لست وحدك ' ' الذي تقاوم بل الكثير يقاوم وينجح ''

لست وحدك ' الذي تفعلالخطأ بل كل الناس كذلك '

كثيرة هي النداءات الداخلية المتصاعدة داخل النفسالبشرية تنتقل بها صعودا وهبوطا , حزنا وسرورا , نشاطا وفتورا , أملا وقنوطا, وتفاؤلا وتشاؤما تنقل الإنسان من حال إلى حال.


وأثر هذه النداءاتالداخلية على حياة الشخص أكبر بكثير من كونها مجرد خطابات داخلية لا أثر لهافالواقع يشهد أن تصرفات وسلوكيات الإنسان ما هو إلا حصيلة لمجموع الأفكار التي تدورفي ذهنه طوال حياته وأن مواقفنا التي نتخذها مما حولنا إنما منبعها الأساسي الفكرةالتي تسيطر على عقولنا والتي هي في المقام الأول ناتج وحصيلة مجموعة الخطاباتالداخلية للنفس حول هذا الموضوع.

إن موقفنا من الآخرين بالحب أو الكره أوالقرب أو البعد يتحدد بناء على ما نحدث به أنفسنا من كلمات داخلية حول هذا الآخر , والحال كذلك بالنسبة لما نحب ونكره من الأعمال وهذا الخطاب الداخلي لا يراه أحد ممنحولنا حتى أننا في بعض الأحيان إذا حاولنا أن نعبر عنه ونخرجه على صورة كلماتتعجزنا الألفاظ , إن الخطاب الداخلي للنفس البشرية هو أساس حركتها وسكونها , أساسنشاطها وفتورها , أساس ولائها وعدائها , أساس كل موقف وقرار نتخذه سواء على مستوىأنفسنا أو على مستوى تعاملاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين.


ونحن نستخدمالكلمات في حوارنا مع أنفسنا ومع غيرنا ففي لحظات خلوتنا ننعزل عن الآخرين ونفكر معأنفسنا فيما نريد وندير حوارا ذاتيا ونسأل أنفسنا : ماذا نريد؟ وهذا يعني أن لكلمنا لغتين أو مستويين من الحوار يستخدمهما في حياته ولهما أبلغ الأثر على سلوكهتجاه نفسه وتجاه الآخرين وهما:


-1- لغة مع نفسك ونسميها اللغةالداخلية.
-2- لغة مع الآخرين ونسميها اللغة الخارجية.


وبناء علىطبيعة مفردات كل لغة تتحدد تصرفاتنا وسلوكياتنا تجاه الآخرين وتجاه أنفسنا وبالتاليفعلينا أن نتعلم كيف نتكلم لنتمكن من توجيه أنفسنا وتوجيه غيرنا من بعد ذلك.

إن الكلمة سواء كانت داخلية أو خارجية لها وقع مهم للغاية علينا وعلى منحولنا , فنحن عندما نتكلم مع الآخرين إنما نحاول مطالبتهم بما نريد , ولكنناباختيار أسلوبنا في الكلام معهم نختار أيضا أسلوبنا في الحصول على ما نريد , فكلماتنا تعبر دائما عن طريقتنا في الفعل والتنفيذ , وعن تجاهلنا التام لكل الطرقالبديلة التي يمكن أن تتوفر لتحصيل ما نريد , كلماتنا في الحقيقة تعكس توجهاتناواستعداداتنا , وما يغيب عن أذهاننا فهو في الواقع غائب من قاموس كلماتنا وبالتاليفهو ساقط من حساباتنا لأن الكلمات هي تحضير للأفعال التي ننوي القيام بها أو بمعنىأوضح إنما نعرف الرجل من كلامه أي نعرف ما الذي يريده وكيف يريد الحصول عليه لأنالكلام ما هو إلا مرآة الداخل فنحن نعبر بألفاظنا عن رغباتنا وأحلامنا وآمالنا.


لقد أثبتت بعض الأبحاث والدراسات أن الشخص الذي يصرح بأنه جائع يأكلأكثر من الذي لا يجاهر بجوعه , وأن الذي يهدد بالعنف يلجأ إليه في الواقع أكثر منالذي يعبر عن كرهه للعنف , وتبين أن الذين يتحدثون كثيرا عن السعادة يكونون أكثرمرحا من الذين يتحدثون عن التعاسة والأسى أي أن الإنسان يكتسب الحالة العضوية منحالته النفسية والتي بدورها يكتسبها من مفردات الكلام وطبيعة هذا الكلام من حيثالسرعة والبطء والوضوح والغموض وغيرها من التفاعلات الداخلية.


