد هذا المكان فان أول عمل تقوم به هو التخلي عن أجنحتها .وبعد ذلك تسد مدخل المكان وتظل كامنة داخله لأسابيع وحتى الشهور دون أكل أو شرب .وتبدأ بوضع البيض باعتبارها ملكة المستعمرة .وتتغذى في هذه الفترة على جناحيها الذين تخلت عنهما .وتغذي أول اليرقات بإفرازاتها هي وهذه الفترة تعتبر الوحيدة بالنسبة للملكة التي تعمل فيها لوحدا بهذا الجهد والتفاني وهكذا تبدأ الحياة بالمستعمرة
    8.إذا حدث هجوم مفاجئ من قبل الأعداء على المستعمرة تقوم العملات ببذل ما بوسعهن للحفاظ على حياة الصغار . ويبدأ النمل المقاتل بالتحرك صوب الجهة التي هجم منها العدو ومجابهته فورا. أما العاملات فتسرع نحو الغرف التي توجد فيها اليرقات لتحملها بواسطة فكوكها إلى مكان معين خارج المستعمرة لحين انتهاء المعركة 133 والمتوقع من حيوان كالنمل في مثل هذا الموقف العصيب أن هذا الموقف العصيب أن يفر هاربا ويختفي فيه عن انظار الأعداء ، ولكن الذي يجري في المستعمرة غاية في التضحية والتفاني من أجل سلامة المستعمرة, فلا النّمل المقاتل ولاحراس البوابة ولا العاملات يفكرون في أنفسهم فقط، فالكلّ يفكّر في المستعمرة بأكملها، وهذا ديدن النّمل منذ ملايين السنين.
    و بلا شك فإنّ الأمثلة سالفة الذّكر تعتبر أمثلة محيرة من عالم الأحياء, والمحير فيها أنّ هذه الأنماط السّلوكية صادرة عن كائنات حيّة صغيرة كالنمل و هو ما يصادفه الإنسان في حياته اليومية دون أن يشعر بتفاصيل حياة هذا المخلوق. ولو دققنا في هذه التفاصيل لوجدنا أمورا عجيبة وغريبة تجبرنا على التفكير بروية في ماهيتها لأن هذه الحيوانات تمتاز بوجود جهاز عصبي دقيق للغاية ومخّ محدود الحجم والارتباطات العصبية مع هذا تقوم بسلوكيات لا يمكن القول عنها إلاّ أنها شعورية محض، والسبب كونها منفذة مطيعة لما أمرت به أن تنفذه منذ ملايين السنين دون فوضى أو إهمال أو تقصير، وما هذا الأمر المنفذ بحذافيره إلا إلهام إلهي من الخلاق العليم جل جلاله. وهذا الانقياد التام من الكائنات الحية للخالق عز وجل يصوّر من قبل القرآن كما يلي :
    : { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } سورة آل عمران - الآية 83
    صور من التّضحية في خليّة النّحل
    إنّ التضحية والتفاني الموجودين في عالم النمل موجودان بوضوح أيضا في عالم النحل، فهناك تشابه شبه كلي بين سلوك العاملات في كلا العالمين لأنّها تتفانى في سبيل الحفاظ على حياة وسلامة الملكة واليرقات علما أن هذه العاملات عقيمة وهذه اليرقات ليست من صغارها. وتتألف خلية النحل من الملكة والذكور المسؤولة عن تلقيح الملكة والعاملات، والعاملات تعتبر المسؤولة الأولى والأخيرة عن إدارة الخلية بمختلف نشاطاتها الحيوية اليومية مثل إنشاء الغرف الشمعية و نظافة الخلية و أمن الخلية و تغذية الملكة والذكور و الاعتناء باليرقات و إنشاء الغرف حسب نوع النّمل الذي يخرج من البيض من ملكة أو ذكر أو عاملة ، وتهيئة هذه الغرف بصورة مناسبة، وتنظيفها، إضافة إلى توفير الدفء والرطوبة اللازمين للبيض، وتوفير الغذاء لليرقات حسب الحاجة { الغذاء الملكي ، العسل الممزوج برحيق الأزهار } وجمع المواد اللازمة لصنع الغذاء مثل خلاصة الفواكه ، رحيق الأزهار ، الماء ونسغ الأشجار …
    ويمكننا أن نرتّب المراحل أو الأطوار الحياتية التي تمر بها النحلة العاملة وفق التسلل الزمني كما يلي : ( تعيش النحلة العاملة من 4-6 أسابيع .وعندما تخرج العاملة من الشرنقة كاملة النمو تظل تعمل داخل الخلية فترة ثلاثة أسابيع تقريبا أو أقل قليلا، و أول عمل تقوم به الاهتمام بتنشئة اليرقات ورعايتها. وتتغذى النحلة العاملة على ما تأخذه من العسل ورحيق الأزهار المتوفرين في مخازن خاصة داخل الخلية إلا أنها تقدم جزءا كبيرا مما تحصل عليه إلى اليرقات كي تتغذى عليها، وتنفذ عملية تغذية اليرقات عن طريق إخراج جزء مما تغذت عليه سابقا من معدتها والجزء الآخر يتم إفرازه من غدد خاصة موجودة في منطقة الرأس وهذه الغدد تفرز مادة جيلاتينية تعتبر غذاء لليرقات .
    وهناك سؤال يطرح نفسه : كيف يمكن لكائن حي خرج توا من الشرنقة أن يعرف ما عليه أن يفعله دون اعتراض وهذا يشمل كلّ النحل؟ والمفروض في هذه العاملات أن تفكر في إدامة حياتها وكيفية الحفاظ عليها لحظة خروجها من الشرنقة دون تفكير في التضحية من أجل الغير أو دون الإقدام على أي سلوك شعوري، ولكن الحاصل غير ذلك تماما، فهذه العاملة تتصرف انطلاقا من مسؤولية كبيرة تشعر بها تجاه اليرقات وتقوم بحضنهن والاهتمام بسلوكية متوقعة منها.
    2- عندما تدخل النّحلة العاملة يومها الثاني عشر في الحياة تنضج غددها التي تفرز شمع العسل عندئذ تبدأ العاملات ببناء الغرف الدراسية وترميم الموجود منها والمخصصة لكن اليرقات وتخزين الغذاء .
    3-في الفترة المحصورة بين اليوم الثاني عشر ونهاية الأسبوع الثالث تقوم العاملات بجمع رحيق الأزهار وخلاصة العسل اللذين جلبا من قبل الذاهبين خارج الخلية. وتقوم بتحويل خلاصة العسل إلى عسل وتخزنه فيما بعد، وفي نفس الأثناء تقوم بتنظيف الخلية من الفضلات والأوساخ وأجساد النحل الميت رامية إياهن خارج الخلية .
    4-تصبح الخلية العاملة في نهاية الأسبوع الثالث جاهزة أن تخرج لجمع خلاصة العسل ورحيق الأزهار والماء ونسغ النباتات .
    تبدأ النحلات العاملات بالخروج للبحث عن الأزهار الحتي تحتوي على خلاصة العسل .
    وهذه العملية { عملية جمع ال غذاء } مرهقة للغاية، فتصبح النحلة العاملة مرهقة ومتعبة حتى الموت في نهاية أسبوعين أو ثلاثة من العمل المرهق(136). والملاحظ هنا أن هذه النحلة العاملة تفرز عسلا بمقدار يفوق حاجتها بكثير. وهذه الملاحظة تحتاج إلى تفسير طبعا، وأن السّفسطة التي يقول بها دعاة التّطور لا يمكن لها أن تفسر هذا السّلوك المتفاني من كائن حي يفترض فيه أن يهتم بسلامة وإدامة حياته فقط .
    وهنا تتجلى لنا آية من آيات الله سبحانه وتعالى كما أوضحنا في صفحات سابقة بأن الله عز وجل هو الذي ألهم النحل هذا السلوك العجيب استنادا لما ورد في سورة النحل من القرآن الكريم ، وهذا هو التفسير الوحيد لسلوك النحل فهو يلبي دعوة الرحمان وإلهامه إياه دون تقصير أو كلل ، وما على الإنسان إلا أن يتفكر أمام هذه الحقيقة الساطعة استجابة للآية القرآنية الآتية :
    { سورة النحل -الآية 69 } قوله تعالى : { ثم كلي من الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } صدق الله العظيم .
    5- تنتظر العاملات مهمة أخرى محتاجة للتنفيذ قبل خروجهن لجلب الغذاء وهي مهمة الحراسة .
    هناك عدد من النحل في باب كل خلية مهمتهم حراستها من دخول الغرباء ، فكل من لا يحمل رائحة التبعية إلى الخلية يعتبر مصدرا للخطر على حياة الخلية واليرقات .
    وإذا حدث أن شوهد غريب في مدخل الخلية تبدأ الحارسات بالهجوم عليه بشدة ، ورنين أجنحة الحارسات الشديد يعتبر كصفارة إنذار بقدوم الخطر لباقي سكان الخلية ، وتستخدم الحارسات إبرهن اللاسعة كسلاح فعال ضد العدو الغريب ، والسم الذي تفرزه الحارسات له رائحة مميزة تنتشر في كافة أنحاء الخلية كعلامة للخطر الداهم . عندئذ يتجمع سكان الخلية عند المدخل للمساهمة في القتال ضد العدو الغريب .وإذا لدغت الحارسة عدوها بإبرتها تبدأ بفرز السم وهذا يؤدي إلى انتشار الرائحة أكثر فأكثر ، وكلما ازدادت رائحة السم داخل الخلية كلما ازداد النحل هيجانا وشراسة ضد العدو الغاصب (137).
    إن مهمة الدفاع عن الخلية تعتبر بمثابة انتحار ، لأن إبرة النحل اللاسعة تحتوي على رؤس مدببة مثل أشواك القنفذ ، ولا يمكن للنحلة أن تسحب إبرتها بعد غرزها في جسم حيوان بسهولة وعندما تحاول الطيران تبقى الإبرة مغروزة في جسم الحيوان {العدو} و تتعرض بذلك النحلة إلى جرح مميت نتيجة تعرض بطنها إلى شق عميق من ناحية الخلف ، وفي هذه الناحية من البطن توجد الغدد التي تفرز السم والعقد العصبية التي تتحكم بها وعندما تلفظ النحلة أنفاسها الأخيرة يقوم باقي النحل بالاستفادة من موتها عن طريق أخذ السم الموجود في غدد القتيلة والاستمرار بضنحة في جرح العدو الغريب (138).
    بعد هذا الاستعراض ، كيف لنا أن نفسر سلوك كائن حي يبدأ منذ أول مرة خطوة له في الحياة بالعمل الدؤوب والمثابرة دون كلل أو ملل من أجل راحة الغير وسلامته وحتى تضحيته بحياته من أجل سلامة الآخرين ؟إضافة إلى هذه الأنماط السلوكية هي نفسها في كل أنواع النحل والنمل أينما وجدت على الكرة الأرضية ومنذ ملايين السنين ، والحقيقة تبرز أمامنا بوضوح ،حقيقة سلوك هذه الكائنات الصغيرة بحجمها والكبيرة بتضحياتها من تأثير الهام الله عز وجل لها .
    " سورة هود - الآية 56 " قوله تعالى : { إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم } صدق الله العظيم .

