انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 2 12 الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 15

الموضوع: سلسلة اعترافات فتاه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الموقع
    الرياض
    الردود
    95
    الجنس
    أنثى

    happylove سلسلة اعترافات فتاه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أهدي إليكم .. تلك المجموعةالقصصية
    نقلتها، لكم من مجلدات مجلة حياة
    وهي احدى الزوايا القائمة في تلك المجلة المباركة ان شاء الله
    الزاوية تحت مسمى: اعترافات فتاة / بقلم نوفالحزامي




    - 1 -

    سامحني يا أبي . .



    كنت أشعر بحاستي . . أن هناك شيء ما سيحصل . .

    كل ما يدور تلك الأيام كان يدلعلى ذلك . . أبي ترك المنزل . . وأمي تبكي طوال الوقت . .

    وهمسات تدور هناوهناك بين خالاتي . . واتصالات جدية بالهاتف . .

    ولم يطل الوقت قبل أن أصدم تماماً بما لم أتوقعه أبداً . . طلاق أمي وأبي . .!

    كانت الخلافات بينهماكثيرة جداً . . وقد تعودت على ذلك منذ طفولتي . . لكن لم أتصور يوماً أن يتمالانفصال بينهما . .


    لا أستطيع أن أصف شعوري لحظتها.. حين أخبرتني خالتيبذلك.. رغم أني كنت في المرحلة الثانوية.. إلا أني شعرت بأني عدت طفلة صغيرة.. لاتعرف كيف تتصرف ولا كيف تنحكم في مشاعرها..

    أغرقتني نوبة طويلة من البكاء.. لم أعرف كيف أوقفها.. وبقيت أبكي طوال ليلتين متواصلتين..

    لم أكن قادرة على تصور فكرة أن ينفصل أبي وأمي عن بعضهما.. أن يتركنا أبي.. ويعيش بعيداًعنا..

    لم أكن قادرة على تخيل مكانه الخالي على سفرة الإفطار كل صباح قبل ذهابنا لمدارسنا.. ولا قادرة على تصور المجلس خالياً منه حين يجلس كل مساء يحتسيق***ه ويقلبَّ أوراق صحيفته..

    كنت لا أعرف لمن أشعر بالرثاء..

    لأمي المسكينة التي صبرت كثيراً.. وضحّت.. وتحمَّلت منه الكثير.. ثم تفاجأ الآن بأنه قدتركها وحيدة..

    أم أشعر بالرثاء لأبي المسكين.. الذي لا أعرف أين سيذهب الآن.. من سيعتني به.. ومن سيصحبه..
    لقد تحمَّل أيضاً هو الآخر منأجلنا..

    لكن شيئاً ما كان يجعلهما غير قادرين على العيش معاً.. كانا مختلفين تماماً.. في كل شيء.. وكانت حياتهما معاً كمزيج من الزيت والماء.. مهما امتزجا.. فإنهما لا يختلطان معاً.. أبداً..

    كنت أشعر أني ضائعة ومشتتة بينهما..

    لكن الطلاق.. لم أكن أفكر به أبداً أبداً..

    * *

    وفيما بعد.. بعد أن انفصلا تماماً.. عشنا فترة طويلة ونحن نشعر بفجوة كبيرة فيحياتنا..

    كنت أشعر بحزن كبير تجاه أمي.. وتعاطف تجاه أبي..

    لكنيأيضاً.. كنت أكن لوماً وعتباً كبيراً على أبي.. فقد انقطع عنا تماماً.. ولم يحادثناأو يسأل عنا لمدة شهرين كاملين..

    ولكن بعد فترة.. بدأنا نتأقلم شيئاً فشيئاً مع الوضع.. انشغلت أمي في دوامها.. وانشغلنا نحن بدراستنا وهواياتنا..

    ورغمأن الجرح كان لا يزال في قلبي.. لكني بدأت أعتاد على لفجوة التي خلَّفها غياب أبيعن البيت..

    وذات مرة اتصل علينا أبي.. وحادثني..