إن تأثيرالكلمات على من يقولها أقوى بكثير من تأثيرها على من يسمعها , فالكلمات تسبقالأفعال , وهي تعبر عن الاستعدادات النفسية وتحدد الخيارات التي يجعلها الشخص محورالتفكيره فإذا استطعنا تغيير كلماتنا , فسنتمكن في النهاية من تغيير أفعالنا , فالتغيير يبدأ بالكلام وينتهي بالأفعال وهذا هو طريق كل إنسان لبدء التغيير الحقيقيفي نفسه وكذا فيمن حوله.
وكلما نضج الإنسان كلما فهم وأدرك أهمية الكلماتوتأثيرها وأصبح أكثر دقة وحرصا في استخدامها , فمن المعروف أن الوعد الذي نقطعه علىأنفسنا هو في الأصل كلام , لكنه يدفعنا إلى الوفاء به فعليا والالتزام بأدائه , والقائد يحفز أتباعه على الإنجازات من خلال شحنهم بالكلمات , ونحن دائما ما نصفالقائد بأن كلمته مسموعة قبل أن نقول إن أفعاله نافذة , فالقائد الحق هو من يتميزبالقدرة على الإقناع , لا من يجبر أتباعه على الانصياع.


بناء على كل ماسبق دعونا في هذا اللقاء نركز على الجانب الأهم من الكلام ألا وهو ما أسميناه سابقاباللغة الداخلية , حيث أنه على الحقيقة المسؤول الأول عن صياغة فكر الإنسان وسلوكهوكذلك يحدد ملامح تصوره عن نفسه , وعن الآخرين وصورة التعامل المثلى معهم.


' لست وحدك '
هذا الخطاب الداخلي كمثال يعتبر كغيره من الخطاباتالداخلية أحد الأسلحة متعددة الاستخدامات حيث يمكنه أن يدفع الإنسان نحو التفاؤلوالطموح والعمل ويمكنه كذلك القعود بهمته عن النظر إلى الأعلى وتبرير القعودوالتخاذل والأمر كالتالي:


' لست وحدك الذي تفعل الخطأ بل كل الناس كذلك ' :

الشخص في العادة لا يرضى أن يرى نفسه على خطأ أو مصرا على باطل ولا يحببالتأكيد أن يراه الناس كذلك ولكنه في الوقت ذاته يرتبط بالخطأ ارتباطا وثيقا فهولا يملك – تبعا لوجهة نظره – الانفكاك عنه إذن فما الحل ؟

الحل الأسهلوالذي سرعان ما تلجأ إليه النفس أن كل الناس كذلك ,أنني لست الوحيد الذي يفعل الخطأوانظر حولك , ففي مجال المعاصي مثلا , يتحدد الخطاب الداخلي لمرتكب المعصية بقولهأنا أفضل من كثير من الآخرين ويقيس نفسه على من هو أكثر منه في نوع المعاصي أودرجتها أو عدد مرات حدوثها وتكرارها بل وقد تلجأ النفس إلى التأكيد على أن الكليفعل ذلك لبيان أن من يخالف ليسوا إلا أقلية , هذا النوع من الخطاب النفسي لن يولدإلا مزيدا من الاستقرار على المعصية , والكثير من المخزون الاحتياطي لتمويل الشعوربالفشل والإحباط والانهزام النفسي عند أول تجربة أو محاولة فهي محكوم عليها بالفشلمن البداية لماذا ؟

لأن الخطاب النفسي الداخلي يغذي هذا النوع من الفشل , فشخص يخاطب نفسه بخطاب داخلي مستمر مؤداه أنه لن ينجح ولن يحقق ما يريد ثم هو بعدذلك يضحك على نفسه وعلى من حوله بدعوى أنه مع هذا الكم من الإحباط واليقين الداخليبالفشل إلا أنه سيبذل ما عليه ويؤدي العمل لكي يقوم بما يلزم القيام به , ولستبحاجة هنا للحديث عن نوع النتائج التي سنحصل عليها عند تنفيذ أي عمل بهذه النفسيةإن المصير هو الفشل المحتوم بلا جدال.