    الخاتــــــمة

    بعد هذا العرض الموجز لأمثلة الكائنات الحية المختلفة يتضح لنا أن هنالك قاسما مشتركا بين الأنماط السلوكية التي تبديها وهو التضحية والرحمة والشفقة ، وكل منها يراعي صغيره ويدافع ويحمي عائلته أو أي حيوان آخر بأروع صورة ممكنة ، وكل منها يضرب لنا مثلا بالرحمة والمودة وبنفس الوقت يساعد بعضها البعض عند الخطر وفق سلوك عقلاني مدهش ، إضافة إلى تغذية بعضها البعض بأساليب ذكية ، وتبني هذه الحيوانات بيوتها ببراعة مهندس معماري حاذق ومهارة بنّاء خبير .
    وهناك نقطة مهمة للغاية ونؤكد عليها طيلة صفحات هذا الكتاب وهي : أن الحديث يدور عن كائنات حية منها الصغير مثل الحشرات ومنها الطيور والضفادع ، وهل لنا أن ندعي أن هذه الكائنات الحية التي لا تملك إلا ما يشبه المخ أو ما يقوم مقامه تخترع شيئا جديدا أو تبتكر وسيلة ما ناجعة في الحياة ؟

    وهل تعرف الطيور أو الحشرات كيفية إبداء سلوك يتم بالرحمة والشفقة ؟
    كيف لنا أن نفسر سلوك ذكر البطريق المليء بالتضحية والفداء من أجل سلامة أنثاه وأولاده ؟
    لماذا ترمي الغزلان أو الحمير الوحشية بنفسها أمام الخطر المفترس كحاجز بينه وبين صغارها ؟

    وهذه الأسئلة تعتبر معضلة كبيرة أمام نظرية "التطور" التي تدعي أن الأحياء نشأ وآمن جراء الصدفة وحدها ومن أشياء غير حية ، ويدعي دعاة "التطور" أن الأحياء تسلك هذا السلوك نتيجة غرائزها .

