انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 2 12 الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 15

الموضوع: اكبر مكتبة اسلامية الكترونية مجانية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الردود
    32
    الجنس
    أنثى

    flower2 اكبر مكتبة اسلامية الكترونية مجانية

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،،

    أقدم لكم أكبر مكتبة إسلامية إلكترونية مجانية على وجه الأرض ...

    سأضع لكم رابط التحميل هنا يرجى الضغط هنا للدخول الى صفحة التحميل من موقع طريق الإسلام ، و خذوا راحتكم بقراءة أسماء الكتب التي فيها ...

    البرنامج حجمه تقريبا 800 ميجا ، لمن لديه سرعة انترنت نوع دي اس أل او الساتالايت ، لن يواجه اي مشاكل في التحميل ، يرجى استخدام برامج مساعدة للتحميل مثل فلاش قت او فري داونلود مانجر حتى يتم التحميل بأسرع سرعة مع خاصية الوقف و الإستمرار ..

    Flash Get
    Free Download Manager

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2004
    الموقع
    قطر ( الدوحة ) بعيد عن أم الدنيا ( مصر )
    الردود
    7,497
    الجنس
    ذكر
    الأخت الفاضلة : حسناء2007

    جزاكي الله خيرا علي المكتبة الرائعة

    و لمن يريد التحميل المكتبة يمكنه التحميل برنامج

    Internet Download Manger

    http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=221799





    سامحتك من غير علمك .. فسامحني حتى لو لم تعرفني .. سامحني حتى لو انك تعتقد بأنه ليس هناك داع للتسامح .. فقط سامحني

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الموقع
    ♥♥عالم لايعرف الرحمة ... عالم الكذب والغش♥♥..لاكن ابتسامتي ستدوم بإذن الله
    الردود
    5,678
    الجنس
    أنثى
    وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته

    الأخت الحبيبة : حسناء2007

    جزاكي الله خير الجزاء

    وايضاً لك بالمثل اخي الفاضل The Matrix

    دمتم بخير

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الموقع
    www.kakyegy.com
    الردود
    53
    الجنس
    السلام عليكم

    مشكوووووووووووورة

    سلمت يمينكم

    وفى تقدم إن شاء الله

    بارك الله فيكم
    آخر مرة عدل بواسطة The Matrix : 22-09-2006 في 09:15 PM

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الموقع
    اليمن
    الردود
    14
    الجنس
    رجل

    beatheart شكر وتقدير

    اولا:- نشكركم شكرا جزيلا على ماقدمتموة من عمل قمة في الروعة واسال الله ان يجعلة في ميزلن حسناتكم يوم القيامة

    ثانيا:- ارجو ان تكون ملفاتكم محمية من اي محاولة للتغيير فيها، كما ارجوا منكم ان ترسلون لي بكتاب قصص الانبيا ولكن ليس في برنامج word exp وكذالك اي كتب دينية قيمة ترون فيها فائدة لي . والسلا وعليكم
    اخوكم في الله د/ مجدي العبدلي

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الموقع
    اليمن
    الردود
    14
    الجنس
    رجل
    الاخوة القراء اسالكم بمن فطر السماوات العلى ، ثم على العرش استوى ، والذي قدر فهدى واخرج المرعى ان تدعون لي بالهداية والاستقامة ابدا ماحييت واسال الله ان يهديكم ابد ماحييتم

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الموقع
    اليمن
    الردود
    14
    الجنس
    رجل
    شرف المسلم
    عائض القرني
    ملخص الخطبة
    1- شرف المسلم وعزه في تمسكه بالقرآن والسنة. 2- قصة ابن أم مكتوم مع النبي . 3- زواج جليبيب ومقتله. 4- عطاء بن رباح مفتي الحج. 5- عمر في بلاد الشام. 6- ربعي في بلاط رستم. 7- التأسي بالساقطين والساقطات ومهازيل الأمم.