    فلم أستطع أنأتحدث.. كنت مشتاقة له جداً.. وأحبه كثيراً.. لكن.. كنت أيضاً عاتبة عليه.. إذتركنا هكذا ونسينا ولم يسأل عنا منذ عدة أشهر.. شعرت بشيء يخنقني، فلم أستطع أنأنطق حرفاً واحداً.. وأخذت أبكي وأبكي حتى سقطت السماعة من يدي..

    ولم أتذكرمن نبرات صوته الدافئ سوى (ربا.. كيف حالك؟.. لقد اشتقت لكم)

    لم أكن أعرف من ألوم على من ألقي ذنب هذا الطلاق.. ولم أجد سوى ربي لألجأ إليه بالدعاء أن يكتب لناكل ما فيه خيرنا..

    * *

    وفي المدرسة كنت أعاني من الداخل.. لم أكنقادرة على التركيز ولا المشاركة في الفصل.. لكن أي معلمة لم تقدّر ظروفي.. لأني لم أجرؤ على مصارحتهن بما حصل.. ولم يسألنني بدورهن عن أية مشاكل قدأواجهها..

    ولم أعد أحب أن أجلس مع زميلاتي كثيراً.. بل أصبحت أؤثر الوحدة أوالجلوس بصمت بينهن..

    كنت أشعر أن في داخلي.. تفكيراً أسود.. يجعلني أحقد أوأغار من كل زميلاتي حين يتحدثن عن آبائهن، وعن نزهاتهن الأسرية. حين تقول إحداهن: (ذهبت مع أبي بالأمس إلى..) كنت أشعر بمس كهربائي يلسعني بقوة فيصدري..

    وكنت أقول لنفسي كثيراً.. ما هذا يا ربي.. هل أصبحت شريرة لهذه الدرجة؟ أيعقل أن تحقدي عليهن فقط لأن لديهن آباء؟

    وكنت أستغفر الله في سريدائماً.. لكن ذلك الشعور كان أقوى مني.. وكنت أشعر دون إرادتي أني أتمنى لو كنت مكان أي واحدة منهن.. أو.. أحياناً.. كنت.. كنت أتمنى لو يتطلّق آباؤهم وأمهاتهمكما حصل لي.. كنت أتمنى أن يذوقوا ما ذقته.. وأن يعيشوا مأساتي..

    * *

    بعد مدة.. اتصل أبي مرة أخرى.. وحاول محادثتي.. لكني رفضت.. كنت أتمنى فيسري أن أحادثه وأعرف أخباره.. كنت أحبه كثيراً.. لكن.. كنت عاتبة عليه جداً.. لأنه تركنا هكذا.. بكل سهولة ورحل..

    وحاول أبي عدة مرات زيارتي أو محادثتي.. لكني وبلا إرادة مني.. كنت أرفض بشدة..

    وازداد تعنتي أكثر وأكثر حين علمت أنه سيتزوج..

    شعرت بأنها الطعنة الأخرى التي يوجهها أبي لنا.. شعرت بأنه يفعل أمراً خطأ.. أمراً معيباً له..

    كيف يتركنا ويتجاهلنا.. والآن ويذهب لامرأةأخرى؟

    كان تفكيري متجمداً تماماً وغير قابل للتغيير

    بدأت أشعر أنأبي هو سبب ما نعيشه من تشتت.. فصببت جام غضبي عليه..

    لكن ذات مرة وبعد زواجه أصر على رؤيتنا وأخذنا معه في زيارة لرؤية زوجته الجديدة.. وحين رفضت هددنا بأخذنا من والدتنا خاصة وأننا بنات..

    وانصعت لأمره.. وكان لقاء جامداً..

    تجاهلته فيه تماماً.. رغم أنه كان محملاً بالهدايا لنا.. وكان المسكين مشتاقاً جداً لنا..

    كنت أشعر أني حانقة عليه بشدة..

    شيء لايمكن وصفه.. أحبه.. ومشتاقة إليه.. لكن عاتبة وغاضبة إلى أبعد حدٍ عليه.. لدرجة أني لا أريد حتى رؤيته أو الجلوس بقربه..