    وهذه الغرائز مودعة في جيناتها وهذه الادعاءات تقودهم إلى مآزق فكرية لا مخرج لها ،لأن السؤال المنطقي الذي يعقب هذه الادعاءات هو : من الذي وضع أو برمج الغرائز في هذه الجينات التي نتج عنها السلوك المتسم بالتضحية والرحمة والشفقة ، والذي يقود الكائن الحي إلى بناء المساكن والأعشاش عن سابق معرفة ؟ كيف تشكلت هذه الأنماط السلوكية داخل الجين المتألف من مواد غير حية كالكربون والفوسفات ؟
    ولا يملك دعاة " التطور " أية إجابة عن هذه الأسئلة ، وتنحصر إجابتهم في ردود لا تقدم ولا تؤخر ولا تنفع إلا لذر الرماد في العيون وتتمثل بكون هذه الخصائص أو الغرائز قد تم برمجتها في الجينات عن طريق " الطبيعة الأم " ، وكثيرا ما نسمع منهم " أن الطبيعة هي التي أعطت للأحياء خاصية ورعاية الصغار " ولكن هذه الطبيعة تمتلك فعلا مثل هذه القدرة والطبيعة التي نتحدث عنها مخلوقة بدورها وتتألف من أشجار وأحجار وأنهار والجبال والمياه والتراب ، يا ترى أي جزء من هذه الأجزاء يملك المقدرة على إكساب الكائنات الحية أنماطا سلوكية مختلفة ؟
    وهذا الإدعاء الباطل من قبل هؤلاء قد تحدث عنه القرآن الكريم في معرض إيراده لأمثلة الجاحدين والناكرين لقدرة الله تعالى وجعلهم الطبيعة ندا لله حاشاه ، والصحيح أن للطبيعة بدورها مخلوقة وتتألف من كائنات حية وغير مخلوقة ولا تملك الطبيعة أية قدرة على الإكساب أو الخلق ، ويصف لنا القرآن حال الذين يصفون الأشياء الضعيفة بالقوة والقدرة : " سورة الفرقان - الآية 3 " قال تعالى :{ واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } صدق الله العظيم .

    ومن المستحيل قطعا أن يمتلك كائنا حي المقدرة والذكاء

    والمعرفة والمفاهيم المعنوية بتأثير كائنات لا تملك عقلا ولا قوة وهذا الأمر يتنافى مع قواعد العقل والمنطق .
    والحقيقة أمامنا ساطعة كالشمس وهي سلوك هذه الأحياء هذا السلوك المتصف بالرحمة والشفقة والتفاني والتضحية بتأثير الإلهام من الله الرحمن الرحيم الذي وسع كرسيه كل شيئا رحمة وعلما .
    وأن الأمثلة التي أوردناها في هذا الكتاب دليل على قوة ورحمة وقدرة الله تعالى على جعل هذه الكائنات تتبع هذا السلوك المتميز ، فالطير أو الغزال الذي يدافع عن صغيره ويذود عنه ويعمل جاهدا لتنشئته سليما آمنا لا يفعل كل ذلك إلا بإلهام إلهي .
    ورحمة الله التي وسعت كل شيء لا ترى أمثلتها في الحيوانات فقط بل يمكن رؤيتها في الإنسان أيضا لذلك فاللذين يتفكرون ويتمتعون في أصل ومصدر الأشياء لاشك سيصلون إلى النتيجة البديهية : " سورة هود - الآية 57 " { فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم و يستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إنّ ربي على كل شيء حفيظ }
    صدق الله العظيم .
    " سورة المؤمنين - الآية 118 " { وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين } صدق الله العظيم .

  7. #17
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر

    flower3 خطأ نظرية التطور

    خطأ نظرية التطور

    طيلة صفحات الكتاب تفحصنا الطبيعة بمحتوياتها غير الحية مثل جسيماتها الهواء ، الضوء ، الذرات، العناصر ، ونتيجة لهذا التفحص توصلنا إلى عدم إمكانية ظهور الكون بالصدفة ، بالعكس فكل جزء من أجزاء الكون يشير إلى عملية خلق باهرة ، أما المادية التي تعارض عملية الخلق فليست إلا عبارة عن سفسطة علمية لا غير .
    وأن سقوط المادية لاشك أدى إلى اضمحلال النظريات الفلسفية القائمة عليها وعلى رأسها نظرية "التطور" أو " الدارويننية " ، لأن هذه النظريات قد ثبت إفلاسها علميا بعد إثبات خلق الأحياء من مواد غير حية من قبل الله سبحانه وتعالى ، ويتحدث العالم الأميركي " هوك روس " والمتخصص في الفيزياء الكونية { الفلكية } عن هذا الأمر قائلا :
    " تستند الحركات الإلحادية والنظريات الدارويننية والفلسفية منذ القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين على فرضية خاطئة تنصر على وجود الكون منذ الأزل ، ولكن نظرية الانفجار الكبير وضعتنا أمام السبب الذي خلق من أجله الكون وهذا التساؤل نفسه يؤدي بنا إلى من خلق الكون وما مصدر الحياة ؟ (139).
    فالذي خلق الكون و سوّاه في كل صغيرة وكبيرة هو الله الخالق فاطر السماوات والأرض ، إذن فمن المستحيل أن يكون خلق الأحياء من جراء المصادفة وحدها كما تدعي نظرية "التطور" .
    علما بأننا عند دراستنا لهذه النظرية لوجدنا أدلة دامغة عدم صحتها ، ويعتبر تصميم الكائن الحي بكل صفاته وخصائصه أكثر تعقيدا وصعوبة من تصميم الكائنات غير الحية كما تحدثنا عن ذلك في صفحات الكتاب ، ففي العالم غير الحي تكون الذرات صغيرة جدا وذات نظام دقيق للغاية في البنيان والحركة ولكن هذه الذرات أعيد ترتيبها معينا ومعقدا ومفصلا في أجسام الكائنات الحية لصنع وتركيب البروتينيات والإنزيمات وكافة المواد اللازمة للخلية عبر آلية معينة ومنظمة . وهذه الآلية الحيوية قد أثبتت قتل نظرية داروين في التطور عند نهايات القرن العشرين .
    ورأينا هذه الحقيقة عبر إيراد أمثلة مختلفة ولازلنا نورد الأمثلة عليها ، ورأينا أن تلخيص الموضوع مفيد من كافة النواحي .


