السلة الرمضانية ** جود وإحسان **





بسم الله الرحمن الرحيم


بإذن الله نكمل موضوعات أقسام السلة الرمضانية

وهنا الموضوع الرئيسي للإطلاع على روابط بقية الأقسام


السلة الرمضانية ** هلموا ياأحباب فالخير كثير والحمد لله **

من فطر صائما


للراجين عظيم الأجر، الطامعين في نوال الرب، السباقين إلى مراتع الغنيمة والفضل،
دونكم رمضان بوابة تلجون منها إلى ساحات المغانم، وتتفيؤون من ورائها أفانين الفضائل،
وظائفه بالهبات مترعة، وأعماله للمنح جامعة.

فيا عبد الله: إن كنت راغباً في هبة من تلك الهبات ففطر صائماً، تحظى بجميع فضله وتفوز بمثل أجره
قال ذلك من لا ينطق عن الهوى، فقد ثبت عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ الله عَنْهَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيء)
(رواه الترمذي وصححه الألباني).

قال شيخ الإسلام: "والمراد بتفطيره أن يشبعه"
(الفتاوى الكبرى3/376)،

وقال العلامة المناوي: "((من فطر صائماً)) بعشائه ، وكذا بنحو تمر فإن لم يتيسر فماء ((كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء))

(فيض القدير6/187)،
والأجر شامل لأي أجر للصائمين الذين فطرهم.

ولهذا دأب السلف رضوان الله عليهم على تفطير الصائمين، فقد كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين،
فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة،

وأُثر عن حماد بن أبي سليمان أنه كان يفطر كل ليلة في شهر رمضان خمسين إنساناً، فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوباً ثوباً...

يقول ابن رجب الحنبلي معدداً فضائل الجود في رمضان ومنها:
"إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم"
(لطائف المعارف 230).

فيا أُخيَّ: أبذل القليل من مالك تغنم الكثير في منتهى مآلك، وأسعد صائماً بفطرك تنعم بها يوم نشرك،
فبادر ولا تنس فبين يديك شهر الجود والإحسان، سدد الله خطاك للمغنم.

الدال على الخير كفاعله


من بديع الشريعة، وحسن جوهرها؛ أن جعلت من يدل على عمل من أعمال البر بمثابة المباشر له،
حيث ثبت عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)
(رواه مسلم)،

قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله، ...

والمراد بـ((مثل أجر فاعله)) أن له ثواباً بذلك الفعل كما أن لفاعله ثواباً، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء"
(شرح النووي على صحيح مسلم: 13/39)،

وقد أمرنا الله بالتعاون على البر والتقوى فقال:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
(المائدة:2)،

والإرشاد إلى الخير وفعل المعروف هو من التعاون على البر والتقوى،
وفي هذا الشهر الكريم تكون فيه نفوس الناس مقبلة على الخير، عاملة له؛
وأفعال الخير متنوعة فعلى المسلم أن يستغل هذه الفرصة العظيمة
ويستشعر قول الله: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
(آل عمران:133).

ومن أهم الأعمال التي ينبغي لداعي إلى الله أن يقوم بها تفقد أحوال المحتاجين ومواساتهم، وحث الناس وترغيبهم على الإحسان إليهم،
والنظر في أحوالهم، فالمؤمنون كالجسد الواحد، وكذا تفطير الصائمين فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)
(رواه الترمذي، وصححه الألباني)،

وعلى العموم إن أفعال الخير كثيرة جداً، وعلى كل إنسان أن يعمل جاهداً في طاعة الرحمن، ويكون مسارعاً فيها، ومتخيراً منها ما يستطيعه؛
فإنما هذه الحياة ساعةٌ قريبٌ تمامها {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}
(البقرة:197)،

فجد وسارع واغتنم زمن الفرص *** ففي زمن الإمكان تفوز وتربح

الحث على الجود والإنفاق في رمضان


الله أعـطاك فـابذل من عطيته *** فالـمال عارية والعمر رحال

المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن *** وإن يجر يعذب منه سلسال

موسم ربح للمتصدقين، وفرصة سانحة للباذلين، وغنيمة باردة للمعطين، إنه شهر رمضان.
يدعوك إلى إطعام جائع، وإعطاء مسكين، وإتحاف فقير.

وأسوتك في ذلك الهادي الأعظم والقدوة الأنور، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان..
، كان أجودُ بالخير من الريح المرسلة"
(متفق عليه)،
ورواه أحمد وزاد "لا يُسأل عن شيءٍ إلا أعطاه"
(رواه أحمد، وصححه الأرنؤوط).

قال الشافعيُّ رحمه الله: "أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في رمضان؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم"
(الحاوي في فقه الشافعي3/479).

"وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان بخصوصه فوائدُ كثيرةٌ منها:

- شرف الزمان ومضاعفةُ أجر العمل فيه؛ وفي الترمذي عن أنس: "أفضلُ الصدقةِ صدقةُ رمضانَ"
(ضعفه الألباني).

- إعانةُ الصائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجبُ المعينُ لهم مثل أجورهم، كمن جهز غازياً فقد غزا.

- أن الصيام لا بدّ أن يقع فيه خللٌ أو نقصٌ، فالصدقةُ تجبر ما كان فيه من النقص والخلل"
(لطائف المعارف:230).

فيا له من موسم خير يحسن فيه البذل والسخاء والعطاء، ويفضل فيه تفقد ذوي الحاجة والفقراء.

فشربة ماء، ومَذْقَة لبن، وحفنة تمر، وبزة كساء تسديها إلى محتاج هي طريقك إلى الجنة،
وسعدك بعظيم الفضل والمنة، والظفر انتظروه في كفي ملك يدعو لكم: (اللهم أعط منفقاً خلفا)

والجزاء ارتقبوه في بشرى ربكم {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}
(سورة التغابن:17).