    كنت أشعر أنه لي.. أبي.. أبيلنا..

    فلماذا يتركنا ويرحل.. نحو امرأة أخرى..

    وحين رأيتها ومدت يدها للسلام عليّ.. أدرت وجهي عنها ومددت يدي ببرود.. وملامح وجهي تزدريهابشدة..

    حاولت أن تتحدث معنا بطيبة، وأن تستدرجنا في الحديث.. لكني كنت أصوب نظراتي الحادة تجاه أخواتي الصغار حتى لا يتحدثن معها.. وكنت قد هددتهن قبل قدمونا حتى لا يتجاوبن معها ولا مع أبي..

    شعر أبي بخيبة أمل.. وأعادنا بهدوء بالسيارة دون أن نتبادل حتى كلمة واحدة..

    وحين وصلت إلى المنزل.. أسرعت نحوغرفتي..
    وأخذت أبكي بحرقة.. كنت أعلم أني أحبه ولا أود أن أعامله هكذا.. ولكن لاأستطيع..

    لم أعرف لماذا كنت أبكي بالضبط.. لكني شعرت بحرقة في صدري.. وددت لو أصرخ بشدة حينها..

    تمنيت لو أفتح عيني فأجد نفسي قد استيقظت من حلمٍم رعب.. ويعود أبي إلينا.. هنا.. كما كان من قبل.. أبي الذي نحبه ويحبنا.. ولا يحبأحداً غيرنا..

    لكن.. هيهات..

    * *

    وذات مرة.. سمعته.. كانشريطاً رائعاً.. عن بر الوالدين.. كنت عائدة من المدرسة.. وسمعته في سيارة خالي.. شعرت بأنه هزني من الأعماق وأيقظني.. وفجأة أحسست بأني حقيرة.. وصغيرة جداً.. وأتفهمن أي مخلوق على الأرض.. أيعقل ما قمت به؟

    فقط لأن الله لم يكتب لوالديَّ أنيعيشا معاً.. أقرر مقاطعة أبي ونسيان كل أفضاله عليّ؟.. هل لمجرد كونه انسحب بهدوءمن حياتنا فإنني أشن عليه حرباً شعواء..؟ إنه لم يسيء إلينا بأي شكل.. لم يقصر فيحقوقنا.. ولا تربيتنا ولم يبخل علينا يوماً بأي شيء نحتاجه – حتى بعد أن تركنا.. بلإنه يحاول أن يرانا وأن يأخذنا لزيارته.. بينما أنا أرفض؟!! هل هذاعدل؟..

    كم أنا غبية ومتعجرفة.. إنه السبب بعد الله في ظهوري لهذه الحياة.. وهو من سهر وقلق على راحتي حين مرضت وهو من حرص على تدريسي ورعايتي في الصغر.. وبعدكل هذه الأفضال.. أعاقبه لمجرد كونه اضطر لأسباب قاهرة أن ينفصل عنأمي؟!

    بدأت أعيد حساباتي وأفكر من جديد..

    وشعرت بحنين كبير لوالدي.. وخفت أن يقبض الله روحي قبل أن أرضيه عني.. نعم لابد أنه لا يزال متضايقاً لماواجهته به من جفاء..

    وما أن وصلت إلى المنزل.. حتى أسرعت ورفعت سماعة الهاتف واتصلت عليه..
    - أبي.. أبي.. أنا آسفة.. أرجوك سامحني..

    - ربا.. ماذاهناك.. ما بال صوتك هكذا.. هل حصل شيء؟

    - أبي.. أنا أحبك.. أقسم بالله أني أحبك.. لكن.. لا أعرف لماذا..

    وانقطع صوتي لأني لم أعد أعرف ماذا أقولوشهقات البكاء تخنقني.. فصمت قليلاً ثم قال..
    وأنا أيضاً أحبك يا ابنتي.. وأعرف تماماً لماذا كنت تتصرفين هكذا.. أعرف أن الأمر شديدٌ عليكن.. ولكن هذا قدر الله.. ماذا أفعل.. أنا أحبكن يا ابنتي وسأظل أحبكن.. ثقي بذلك..