    السّقوط العلمي لنظرية داروين

    تعتبر هذه النظرية قديمة جدا ويرجع تاريخها إلى الإغريق ولكن لم تتشكل ضمن قالب علمي إلا في القرن التاسع عشر ، والسبب الرئيسي الذي جعل هذه النظريات العلمية هو تأليف ونشر كتاب " أصل الأنواع " من قبل تشارلس داروينن سنة 1859، وعارض داروينن في كتابه هذا فكرة خلق الأحياء من قبل الله سبحانه وتعالى ، وحسب رأيه أن الأحياء نشأت من أصل واحد وجد واحد واختلفت فيما بينها بمرور الزمن .
    ولم تستند نظرية داروينن على أي دليل علمي مادي ، وإنما كانت فرضية منطقية وهو نفسه يقبل بهذه الحقيقة ويحتوي الكتاب على باب مطول للغاية تحت عنوان " صعوبات النظرية " يعترف فيه داروينن بأن هناك أسئلة عديدة عجزت النظرية في الإجابة عنها وكأن يأمل داروينن في التقدم العلمي كمخرج له لإيجاد ردود على الأسئلة المستعصية و الأدلة المقنعة لذلك وأن هذه الأدلة ربما تزيد قوة وصحة نظريته ، إلا التقدم العلمي قد خيب أمله وفند مزاعمه واحدا تلو الآخر وأثبت بطلان نظريته .

    ويمكن تلخيص سقوط نظرية داروينن أمام العلم تحت ثلاثة موضوعات رئيسية :

    1) عجز النظرية عن تفسير كيفية نشوء الحياة على كوكب الأرض .
    2) أن فرضية وجود " آلية التطور " التي ساقتها النظرية افتقرت إلى ما يثبت صحتها من دليل علمي يمكن الاستناد عليه في نقدها وتحليلها علميا .
    3) البيانات التي أتى بها علم المتحجرات والتي تضاربت مع النظرية .

    وفي هذه المقالة سنتحدث بإسهاب عن هذه الموضوعات الرئيسية
    العقبة الرئيسية أمام النظرية والتي لم تتجاوزها : أصل الحياة
    تدعي نظرية " التطور" أن الحياة نشأت قبل 3.8 مليار سنة في العهود الأولى للأرض ومن خلية حية واحدة وبعد هذا الإدعاء ظهرت أسئلة على رأسها كيفية نشوء الأنواع العديدة والتي تقدر بالملايين من خلية واحدة ولو كان هذا الفرض صحيحا لماذا لم نجد دليلا واحدا في المتحجرات التي تظهر نتيجة الحفريات ، ولكن التساؤل الرئيسي في هذا الموضوع كيف ظهرت تلك الخلية الحية الأولى إلى الوجود ؟

    وحسب هذه النظرية فإن هذه الخلية ظهرت إلى الوجود نتيجة الصدفة وحدها رافضة أي احتمال خارجي أقوى من الطبيعة ومعارضة لفكرة الخلق ، أي أن النظرية تدعي بنشأة مادة حية من مواد غير حية ، ولكن هذا الإدعاء منافي لبديهيات علم الإحياء .
    الحياة تنشأ من الحياة

    لم يتحدث داروين في كتابه عن أصل الحياة أبدا ، لأن الفكرة السائدة في تلك المرحلة كانت تدور حول تشكل الكائنات الحية من وحدات بنائية بسيطة ، والنظرية المتواترة من القرون الوسطى كانت حاكمة على عقول العلماء وتتلخص بـ" الجيل الناشئ تلقائيا " أو أن المواد غير الحية تجمعت ونشأ منها هذا التجمع كائنا حيا ، حتى أن البعض أو أغلب المفكرين كان يظن أن الحشرات تنشأ من فضلات الأكل أو فتات المائدة والفئران تنشأ من القمح ، وأجريت تجارب غريبة من نوعها لإثبات هذه النظريات . حتى أن البعض ذهب بعيدا في خياله العلمي ظانا أن وضع حفنة من القمح على قطعة قماش مهترئة و الانتظار قليلا يؤدي إلى خروج فئران جديدة إلى الوجود . والدليل الآخر الذي استند عليه المفكرون في تصديقهم لفكرة النشوء الحي من غير الحي رؤيتهم الدود يغزو اللحم المتعفن ، ولكن اتضح فيما بعد أن هذا الدود لا يظهر من تلقاء نفسه بل ينقل إلى اللحم بواسطة الذباب الذي يحط على اللحم حاملا معه يرقات هذا الدود التي لا ترى بالعين المجردة .
    أما الفترة التي ظهر فيها كتاب "أصل الأنواع" لداروين فقد كانت هناك فكرة سائدة في أوساط العلماء تفيد بأن البكتيريا تنشأ من مواد غير حية .

    وبعد نشر الكتاب بخمس سنين أثبت الكيمياوي الفرنسي لويس باستير بطلان هذا الإعتقاد ، فقد كتب هذا الباحث المشهور بعد تجارب عديدة وبحوث مطولة مايلي : " ثبت بالتأكيد بطلان النظرية القائلة بنشوء المواد غير الحية " (140).
    وناهض المؤمنون بنظرية " التطور " نتئج أبحاث باستر لمدة طويلة ، وبمرور الزمن تقدم العلم كثيرا وأثبت أن الخلية ذات بناء مركب ذو تفصيلات عديدة لايمكن لها أن تنشأ من تلقاء ذاتها أبدا .


    الجهود المبذولة طيلة القرن العشرين دون جدوى

    كان عالم الأحياء الروسي الكسندر أوبارين أول من تناول قضية أصل الحياة في القرن العشرين وحاول أوبارين في الثلاثينات أن يثبت نشوء الخلية الحية بالصدفة عن طريق إجراء تجارب عديدة
    ولكن هذه التجارب باءت بالفشل واضطر أن يعترف في النهاية قائلا : " للأسف الشديد إنّ أصل الخلية الحية يعتبر نقطة سوداء تبتلع النظرية بكافة تفاصيلها " (141).

    ودأب العلماء من المؤمنين بهذه النظرية والذين قدموا بعد أويارين على إجراء التجارب لإثبات مصدر الحياة ، وأشهر هذه التجارب هي التي أجريت من قبل العالم الأميركي ستانلي ميللر سنة 1953، حيث استطاع تحضير بعض الأحماض الأمينية والتي تدخل في تركيب البروتينيات عن طريق إعطاء شحنة كهربائية لخليط من الغازات التي افترض أنها كانت توجد في الغلاف الجوي للأرض في الأزمنة الأولى .