    الخطبة الأولى
    أيها الناس:
    ومما زادني شـرفـًا وفخـرًا وكدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا
    دخولي تحت قولك "يا عبادي" وأن صيَّرت أحمد لـي نبيِّا
    من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة، أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين، فمن لم يتشرف بالدين ومن لم يفتخر بكونه من المسلمين، ففي قلبه شك وقلة يقين، يقول الله في محكم التنزيل، مخاطبًا رسوله، صلى الله عليه وسلم: وإنَّه لذكرٌ لك ولقومِك وسوف تُسْألون[الزخرف:44]. أيْ: شرف لك، وشرف لقومك، وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة، فالواجب أن تتشرف بالقرآن، لكونك من أمة القرآن، ومن أمة الإسلام.
    بشرى لنا معشر الإسلام أنّ لنا من العناية ركنًا غير مُنْهدِم
    لما دعـا الله داعينا لطاعتـه بأكرم الرُّسْلِ كنا أكرمَ الأممِ
    ولذلك يقول جلّ ذكره: ولا تَهِنوا ولا تَحزَنُوا وأنتُم الأعلَوْن إن كنتم مؤمنين[آل عمران: 139].
    قال الأستاذ سيد قطب: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلونالأعلون سندًا، والأعلون مبادئًا، والأعلون منهجًا، فمبدؤكم المبدأ الأصيل، وقرآنكم القرآن الجليل، وسندكم الربُّ الفضيل، فكيف يَهِن من كان الله سنده، وكيف يهن من كان الله ربه ومولاه، وكيف يهن من كان رسوله وقدوته محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكيف يهن من كان دينه الإسلام.
    ولذلك كان لِزامًا علينا أن نفخر، وأن نشعر بالشرف والجلالة والنُّبل، يوم أن جعلنا الله مسلمين؛ لأن بعض الناس قد يخجل أن يلتفت إلى السّنّة، أو أن تظهر عليه معالم السنة، وهذا خطأ كبير وانهزام نفسي فاحش.
    كيف يخجل المؤمن من السنة، ونجاته يوم القيامة موقوفة على اتباعها. ويظن بعض هؤلاء أن الغرب بما وصل إليه من تقدم علمي هم أهدى سبيلاً من أهل الإيمان والإسلام !! ولذلك يَرُدّ الله – عز وجل – على الذين ظنوا أن مبادئ الشرف ومبادئ الرِّفعة، في تحصيل الأموال ومتلاك الدنيا فقال سبحانه: وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتين عظيم. أَهُمْ يقسمون رحمة ربِّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات ليتّخِذَ بعضهم بعضًا سُخْرِيًّا ورحمةُ ربِّك خيرٌ مما يجمعون[الزخرف:31-32].
    الشرف كل الشرف ليس في الدور، ولا القصور، ولا في الأموال، ولا في الأولاد، ولا في الهيئات ولا في الذوات، الشرف أن تكون عبدًا لرب الأرض والسماوات، الشرف أن تكون من أولياء الله، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المحرّمات.
    جاء عبد الله ابن أم مكتوم، الضرير الفقير المسكين، إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، يسأله في بعض الأمور، والرسول صلى لله عليه وسلم، مشغول بكفار قريش وساداتهم و يريد أن يهديَهم إلى صراط الله المستقيم، فلما دخل عليه قال: يا رسول الله، أريد كذا وكذا فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم[1][1] لأنه لا يريد أن تفوته الفرصة مع هؤلاء الكبار، فعاتبه ربه من فوق سبع سماوات، عاتبه في أمر هذا المسكين الضرير، يقول الله له: عبسفخاطبه بخطاب الغَيْبة، ولم يقل ( عَبَسْتَ ) وإنما يقول عبسأي تغير وجهه واكفهرّ، عبس هذا الرسول، عبس هذا النبي، عبس هذا الداعية في وجه الرجل الصالح عبس وتولى[عبس:1]. أي أعرض عنه عبس وتولى أن جاءه الأعمى[عبس:1-2]. ولم يُسمِّه باسمه، إنما ذكره بصفته أن جاءه الأعمىثم قال له: وما يدريك لعله يزّكى[عبس: 3]. من أخبرك بحاله، لعله أراد أن يتطهّر بالعلم النافع أراد منك أن تُفقّهه بالدين، أراد منك أن تقوده إلى رب العالمين، أو يذّكرُ فتنفعه الذكرى أما من استغنى[عبس:4-5]. أما الكافر الذي استغنى عن الرسالة والرسول، وعن القرآن والسنة، وعن الهداية والنور أما من استغنى فأنت له تصدى[عبس:5-6]. تستقبله، وتهش وتبش في وجهه، وتلين له في الخطاب.
    هؤلاء الجبابرة الذيت أتوك تستقبلهم ,أما هذا الأعمى، فتعرض عنه؟! فأنت له تَصَدَّى وما عليك ألا يزَّكى[عبس:6-7]. ليس عليك حسابهم، ذرهم يموتوا بكفرهم، وجبنهم، وعنادهم، وجبروتهم، فالنار مثواهم. وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسْعى وهو يخشى فأنت عنه تَلَهَّى[عبس:7–10]. لا، لا تفعل.
    فأتى عبد الله ابن أم مكتوم مرة ثانية، فقام له، صلى الله عليه وسلم، وعانقه، وفرش له رداءه، وقال له: ((مرحبًا بالذي عاتبني فيه ربي))[2][2].
    وبالفعل كانت النتيجة؛ أن من مات من هؤلاء الأشراف السادة، ماتوا على الكفر ودخلوا نارًا تلظى، وأما عبد الله ابن أم مكتوم، فأسلم واستمر على إسلامه ووفائه.
    ولما أتى داعي الهداية وداعي الكفاح، وداعي الجهاد، وارتفعت راية الإسلام في يد عمر – رضي الله عنه وأرضاه – ونادى بالنفير إلى القادسية، إلى معركة فاصلة، مع آل كسرى، وآل رستم، كان من المجاهدين عبد الله ابن أم مكتوم.
    قال له الصحابة: إنك معذور، أنت أعمى، قال: لا والله، الله يقول: انفروا خِفافاً وثقالاً[التوبة:41]. فلما حضر المعركة، سلموه الراية، فوقف مكانه حتى قتل، فكان قبره تحت قدميه، رضي الله عنه وأرضاه.
    سلام على ذلك الصديق المخلص، وسلام على ذلك المنيب، الذي تشرف بالإسلام، فكان قلعة من قلاع الحق، استقبلت نور السماء، فوزعته على البشرية، والرسول عليه الصلاة والسلام، كما قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: "ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيء من الدنيا ولا أعجبه أحد قط، إلا ذو تقى"[3][3].
    وعبد الرحمن بن عوف يقول: "والله ما رأيت متقياً لله إلا وددت أنني في مسلاخه".
    ترى المتقي، فيحبه قلبك إن كنت مسلماً؛ لما يظهر عليه من علامات النصح والقبول والرضا، وترى الكافر فيبغضه قلبك ولو كان وسيما جميلاً، فعليه آيات السخط والغضب، وعليه سمات الإعراض عن الله. وإذا رأيتهم تعجبُك أجسامُهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدةالمنافقون:4]. أما الأجسام فطويلة، وأما البشرة فجميلة، ولكن القلوب قلوب ضلالة، وقلوب جهالة، وقلوب عمالة، ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، لا يملكون في الدنيا قليلاً ولا كثيرًا، ولا يجد أحدهم إلا كسرة الخبز، وينام في الطرقات، ولكن الله نظر إلى قلوبهم فهداهم إلى الإسلام، أما الذين يتغنون في القصور والدور، قد لا يهديهم – سبحانه وتعالى – سواء السبيل:ولو عَلِمَ الله فيهم خيرًا لأسمَعَهم ولو أسْمَعَهم لتولَّوْا وهم معرضون[الأنفال:23].
    جاء جليبيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم عليه الصلاة والسلام، لما رآه، وقال وهو يناصحه: ((يا جليبيب أتُريدُ الزواج؟ فقال يا رسول الله: من يزوجني، ولا أسرة عندي، ولا مال، ولا دار، ولا شيء من متاع الدنيا. فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب إلى ذلك البيت من بيوت الأنصار، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمركم أن تزوجوني))، فذهب وطرق عليهم الباب وكانوا من سادات الأسر، ومن كبريات العشائر في الأنصار، فخرج ربُّ البيت، ورأى جُليْبيبًا وهيئته وفقره وعوزه، فقال له ماذا تريد؟ فأخبره الخبر، فعاد إلى زوجته، فشاورها، ثم قالوا: ليته غير جليبيب؛ لا نسب، ولا مال، ولا دار، فشاوروا تلك البنت الصالحة، التي تربت في مدرسة التوحيد، فقالت: وهل نردُّ رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتزوج بها، وعمر بيته الذي أسسه على تقوى الله - عز وجل – ورضوانه، ترفرف عليه المسكنة، ويزينه التكبير والتهليل والتحميد، وتظلله الصلاة في الهجيرِ، والصيام في شدة الحر[4][4].
    وحضر النبي صلى الله عليه وسلم، معركة من المعارك، فلما انتهت بالنصر، قال صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا. ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا. ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال: صلى الله عليه وسلم: لكني أفقد جليبيبًا فاطلبوه فطُلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعةٍ قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبيُ صلى الله عليه وسلم، فوقف عليه، فقال: قتل سبعةً ثم قتلوه. هذا منِّي وأنا منه، هذا مني وأنا منه، ثم وضع ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حُفِر له، ووضع في قبره))[5][5].
    لقد كانت عظمة هؤلاء يوم اتصلوا بالواحد الأحد، وعرفوا الله عزّ وجلّ، فَعَرَّفهم الله عز وجل على منازل الصديقين.
    دخل سليمان بن عبد الملك الحرم، ومعه الوزراء، والأمراء، , والحاشية، والجيش، فقال: مَن عالم مكة؟ قالوا: عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا، فأشرف عليه، فوجده عبدًا، كأن رأسه زبيبة مشلولاً نصفه، أزرق العينين، مفلفل الشعر، لا يملك من الدنيا درهمًا ولا دينارًا، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح الذي طوّق ذكرك الدنيا؟ قال: يقولون ذلك، قال بماذا حصلت على هذا العلم، قال: بترك فراشي في المسجد الحرام ثلاثين سنة، ما خرجت منه، حتى تعلمت العلم، قال سليمان: يا أيها الحجاج لا يفتي في المناسك إلا عطاء.
    وحدث ان اختلف سليمان وأبناؤه في مسألة من مسائل الحج، فقال: دلوني على عطاء بن أبي رباح، فأخذوه إلى عطاء وهو في الحرم، والناس عليه كالغمام، فأراد أن يجتاز الصفوف، ويتقدم إليه وهو الخليفة، فقال عطاء: يا أمير المؤمنين، خذ مكانك، ولا تتقدم الناس؛ فإن الناس سبقوك إلى هذا المكان، فلما أتى دوره سأله المسألة فأجابه، فقال سليمان لأبنائه: يا أبنائي، عليكم بتقوى الله، والتفقه في الدين، فو الله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد. لأن الله يرفع من يشاء بطاعته، وإن كان عبدًا حبشيًّا، لا مال ولا نسب، ويذل من يشاء بمعصيته، وإن كان ذا نسب وشرف.
    جاء هشام بن عبد الملك الخليفة، أخو سليمان، فحج البيت الحرام، فلما كان في الطواف، رأى سالم بن عبد الله بن عمر، الزاهد العالم العارف، وهو يطوف، وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب، لا تساوي ثلاثة عشر درهمًا، فقال له هشام: يا سالم: أتريد حاجة أقضيها لك اليوم، قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليَّ الحوائج، وأنا في بيت من لا يُعْوِزُني إلى غيره، فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: هل تريد شيئًا؟ قال: أمِن حوائج الدنيا، أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا. إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا مِن الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك ؟!.
    إنهم عظماء لأنهم عاشوا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم، التي أخرَجت خير أمة للناس، يرون الذهب والفضة للكفار، فيهدمونها ويطأونها بالأقدام، فيقول لهم المستعمر والكافر: خذوا هذا الذهب، واتركوا بلادنا، قالوا: لا والله، دارنا وبلادنا، جنة عرضها السماوات والأرض.
    ومن الذي باع الحيـاةَ رخيصـةً ورأى رضاك أعزَّ شيء فاشترى
    أم من رأى نار المجوس فاُطفئت وأبان وجه الصبحِ أبيضَ نيِّرا
    إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    يخرج عمر – رضي الله عنه وأرضاه – لاستلام مفاتيح بيت المقدس، فيخرج له الناس، ويستعرض الجيش المسلم، بقيادة أمرائه الأربعة تحت راية أبي عبيدة المقدام الهمام؛ يستعرضون له في الجابية، فلما أشرف عليهم قال: لا إله إلا الله، ثم قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ثم أمر الكتائب والجيوش أن تتفرق؛ فيدخل مسكنه في تواضع وفي هدوء، فلما اقترب الأمراء منه قال: تفرّقوا عني، أين أخي أبو عبيدة عامر بن الجراح، فتقدم أبو عبيدة، فعانقه وبكى طويلاً، فقال عمر: يا أبا عبيدة، كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة، ماذا فعلنا بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم، قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، تعال نتباكى، ولا يرانا الناس فانحرفا عن الطريق، والجيوش تنظر إليهما، والأمراء، والقساوسة، والرهبان، والنصارى، فاتجها إلى شجرة، ثم توقفا يبكيان طويلاً.
    رضي الله عنكم أيها السلف الصالح، يوم عرفتم أن الحياة بسنينها وأعوامها، ينبغي أن تصرف في مرضاة الله سبحانه وتعالى.
    يقول رستم قائد فارس، وتحت يديه مائتان وثمانون ألفًا من الجنود الكفرة، يقول لسعد بن أبي وقاص القائد المسلم. أرسل إليَّ من جنودك رسولاً أكلمه، فأرسل له سعدٌ رضي الله عنه رِبعيّ بن عامر وعمره ثلاثون سنة، من فقراء الصحابة، قال سعد: اذهب ولا تغير من مظهرك شيئًا، لأننا قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فخرج ربعيّ بفرسه الهزيل، وثيابه الرثة ورمحه البسيط، فلما سمع رستم أن وافد المسلمين سوف يدخل عليه، جمع حوله الأسرة الحاكمة، والوزراء، والجنود، واستعدوا لأن يرهبوا هذا الوافد، علّه يتلعثم، فلا يستطيع الكلام، فلما جلس رستم قال: أدخلوه عليّ، فدخل يقود فرسه، واعتمد برمحه على بُسُطهم فخرّقها وأفسدها؛ ليظهر لهم أن الدنيا حقيرة، وأنها رخيصة، وأنها لا تساوي عند الله شيئًا، ومن علامات رخصها وحقارتها؛ أن أعطاها هذا الكافر، وجعل سعد بن أبي وقاص ينام على الثرى.
    فلما وقف أمامه قالوا: اجلس، قال ربعيّ: ما أتيتك ضيفًا، وإنما أتيتك وافدًا، فقال رستم: - والترجمان بينهما – مالكم أيها العرب، ما علمنا – وأقسم بآلهته – قوماً أذل ولا أقل منكم؛ للرومان حضارة، ولفارس حضارة، ولليونان حضارة، وللهنود حضارة، أما أنتم، فأهل جعلان، تطاردون الأغنام والإبل في الصحراء، فماذا أتى بكم؟
    قال ربعيّ: نعم، أيها الملك كنا كما قلت وزيادة، كنا أهل جهالة، نعبد الأصنام، يقتل القريب قريبه على مورد الشاة، لا نعرف نظامًا ومبدأ، ولا حضارة – أو كما قال – ثم انتفض ,ورفع صوته كأنه الصاعقة في مجلسه قائلاً: ولكن الله ابتعثنا لنخرج العباد؛ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا، إلى سَعَة الآخرة، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، فغضب رستم وقال: والله لا تخرج، حتى تحمل ترابًا من بساطي، فحمَّله على رأسه، فقال ربعيّ: هذه الغنيمة إن شاء الله؛ تسليم أرضك وديارك[6][6]، فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين[الأنعام:45]. فلما أشرف على سعد، قال: ماذا على رأسك يا ربعيّ؟ فقال: تراب من تراب أرض رستم وكسرى، فكبر المسلمون حتى اهتز مخيّمهم وقالوا: هو النصر، تسليم أرضهم بإذن الله.
    وفي الصباح الباكر، يوم أشرقت الشمس بأشعة النصر على الدنيا، كان سعد – رضي الله عنه وأرضاه – في أول الصفوف، والتقى الجمعان، وبرزت الفئتان، وتبدى الرحمن لحزبه – سبحانه وتعالى – وفي ثلاثة أيام، تسحق كتائب الضلالة والعمالة، وتداس الجماجم التي ما عرفت لا إله إلا الله، وتضرب الرؤوس التي ما دخل فيها نور لا إله إلا الله، ويدخل سعد في اليوم الرابع إيوان كسرى، الذي حكم الدنيا ألف سنة، فيراه مموَّهًا بالذهب، ويرى الياقوت والزبرجد والمرجان، فيبكي سعد ويقول: كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم ونَعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماءُ والأرضُ وما كانوا منظرين[الدخان:25 – 29].
    من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسْـ ـمَك فوق هاماتِ النجومِ منارا
    كنـا جبـالاً فـي الجبـالِ وربمـا صِرْنا على مـوج البحارِ بحارا
    كنا نرى الأصنام مـن ذهبٍ فنهــ ـدمُهـا ونهـدمُ فوقَها الكفـارا
    لو كـان غيـر المسلمين لصـاغها حُلْيًا وحـاز الكنـزَ والدينـارا
    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم


    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين, ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وإمام المتقين, وحجة الله على الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
    أيها الناس:
    إن مما يجب على المسلم الذي يريد أن يؤسس بيته على تعاليم الإسلام وشرائعه؛ أن يُعَرِّف بيته وأبناءه بالإسلام, وأن يعظم شعائر الله في قلوبهم, وأن يعظم الحدود التي أمر الله بحفظها, فيكون بيته معظمًا لله سبحانه وتعالى، ومعنى ذلك أن تربي في نفس ابنك تعظيم الله, فلا يكون أحدٌ في قلبه أعظم من الله, ولا أجل من الله, ولا أحب من الله, هذا هو البيت المسلم.
    واستقامة البيت المسلم وهداية الأبناء تحصل بأمور منها:
    أن تعظم في قلب ابنك اسم الله سبحانه وتعالى وتعرفه على الواحد الأحد, فلا يتلفظ بلفظ الجلالة إلا في مكارم الأمور, وفي أشرف المناسبات, وأن تعلمه أين هو الله تبارك وتعالى في علوه, وتعرفه على صفات الواحد الأحد كرمه سبحانه وتعالى وحلمه وبره تبارك وتعالى, وتريه آثار القدرة في أسمائه وصفاته.
    يأكل الطعام فتقول له: هذا من فضل الله؛ ليحب الله, يلبس اللباس فتقول له: هذا من جود الله, فيتعرف على الله, يدخل البيت فتقول له: هذا من عطاء الله وفضله, فيتحبب إلى الله تعالى.
    ومن أمور التعظيم أيضًا, تعظيم كتاب الله فتحبب إليه القرآن, وتعظم مبدأ القرآن في قلبه, وتجعل القرآن من أعظم اهتماماته في الحياة, فإن وجدت قصاصةُ من المصحف رفعتها وقبلتها وطيّبتها وهو يراك, فإن هذا السلوك أعظم من مائة محاضرة, تحاضر فيها عن عظمة القرآن.
    ترى شيئًا من حديث المصطفى فترفعه, يُذكر لك الرسول في المجلس فتصلي وتسلم عليه فتعظم في قلبه رسول الهدى وتعظم في نفسه جهوده وجهاده .
    وتعظم كذلك أبا بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة أجمعين, حتى يكون هؤلاء الأخيار هم النجوم عند أبنائنا, لا نجوم الفن ولا نجوم الغناء؛ لأن كثيرًا من الأطفال تربوا على أن العظماء هم المغنون والمغنيات الأحياء منهم والأموات, فيرى أن هذا المغني قد شق طريق المجد, وقد صعد إلى القمة, وقد نال من الفخر ما لم ينله أحد من العالمين.
    ويظن بعض الأطفال أن هؤلاء الفنانين والفنانات رزقوا من العقول ومن الذكاء ما لم يرزقه أحد من الناس, لا لشيء إلا لأن الطفل يصبح ويمسي على صوت هذا المغني, وهذا الفنان وهذا المهرج, أما ذكر محمد فقل أن يسمعه في بيته.
    وطائفة من الناس, ثقافتهم آثمة, دخيلة, عميلة, ضالة؛ رأوا أن نجوم المجد ماركس, ولينين وهرتزل ونابليون, وهتلر, أعداء الإنسانية, وشرذمة البشرية, إنهم يقرأون كتبهم ويحفظون كلماتهم, وهؤلاء ـ والذي لا إله إلا هو, والذي شرف محمدًا بالرسالة ـ لا يساوون غبار نعليه ولا يساوون التراب الذي وطئه ولا يساوون ـ ولو اجتمعوا من الشرق إلى الغرب ـ حذاء أبي بكر, أو عمر, أو عثمان, أو علي.
    أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جَمَعتْنَا يا جريرُ المجامعُ
    أولئك الذين هدى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].
    أولئك الذين ركبوا متن التاريخ, وأسمعوا أذن الزمن, وامتطوا بحار المجد, يرفعون لا إله إلا الله.
    أولئك الذي علم الله الإنسانية بهم العدالة, وأفنى الله بهم الضلالة, ومحق الله بهم العمالة.
    أولئك الذين كان كل منهم قرآنًا يمشي على الأرض, يتعاملون بتعاليم القرآن, وينامون على تلاوة القرآن, ويستيقظون على صوت القرآن.
    أولئك الذين نظر الله إلى قلوبهم, فرضي عنهم ورضوا عنه؛ يكلم شهداءهم كفاحًا, ويرضى عن مواقفهم, ويثني عليهم وهم في الحياة الدنيا.
    يجتمعون تحت شجرة, فينزل جبريل بكلام الله سبحانه وتعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة [سورة الفتح:18].
    ويجتمعون في الصباح الباكر فيتنزل جبريل بقوله سبحانه وتعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود [الفتح:29].
    جلالة, ونور, وبياض, وإشراق, وبشاشة, أما أولئك الذين دخلوا علينا في المجلات الخليعة, وفي الكتب الظالمة الغاشمة, وفي الأفكار الإلحادية الضالة, أولئك أبخس خلق الله, ولا أبالغ إذا قلت: إن الكلاب أطهر منهم, وإن الحمير أنزه منهم؛ لأنها مخلوقة بلا عقول ولا تكليف, أما هم فكلفوا بعقول, ثم ألحدوا, وكفروا, وأعرضوا فهم أضل منها سبيلاً أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله[الجاثية:23].
    نعم إن الذي لا يؤمن بالله, تطارده لعنة الله في الدنيا والآخرة, كما قال تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفارٌ أولئك عليهم لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعينخالدين فيها لا يخفَّفُ عنهم العذابُ ولا هم ينظرون[البقرة:161-162].
    أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ علينا إسلامنا, ذلك الإسلام الذي أتى به رسول الله فأخرج به الدنيا من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان والتوحيد.
    إن البرية يـوم مبعـث أحـمد نظر الإلـه لها فبدَّل حالها
    بل كرَّم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
    عباد الله:
    صلوا ولموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا[الأحزاب:56].
    وقد قال : ((من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا))، اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.













  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الموقع
    اليمن
    الردود
    14
    الجنس
    رجل
    شرف المسلم
    عائض القرني
    ملخص الخطبة
    1- شرف المسلم وعزه في تمسكه بالقرآن والسنة. 2- قصة ابن أم مكتوم مع النبي . 3- زواج جليبيب ومقتله. 4- عطاء بن رباح مفتي الحج. 5- عمر في بلاد الشام. 6- ربعي في بلاط رستم. 7- التأسي بالساقطين والساقطات ومهازيل الأمم.