    - هل أنت راض عنيإذاً..

    - نعم بارك الله فيك..

    بعد ذلك.. تغيَّرت أشياء كثيرة فيداخلي.. ولم أعد أشعر بذلك الحزن وتأنيب الضمير الذي كان يخنقني.. أصبحت حياتي أكثرإشراقاً وراحة.. أصبحت أحرص على بَّر أبي وصلة رحمه وأحاول إرضاءه عني بكل الوسائل..

    * *

    قبل شهر أنجبت زوجة أبي طفلاً.. شعرت لوهلة بشيء منالغيرة لأنها أنجبت ولداً بينما نحن كلنا بنات.. لكن أبي قال لنا بالحرف الواحدوأمام زوجته..
    - ثقي يا ربا.. أن أحمد لن يكون أغلى من أي واحدة منكن.. وواللهأني لن أفضله بأي شيء عليكن، فكلكم أبنائي ولا فرق بينكم..

    فشعرت بارتياح جميل.. وكانت زوجة أبي طيبة جزاها الله خيراً حين سمحت لي بأن أضعه في حضني وأحملهبكل ثقة..

    لأبدأ مرحلة جديدة من حياتي وصفحة بيضاء صافية.. لا مكان فيها للحقد والكره إن شاء الله


    =============================================== تـــــــــــــــــــابـع

    آخر مرة عدل بواسطة .خانتني دموعي. : 22-04-2010 في 01:34 AM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الموقع
    فجر الاقصى سابقا
    الردود
    1,329
    الجنس
    أنثى
    يسلم فكرك
    يسلم اختيارك
    يسلم اهتمامك
    وتسلميييييييييييييييييييييييين بقوة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الموقع
    فجر الاقصى سابقا
    الردود
    1,329
    الجنس
    أنثى
    يسلم فكرك
    يسلم اختيارك
    يسلم اهتمامك
    تسلميييييييييييييييييين و بقوة

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    الموقع
    بقربكم.. القارئـــة سابقا
    الردود
    4,229
    الجنس
    أنثى
    التدوينات
    15
    التكريم
    • (القاب)
      • متألقة صيف 1432هـ
      • مبدعة صيفنا إبداع1431هـ
    قصة رائعة
    ادمعت عيني

    بانتظار التكملة بشغف

    بارك الله فيكِ
    **دخول متقطع...دعواتكم**

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الموقع
    الجزائر الحبيبة
    الردود
    577
    الجنس
    أنثى
    يسلمو اختاه على الموضوع

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    الردود
    440
    الجنس
    أنثى
    جميييييييييييييييييييييييل مستنية الباقي

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الموقع
    الامارات بعيدة عن عراقي
    الردود
    1,620
    الجنس
    امرأة
    قصة جميلة جدا واحببتها ....
    ننتظر المزيد منك يا فلة ..

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الموقع
    الجزائر الحبيبة
    الردود
    577
    الجنس
    أنثى
    يسلمو

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الموقع
    maroc
    الردود
    437
    الجنس
    امرأة
    قصة جميلة

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الموقع
    الرياض
    الردود
    95
    الجنس
    أنثى
    أشكركم ع الردود والآن مع


    اعترافات فتاه - 2 -

    كلا . . أنا أشعر !

    -
    ثلوى . .! ثلوى . . هيييه . . .

    هكذا تستقبلني مرام كل يوم حين أقدم من المدرسة . . ثم ترتمي عليَّلتحضنني .

    لم أكن أهتم بها بصراحة . . ولم أكن أرحب بهذا الاستقبال الحارالذي تستقبلني به كل يوم وأنا منهكة بعد عودتي . .

    وذات مرة حين انقضَّت علىحقيبتي لتبحث فيها عن أي حلوى . . أوقعت كتبي على الأرض . . فصرخت في وجهها بشدة . . وضربتها دون أن أفكر . .