    وثبت في السنوات اللاحقة أن هذه الغازات لم تشكل مكونات الغلاف جوي في الأزمنة الغابرة أو بمعنى آخر لم تكن بالنسب التي افترضها العالم وبذلك سقطة هذه التجربة من الاهتمامات العلماء بعد أن كانت ولبرهة قصيرة كطريق لإثبات صحة النظرية (142).
    وبعد فترة صمت ليست بالقصيرة اعترف ميللر بنفسه بأن الغازات التي استخدمها في التجربة لم تكن متطابقة مع الحقيقة (143).
    وباءت جميع تجارب دعاة التطور لإثبات أو تفسير أصل الحياة بالفشل الذريع طيلة سنوات القرن العشرين . وكتب جيفري بادا الباحث في علم الكيمياء الجيولوجية والذي يعمل في معهد سان دييغوسكريبس مقالا في مجلة " الأرض-ايرث" التي تعتبر منبرا لنظرية التطور وتاريخ المقال سنة 1998 يتحدث فيه عن هذه الحقيقة " ونحن إذ تخطينا القرن العشرين مازلنا نواجه نفس ما واجهناه في بداية هذا القرن من سؤال يبحث عن جواب ولكن دون جدوى وهو : كيف نشأت الحياة على كوكب الأرض ؟ " (144).
    يعتبر التركيب المعقد لأبسط الكائنات الحية السبب الرئيسي لمواجهة نظرية التطور مأزقا حرجا لا حل له على الإطلاق وفق فرضياتها .وخلية الكائن الحي أكثر تعقيدا من جميع الاختراعات التقنية التي توصل إليها الإنسان .ولو تجمع أذكى العلماء في أحسن المختبرات العلنية لما استطاعوا إنتاج مواد حية من مواد غير حية.

    والشروط التي توجب ظهور خلية حية الى الوجود لا يمكن إسنادها الى الصدفة بأي حال من الأحوال .ولو فرضنا ان هناك نسبة احتمال معينة لبناء البروتين اللازم لتركيب الخلية فتصبح هذه النسبة لبروتين يتكون من 500حامض أميني بمقدار 1 إلى 10مرفوعة الى القوة 950.علما بان أية نسبة احتمال اقل من 1 الى 10 مرفوعة الى القوة 50 تعتبر نسبة مستحيلة استنادا إلى المبادئ الرياضيات .

    والخلية الحية تحتوي على النواة التي بدورها تحتوي على الـ AND أو جزئية الحامض النووي دي اوكسي الرايوزي وهذه الجزئية بنك المعلومات بالنسبة للخلية .ولو حاولنا كتابة المعلومات الموجودة في الـ AND الخاص بخلية الإنسان لوجدنا أنفسنا مضطرين إلى تدوين 900مجلد وكل مجلد يتألف من 500 صفحة.

    وفي هذه النقطة بالذات تواجه النظرية مشكلة مستعصية أخرى :فكما هو معروف ان الحامض الـ ADNلا يمكن أن يتضاعف إلا بوجود بروتينات خاصة (أنزيمات) .ولا يمكن بناء هذه الأنزيمات إلا بما يناسب الشفرة الوراثية الموجودة على جزئية الـ AND .إذا لا يمكن لهذا الحمض أن يزدوج إلا بوجودهما معا وفي آن واحد .وهذه الحقيقة تتنافى مع فرضية سيناريو ظهور الحياة الى الوجود من تلقاء نفسها .

    وكتب البروفيسور LESLIE ORGEL الباحث في كلية سان تياقو بكاليفورنيا في مقال له على صفحات المجلة العلمية الأمريكية بتاريخ أكتوبر سنة1994 عن هذه الحقيقة :
    أن فرضية وجود البروتينات (والتي هي جزئيات على درجة عالية من التعقيد ) والأحماض النووية RNA-DNA في نفس المكان والزمان بمحض الصدفة يعتبر احتمالا مستحيلا .وحتى لو لم يوجد أحدهما فان إيجاد الآخر أيضا من المستحيلات .لهذا السبب فعلى الإنسان أن يقتنع أن الحياة لم تظهر نتيجة التفاعلات الكيماوية .وما دمنا أثبتنا أن من الاستحالة نشوء الحياة بفعل العوامل الطبيعية .فإذن هناك سبب خارج عن المقاييس لنشوء الحياة .وهذا السبب بالذات يفند مزاعم نظرية التطور التي تعارض فكرة الخلق.


    الآليات الخيالية لنظرية التطور


    العمل الثاني الذي ساهم في إثبات بطلان هذه النظرية يتمثل في مفهومين يدوران حول موضوع آليات التطور وقد ثبت أن هذين المفهومين لا يحملان معنى علمي يمكن الاستناد عليه في نقدهما أو تقييمهما.

    فقد ارجع داروين جل نظريته إلى آلية الانتخاب الطبيعي وأعطاها أهمية استثنائية حتى انه أسمى كتابه: أصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعيويعني هذا المصطلح إن البقاء للأصلح.وتستند هذه الفرضية على مبدأ البقاء للكائن الحي الذي يبدي تجاوبا مع الشروط الطبيعية أي أن الأقوى على التحمل هو الذي يستطيع أن يستمر في الحياة .ومثال ذلك لو هدد حيوان مفترس قطيع من الإيلة فالأسرع بالجري منها هو الذي يستطيع البقاء على قيد الحياة .وبهذا الشكل يظل القطيع متشكلا من الأعضاء السريعين والأقوياء .ولكن هذه الآلية لا تحول الى كائن حي آخر كالحصان مثلا .ولهذا السبب لا تملك آلية الانتخاب الطبيعي أية قيمة علمية يمكن انتقادها .و داروين نفسه كان يعلم بوجود هذه الثغرة العلمية واضطر إلى أن يقول في كتابه أصل الأنواع" لا توجد أية فائدة في الانتخاب الطبيعي طالما لا يحقق أية تغييرات إيجابية ".


    تأثير لامارك LAMARCK

    إذن فهذه التغييرات الإيجابية كيف كان يمكن لها أن تحدث ؟حاول داروينن الإجابة استنادا الى الفكرة العلمية البدائية التي كانت سائدة في ذلك الوقت رجوعا إلى أفكار LAMARCK. وهو باحث فرنسي في علم الأحياء عاش قبل داروين وكان يتبنى فكرة مؤداها أن الأحياء تعاني تكيفات معينة أثناء حياتها وتورث هذه التكيفات الى الأجيال اللاحقة وان تراكم هذه التكيفات من جيل لآخر يؤدي الى ظهور أنواع جديدة من الأحياء .وعلى سبيل المثال حسب فكر لامارك فإن الزرافات نشأت تحاول أن التغذي على الأشجار الطويلة واحتاجت الى عنق طويل لتحقيق هذا الغرض
    وأعطى داروينن أمثلة مشابهة ي كتابه أصل الأنواع ذاكرا أن أصل الحيتان هو الدببة التي كانت تنزل إلى الماء بحثا عن الطعام وتحولت بمرور الزمن إلى حيتان 147, ولكن طرأ تغيير في مسيرة العلم باكتشاف مندل لقوانين الوراثة التي اكتسبت قوة نتيجة ظهور علم الجينات في القرن العشرين وثبت بما لا يقبل الشك أن الخصائص المكتسبة لا تورث إلى أجيال لاحقة. وهكذا بقي الانتخاب الطبيعي سواء بمفرده أو النظرية التي يدخل في حيزها كآلية غير فعالة.