    الخطبة الأولى
    أيها الناس:
    ومما زادني شـرفـًا وفخـرًا وكدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا
    دخولي تحت قولك "يا عبادي" وأن صيَّرت أحمد لـي نبيِّا
    من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة، أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين، فمن لم يتشرف بالدين ومن لم يفتخر بكونه من المسلمين، ففي قلبه شك وقلة يقين، يقول الله في محكم التنزيل، مخاطبًا رسوله، صلى الله عليه وسلم: وإنَّه لذكرٌ لك ولقومِك وسوف تُسْألون[الزخرف:44]. أيْ: شرف لك، وشرف لقومك، وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة، فالواجب أن تتشرف بالقرآن، لكونك من أمة القرآن، ومن أمة الإسلام.
    بشرى لنا معشر الإسلام أنّ لنا من العناية ركنًا غير مُنْهدِم
    لما دعـا الله داعينا لطاعتـه بأكرم الرُّسْلِ كنا أكرمَ الأممِ
    ولذلك يقول جلّ ذكره: ولا تَهِنوا ولا تَحزَنُوا وأنتُم الأعلَوْن إن كنتم مؤمنين[آل عمران: 139].
    قال الأستاذ سيد قطب: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلونالأعلون سندًا، والأعلون مبادئًا، والأعلون منهجًا، فمبدؤكم المبدأ الأصيل، وقرآنكم القرآن الجليل، وسندكم الربُّ الفضيل، فكيف يَهِن من كان الله سنده، وكيف يهن من كان الله ربه ومولاه، وكيف يهن من كان رسوله وقدوته محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكيف يهن من كان دينه الإسلام.
    ولذلك كان لِزامًا علينا أن نفخر، وأن نشعر بالشرف والجلالة والنُّبل، يوم أن جعلنا الله مسلمين؛ لأن بعض الناس قد يخجل أن يلتفت إلى السّنّة، أو أن تظهر عليه معالم السنة، وهذا خطأ كبير وانهزام نفسي فاحش.
    كيف يخجل المؤمن من السنة، ونجاته يوم القيامة موقوفة على اتباعها. ويظن بعض هؤلاء أن الغرب بما وصل إليه من تقدم علمي هم أهدى سبيلاً من أهل الإيمان والإسلام !! ولذلك يَرُدّ الله – عز وجل – على الذين ظنوا أن مبادئ الشرف ومبادئ الرِّفعة، في تحصيل الأموال ومتلاك الدنيا فقال سبحانه: وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتين عظيم. أَهُمْ يقسمون رحمة ربِّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات ليتّخِذَ بعضهم بعضًا سُخْرِيًّا ورحمةُ ربِّك خيرٌ مما يجمعون[الزخرف:31-32].
    الشرف كل الشرف ليس في الدور، ولا القصور، ولا في الأموال، ولا في الأولاد، ولا في الهيئات ولا في الذوات، الشرف أن تكون عبدًا لرب الأرض والسماوات، الشرف أن تكون من أولياء الله، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المحرّمات.
    جاء عبد الله ابن أم مكتوم، الضرير الفقير المسكين، إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، يسأله في بعض الأمور، والرسول صلى لله عليه وسلم، مشغول بكفار قريش وساداتهم و يريد أن يهديَهم إلى صراط الله المستقيم، فلما دخل عليه قال: يا رسول الله، أريد كذا وكذا فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم[1][1] لأنه لا يريد أن تفوته الفرصة مع هؤلاء الكبار، فعاتبه ربه من فوق سبع سماوات، عاتبه في أمر هذا المسكين الضرير، يقول الله له: عبسفخاطبه بخطاب الغَيْبة، ولم يقل ( عَبَسْتَ ) وإنما يقول عبسأي تغير وجهه واكفهرّ، عبس هذا الرسول، عبس هذا النبي، عبس هذا الداعية في وجه الرجل الصالح عبس وتولى[عبس:1]. أي أعرض عنه عبس وتولى أن جاءه الأعمى[عبس:1-2]. ولم يُسمِّه باسمه، إنما ذكره بصفته أن جاءه الأعمىثم قال له: وما يدريك لعله يزّكى[عبس: 3]. من أخبرك بحاله، لعله أراد أن يتطهّر بالعلم النافع أراد منك أن تُفقّهه بالدين، أراد منك أن تقوده إلى رب العالمين، أو يذّكرُ فتنفعه الذكرى أما من استغنى[عبس:4-5]. أما الكافر الذي استغنى عن الرسالة والرسول، وعن القرآن والسنة، وعن الهداية والنور أما من استغنى فأنت له تصدى[عبس:5-6]. تستقبله، وتهش وتبش في وجهه، وتلين له في الخطاب.
    هؤلاء الجبابرة الذيت أتوك تستقبلهم ,أما هذا الأعمى، فتعرض عنه؟! فأنت له تَصَدَّى وما عليك ألا يزَّكى[عبس:6-7]. ليس عليك حسابهم، ذرهم يموتوا بكفرهم، وجبنهم، وعنادهم، وجبروتهم، فالنار مثواهم. وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسْعى وهو يخشى فأنت عنه تَلَهَّى[عبس:7–10]. لا، لا تفعل.
    فأتى عبد الله ابن أم مكتوم مرة ثانية، فقام له، صلى الله عليه وسلم، وعانقه، وفرش له رداءه، وقال له: ((مرحبًا بالذي عاتبني فيه ربي))[2][2].
    وبالفعل كانت النتيجة؛ أن من مات من هؤلاء الأشراف السادة، ماتوا على الكفر ودخلوا نارًا تلظى، وأما عبد الله ابن أم مكتوم، فأسلم واستمر على إسلامه ووفائه.
    ولما أتى داعي الهداية وداعي الكفاح، وداعي الجهاد، وارتفعت راية الإسلام في يد عمر – رضي الله عنه وأرضاه – ونادى بالنفير إلى القادسية، إلى معركة فاصلة، مع آل كسرى، وآل رستم، كان من المجاهدين عبد الله ابن أم مكتوم.
    قال له الصحابة: إنك معذور، أنت أعمى، قال: لا والله، الله يقول: انفروا خِفافاً وثقالاً[التوبة:41]. فلما حضر المعركة، سلموه الراية، فوقف مكانه حتى قتل، فكان قبره تحت قدميه، رضي الله عنه وأرضاه.
    سلام على ذلك الصديق المخلص، وسلام على ذلك المنيب، الذي تشرف بالإسلام، فكان قلعة من قلاع الحق، استقبلت نور السماء، فوزعته على البشرية، والرسول عليه الصلاة والسلام، كما قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: "ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيء من الدنيا ولا أعجبه أحد قط، إلا ذو تقى"[3][3].
    وعبد الرحمن بن عوف يقول: "والله ما رأيت متقياً لله إلا وددت أنني في مسلاخه".
    ترى المتقي، فيحبه قلبك إن كنت مسلماً؛ لما يظهر عليه من علامات النصح والقبول والرضا، وترى الكافر فيبغضه قلبك ولو كان وسيما جميلاً، فعليه آيات السخط والغضب، وعليه سمات الإعراض عن الله. وإذا رأيتهم تعجبُك أجسامُهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدةالمنافقون:4]. أما الأجسام فطويلة، وأما البشرة فجميلة، ولكن القلوب قلوب ضلالة، وقلوب جهالة، وقلوب عمالة، ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، لا يملكون في الدنيا قليلاً ولا كثيرًا، ولا يجد أحدهم إلا كسرة الخبز، وينام في الطرقات، ولكن الله نظر إلى قلوبهم فهداهم إلى الإسلام، أما الذين يتغنون في القصور والدور، قد لا يهديهم – سبحانه وتعالى – سواء السبيل:ولو عَلِمَ الله فيهم خيرًا لأسمَعَهم ولو أسْمَعَهم لتولَّوْا وهم معرضون[الأنفال:23].
    جاء جليبيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم عليه الصلاة والسلام، لما رآه، وقال وهو يناصحه: ((يا جليبيب أتُريدُ الزواج؟ فقال يا رسول الله: من يزوجني، ولا أسرة عندي، ولا مال، ولا دار، ولا شيء من متاع الدنيا. فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب إلى ذلك البيت من بيوت الأنصار، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمركم أن تزوجوني))، فذهب وطرق عليهم الباب وكانوا من سادات الأسر، ومن كبريات العشائر في الأنصار، فخرج ربُّ البيت، ورأى جُليْبيبًا وهيئته وفقره وعوزه، فقال له ماذا تريد؟ فأخبره الخبر، فعاد إلى زوجته، فشاورها، ثم قالوا: ليته غير جليبيب؛ لا نسب، ولا مال، ولا دار، فشاوروا تلك البنت الصالحة، التي تربت في مدرسة التوحيد، فقالت: وهل نردُّ رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتزوج بها، وعمر بيته الذي أسسه على تقوى الله - عز وجل – ورضوانه، ترفرف عليه المسكنة، ويزينه التكبير والتهليل والتحميد، وتظلله الصلاة في الهجيرِ، والصيام في شدة الحر[4][4].
    وحضر النبي صلى الله عليه وسلم، معركة من المعارك، فلما انتهت بالنصر، قال صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا. ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا. ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال: صلى الله عليه وسلم: لكني أفقد جليبيبًا فاطلبوه فطُلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعةٍ قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبيُ صلى الله عليه وسلم، فوقف عليه، فقال: قتل سبعةً ثم قتلوه. هذا منِّي وأنا منه، هذا مني وأنا منه، ثم وضع ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حُفِر له، ووضع في قبره))[5][5].
    لقد كانت عظمة هؤلاء يوم اتصلوا بالواحد الأحد، وعرفوا الله عزّ وجلّ، فَعَرَّفهم الله عز وجل على منازل الصديقين.
    دخل سليمان بن عبد الملك الحرم، ومعه الوزراء، والأمراء، , والحاشية، والجيش، فقال: مَن عالم مكة؟ قالوا: عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا، فأشرف عليه، فوجده عبدًا، كأن رأسه زبيبة مشلولاً نصفه، أزرق العينين، مفلفل الشعر، لا يملك من الدنيا درهمًا ولا دينارًا، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح الذي طوّق ذكرك الدنيا؟ قال: يقولون ذلك، قال بماذا حصلت على هذا العلم، قال: بترك فراشي في المسجد الحرام ثلاثين سنة، ما خرجت منه، حتى تعلمت العلم، قال سليمان: يا أيها الحجاج لا يفتي في المناسك إلا عطاء.
    وحدث ان اختلف سليمان وأبناؤه في مسألة من مسائل الحج، فقال: دلوني على عطاء بن أبي رباح، فأخذوه إلى عطاء وهو في الحرم، والناس عليه كالغمام، فأراد أن يجتاز الصفوف، ويتقدم إليه وهو الخليفة، فقال عطاء: يا أمير المؤمنين، خذ مكانك، ولا تتقدم الناس؛ فإن الناس سبقوك إلى هذا المكان، فلما أتى دوره سأله المسألة فأجابه، فقال سليمان لأبنائه: يا أبنائي، عليكم بتقوى الله، والتفقه في الدين، فو الله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد. لأن الله يرفع من يشاء بطاعته، وإن كان عبدًا حبشيًّا، لا مال ولا نسب، ويذل من يشاء بمعصيته، وإن كان ذا نسب وشرف.
    جاء هشام بن عبد الملك الخليفة، أخو سليمان، فحج البيت الحرام، فلما كان في الطواف، رأى سالم بن عبد الله بن عمر، الزاهد العالم العارف، وهو يطوف، وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب، لا تساوي ثلاثة عشر درهمًا، فقال له هشام: يا سالم: أتريد حاجة أقضيها لك اليوم، قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليَّ الحوائج، وأنا في بيت من لا يُعْوِزُني إلى غيره، فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: هل تريد شيئًا؟ قال: أمِن حوائج الدنيا، أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا. إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا مِن الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك ؟!.
    إنهم عظماء لأنهم عاشوا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم، التي أخرَجت خير أمة للناس، يرون الذهب والفضة للكفار، فيهدمونها ويطأونها بالأقدام، فيقول لهم المستعمر والكافر: خذوا هذا الذهب، واتركوا بلادنا، قالوا: لا والله، دارنا وبلادنا، جنة عرضها السماوات والأرض.
    ومن الذي باع الحيـاةَ رخيصـةً ورأى رضاك أعزَّ شيء فاشترى
    أم من رأى نار المجوس فاُطفئت وأبان وجه الصبحِ أبيضَ نيِّرا
    إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    يخرج عمر – رضي الله عنه وأرضاه – لاستلام مفاتيح بيت المقدس، فيخرج له الناس، ويستعرض الجيش المسلم، بقيادة أمرائه الأربعة تحت راية أبي عبيدة المقدام الهمام؛ يستعرضون له في الجابية، فلما أشرف عليهم قال: لا إله إلا الله، ثم قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ثم أمر الكتائب والجيوش أن تتفرق؛ فيدخل مسكنه في تواضع وفي هدوء، فلما اقترب الأمراء منه قال: تفرّقوا عني، أين أخي أبو عبيدة عامر بن الجراح، فتقدم أبو عبيدة، فعانقه وبكى طويلاً، فقال عمر: يا أبا عبيدة، كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة، ماذا فعلنا بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم، قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، تعال نتباكى، ولا يرانا الناس فانحرفا عن الطريق، والجيوش تنظر إليهما، والأمراء، والقساوسة، والرهبان، والنصارى، فاتجها إلى شجرة، ثم توقفا يبكيان طويلاً.
    رضي الله عنكم أيها السلف الصالح، يوم عرفتم أن الحياة بسنينها وأعوامها، ينبغي أن تصرف في مرضاة الله سبحانه وتعالى.
    يقول رستم قائد فارس، وتحت يديه مائتان وثمانون ألفًا من الجنود الكفرة، يقول لسعد بن أبي وقاص القائد المسلم. أرسل إليَّ من جنودك رسولاً أكلمه، فأرسل له سعدٌ رضي الله عنه رِبعيّ بن عامر وعمره ثلاثون سنة، من فقراء الصحابة، قال سعد: اذهب ولا تغير من مظهرك شيئًا، لأننا قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فخرج ربعيّ بفرسه الهزيل، وثيابه الرثة ورمحه البسيط، فلما سمع رستم أن وافد المسلمين سوف يدخل عليه، جمع حوله الأسرة الحاكمة، والوزراء، والجنود، واستعدوا لأن يرهبوا هذا الوافد، علّه يتلعثم، فلا يستطيع الكلام، فلما جلس رستم قال: أدخلوه عليّ، فدخل يقود فرسه، واعتمد برمحه على بُسُطهم فخرّقها وأفسدها؛ ليظهر لهم أن الدنيا حقيرة، وأنها رخيصة، وأنها لا تساوي عند الله شيئًا، ومن علامات رخصها وحقارتها؛ أن أعطاها هذا الكافر، وجعل سعد بن أبي وقاص ينام على الثرى.
    فلما وقف أمامه قالوا: اجلس، قال ربعيّ: ما أتيتك ضيفًا، وإنما أتيتك وافدًا، فقال رستم: - والترجمان بينهما – مالكم أيها العرب، ما علمنا – وأقسم بآلهته – قوماً أذل ولا أقل منكم؛ للرومان حضارة، ولفارس حضارة، ولليونان حضارة، وللهنود حضارة، أما أنتم، فأهل جعلان، تطاردون الأغنام والإبل في الصحراء، فماذا أتى بكم؟
    قال ربعيّ: نعم، أيها الملك كنا كما قلت وزيادة، كنا أهل جهالة، نعبد الأصنام، يقتل القريب قريبه على مورد الشاة، لا نعرف نظامًا ومبدأ، ولا حضارة – أو كما قال – ثم انتفض ,ورفع صوته كأنه الصاعقة في مجلسه قائلاً: ولكن الله ابتعثنا لنخرج العباد؛ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا، إلى سَعَة الآخرة، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، فغضب رستم وقال: والله لا تخرج، حتى تحمل ترابًا من بساطي، فحمَّله على رأسه، فقال ربعيّ: هذه الغنيمة إن شاء الله؛ تسليم أرضك وديارك[6][6]، فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين[الأنعام:45]. فلما أشرف على سعد، قال: ماذا على رأسك يا ربعيّ؟ فقال: تراب من تراب أرض رستم وكسرى، فكبر المسلمون حتى اهتز مخيّمهم وقالوا: هو النصر، تسليم أرضهم بإذن الله.
    وفي الصباح الباكر، يوم أشرقت الشمس بأشعة النصر على الدنيا، كان سعد – رضي الله عنه وأرضاه – في أول الصفوف، والتقى الجمعان، وبرزت الفئتان، وتبدى الرحمن لحزبه – سبحانه وتعالى – وفي ثلاثة أيام، تسحق كتائب الضلالة والعمالة، وتداس الجماجم التي ما عرفت لا إله إلا الله، وتضرب الرؤوس التي ما دخل فيها نور لا إله إلا الله، ويدخل سعد في اليوم الرابع إيوان كسرى، الذي حكم الدنيا ألف سنة، فيراه مموَّهًا بالذهب، ويرى الياقوت والزبرجد والمرجان، فيبكي سعد ويقول: كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم ونَعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماءُ والأرضُ وما كانوا منظرين[الدخان:25 – 29].
    من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسْـ ـمَك فوق هاماتِ النجومِ منارا
    كنـا جبـالاً فـي الجبـالِ وربمـا صِرْنا على مـوج البحارِ بحارا
    كنا نرى الأصنام مـن ذهبٍ فنهــ ـدمُهـا ونهـدمُ فوقَها الكفـارا
    لو كـان غيـر المسلمين لصـاغها حُلْيًا وحـاز الكنـزَ والدينـارا
    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم


    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين, ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وإمام المتقين, وحجة الله على الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
    أيها الناس:
    إن مما يجب على المسلم الذي يريد أن يؤسس بيته على تعاليم الإسلام وشرائعه؛ أن يُعَرِّف بيته وأبناءه بالإسلام, وأن يعظم شعائر الله في قلوبهم, وأن يعظم الحدود التي أمر الله بحفظها, فيكون بيته معظمًا لله سبحانه وتعالى، ومعنى ذلك أن تربي في نفس ابنك تعظيم الله, فلا يكون أحدٌ في قلبه أعظم من الله, ولا أجل من الله, ولا أحب من الله, هذا هو البيت المسلم.
    واستقامة البيت المسلم وهداية الأبناء تحصل بأمور منها:
    أن تعظم في قلب ابنك اسم الله سبحانه وتعالى وتعرفه على الواحد الأحد, فلا يتلفظ بلفظ الجلالة إلا في مكارم الأمور, وفي أشرف المناسبات, وأن تعلمه أين هو الله تبارك وتعالى في علوه, وتعرفه على صفات الواحد الأحد كرمه سبحانه وتعالى وحلمه وبره تبارك وتعالى, وتريه آثار القدرة في أسمائه وصفاته.
    يأكل الطعام فتقول له: هذا من فضل الله؛ ليحب الله, يلبس اللباس فتقول له: هذا من جود الله, فيتعرف على الله, يدخل البيت فتقول له: هذا من عطاء الله وفضله, فيتحبب إلى الله تعالى.
    ومن أمور التعظيم أيضًا, تعظيم كتاب الله فتحبب إليه القرآن, وتعظم مبدأ القرآن في قلبه, وتجعل القرآن من أعظم اهتماماته في الحياة, فإن وجدت قصاصةُ من المصحف رفعتها وقبلتها وطيّبتها وهو يراك, فإن هذا السلوك أعظم من مائة محاضرة, تحاضر فيها عن عظمة القرآن.
    ترى شيئًا من حديث المصطفى فترفعه, يُذكر لك الرسول في المجلس فتصلي وتسلم عليه فتعظم في قلبه رسول الهدى وتعظم في نفسه جهوده وجهاده .
    وتعظم كذلك أبا بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة أجمعين, حتى يكون هؤلاء الأخيار هم النجوم عند أبنائنا, لا نجوم الفن ولا نجوم الغناء؛ لأن كثيرًا من الأطفال تربوا على أن العظماء هم المغنون والمغنيات الأحياء منهم والأموات, فيرى أن هذا المغني قد شق طريق المجد, وقد صعد إلى القمة, وقد نال من الفخر ما لم ينله أحد من العالمين.
    ويظن بعض الأطفال أن هؤلاء الفنانين والفنانات رزقوا من العقول ومن الذكاء ما لم يرزقه أحد من الناس, لا لشيء إلا لأن الطفل يصبح ويمسي على صوت هذا المغني, وهذا الفنان وهذا المهرج, أما ذكر محمد فقل أن يسمعه في بيته.
    وطائفة من الناس, ثقافتهم آثمة, دخيلة, عميلة, ضالة؛ رأوا أن نجوم المجد ماركس, ولينين وهرتزل ونابليون, وهتلر, أعداء الإنسانية, وشرذمة البشرية, إنهم يقرأون كتبهم ويحفظون كلماتهم, وهؤلاء ـ والذي لا إله إلا هو, والذي شرف محمدًا بالرسالة ـ لا يساوون غبار نعليه ولا يساوون التراب الذي وطئه ولا يساوون ـ ولو اجتمعوا من الشرق إلى الغرب ـ حذاء أبي بكر, أو عمر, أو عثمان, أو علي.
    أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جَمَعتْنَا يا جريرُ المجامعُ
    أولئك الذين هدى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].
    أولئك الذين ركبوا متن التاريخ, وأسمعوا أذن الزمن, وامتطوا بحار المجد, يرفعون لا إله إلا الله.
    أولئك الذي علم الله الإنسانية بهم العدالة, وأفنى الله بهم الضلالة, ومحق الله بهم العمالة.
    أولئك الذين كان كل منهم قرآنًا يمشي على الأرض, يتعاملون بتعاليم القرآن, وينامون على تلاوة القرآن, ويستيقظون على صوت القرآن.
    أولئك الذين نظر الله إلى قلوبهم, فرضي عنهم ورضوا عنه؛ يكلم شهداءهم كفاحًا, ويرضى عن مواقفهم, ويثني عليهم وهم في الحياة الدنيا.
    يجتمعون تحت شجرة, فينزل جبريل بكلام الله سبحانه وتعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة [سورة الفتح:18].
    ويجتمعون في الصباح الباكر فيتنزل جبريل بقوله سبحانه وتعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود [الفتح:29].
    جلالة, ونور, وبياض, وإشراق, وبشاشة, أما أولئك الذين دخلوا علينا في المجلات الخليعة, وفي الكتب الظالمة الغاشمة, وفي الأفكار الإلحادية الضالة, أولئك أبخس خلق الله, ولا أبالغ إذا قلت: إن الكلاب أطهر منهم, وإن الحمير أنزه منهم؛ لأنها مخلوقة بلا عقول ولا تكليف, أما هم فكلفوا بعقول, ثم ألحدوا, وكفروا, وأعرضوا فهم أضل منها سبيلاً أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله[الجاثية:23].
    نعم إن الذي لا يؤمن بالله, تطارده لعنة الله في الدنيا والآخرة, كما قال تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفارٌ أولئك عليهم لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعينخالدين فيها لا يخفَّفُ عنهم العذابُ ولا هم ينظرون[البقرة:161-162].
    أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ علينا إسلامنا, ذلك الإسلام الذي أتى به رسول الله فأخرج به الدنيا من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان والتوحيد.
    إن البرية يـوم مبعـث أحـمد نظر الإلـه لها فبدَّل حالها
    بل كرَّم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
    عباد الله:
    صلوا ولموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا[الأحزاب:56].
    وقد قال : ((من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا))، اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.













  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الموقع
    اليمن
    الردود
    14
    الجنس
    رجل
    الحمد لله رب العالمين، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.. الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

    والصلاة والسلام على رسول الله خير من تكلم بالقرآن وفهمه وبلغه، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية.

    أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    أيها الناس: إن أكبر قضية في حياة الإنسان، هي قضية البحث عن الهداية، وقضية معرفة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه لا أكبر من الله، فلا إله إلا الله، ولا إله غير الله.

    الله ربي لا أريد سواه هل في الوجود حقيقة إلا هو


    قد ضل من يرجو سواه وأفلست من كل خير في العلا يمناه


    يقول عز من قائل: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الأنعام:19] ولذلك كانت هذه القضية هي القضية الكبرى التي ينبغي للمسلم أن يبحث عنها، فأين الباحثون عن الحقيقة الكبرى؟

    وأين الملتمسون للهداية؟

    وأين المتطلعون إلى معرفة الله؟......



    بحث سلمان عن الهداية



    لنقف اليوم مع بعض أولئك النفر الصالحين، مع المتلمسين للهداية، والباحثين عن الحقيقة.

    وفي مقدمتهم، وفي أولهم سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، سلمان ابن الإسلام الذي لما اجتمع مع نفر من العرب فسألوه عن نسبه، حيث يقول هذا: أنا قرشي، وذاك يقول: أنا قيسي، وذاك يقول: أنا تميمي، فقال:

    أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم


    هو لا يعرف إلا الإسلام، فأبوه الإسلام، وأمه التقوى.

    نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا


    أتى من أرض فارس ، يتلمس الهداية، ويطلب النور ويريد لا إله إلا الله، وأبو جهل وأبو لهب وأبو طالب ، عند الركن اليماني والحجر الأسود يبغضون لا إله إلا الله ويحاربونها، فعجباً كيف يقود قدر الله وهدايته واصطفاؤه هذا الرجل من وراء بلاد فارس ، ليكون من حماة الإسلام؟ وكيف تطرد قدرة الله وعنايته هذه الشرذمة وهم عند الحجر الأسود والركن اليماني، فيموتون ويكون مصيرهم إلى نار جهنم.

    كان سلمان يعبد النار من دون الله الواحد القهار.