    كنت غاضبة جداً بعد أن رفضت مدرسة علمالاجتماع إعادة الاختبار لي وتجادلت معها بحدة .. ولم يكن ينقصني بعد يوم دراسيمنهك أن أنحني لجمع كتبي المتناثرة من الأرض.

    تجمدت مرام.. ونظرت إليَّبجمود حين ضربتها .. دون أن تتنفس بكلمة أو حتى تتألم..

    فأسرعت والدتيتؤنبني بشدة .. حرام عليك يا سلوى!..
    تضربين هالمسكينة ؟!

    -
    أفف.. لقدمللنا هذه الأسطوانة .. مسكينة .. مسكينة .. وما ذنبنا نحن ؟ ولماذا تخافين علىمشاعرهالهذه الدرجة ؟ انظري إليها.. إنها لا تشعر أصلاً..!!

    كنت أعلم أنكلمتي هذه ستجرح أمي التي لا زالت تعتقد أن مرام طفلة شبه طبيعية .. وترفض الاعترافبأنها متخلفة بالمعنى المعروف..

    صمتت أمي تماماً وهي لا تزال تحتضنها ... بينما أسرعت أواري بصري عن المنظر بالهروب إلى غرفتي ..

    لا أعرف ما الذي جرىلي .. كيف ضربتها هكذا وقلت لأمي ما قلت ..

    لكن .. أنا معذورة .. نعم

    فقد مللت .. مللت اهتمام أمي الزائد والمبالغ فيه بها .. إنها تدللهاوتحنو عليها أكثر من أي فرد منا

    استغفر الله العظيم .. ليت الله يأخذ أمانتهفيها لنرتاح نفسياً واجتماعياً..

    أمي لا تنفك عن التفكير طوال الوقت فيمصيرها .. ودائماً تردد أمامي وصيتها لي في الاهتمام بمرام والعناية بها، بعدوفاتها ... إن هذا الشعور يجلب لي المرض .. لقد مللت من هذا الحزن الذي تصر أمي علىإغراقنا فيه بسببها .. لقد حرمت نفسها من الذهاب للكثير من المناسبات الاجتماعيةوالنزهات والسفر من أجل مرام ..

    حتى زواج ابن خالتي لم تذهب إليه لأني رفضتأن تذهب إليه مرام معنا .. هذا ما كان ينقصنا .. أن نأخذها لتبدأ في الضحك والسلامعلى كل الحاضرين بفرح وبلادة ثم تبدأ حركاتها المضحكة .. أمي أثارها رفضي هذا .. وقررت ألا تذهب في حال لم تذهب مرام .. كان بإمكانها أن تتركها مع الخادمة ولو تلكالليلة فقط .. لكن أمي.. تصرّ على تعقيد الأمور وبث الحزن والتعاسة في كل موضوع لهعلاقة بمرام ..

    يا الله .. متى تقتنع أمي أن مرام المسكينة لا تفهم ولا تشعربشيء.. إنها لم تكن لتشعر بحزن أو سعادة سواء أذهبت لذلك الحفل أو غيره أم لمتذهب..

    يطرق معاذ باب غرفتي ليوقظني من النوم ..
    -
    هيا استيقظي .. لقدأذن المغرب..

    أقوم ببطء .. أشعر أني منهكة ومتضايقة جداً.. أتوضأ وأصلي.. ثمأبدأ في حل واجباتي.. أفتح دفتر الكشكول الخاص بالهوامش.. فألمح على آخر صفحة منهرسمة .. يبدو أنها إحدى (شخاميط) مرام .. أنظر إليها بهدوء .. إنها رسمة بيت حولهأشجار .. أدقق فيها .. لم أكن أتصور أنها تستطيع رسم صورة كهذه .. لابد أن معاذعلمها ..

    ألقي الدفتر جانباً وأبدأ في حل واجباتي الكثيرة .. وفجأة .. أطلتمرام برأسها الكبير من طرف الباب..

    ضحكت.. ماذا لديك؟.. ادخلي.. ماذا تريدين؟..