    الداروينية الحديثة و الطفرات الوراثيّة

    قام الداروينيون بمواجهة هذا المأزق اعتبارا من نهاية الثلاثينيات عبر طرح نظرية جديدة باسم النظرية الصنعية الحديثة وشاعت باسم النيودا روينية أو الدراوينية الحديثة ، وتستند على فرضية حدوث تغييرات في البناء الجيني للإحياء وهذه التغييرات قد تكون مفيدة وتدعى الطفرات الوراثيّة و تكون ضارة نتيجة التعرض للإشعاعات الضارة أو نتيجة خطأ في الاستنساخ الوراثي ،وحاليا تحافظ الدارويننية على كيانها النظري عبر هذه الفرضية ، وتدعي هذه النظرية بصورة عامة أن أعضاء الكائنات الحية ذات تراكيب معقدة للغاية نشأت عن طريق الطفرات الوراثيّة التي طرأت على أجسام هذه الكائنات وبمرور الزمن أخذت شكلا معينا كالأنف والعين والأذن والأجنحة وغيرها من الأعضاء ، ولكن ظلت هذه الفرضية عاجزة أمام الحقيقة وهي أن لا تؤدي إلى ظهور أنواع جديدة بالعكس تعتبر تغييرات ضارة . وسبب ذلك بسيط للغاية: وهو الـDNA ذو التركيب المعقد ، فجزئية هذا الحامض النووي تتعرض لأضرار جسيمة في حالة تعرضها لتأثير خارجي ولو اعتباطي ، ويشرح هذا الأمر بالتفصيل الباحث الأميركي B.G RAGANATHAN ب.ج. راكنا ثان وهو متخصص في علم الجينات قائلا :إن الطفرات الوراثيّة عبارة عن تغييرات عشوائية وضارة وصغيرة ومن النادر جدا حدوثها وفي أحسن الأحوال تكون غير فعالة ، وهذه الخصائص الثلاثة تبين عدم إمكانية لعب دور كبير في التطور المفترض . ومن البديهي أن تكون أية طفرة وراثيّة تطرأ على كائن حي متكامل الأعضاء إما ضارة أو غير فعالة ،مثلا أي تغيير يطرأ على ساعة يد لا يؤدي إلى تطورها ، فإما يضرها أو لا ينفعها في أحسن الأحوال ، والزلزال لا يطور مدينة بل يدمرها .(148) وإلى يومنا لم تشاهد أية طفرة وراثيّة أو تغيير جيني للكائن الحي. و يفهم من هذا العرض أن الطفرات الوراثيّة التي سيقت من قبل النظرية كمفهوم أو آلية خاصة للتطور هي في الحقيقة تغيير ذو طابع تخريبي على أجساد الكائنات الحية يتركها معوقا في الغالب ، {والأثر البالغ الذي تتركه الطفرات الوراثيّة على جسم الإنسان هو الإصابة بمرض السرطان} .ومثل هذه الآلية التخريبية لا يمكن لها أن تكون آلية للتطوير ، أما الانتخاب الطبيعي فكما اعترف داروينن بنفسه فلا يمكن لوحده أن يكون ذا تأثير بالغ ن وهذه الحقيقة تين لنا عدم وجود أية آية آلية للتطور في الطبيعة، ولعدم وجود هذه الآلية فمن الطبيعي أن لا تكون هناك أية فترة لازمة لهذا التطور المزعوم .سجلات الحفريات: لا أثر لأي أنواع انتقالية أحسن شاهد على عدم وجود فترة للتطور كما تدعي النظرية هو سجلات الحفريات. فحسب هذه النظرية أن الكائنات الحية نشأت وتطورت عن بعضها البعض، فهناك كائن حي نشأ كأول نوع ثم نشأ عنه نوع آخر وهكذا، وحسب النظرية فإن هذه العملية استمرت مئات الملايين من السنين وتحققت خطوة خطوة .ومادام الأمر كذلك فيجب أن تكون هناك أنواعا انتقالية عديدة عاشت وتكاثرت على وجه البسيطة .
    على سبيل المثال يفترض أن يكون هناك كائن حي نصف سمكة ونصف زاحف أي يملك جزءا من خصائص الأسماك وجزءا من خصائص الزواحف قد عاش وتكاثر على كوكب الأرض أو كائن حي يحمل خصائص مشتركة من الزواحف والطيور، ولكونها كائنات أو أنواعا من كائنات حية انتقالية فيفترض أن تكون محطة للتجربة فتنشأ معوقة أو ذات نواقص أو عيوب فسيولوجية أو مورفولوجية .

    ويدعو دعاة التطور هذه الكائنات بالـ كائنات الحية البينية ولو صح أن هذه الكائنات البينية قد عاشت وتكاثرت فيجب أن يكون عددها بالملايين وحتى بالمليارات ، ويفترض أن نجد لها أثرا في الحفريات ، ويشرح داروينن هذا الأمر في كاتبه أصل الأنواع : إذا صحت نظريتي فينبغي وجود كائنات حية بينية عديدة جدا على كوكبنا والذي يثبت هذا الأمر هو وجوب إيجاد أثر لها في الحفريات الجارية عن المتحجرات .(149)


    خيبة أمل داروين

    استمرت أعمال البحث عن المتحجرات منذ أواسط القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا في كافة أنحاء الأرض التي نعيش عليها ولكن لم تجد هذه الأبحاث والحفريات عن إيجاد أي أثر لهذه الكائنات البينية . وثبت من الأدلة التي تم التوصل إليها عن طريق فحص المتحجرات التي حصل عليها العلماء نتيجة هذه الحفريات أن جميع الكائنات الحية نشأت وظهرت على وجه الأرض بدون نقص وفي نفس التوقيت وهذا عكس ما يدعيه الدارويننيون .
    واعترف بهذه الحقيقة الباحث في علم المتحجرات DEREK W.AGER درك.و.أيكر بالرغم من كونه مؤمنا بفكرة التطور قائلا :أن مأزقنا هو: عندما نقوم بتدقيق سجلات الحفريات نجد أمامنا حقيقة واحدة لا غير سواء المتعلقة بالأجناس أو بالأنواع ، نرى أمامنا مخلوقات ظهرت فجأة على شكل مجاميع بدلا من رؤيتنا لكائنات متطورة تدريجيا (150).