    وأصبح عابدو الأصنام حماة البيت والركن اليماني


    يقول عن نفسه: كنت مع أبي وكان من سدنة النار التي يسجد لها المجوس من دون الله فانشغل ذات يوم من الأيام في شغل له في مال؛ فأرسلني لأوقد النار مكانه، قال: فذهبت فأوقدت النار، فمررت في طريقي؛ فوجدت قوماً من النصارى يعبدون الله على دين المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، قال: فأعجبتني عبادتهم، وتلهيت معهم ساعة، وعدت إلى أبي في المساء، فقال لي: أين كنت؟ فأخبرته الخبر، قال: فحبسني ووضع الحديد في رجلي -لأنه خرج عن دينه، وخاف أن يرتد عن دين المجوسية ، وهكذا حماس أهل الباطل لباطلهم، فأين حماس أهل الحق لحقهم؟

    قال: فسألت الناس هل هناك من دين مثل هذا الدين في غير هذه الأرض؟ قالوا: نعم في الشام في سوريا ، قال: فمر بي ركبٌ فوضعت الحديد من رجلي وركبت معهم وتركت أبي وأهلي لألتمس الدين الحق، قال: فأركبوني معهم حتى نزلت بـالشام ، فأنزلوني عند راهب في صومعة، فجلست عنده، فوجدته رجل سوء شريراً يأمر الناس بالصدقة ويأكل أمولهم، ويأمرهم بطاعة الله ويعصي الله في الخفاء.

    قال: فلما مات حملوا جنازته، وحفروا له قبراً، قلت: لا تسرعوا إن هذا رجل سوء، عنده سبع قلال من المال من الذهب والفضة، وأريتهم إياها، فرجموه بالحجارة، ولعنوه وصلبوه، قال: ثم سألت الناس، فدلوني على راهب في العراق ، فذهبت إلى ذاك الراهب في صومعته؛ فوجدته من أعبد الناس لله ومن أصدقهم لمولاه، ما رأيت رجلاً غير المصلين أفضل منه -يستثني المسلمين- قال: فكنت معه بأحسن حال، فلما دنت منه الوفاة، قلت: إني صاحبتك وإن للصحبة حقاً، فدلني على رجل صالح، قال: فدلني على رجل صالح آخر فذهبت إليه، فوجدته كصاحبه في الصلاح والعبادة، فلما دنت منه الوفاة -وللفائدة فإن سلمان عاش ثلاثمائة سنة في الجاهلية، والمجوسية والنصرانية ، وفي الإسلام، فهو مجرب كل التجارب، وهو مخضرم أكل عليه الدهر وشرب، واستقرأ الحوادث والوقائع والأيام، وخرج بنتيجة أنه لا دين إلا دين الله الذي رضيه للناس- قال: فلما دنت منه الوفاة، قلت: بحق الصحبة معك، دلني على رجل صالح في الأرض، قال: لا أعلم راهباً بقي في هذه الأرض، ولكن هذا زمان مبعث رسول يرسل من العرب، قد أظلك زمانه، وهو يخرج في هذه الأيام، وسوف يهاجر من بلاده إلى أرض ذات نخل بين حرتين، أرض شديدة الحرارة، فإذا سمعت به فاذهب إليه.

    قال: فاشتغلت ببعض الكسب فحصل لي بعض الأموال من البقر والغنم، فتعرضت على ساحل البحر، فوجدت أناساً من العرب من التجار؛ فأعطيتهم الإبل والبقر والغنم أجرة على أن يحملوني إلى الجزيرة ، قال: وكانوا ظلمة، وادعوا أني عبد لهم -وما أصابته عبودية ولا رق إلا لله تبارك وتعالى- قال: فلما نزلنا ظلموني وباعوني من رجل من أهل وادي القرى قريباً من المدينة -وانظر إلى عناية الله كيف يقربه تبارك وتعالى من المدينة - قال: فأتى رجلٌ من اليهود في تلك الليلة من أهل المدينة ، فاشتراني من هذا الرجل في وادي القرى ؛ فذهبت معه، فكنت أجذ له النخل، وأسقي له على الناضح، وأشتغل له في الزراعة، وأتلمس الأخبار، وأتسمع الأنباء عن مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال: وبينما أنا في النخلة، وإذا بيهودي آخر أتى يستهزئ ويستهتر على اليهودي الثاني صاحب المزرعة، ويقول: أتى جد بني قيلة -وبنو قيلة: هم الأنصار، وجدهم أي: حظهم، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال له: أقدم اليوم؟ قال: نعم قدم، قال سلمان : فو الله ما إن سمعت كلامه وقع في أذني، حتى أصابتني رعدةٌ في جسمي فكدت أسقط من أعلى النخلة.

    من الفرح لما وقع الخبر في أذنيه.

    طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت منه بآمالي إلى الكذب


    حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي


    قال: فوقفت بجانب سيدي، وقلت: ما الخبر؟ فلطمني على وجهي لطمة أجلستني، وقال: عد إلى شغلك، ما شأنك وهذا الشأن؟ قال: فعدت، وكان آخر الرهبان الثلاثة أخبرني بعلامات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ثلاث علامات:

    أولها: أنه لا يأكل الصدقة. وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية.

    وثالثها: أن بين كتفيه خاتم النبوة.

    قال: فلما أظلم الليل أخذت مكتلاً معي من تمر، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قباء حيث بنو سلمة في أعالي المدينة ، فسلمت عليه؛ فرأيت وجهه ليس بوجه كذاب كأنه البدر.

    لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر


    فوضعت المكتل بين يديه، وقلت: سمعت أنكم غرباء قدمتم؛ فخذوا هذا التمر صدقة، قال: فأمسك صلى الله عليه وسلم ولم يأكل، وقال لأصحابه: كلوا بسم الله، قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة، قال: ثم عدت إلى النخل فلما أتت الليلة المقبلة، حملت مكتلاً آخر، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوضعته بين يديه، وقلت: هذه هدية، فقال: بسم الله وأكل، فقلت: هذه الثانية.

    قال: ومشيت وراءه فأخذ يلمحني بعينيه صلى الله عليه وسلم، وعلم أنني أريد أن أرى خاتم النبوة بين كتفيه؛ فرفع رداءه صلى الله عليه وسلم فرأيت خاتم النبوة بين كتفيه، فانحنيت عليه أبكي وأقبله، قال: فهداني الله وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأعتقني صلى الله عليه وسلم.

    وسار سلمان في طريق الهداية، وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتاج: {سلمان منا آل البيت } فهو من أهل البيت نسباً في التقوى، وسلالة عريقة في النجابة والنبل والجهاد، وهو من أهل البيت في العبادة والطهارة والنزاهة، ولذلك كان من أصدق الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فيجب علينا أن نتأسى به في طلب الهداية، والذي يحرص على الهداية ويلتمسها ويدعو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبلغه سبل الهداية يجدها، ويوفقه الله لها، ويعطيه الله عز وجل ما تمنى، والذي يعرض عن الهداية، ولا يحرص عليها، ولا يريدها، يطبع الله على قلبه، ويسيء ذكره، ويجعل الشيطان يستحوذ عليه، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5] ويقول عز من قائل: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23].

    فيا من يريد الهداية التمسها تجدها، فإن الهداية لا تتعلق بنسب ولا بمنصب ولا بولد ولا بمال ولا بجاه، ولكن الله ينظر إلى قلوب العباد، فإذا رأى قلباً يستحق الهداية أعطاه وأولاه واجتباه واصطفاه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].






    الطفيل بن عمرو الدوسي وقصة إسلامه



    ورجل آخر، ورائد ثان من رواد الحقيقة ومن الباحثين عن النور، الطفيل بن عمرو الدوسي ، كان يعيش في جبال السراة ، لا يعلم أن هناك رسولاً، ولا كتاباً، ولا إلهاً، فلما أراد الله أن يهديه ويهدي قومه به، قدم مكة من السراة من جبال زهران في دوس قدم في التجارة؛ فرآه كفار قريش، فعلموا أنه سيد شريف لبيب، فخافوا عليه من الإسلام، فأتوا إليه وتجمعوا عليه، وقالوا: يا طفيل ! أنت سيد في قومك، ومعنا هنا رجل كاهن ساحر، إذا سمعت كلامه فرق بينك وبين زوجتك، وبينك وبين أولادك، قال: فو الله ما زالوا يخوفونني به حتى جعلت القطن في أذني لئلا أسمع شيئاً.

    قال: فكنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يصلي في الحرم، وأرى علامات الصدق في وجهه، قال: فاقتربت منه -انظر إلى هداية الله كيف تقرب البعيد, وانظر إلى الشقاء كيف يبعد القريب- قال: فما زلت أتقرب منه، وقلت لنفسي: عجباً لي! أنا رجلٌ لبيبٌ وشاعر لا يخفى علي حسن الكلام من قبيحه، قال: فما زالت نفسي تحدثني حتى وضعت القطن من أذني، فاستمعت إليه وهو يقرأ القرآن، فوقع القرآن في قلبي، قال: فسلمت عليه؛ فرد عليه السلام، فأخبرته الخبر، وقلت: ما الذي تدعو إليه؟ فأخبرني صلى الله عليه وسلم بالإسلام، فوقع حب الإسلام في قلبي، وهذه عناية الله واصطفاؤه، فقلت: يا رسول الله! أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

    قال: {ممن الرجل؟ قلت: من دوس، فتبسم صلى الله عليه وسلم } لأن دوساً تبعد الكيلو مترات عن مكة فيهدي الله منهم هذا الرجل وأهل البيت كفرة بالله العظيم، يعبدون الحجارة من دون الله، فقلت: يا رسو الله! ادع الله أن يجعل لي آية وعلامة وكرامة أدعو قومي بها، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اجعل له آية } قال: فذهبت فلما انحدرت على قومي -في بلاد زهران - وإذا بالنور في وجهي أصبح مد البصر، فقلت: اللهم اجعله في غير وجهي، فإني أخاف أن يقول قومي: هذه مثلة أو مرض، فجعله الله في عصاي؛ فكان كالقنديل، فلما وصلت إليهم، أقبل أبي ودنا مني، فقلت: أنت مني حرام، وأنا منك حرام حتى تؤمن بديني، قال: وما هو دينك؟ فأخبرته، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، قال: ودنت مني صاحبتي، فقلت لها مثل ما قلت لأبي، فشهدت أن لا إله إلا الله، ثم خرجت على قومي؛ فأخبرتهم الخبر فكفروا وأعرضوا، وعدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! غلب الزنا على دوس، فادع الله عليهم، قال: فرفع يديه واستقبل القبلة، فقلت في نفسي: هلكت دوس، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم }.. لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

    قال: فعدت إليهم، فآمنوا كلهم عن بكرة أبيهم، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقدمت بهم إلى رسول الله.