وفي المقابل تأمل في أثر الخطابالداخلي المعنون: ' لست وحدك الذي تقاوم بل الكثير يقاوم وينجح ' على كلا المستويينالديني والدنيوي , إنها نفسية وروح المقاتل التي لا تفتر ولا تلين , روح ملؤهاالتفاؤل والبذل , هذه الروح هي التي نرجو لها النجاح , إنه لست وحدك الذي تتعرضللفشل في المرات الأولى من بداية أي عمل فكم من شخص فشل ثم نال النجاح بعد ذلكبالصبر وتكرار المحاولة , ولو كان استسلم للفشل الأول ونادى كما يفعل الجهال بأعلىصوته :
هذا قدري ولا مفر لي منه – لو فعل ذلك
لما نال ما ناله من النجاحوتحقيق المراد , وأن العبد منا إنما خلقه رب العالمين ليعمر الأرض كلها ولتكونمسخرة لأمره فكيف والحال كذلك أن يصغر قدر العبد عند نفسه وتنخذل قواه وتتكسرطموحاته مع أول موقف يشتم منه رائحة الفشل أو الانكسار , إنه لست وحدك فطابورالنجاح والتفوق وتحقيق الطموح طويل ومليء بالنماذج وكلهم شعارهم الصبر والدأبلتحقيق المراد لا غير.


إنه لا يمكن لك عزيزي القارئ أن تحقق في عالمالواقع ما تعجز عن تصور نفسك وأنت تحققه , والمشكلة أن ظروف العالم المعاصر تربطالشخص إلى عجلة دائرة لا تتوقف من التنفيذ داخل نظام ثابت فتسلبه لحظات الخيال التيتمكنه من تصور نفسه وهو ينجح أو حتى أن يفكر أن يضع هدفا لنفسه يريد تحقيقه , وهكذايمضي أكثر الناس حياتهم في قوالب ينتجها الآخرون , فهذا يكتفي بأن يكون موظفا وذلكلا يأمل في أن يصبح أكثر من عامل , ويندر أن تجد من يرتقي بطموحه وأفكاره فوق هذهالأدوار المحددة سلفا , إلا أن الذهن البشري يمكنه أن يتغير , بل إنه الشيء الوحيدالذي يتغير تغيرا مؤثرا فيما حوله , وبتغيره تتغير حياة صاحبه وبدونه لا يحدث أيتغيير وعلى صاحبه - أي أنت - أن يؤمن بأن:

التغيير ممكن وليس مستحيلا.

التغيير شخصي يبدأ من الذات لا من الخارج.

التغيير مفيد ولا يتحتمأن يكون مؤلما.

يقول رب البرية جل وعلا:' إن الله لا يغير ما يقوم حتىيغيروا ما بأنفسهم , وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ' وفي هذه الآية ملمحان رئيسيان:

الأول: التغيير الحقيقي في الأمم كاملة إنماينشأ عن تغيير الأفراد لذواتهم , وسبحان الله ما أوضح المنهج القرآني في بيان طبائعالفنوس وحقيقة قدراتها وطرق التعامل المثلى معها , فالله تعالى يخبر عن نفسه أنه لنيغير حال قوم أو أمة حتى يبدأ أفراد هذه الأمة بالتغيير من داخل ذواتهم لأن لفظة ' ما بأنفسهم ' تؤكد ذلك , وهي إشارة لبيان المدخل الفعال لإحداث التغيير الحقيقيللأمة.

الثاني: من لم يغير فلا يلم إلا نفسه لأن الله تعالى أمر بالتغيير , تغيير الباطل إلى الحق , والهوى إلى الاتباع , والكسل إلى النشاط , والتشاؤم إلىالتفاؤل , والحزن إلى السرور , ومن أبى أن يجاهد نفسه في سبيل التغيير وما ينشأ عنهمن نعيم الدنيا والآخرة فليستعد فلا مرد لعقاب الله تعالى لمن أبى الارتقاء والرفعةوتحمل المسؤولية.

عزيزي الشاب: إنها ثورة أدعوك إليها , ثورة على روتينالحياة , وعلى الثوابت التي لا يقرها الشرع وتخنق الطاقات وتعطل المواهب , ثورةللتغيير فانطلق ولا تتخاذل ولا تتهاون , انطلق وارفع درجة الخطاب الداخلي إلى أقصىدرجات التفاؤل والأمل والبهجة والسرور فأنا والله على يقين من امتلاكك لبركان متفجرمن الطاقات الكامنة تنتظر أن تثور , فهلم إلى التغيير الداخلي , فهذا أوان أن يراكالآخرون كما ينبغي أن تكون.تقبلواعظيم تحياتى