    أي أن هذه الحفريات تدل على أن هذه المتحجرات تعود إلى كائنات حية ظهرت فجأة على وجه الحياة بدون أي نقص ولا أثر في هذه المتحجرات لأي مخلوقات حية بينية ، وهذا يتعارض مع ادعاءات داروينن ، والأبعد من ذلك أن هذا دليل كاف على هذه الكائنات المخلوقة ، لأن هذا الدليل يبين لنا هذا الكائن الحي قد ظهر إلى الوجود بدون جدّ له ودون أية عملية للتطور أي أن هذه الكائن الحي مخلوق حتما

    ويعترف بهذه الحقيقة Doglas Futuyma دوغلاس فوتويما بعلم الأحياء قائلا :
    الخلق والتطور يعتبران مفهومان ذوا صدى بشأن أصل الكائنات الحية ، فهناك احتمالان لا ثالث لهما الأول أن تكون الكائنات الحية قد ظهرت إلى الوجود فجأة ودون نقص أي أنها مخلوقة أو أن تكون غير ذلك ، وعندما تكون غير ذلك ينبغي أن تكون مرت بفترة تطور عن أنواع أخرى سبقتها في الوجود ، وإذا كانت هذه الكائنات الحية قد ظهرت فجأة وبهذا الشكل المعجز فينبغي أن يكون هناك من خلقها بهذه الصورة وهذا الخالق بلا شك ذو قوة لا حد لها (151).
    أما المتحجرات فتعتبر دليلا قويا على الكائنات الحية قد ظهرت إلى الوجود دون نقص وبهذا الشكل المتكامل أي أن أصل الأنواع ليس كما يدعى داروينن بل الخلق .


    قصة تطور الإنسان

    من أهم الموضوعات التي يخوض فيها الدارويننيون ويدخلون في نقاشات متشعبة عنها هي موضوعة أصل الإنسان ، أما الإدعاء الدارويني بهذا الصدد فيتلخص في فرضية كون الإنسان قد نشأ من مخلوقات شبيهة بالقرود ، وهذا النشوء والتطور قد استمر لفترة من 4-5 مليون سنة تطور هذا المخلوق الشبيه بالقرود إلى أنواع بينية حتى أخذ شكل الإنسان الحالي .

    وصنفت أربعة أنواع للإنسان حسب التسلسل الزمني:
    1-Austrapithecus أوسترالوبيثيكوس
    2-Homo Habilis هومو هابيليس
    3-Homo Erectus هومو أركتوس
    4-Homo Sapiens هوموسابينس { الإنسان الحالي }
    وسمى الدارويننيون الجد الأعلى للإنسان باسم " Australopitheucus " أو قرد الجنوب ، وفي الحقيقة لم تكن هذه المخلوقات إلا أنواعا من القرود المنقرضة ، وثبتت ذلك علميا عن طريق الأبحاث التي أجراها باحثان مشهوران في علم التشريح وهما الأميركي Charles Oxnard تشارلس أوكسنارد والبريطاني Lord Solly Zuckerman اللورد سوللي زوكرمان وأثبتا أن هذا النوع من الكائنات الحية لا يمت بأية صلة بالإنسان .(152)

    ويصنف دعاة التطور الجيل التالي من هذه الأحياء تحت اسم Homo أي الإنسان ، وهذا الجيل تطور عن قرد الجنوب أو الـ Australopithecus ويرتب هؤلاء المتحجرات الخاصة بهذا لا كائن الحي تتشكل جدولا زمنيا لعملية التطور وهو جدولا خياليا بالطبع والخيالية نابعة من عدم وجود أي دليل يثبت أن هذه الأنواع نشأت وتطورت عن بعضها ، واعترف بهذا الخطأ العلمي أحد أشرس المدافعين عن نظرية التطور في القرن العشرين وهو Ernest mayr أرنست ماير
    قائلا : " إن السلسلة المتصلة بـ Homo sapiens في حقيقتها مفقودة " (153).
    ويدعي المؤمنون بنظرية التطور أثناء تشكيلهم للسلسلة التي حلقاتها هي :
    Australopithecus ___Homo Habilis___Homo Erctus___Homo Sapiens بأن كل نوع منها هو جد النوع الذي يليه ، ولكن علماء المتحجرات بعد فحصهم للمتحجرات الخاصة بـ Australopithecus و Homo Habilis و Homo Erectus أن هذه الأنواع قد عاشت في أنحاء مختلفة من كوكب الأرض وفي نفس الفترة الزمنية .(154)
    و الأدهى من ذلك أن أفرادا من نوع Homo Erectus قد عاشت حتى فترات زمنية حديثة {قريبة} ، حتى أن إنسان النياندرتال Homo Sapiens Neandertalensis و إنسان
    الـ سابينس { الإنسان الحالي } Homo Sapiens Sapiens قد عاشا في نفس الوسط أو البيئة جنبا إلى جنب .(155)
    وهذه الأدلة بالطبع تؤدي إلى نفس الادعاءات القائل بأن هذه الأنواع جد بعضها البعض .

    ويتحدث Stephen Jay Gould ستيفن جي كوولد المتخصص في علم المتحجرات في جامعة هارفارد عن هذا المأزق العصيب الذي دخلته نظرية التطور بالرغم من كونه مؤمنا بها قائلا :
    أمامنا مشهد يصور لنا أن هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الإنسان تعيش بموازاة بعضها ، إذن فما الذي حدث لشجرة التطور الخاصة بنا ؟ والواضح أن لا أحد من هذه الأنواع قد تطور من
    الآخر ، والأبعد من ذلك عندما نجري بحثا مقارنة نوعية بين هذه الأنواع لا نجد بينها أي ترابط يدل على أنها تطورت بعضها عن بعض تدريجيا .

    وملخص الكلام أن النظرية الخاصة بنشوء الإنسان من مخلوق نصفه قرد ونصفه الآخر إنسان
    ماهي إلا نظرة خيالية مستندة على نوع من الدعاية المضللة لجعلها صحيحة في دنيا العلم ولكن الحقيقة أن هذه النظرية لا تستند إلى أي دليل علمي يثبت صحتها أو صحة فرضيتها .
    وتوصل لهذه الحقيقة Lord solly zuderman اللورد سوللي زالرمان الذي أجرى أبحاثا على متحجرات الـAustraalopithecus ولمدة خمسة عشرة سنة وهذا الباحث يعتبر من أشهر علماء المتحجرات في بريطانيا ومؤمنة في نظرية التطور وبالرغم من كونه كذلك اعترف بعد أبحاثه بأن لا توجد سلسلة تطورية تمتد من الكائنات الشبيهة بالقرود إلى إنساننا الحالي .