    وبقي الباحث عن الحقيقة الطفيل بن عمرو الذي هداه الله إلى لا إله إلا الله وافياً مجاهداً عابداً، ناصراً لكلمة الحق، حتى أتت معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب الدجال، وقبل أن تصبح صباح المعركة نام الطفيل بن عمرو ؛ فرأى في نومه كأن رأسه حُلق، وكأن طائراً خرج من فمه، وكأن امرأة أدخلته في فرجها، وكأن ولده يجري وراءه فلم يدركه -رؤيا في المنام- فأولها في الصباح، فقال: أما الطائر فروحي تخرج من فمي، وأما حلق رأسي فيقطع رأسي في سبيل الله، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تبتلعني فيها، وأما ابني الذي يجري بعدي فهو يطلب الشهادة ولا يوفق بها في هذه المعركة.

    وابتدأت المعركة، وقتل الطفيل بن عمرو في سبيل الله، ومن أجل لا إله إلا الله، فكان ممن قال الله فيهم: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:169-170] والبحث عن الحقيقة قائم لمن يريدها إلى قيام الساعة، وأتى الله بأجيال يحبهم ويحبونه، فمن أراد الله وفقه الله إليه، ومن أعرض عن الله استغنى الله عنه وطبع على قلبه وجعله من الأشقياء: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35] ويهدي الله لفضله، ويمنح الله عطاءه من يريد عطاءه.

    فيا أيها الجيل! ويا أيتها الأمة المباركة! ويا أيها الناس المحمودون بتقواهم وبعبادتهم! هلموا إلى الهداية، واطلبوا النور من الله الواحد الأحد، والتمسوها في كل حين وآن، في سجودكم، وأدبار صلاتكم، وصيامكم، وابتهالاتكم، علَّ الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.





    أسباب الهداية




    الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    أيها الناس! إن الهداية من أعظم ما يمن الله به على العبد، وإن لها أسباباً، فمن أسبابها:

    أولاً: تلاوة كتاب الله عز وجل وتدبره، والعمل به، ومن لم يتله فليعمل به، فإن أعظم تلاوة له العمل به قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] فمن لم يهتد بالقرآن فلا هداه الله، ومن لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله، فإنه النور والنجاة.

    ثانياً: سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه، والاستنارة بنوره عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

    ثالثاً: كثرة الدعاء والابتهال للحي القيوم في كل وقت وآن، أن يثبتك الله ويهديك، ويريك رشدك ويصلح بنيك وبناتك وأهل بيتك، فإن هذا أعظم المثوبة والفخر في الدنيا والآخرة.

    رابعاً: التقرب إلى الله تبارك وتعالى بالنوافل، من صلاة وصيام وصدقة وبر وجهاد، فإن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه }.......


    موانع الهداية




    وأما موانع الهداية التي تحول بين العبد وبينها فكثيرة:

    أولها: خبث النفس، فتجد بعض الناس معرضاً عن الله، لا يريد الله ولا الدار الآخرة، ولا يريد ذكر الله ولا كتابه ولا رسوله، وإذا ذكر الله في مجلس أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم اشمأز واحمر وجهه، وتكدَّر خاطره، وساء حاله، فنعوذ بالله من هذا الخبث. يقول عز من قائل في من هذا شأنه وحاله: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] وما صرف الله من صرف عن الهداية إلا لأنهم لا يريدونها.

    ثانيها: مرض الشبهه، وهو مرض الشك والإلحاد الذي ابتلي به كثيرٌ من الشباب إلا من رحم الله، شكٌ في القدرة والإيمان، وشكٌ في الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك حوربنا في هذه الفترة بحرب شعواء، أعظم من حرب الطائرات والصواريخ، إنها حرب الإلحاد، والرأي العفن المتخلف، رأي لينين واستالين وماركس الذي نشروه في المعمورة، واجتاحوا به البلاد الإسلامية، وأورثوا الشبه والشكوك في المجلات، والجرائد، والمؤلفات، واتخذوا في نشرها الوسائل المغرية، حتى ألحد كثير من الناس بالله العظيم، وصرفوا الناس عن باب المسجد، وعن تلاوة القرآن، ودلوهم على جهنم وبئس المصير.

    ثالثها: مرض الشهوة، والتهالك على الحطام والشهوات، ولا نعني بذلك أن المال حرام، فجمع المال مطلوب، والصحابة جمعوا المال، ولكن لا يعبده الإنسان من دون الله، وكثيرٌ من شباب الإسلام ابتلوا بالشهوات، إلا من عصم ورحم الله وابتلوا بالزنا، والخمر، والفحش، والإعراض عنه تبارك وتعالى؛ فتركوا الطاعات، وهجروا المساجد، وقاطعوا كتاب الله عز وجل، وامتلأت بهم السجون، فما نفعت فيهم الحدود، لأنه لا يقومهم إلا لا إله إلا الله، ولا يهديهم إلا فتح من الله، في أن يعودوا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه هو الذي يهدي، وهو الذي يوفق: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193] رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

    عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً }.

    اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين!

    والحمد لله رب العالمين.......

    الشيخ عائض القرنى
    موقع الشبكة الإسلامية
    آخر مرة عدل بواسطة مجدي العبدلي : 11-05-2009 في 10:53 AM

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الموقع
    اليمن
    الردود
    14
    الجنس
    رجل
    سنريهم آياتنا في الآفاق
    عائض القرني







    ملخص الخطبة
    1- بعض عجائب خلق الله حولنا 2- صور للإعجاز العلمي في القرآن . 3- كلام الحيوانات بمثل كلام البشر

    الخطبة الأولى

    أيها الناس:
    عنوان هذه الخطبة سنريهم آياتنا في الآفاق[فصلت:53]. والله عزّ وجلّ، يقول: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت وإلى السماء كيف رُفعت وإلى الجبال كيف نُصبت وإلى الأرض كيف سُطحت[الغاشية:17–20].
    تلـك الطبيعـةُ قـِفْ بنـا يا سـاري حتى أُريك بديعَ صنعِ الباري
    الأرضُ حولـَكَ والسمـاء اهتـزَّتـا لروائـع الآيـاتِ والآثــارِ
    ولقـد تمرُّ علـى الغـديـر تخالُـه والنبتُ مـرآةٌ زهـَتْ بإطـارِ
    حلـوُ التسلسـل موجُـه وخـريـرُه كأنامـلٍ مـرّت علـى أوتـارِ
    ينسـابُ فــي مُخْضَلـَّةٍ مُبْتَلـّــَةٍ منسـوجةٍ من سـندس ونضَارِ
    وترى السماء ضحى وفي جنح الدّجى منشـقـة عـن أنهـرٍ وبحـار
    فـي كـل ،ـاحيـةٍ سَلَكْتَ ومـذهبٍ جبـلانِ من صخرٍ وماءٍ جاري
    سبحان من خلـق الوجـودَ مصـوِّرًا تلـك الدّمـى ومقـدّرِ الأقـْدارِ
    من هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، هل يستطيع أحد في العالم، هل يستطيع كيان، أو منظمة، أو مؤسسة، أو هيئة علمية، أن تدعي وتزعم أنها هي التي أعطت كل شيء خلقه ثم هدَت ؟. لا، وألف لا، إن الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى هو الله.
    ردّ بهذا الرد موسى كليم الله على فرعون عدو الله، لما سأله فرعون: من ربكما، ما تعريفه، ما ترجمته، ما آثاره، ما هي الدلائل القائمة على وحدانيته، ما هي البراهين الساطعة على ألوهيته.
    فقال موسى: ربُّنا الذي أَعْطى كلَّ شيء خَلْقه ثم هدى[طه:50].
    وهذه الآية تشمل عالم النبات، وعالم الحيوان، وعالم الإنسان، وعالم البر، وعالم البحر، وعالم الجو، فالله يتجلى في عصر العلم، كلما مرَّ يوم، وكلما اكتشف اكتشاف، دلنا على الله وعلى قدرته ووحدانيته.
    وفي كل شيء له آيةٌ تدلُّ على أنه واحدُ
    سنريهِم آياتِنا في الآفاق وفي أنْفُسِهم حتى يتبيَّن لهم أنه الحقُّ[فصلت:53].
    كان السلف يعرفون من قوله تعالى: فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت ورَبَتْ وأنبتَتْ من كل زوجٍ بهيج[الحج:5]. أن الأرض تخضر وتُثْمِر وتُزهِر إذا نزل عليها الماء، ثم تقدم العلم، واكتشف أهل علم النبات؛ أن الإنسان إذا وضع الحب اليابس في الأرض اليابسة لا ينبت الزرع، حتى تهتز الأرض درجة واحدة من درجات جهاز (رختر) فتنصدع قشرة الحبة، فتنبت بإذن الله، والله يقرر ذلك قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزتوقبل أن تهتز لا تنبت ولا تثمر.
    أحد الشعراء كان مسرفًا على نفسه في الخطايا، أبو نواس، وعندما توفي، رآه أحد علماء أهل السنة في المنام في هيئة حسنة، عليه ثياب بيض، جالس في بستان، قال: يا أبا نواس كيف حالك؟ قال: لقد أتيت إلى الكريم فغفر لي، قال: بماذا؟ قال: بقصيدتي في وردة النرجس:
    تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ
    عيون من لُجَين شـاخصـات بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ
    على كُثُبِ الزَّبَرْجَد شاهـداتٌ بأن الله ليس له شريكُ
    النخل.. الرمان.. الريحان.. كل نبت.. كل زهر، يشهد أن لا إله إلا الله.
    إنها معالم الوحدانية، ودلائل الألوهية، وآيات الربوبية.
    وعرف السلف قوله تعالى: فلا أقسم بمواقع النجوم[الواقعة:75]. قالوا: إن ذلك إشارة إلى أماكنها، وتطور الإعجاز العلمي، فاكتشف علماء الفلك، أن هناك نجومًا ذهبت من أماكنها، أرسلها الله، سرعتها كسرعة الضوء أو أكثر، ولم ترتطم بالأرض إلى اليوم، وبقيت مواقعها هناك، فقال الله: فلا أقسمُ بمواقعِ النجوم. ولم يقل: فلا أقسم بالنجوم تعظيمًا لمواقعها.
    والله يقول: والسماء بنيناها بأيْدٍ وإنّا لموسعون[الذاريات:47]. يقول العلماء: إن الله، عزّ وجلّ، أوسع الكون، وجعله فسيحًا، بصحاريه، وفيافيه، وبحاره، ومحيطاته، ثم تطور علم الإنسان إلى أن وصل إلى قضية مذهلة؛ وهي أن الكون يتسع كل يوم كما يتسع البالون إذا مُلئ بالهواء تماماً !!, يوسع الله الكون، نعم هذه قدرته وهذا سلطانه، ليهْلِكَ من هلك عن بينة ويحيى من حىَّ عن بينه[الأنفال:22].
    ويقول جلّ ذكره: وأرسلنا الرياح لواقح[الحجر:22].
    مَن ما يدري معنى لواقح، وكيف تلقح الرياح، وما فائدة تلقيح الرياح، وما المادة التي تلقحها الرياح بإذن الله.
    يقول العلماء: يُحمِّل الله المعصرات من السحب بماء البحر، بعد أن يتبخّر، ثم يسوقه بالريح، فيأتي الملك يهتف ويقول: اسق بلد كذا وكذا، فيذهب السحاب ولكنه لا يسقط منه قطرة، حتى يرسل الله الرياح مُحمّلة بذرات الغبار فتصطدم بالسحاب تلقّحه، فيهبط الغيث بإذن الله.
    وهناك فرق بين الرياح والريح، أما الريح فمهلكة دبور مُمرضة، وأما الرياح فنافعة مفيدة مثمرة لا تأتي إلا بخير، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا هبّت الرياح قال: ((اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً))[1][1].
    كان النبي عليه الصلاة والسلام، يقوم في وسط الليل ليصلي، ثم ينظر إلى السماء ويقول: إن في خلقِ السماواتِ والأرضِ واختلافِ الليلِ والنهارِ لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلقِ السماواتِ والأرضِ ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقنا عذابَ النار[2][2] [آل عمران:190-191].
    وفي التنزيل والجبال أرساها[النازعات:32].
    أين أرساها؟ ولماذا أرساها؟ وكيف أرساها؟ أرساها في الأرض، قال أهل العلم: طول الجبل في باطن الأرض ضعف طوله فوق سطح الأرض، فكل جبل من الجبال، لم يخرج منه على سطح الأرض إلا الثلث، وبقي الثلثان في بطن الأرض، أوتد الله الأرض بالجبال، ثم وزّعها على القارات والجزر، حتى لا تهتزّ الأرض، ولو جمعها في منطقة واحدة لاضطرب حال الأرض، ولتقلّبت، ولانتهت كل الكائنات الحية الموجودة على سطحها، هذا خَلْقُ الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلالٍ مبين[لقمان:11].
    أروني استعدادات البشر، أروني صنع البشر، أروني خلق البشر يا أيها الناس ضُرب مثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يَستنقِذوه منه ضَعُف الطالبُ والمطلوبُ[الحج:73].
    وخلق الله عالم الحيوان، والحديث عنه طويل، قال علماء الحيوان: جعل الله في خياشيم الكلب مادة شامّة، يَعرف بها من بعيد صديقه من عدوه، ولا يصيب الكلب عرق، فإذا أراد أن يتنفس من المسام، لهث في الليل والنهار كمَثَل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركْهُ يلهث[الأعراف:176].
    فمن الذي خلق.. ومن الذي صوّر.. ومن الذي أبدع.
    يُرسل الإنسان الحمام الزاجل، يحمل الرسائل من مكان إلى مكان، ويعود إلى صاحبه، فلا يَضِل، ولا يضيع، ولا يضطرب، من الذي علّمه، من الذي بَصَّره بالطريق، من الذي هداه؟ إنه الله الواحد الواحد الأحد، الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى[طه:50].
    خلق الله العنكبوت، منها صنف وفصيلة تعيش في البحر، فإذا أرادت أن تبيض، بَنَت عُشّها تحت سطح البحر، ثم عمِلَت عُشّاً كالبالون لا يخترقه الماء، وعبّأته بالهواء، وأَسْرَجَتْه بإذن الله بمادة في أنفها، ثم جعلت تبيض في العش فمن الذي أعطى كل شيء خلقَه ثمَّ هدى.
    خلق الله النملة، تذهب لرِزقِها في الصباح وتأتي في المساء، تَعلَم بقدوم فصل الشتاء حيث الأمطار والبرد، فتدخِّر قوتها، من الصيف في مخازن تحت الأرض، حتى إذا جاء فصل الشتاء، كان عندها ما تعيش عليه، وإذا خافت أن تنبت الحبةُ التي خزنتها، قسمتها نصفين لئلا تنبت، فمن علّمها؟ ومن بصّرها؟ إنه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
    أيها الناس:
    إن قضية الخلق والهداية لهي من أهم القضايا التي عالجها الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتقدَّمَ العلم، وتطورت الأبحاث، وكلما تطور العلم، كلما اهتدى الإنسان، وعلم أنَّ لهذا الكون إلهاً لا إله إلا هو.
    أما رأيتم لأولئك الذين كانوا في المستعمرة السوفيتية وراء السور الحديدي، خرج كثير منهم يقول لا إله إلا الله، دلَّهم العلم على الواحد الأحد إنما يخشى الله من عباده العلماء[فاطر:28].
    فالعلماء كلما تجرَّدوا من العصبية، وأخلصوا في اكتشاف الحقائق، عرفوا الله، واكتشفوا بعض أسرار الكون، وآمنوا به ووحدوه سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهم أنه الحق[فصلت:53].
    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

