    دخلت بهدوء ونظرت إليَّ ثم جلست على الأرض .. يبدو أن منظر الدفاتروالأقلام قد أغراها كثيراً.. هجمت على أقلامي وأمسكتها .. ثم أمسكت أحد الدفاتر وهيتنظر إليَّ بخوف .. أرثم؟!..

    -
    كلا... كلا .. إعطيني إياه .. هذا للمدرسة ..

    استسلمت وتركت الأقلام من يدها .. ثم قامت نحو مكانها المفضل .. تسريحتي..
    صعدت على الكرسي .. وأخذت تطلُّ على وجهها في المرآة .. ثم التفتتبرجاء وهي تمسك أحد أقلام الشفاه ..
    -
    ثلوى.. ممكن؟

    لا أعرف لماذا تعاطفتمعها هذه المرة .. إنها مؤدبة جداً اليوم ..
    -
    حسناً.. استخدمي هذا فقط ..

    ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهها وأسرعت تضع اللون على شفاهها بفرح ..

    عدت لإكمال واجباتي .. وانهمكت فيها .. حين لاحظت بعد قليل هدوءها .. التفتّ إليها ..
    فوجدتها تتأمل نفسها بعمق في المرآة ..
    أخذت أراقبها .. كانتنظر بهدوء .. مرة تبتسم ومرة تقطب جبينها ومرة ترفع رأسها .. وفجأة تحدثت وهي تنظرلنفسها بصوت يائس أسمعه منها لأول مرة ..
    -
    أنا (مو حلوة) ..!
    صدمتني العبارةكثيراً.. وأخذت أنظر إليها بعمق .. شعرت بعطف كبير عليها .. لقد بدأت تعرف أن شكلهايختلف عن الآخرين ..

    عادت بي الذاكرة إلى عشر سنوات خلت .. حين كنا مترقبينلخبر ولادة أمي في المستشفى .. إنها بنت.. يا سلام .. أخيراً أصبح عندي أخت .. الحمد لله ..

    أتت مرام بعد أربع أخوة ذكور .. ففرحت بها جداً.. حتى .. وصلناالخبر ...
    إنها غير طبيعية .. كيف ؟. تضخم في القلب .. و.. ماذا؟! إنها منغولية .. كنت لا أزال صغيرة ولم أفهم فتساءلت ... ماذا يعني منغولية ؟..

    يعني ياسلوى .. إنها مختلفة قليلاً.. سيكون من الصعب عليها اللعب كثيراً.. أو الكلامبسهولة .. كما أن تفكيرها .. سيكون أقل من أقرانها ..؟

    سكتت وأنا أنظرللدموع التي تلمع في عيني أبي ..

    وحين رأيت مرام لأول مرة .. عرفت كيف أنهامختلفة .. كانت بيضاء وجميلة مثل كل الصغار .. لكنها كانت مختلفة .. لم تكن تشبهنا. وشيئاً فشيئاً حين كبرت بدأت ملامح التخلف تظهر واضحة عليها ..

    يقول الدكتورأن الأشخاص المنغوليين لا يعيشون طويلاً.. إنهم يموتون في سن مبكرة .. غالباً فيالعشرينات .. أو الثلاثينات من أعمارهم..

    لكن مرام كانت منذ صغرها تعبَّر عنحلمها بأن تصبح عروسة .. مسكينة .. إنها لا تعلم ..

    كنت دائماً قاسية معها .. كنت أشعر بأنها عبء كبير علينا .. كما أنها تشعر .. سواء أصرخت عليها أم شتمتها .. فإنها لا تشعر ولا تتأثر أبداً.. بل إنها لم تبك يوماً في حياتها ..

    لكنالآن .. إنها تقيَّم نفسها .. بدأت تشعر أنها غير طبيعية .. وأن ملامحها مختلفة ..

    أنا (مو حلوة) أنا (مو حلوة) .. أخذت تتردد في ذهني طويلاً.. وشعرت بعطفكبير عليها.. حين اقتربت مني بهدوء وهي تشير بإصبعها السبابة إلى وجهي حتى كادتتلامسه ..
    -
    ثلوى .. حلللوة..!