    وارتكب Zuckerman زاكرمان خطأ علميا يلفت الانتباه ، فقد صنف فروع المعرفة التي يعترف بكونها موجودة علميا إلى عملية وغير عملية ، واستنادا إلى الجدول الذي صنفه زاكرمان تعتبر الكيمياء والفيزياء على قمة الجدول لاستنادهما إلى الأدلة المادية ويعقبهما علم الأحياء فالعلوم الاجتماعية وأسفل الجدول أي فروع المعرفة غير العلمية فقد صنفها زاكرمان ذاكرا علم تبادل الخواطر Telepathy أو الحاسة السادسة وأضاف إليها " تطور الإنسان " في حافة الجدول السفلية وأضاف معلقا:
    عندما نخرج من عالم الأدلة المادية ونلج إلى علوم تمت بصلة بعلم الأحياء مثل علم تبادل الخواطر وتاريخ المتحجرات الخاصة بالإنسان نجد أن كل الاحتمالات ممكنة بالنسبة لمن يفكر ويؤمن بفكرة تطور الإنسان ، وحق يمكن لهؤلاء أن يقبلوا بعض الاحتمالات المتناقضة في آن واحد (157).

    إذن قصة تطور الإنسان ماهي إلا نتاج إيمان أعمى بنظريات موضوعة استنادا إلى متحجرات اعتبروها دليلا لهم وهي في الواقع دليلا عليهم وعلى بطلان ادعاءاتهم السمجة .


    الفكـر المــادّي

    بعد هذا الاستعراض الفكري يتبين لنا أن نظرية التطور في حالة تناقض تام مع الأدلة العلمية الموجودة ، لأن إدعاء نشوء الحياة بالتطور مناف لقواعد العلم ولا يمكن إيجاد أي أساس علمي يستند عليه ويمكن من خلاله البدء بالمناقشة والتحليل والنقد الموضوعي وأثبتت المتحجرات بعدم وجود الكائنات الحية البينية ، ومادام الأمر كذلك فينبغي طرح هذه النظرية جانبا باعتبارها متناقضة مع العلم وقواعده وأحكامه ، كما حصل للنظرية القائلة بأن الأرض مركز الكون والتي طرحت جانبا هي الأخرى .

    ولكن هناك إصرار عجيب على التأكيد بصحة هذه النظرية في دنيا العلم ، والبعض من الغلاة يذهب بعيدا في غلواءه مؤكدا أن أي هجوم على هذه النظرية هو هجوم على العلم والعلماء ، ولكن لماذا ؟

    وسبب هذا الغلو ناشئ من كون النظرية بالنسبة لبعض الجهات اعتقادا تلقينيا لا يمكن أن يفرط فيه وهذه الجهات تؤمن بالمادية إيمانا أعمى وتعتبر الدارويننية مصدر الهام لها في إيجاد تفسيرات للظواهر الطبيعية .

    وأحيانا يعترف دعاة التطور بهذه الحقيقة ، مثلا Richard liwentin ريتشارد ليونتن الباحث المشهور في علم الجينات والذي يعمل في جامعة هارفارد ويعتبر من المدافعين عن نظرية التطور يعترف بكونه مؤمنا بالمادية ومن ثم يتحدث عن نفسه أنه رجل علم قائلا:

    " لدينا إيمان بالمادية ونقبلها كبديهية ، والأمر الذي يجبرنا على إيجاد تفسيرات مادية للظواهر الدنيوية ليس العلم ووسائله ، بالعكس فإننا نعمل انطلاقا من إيماننا بالمادية ولهذا السبب نقوم بإجراء التجارب واستخدام كافة الوسائل لإيجاد تفسيرات مادية للظواهر الدنيوية ، وبما أن المادية مقبولة من قبلنا ونعترف بصحتها إطلاقا فلا نأذن أبدا للتفسيرات الإلهية أن تدخل حلبة الصراع العلمي ".(158)

    وهذا الكلام نتاج لمدى الترابط الوثيق بين المادية والدارويننية باستخدام التلقين المؤدي إلى أعمى الفكر والعقل .
    وهذا التلقين يفترض أنه لا يوجد شيء سوى المادة ، وأن الحياة نشأت من المادة من شيء غير حي ، أي أنها تقبل بنشوء الملايين الحية المختلفة كالطيور والأسماك والزرافات والنمور والحشرات والأشجار والأزهار والحيتان والإنسان من التفاعلات والتغييرات الحاصلة داخل المادة أو بمعنى آخر من نزول المطر والصواعق ، والحقيقة أن هذه الفرضية منافسة لقواعد العلم والعقل ، ولكن يستمر الدارويننيون في الدفاع عن نظريتهم بشتى الوسائل لمنع دخول التفسيرات الإلهية حلبة الصراع العلمي .

    والناظر إلى مسألة أصل الأنواع نظرية غير مادية لابد أن يجد الحقيقة التالية : كل الكائنات الحية وجدت نتيجة خلقها من قبل خالق ذي قدرة وقوة لا حدّ لهما ، وهذا الخالق هو الله سبحانه وتعالى الذي فطر السماوات والأرض وخلق الأحياء كلها من العدم وهو الخلاق العليم .

  8. #18
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر

  9. #19
    العجورية's صورة
    العجورية غير متواجد بالعلم نرتقي-درة النافذة الإجتماعية لشهر مارس
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    فلسطينيه في الاردن
    الردود
    6,773
    الجنس
    امرأة
    التكريم
    (أوسمة)



    اللهم إني أسألك الصبر عند القضاء
    و منازلالشهداء &
    و عيش السعداء&
    ، و النصر على الأعداء&
    ، و مرافقة الأنبياء،&
    يا رب العالمين&

  10. #20
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الموقع
    Al.iRaQ
    الردود
    3,069
    الجنس
    ذكر
    شكرا على المرور
    بارك الله فيكِ

مواضيع مشابهه

  1. [مهم] يجب على كل مسلم مشاهدة هذا المقطع لأخذ الحيطة والحذر
    بواسطة ذكرى المحبين في ركن التغذية والصحة والرجيم
    الردود: 19
    اخر موضوع: 26-09-2011, 10:59 PM
  2. أفيديونى فى الحيطة السبونج
    بواسطة littlestar81 في الديكور الداخلي والخارجي
    الردود: 5
    اخر موضوع: 26-06-2011, 04:15 PM
  3. انسي ورق الحيطة خااالص تعالي اتفرجي علي الفن والتجديد
    بواسطة hanotif في الديكور الداخلي والخارجي
    الردود: 3
    اخر موضوع: 23-02-2009, 12:20 PM
  4. قصة حقيقية (رجاءا اقرؤها لأخذ الحيطة والحذر)
    بواسطة noor-elshams في الملتقى الحواري
    الردود: 0
    اخر موضوع: 26-11-2001, 06:37 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