    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، والمعلِّم النِّحرير، وعلى آله وصحبه والتابعين.
    أما بعد:
    فإنّ قدرة الله، عزّ وجلّ، تحقق بكلمة واحدة "كن".
    إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون[يس:82].
    والله، عزّ وجلّ، أخبر في كتابه أنه سوف يُنطق أعضاء الإنسان، لتشهد عليه، لأنها جند من جنوده تبارك وتعالى: يوم تشهدُ عليهم ألسِنَتُهم وأيديهم وأرجلُهم بما كانوا يعملون[النور:24].
    يوم يقول الكافر لجلْده: كيف تتكلَّم؟ كيف تشهد عليَّ، من أنطقك، فيجيب: أنطقنا الله الذي أنطق كلَّ شيء[فصلت:21].
    وفي السنة والسيرة أحاديث كثيرة، أظهر الله فيها قدرته على ألسنة الحيوانات، حيث تكلّمت بألسنة عربية فصيحة، أنطقها الواحد الأحد، ليبيّن أنه على كلّ شيء قدير.
    ففي صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إني لأعرف حجراً في مكة كان يسلِّم عليَّ قبل أن أُبعث))[3][1]، هكذا في الصحيح، حجر، جماد، كان إذا مر به النبي عليه الصلاة والسلام، يقول له بصوت وبحروف، وبنطق: السلام عليك يا رسول الله.
    خرج سليمان عليه السلام يستسقي بقومه وقد علَّمه الله منطق الطير، فوجد نملة رفعت أيديها وأرجلها تدعو الله، تشدو بذكره، تهتف باسم الواحد الأحد، تحتاج إلى الماء، فلا تجد إلا من بيده خزائن السماوات والأرض فتدعوه.
    رفعت أيديها وأرجلها تبتهل إلى الله وتدعو بنزول القطر، فرآها نبي الله سليمان وتبسم، وقال لقومه من بني إسرائيل: عودوا فقد سُقيتم بدعاء غيركم، قال تعالى: وما من دابَّةٍ في الأرض إلا على الله رزقُها ويعلمُ مستقرَّها ومستودَعَها كلٌّ في كتاب مبين[هود:6].
    خرج رجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، إلى ضاحية من ضواحي المدينة يرعى الغنم، فأخذ الذئب من غنمه شاة، فطارده الرجل حتى أخذ منه شاته، فقال الذئب بلسان فصيح: أتأخذ رزقاً رزقنيه الله، فدُهش الرجل وقال: يا عجباً !! ذئب يُكلّمني.. قال الذئب: أين الراعي يوم لا راعي لها إلا أنا. يقول: أنت تحميها الآن، ولكن سوف يأتي زمن قبل الدجال لا راعي إلا الذئب، وفي هذا اليوم لن تمنعها أنت ولن تحميها؛ لأني أنا الذي سأحميها.
    ثم قال الذئب للرجل لما تعجّب من تكليمه إياه: أعجب من ذلك رجل بين الحرتين، يوحى إليه صباح مساء[4][2].
    يقول: أعجب من تكليمي لك، رجل وهو النبي عليه الصلاة والسلام، يأتيه الوحي من السماء، لا يقرأ، ولا يكتب، وما تعلّم، وما درس، ومع ذلك أتى بشريعة ربانية، وبوَحيٍ سماوي، وبمنهج خالد.
    وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: ((أتى رجل من بني إسرائيل فركب بقرة، كما يُركب الحمار، فالتفتت إليه البقرة وقالت: ما خُلقنا لهذا، إنما خُلنا للحرث))[5][3]، تكلّمت البقرة، فمن أنطقها؟ أنطقها الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثمّ هدى.
    ومن الأحاديث الإسرائيلية، أن عيسى عليه السلام، مرَّ ببقرة وقد اعترض ابنها في بطنها وهي في الولادة، صعُبَت عليها الولادة، فجعلت تتلفّّتُ إلى السماء، لأنها تعلم أن الذي يُجيب السائلين، ويُفرِّج كرب المكروبين، ويزيل هموم المهمومين إنما هو الله.
    التفتت ثم قالت لعيسى عليه السلام: يا روح الله، أدعو الله أن يُسهِّل عليَّ، فدعا عيسى عليه السلام، فسهَّل الله عليها. فسبحان الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، وسبحان الذي يسجد له من في السماوات ومن في الأرض طوعاً وكَرهاً، وسبحان الذي خلق كل شيء، وأبدع كل شيء، وكلُّ شيء عنده بمقدار.
    أيها الناس:
    ما هي العبرة من هذا العرض، وما فائدة هذا السرد، وعلى أيّ شيء يدل هذا القَصص؟!.
    إن الغرض من هذا العرض ومن هذا القصص مسالة واحدة، وهي أن العاقبة لهذا الدين، وأن المستقبل لهذا الدين؛ لأنه الدين الصحيح الذي يُخاطب القلوب والضمائر.
    إن آيات الله في الكون سوف تترى؛ لتدل على قدرة الله تعالى، وهيمنته على هذا الكون.
    إن النظريات الغربية والشيوعية الملحدة، التي قررت أن الطبيعة هي التي أحدثت وأبدعت وصورت هذا الكون، قد أعلنت إفلاسها، وثبت فشلها، وذهبت إلى غير رجعة.
    فلا خالق، ولا رازق، ولا مصور، ولا مُبدع إلا الله الواحد الأحد، سنُريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق أولم يكفِ بربك انه على كل شيء شهيد[فصلت:53].
    وصلوا وسلِّموا على نبيِّكم محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
    آخر مرة عدل بواسطة مجدي العبدلي : 11-05-2009 في 10:56 AM

مواضيع مشابهه

  1. مكتبة اسلامية كاملة...
    بواسطة الشلال المتدفق 2 في روضة السعداء
    الردود: 0
    اخر موضوع: 18-09-2010, 12:04 PM
  2. مكتبة الكترونية ضخمة في العلوم الدينية ...
    بواسطة waledkantoush في روضة السعداء
    الردود: 10
    اخر موضوع: 23-08-2009, 02:58 PM
  3. الردود: 4
    اخر موضوع: 04-04-2007, 05:14 AM
  4. مكتبة اسلامية جديدة
    بواسطة امة الله ام لول في روضة السعداء
    الردود: 2
    اخر موضوع: 01-02-2006, 12:49 PM
  5. كتب اسلامية مجانية
    بواسطة محبه لله في روضة السعداء
    الردود: 6
    اخر موضوع: 11-06-2005, 08:32 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