    لأول مرة شعرت بأنها بحاجة لمن يضمها .. فاحتضنتها بعطف كبير .. فإذا بها تتمتم في صوت هامس ورأسها على رقبتي وكأنها تحادثنفسها .. وتعيد حواراً قديماً سمعته من قبل..
    -
    ملام.. مو .. حلوة .. لا .. لا!! ملام مو حلوة .. ما تجي عند الحليم .. ( مرام غير جميلة .. لا .. يجب ألا تدخل عندالحريم ).

    توقفت قليلاً.. وأخذت أفكر في كلامها .. إنها .. إنها تكرركلامي.. نعم إنه كلامي لأمي قبل شهر حين أتانا بعض الضيوف .. نعم .. كنت غاضبةورفضت أن تسمح لها أمي بالدخول إلى المجلس .. أذكر أني قلت بالحرف الواحد أمامها.. (كلا يا أمي .. لا .. لا تحرجينا أمامهم بصراحة مرام شكلها (يفشل) .. لا تتركيهاتدخل على الحريم أرجوك .. ولم أهتم يومها بأن مرام المسكينة كانت واقفة أمامي .. كنت أعتقد أنها لا تفهم ولا تشعر..
    لكنها .. حفظت ذلك الكلام .. لا زال في قلبها .. إنها تردده .. اليوم ..

    مسكينة يا أختي الحبيبة. كل ذلك كان في قلبكالصغير المريض .. وأنا لا أعرف..

    احتضنتها طويلاً.. وأنا ألمس شعرها .. وهيلا تزال تردد الحوار الهامس في هدوء .. ثم تضيف محادثة نفسها.. (ملام .. وع.. ولاتفهم!..)

    وشعرت بدموع ساخنة تنساب على وجنتي وأنا احتضنها بقوة .. يا حبيبتييا مرام .. كل هذا .. وأنا لا أعلم .. تشعرين بكل هذا وأنا لا أشعر .. يا لي منإنسانة قاسية وشريرة .. كيف عاملتك هكذا.. أستغفر الله.. كيف تمنيت لك الموت ظهرهذا اليوم. يا حبيبتي الغالية ..

    أعلم أنك لن تعيشي طويلاً.. وإن عشت.. عشتمحرومة من الكثير مما يستمتع به بقية الأطفال.. ومع هذا أتمنى لك الموت ؟!.. كم كنتسخيفة حين كنت أخجل منك وأشعر بالحرج من الاعتراف بوجودك للآخرين .. أنت والله يامرام .. أفضل وأطيب وأنبل من آلاف الأسوياء الذين تجمدت قلوبهم .. تحملت كل تلكالقسوة والجفاء مني في قلبك وتغاضيت عنه .. أنت الأجمل يا مرام .. نعم .. أنت أجملمن الكثيرات بقلبك الطاهر البريء ..

    -
    لا .. مرام حلوة .. حلووووة..

    نظرت إليَّ بتعجب واستغراب .. ملام حلوة ؟!

    -
    نعم مرامأجمل فتاة في الدنيا ..!

    استغربت وهي تنظر إلى عيني .. ولمعت عيناها بفرحغامر لم أرَ مثله على وجهها .. ثم ضحكت ضحكتها الطفولية التي أراها لأول مرة بهذاالجمال وهذه البراءة والنقاء


مواضيع مشابهه

  1. جعلت من فتاه مسيحيه فتاه مسلمه
    بواسطة الدبه دوت كوم في روضة السعداء
    الردود: 20
    اخر موضوع: 29-07-2013, 11:00 PM
  2. قصه فتاه تهم كل فتاه ....... ( اعترافات فتاه )
    بواسطة فراشة انيقة في الملتقى الحواري
    الردود: 26
    اخر موضوع: 12-04-2007, 10:07 AM
  3. اعترافات ضحية
    بواسطة ((وهج)) في الملتقى الحواري
    الردود: 4
    اخر موضوع: 11-04-2005, 01:17 PM
  4. اعترافات
    بواسطة بدرالنعام في فيض القلم
    الردود: 1
    اخر موضوع: 09-04-2005, 10:14 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