اللهم إني صائم


من أبرز خصائص وأسماء شهر رمضان أنه شهر الصبر كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوم شهر الصبر وثلاث أيام من كل شهر؛ صوم الدهر)
(رواه أحمد وصححه الألباني)،

والصبر يعني التحمُّل وعدم الإسراع في الجهالة؛ وقد بيَّن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أهمية الصبر خلال شعيرة الصيام،
وأمر باجتناب صفة الغضب الذميمة وأنواع الإساءة،
فقال مشيراً إلى ذلك: (الصيام جُنَّة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم -مرتين-،
والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي،
الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)
(رواه البخاري)،

وهذا غاية الأدب، وحسن الخلق, فإنه يُذَكِّر نفسه بأنه صائم, ويُذَكِّر المعتدي بأنه صاحب أدب،
وأنه إنما امتنع عن الرد على سبه؛ لأنه صائم؛ إذ السباب والشتم مُذهِبان للأجر،

وأرشد صلى الله عليه وسلم رجلاً قال له: أوصني؟ فقال: (لا تغضب), فردد مراراً، قال: (لا تغضب)
(رواه البخاري)؛

فإن الغضب إذا اعترى العبد منعه من قول الحق أو قبوله، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"أول الغضب جنون، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب"
(الآداب الشرعية لابن مفلح:205)،

والغضب سبب في الظلم والجهل وذلك لأن الإنسان إذا غضب احمرت عيناه ووجهه،
وفقد وعيه فلا يعي ما يقول, ولذلك نُهِيَ عنه، وحمل الجمهور النهي على التحريم
كما قال ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله
(فتح الباري: 4/104),

وقال ابن عبد البر - رحمه الله -: "قوله: فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ففيه قولان:

أحدهما:
أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته إني صائم، وصومي يمنعني من مجاوبتك؛
لأني أصون صومي عن الخنا والزور، والمعنى في المقاتلة: مقاتلته بلسانه،
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)
(رواه البخاري).

والمعنى الثاني:
أن الصائم يقول في نفسه: إني صائم يا نفسي، فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة،
ولا يعلن بقوله: إني صائم؛ لما فيه من الرياء، واطلاع الناس عليه؛
لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر، وكذلك يجزي الله الصائم أجره بغير حساب".
(الاستذكار: 3/374).

الأقربون أولى بالمعروف


اليد العليا خير من اليد السفلى، وإذا عود العبد كفه البسط والإنفاق،
فلينتظر البشرى من الله للباذلين إذ {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
(البقرة:262)،

وباب من أبواب الجنة لا يدعى منه إلا أهل الصدقة ، وما دمت في شهر الجود والإحسان فأطلق لكفك العنان،
وكن معطاء بلا امتنان، وتحري في صدقتك الأقربين من أهلك وألصق الناس بك، إن كانوا من ذوي الحاجة والمسألة؛
لأن الصدقة على ذوي الرحم (صدقة وصلة) كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك
(رواه النسائي وصححه الألباني)،

فأعظم بها من صفقة رابحة وتجارة مباركة تنل بها المغنم مرتين، والأجر كرتين.

وحنانيك: فأولى رحمك بالصدقة والبذل صنفان:
أولهما:
اليتيم؛ قال السيد المرتضى عند تفسير قوله سبحانه:
{فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ}
(سورة البلد:11-15)
"وهذا حضٌّ على تقديم ذوي النسب والقربى المحتاجين على الأجانب في الإفضال"
(محاسن التأويل17/6163).

الثاني:
القريب الكاشح -وهو الذي يضمر العداوة ولا يألفك¬-؛ ففي الصدقة عليه تأليف قلبه وتطيب نفسه؛
فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح)
(رواه أحمد وصححه الألباني).

يقول مجاهد : "هاهنا يا ابن آدم ضع كدحك وسعيك، ولا تنفح بها ذاك وذاك، وتدع ذوي قرابتك، وذوي رحمك"
(الدر المنثور1/586).

أين انت منهم - صور من جود السلف في رمضان

لقد عرف السلف الصالح قيمة موسم شهر رمضان المبارك؛ فشمروا فيه عن ساعد الجد
واجتهدوا في العمل الصالح طمعا في مرضاة الله ورجاء في تحصيل ثوابه، ومن ذلك جودهم في رمضان:

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير
وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان"
(رواه البخاري ومسلم).

قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصّوم والصلاة عن مكاسبهم.

(لطائف المعارف ص183).

وكان إطعام الفقراء والجود عليهم سمة مألوفة عند الموسرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فهذا واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يقول: حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا،
فكنا إذا أفطرنا أتى كلَ رجل منا رجل من أهل السعة فأخذه فانطلق به فعشَّاه.

(تاريخ دمشق16/457).

وكان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة،
وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل؛
فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائما ولم يأكل شيئاً.

(لطائف المعارف ص183).

واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاما، وكان صائماً فوضع بين يديه عند فطوره فسمع سائلاً يقول:
من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاوياً.

(لطائف المعارف ص183).

وكان الإمام الزهري إذا دخل رمضان قال:"فإنّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام".

(لطائف المعارف ص183).

وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائماً.

(لطائف المعارف ص183)،

وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعا ويجلس يروحهم وهم يأكلون.

(لطائف المعارف ص183).

وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم.

(لطائف المعارف ص183).

وكان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمس مائة إنسان، وإنّه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم.
(سير أعلام النبلاء5/234).

لنا عودة بإذن الله وتوفيقه لطرح القسم التالي

رائعة ..!
وفقكِ الله ~

بارك الله فيكي
وجعله في ميزان أعمالك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته