العلاج بالهورمونات.. نعمة أم نقمة؟

لسنوات عدة اعتقد الاطباء أن الاستروجين كان العامل الاساسي الذي يقي النساء المتقدمات في السن من الامراض القلبية. وقد بدأ كل ذلك بالملاحظة والمراقبة، فأمراض القلب نادرة لدى النساء قبل انقطاع الدورة الشهرية (الحيض) لديهن، عندما تكون معدلات الاستروجين عالية، لكنهن يصبحن أفرادا عاديات بعد انقطاع الدورة. وكانت الاكتشافات من دراسات الرصد الطويلة الامد، مثل دراسة «نيرسيس هيلث ستدي»، قد أضافت المزيد من المصداقية الى هذه الفكرة. وأشارت هذه الدراسات أيضا الى أن النساء اللواتي يتناولن جرعات من هذا الهورمون بعد انقطاع الدورة الشهرية لديهن، قد خفضن كثيرا من معدلات امراض القلب. وإضافة الى كل ذلك، يقول الكثير من النساء انهن يشعرن أفضل بكثير عندما يتناولن العلاج الهورموني، لذلك ارتفع عدد الوصفات الطبية لهذا العلاج إرتفاعا ملحوظا.
* العلاج الهورموني
* في يوليو (تموز) من عام 2002، جاءت النتائج من «ومينز هيلث انيشيتف» WHI (مبادرة النساء الصحية)، التي كانت دراسة عشوائية متحكم بها للعلاج الهورموني، التي أظهرت معدلا أعلى للامراض القلبية بين النساء اللواتي يستخدمن الهورمونات. ولأن نتائج التجارب العشوائية المتحكم بها مثل دراسة WHI، تعتبر دليلا أقوى من نتائج دراسات الرصد، مثل دراسة «نيرسيس هيلث ستدي» (دراسة صحة الممرضات)، فقد جزم الاطباء أن نتائج دراسة WHI قد عززت من نتائج دراسات الرصد. ولأن الامراض القلبية هي من أكثر اسباب الوفاة شيوعا لدى النساء، فإن أي تأثيرات واقية للعلاج الهورموني ضد ترقرق العظام، وربما سرطان القولون، هي تأثيرات صغيرة مقابل التأثيرات السلبية للامراض القلبية، لذلك قل استخدام العلاج الهورموني بشكل كبير.
* عامل السن
* لقد كانت تجربة WHI من أوسع التجارب العشوائية المتحكم بها، وقد جرى اتقانها بكل تفاصيلها، من هنا هناك اسباب قليلة تدعو للشك بها. في اي حال حتى الدراسات الواسعة والدقيقة من هذا النوع لا تخبرنا سوى «الحقيقة» عن أنواع الاشخاص الذين انخرطوا في هذه الدراسة.
كان معدل أعمار النساء اللواتي اشتركن في التجربة 63 سنة، ولم يكن يتلقين الهورمونات في الوقت الذي توقفت العادة الشهرية لديهن، لكن معظم الوصفات الطبية للعلاج الهورموني وصفت للنساء عندما دخلن مرحلة انقطاع الحيض. واذا علمنا بأن معدل سن النساء في الولايات المتحدة يبلغ، لدى انقطاع الحيض لديهن، 51 سنة، فإن النساء المشاركات في تجربة WHI لم يكن من النساء اللواتي يتلقين الهورمونات.
في المقابل، فإن دراسة «نيرسيس هيلث ستدي»، والمثيلات غيرها، شملت نساء تناولن الهورمونات عندما بدأن سن اليأس. وأغلبيتهن تتراوح أعمارهن بين الـ 45 والـ 60 عاما. والسؤال الذي برز هنا: هل أن العلاج الهورموني الذي يقي القلب لدى تناوله خلال السنوات التي تدخل فيها المرأة سن اليأس، يضعها في خطر إذا ما تناولت هذا العلاج في مرحلة لاحقة من سنها؟.
في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، نشر الباحثون في جامعة هارفارد، بما فيهم الدكتور جون مانسون، موضوعا عن نتائج إعادة تحليل المعلومات والنتائج الخاصة بدراسة «نيرسيس هيلث ستدي» في مجلة «جورنال أوف وومينس هيلث». وقد اتخذوا فيها الخطوة المهمة في تقسيم الممرضات حسب التواريخ التي شرعن خلالها في تناول العلاج الهورموني.
وهنا برز خلاف محير: اللواتي شرعن في العلاج الهورموني خلال أربع سنوات من بدء سن اليأس كانت أمراض القلب لديهن أقل بنسبة 30 في المائة من اللواتي لم يتناولن الهورمون قط، لكن لم تكن هناك فائدة في ما يتعلق بأمراض القلب بالنسبة الى النساء اللواتي شرعن بالعلاج الهورموني بعد عشر سنوات أو اكثر، بعد بدء سن اليأس وانقطاع الحيض. وكانت عملية إعادة التحليل لنتائج دراسة «نيرسيس هيلث ستدي» متماشية تماما مع إمكانية أن يوجد هناك تأثير للعمر، أي عامل للسن.
لكن هل إعادة تحليل المعلومات والمعطيات من تجربة WHI تظهر الاتجاه ذاته؟، لقد نظرت الدكتورة جودث هسيا، طبيبة القلب من جامعة جورج واشنطن، والدكتور مانسون وزملاؤهما، الى نتائج أمراض القلب بالنسبة الى النساء اللواتي يتناولن الاستروجين من دون البروجيستن، فوجدوا أن النساء اللواتي هن في سن الخمسين لا يملكن معدلات عالية من أمراض القلب. وكانت نتائج ذلك التي نشرت في عدد فبراير (شباط) 2006 من «أركايفس أوف إنتيرنال ميدسن» مشكوك فيها إحصائيا، لانه كان هناك عدد قليل من النساء في سن الاربعين والخمسين اللواتي اشتركن في الدراسة.
ولم يكن أحد قد نشر تصنيفا مشابها للسن في ما يتعلق بالتركيب المزدوج للاستروجين والبروجيستن، اللذين جرى اختبارهما في دراسة WHI، لكن كان هناك شيء مدفون في النتائج الاصلية لذلك الجزء من الدراسة في ما يتعلق بالسنوات التي تلي الحيض الذي يلمح الى التأثيرات الجيدة على القلب إذا ما بدأ العلاج مباشرة بعد سن اليأس. أما في ما يتعلق بنتائج الاستروجين من دون البروجيستن، فقد كان العدد المنخرط في الدراسة معدودا بحيث لم يمكن التوصل الى النتيجة المنشودة بسبب العامل الاحصائي.
* تناقض الاستروجين
* لقد أوضحت الابحاث المخبرية لماذا أن الاستروجين قد يساعد في الوقاية من الامراض القلبية بالنسبة الى النساء الاصغر سنا، لكنه يشكل خطرا على النساء المتقدمات في السن، إذ يبدأ تصلب الشرايين في سن البلوغ على شكل ترسبات صغيرة من الكوليسترول على شكل لويحات التي تأخذ في التجمع على جدران الشرايين التي تقوم بإمداد القلب بالدم، لكن مع التقدم بالعمر تبدأ اللويحات التصلبية بالتشكل، مؤدية الى تضييق الشرايين، لكن لدى النساء تبدأ معظم هذه اللويحات بالتطور بعد سن اليأس. وكل لويحة من هذه اللويحات هي بركة من الكوليسترول المختومة بغطاء من الالياف الصغيرة. وتحدث أغلبية النوبات القلبية لدى تصدع الاغطية الليفية لتنساب منها الجزيئات المسببة للالتهابات والخلايا والكوليسترول الى مجرى الدم، وهذا قد يسبب الخثرات الدموية التي تغلق مجرى الدم الى جزء من القلب.
غير أن الاستروجين يقوم بثلاثة أمور مهمة، وهي التي تبطئ من تطور اللويحات التصلبية، وتخفض من الكوليسترول الخفيف الكثافة LDL الضار لتزيد من الكوليسترول العالي الكثافة HDL الجيد، وبالتالي تميل الى توسيع داخل الشرايين.
لكن للهورمون جانبا سيئا، ألا وهو زيادة مستويات جميع عوامل التخثر المختلفة، وتلك المسببة للالتهابات مثل الـ «بروتين الرد فعلي السيئ» CRP ومفلزات البروتينية الشبكية MMP، وهاتان المادتان الاخيرتان تحدثان تآكلا وضعفا في الاغطية الليفية للويحات التصلب هذه، مما يجعلها عرضة للتصدع. كذلك يزيد الاستروجين من ميل الدم الى التخثر. من هنا فإنه بالنسبة الى المرأة التي هي في الخمسينات، فإن المستويات الاعلى من CRP وMMP قد لا تشكل فرقا كبيرا لكون أوعيتها الدموية خالية نسبيا من اللويحات، كما أن الاستروجين مفيد لضبط مستويات الكوليسترول لديها ولشرايينها الدموية، لكن عندما تقارب المرأة الستينات والسبعينات تكون شرايينها قد شرعت في تكوين اللويحات التصلبية، لتبدأ التاثيرأت السلبية بالتغلب على الايجابية.
* دراسات جديدة
* هذا هو فقط شرح منطقي عن تأثير العمر وليس إثباتا لأي تأثير آخر. ورغم أن الدلائل حتى الآن من WHI ومن «نيرسيس هيلث ستدي» ما زالت محيرة، إلا أنها بالتأكيد غير حاسمة، إلا أنه قد شرع في دراستين سريريتين جديدتين من شأنهما توفير بعض الاجوبة، إذ تقوم دراسة «كرونوس إيرلي أستروجين بريفينشن ستدي KEEPS، باختبار ما إذا كان الشروع بالعلاج الهورموني خلال ثلاث سنوات من توقف الحيض من شأنه أن يوقف تصلب الشرايين. وأحد البارزين الذين يقومون بالتحقق من ذلك الدكتور مانسون. وتقوم KEEPS، مع دراسة «ترايل ووذ إسترادويل» ELITE، اللتان يمولهما «المعهد القومي للتقدم في السن» بمقارنة تأثيرات علاج الاستروجين الذي يبدأ بعد، او خلال، ست سنوات من سن اليأس مع تأثيرات العشر سنوات أو أكثر من ذلك.
لكن نتائج مثل هذه الدراسات لن تتوفر إلا بعد سنوات، فما على النساء في هذا الوقت أن يفعلن؟..
يشير الدكتور مانسون الى أن النتائج الاخيرة لم تغير من الرسالة الاساسية الخاصة بعلاج الهورمونات، فحماية القلب والشرايين ليس سببا كافيا للدخول في العلاج الهورموني الذي قد يزيد من خطر النوبات والخثرات القلبية بغض النظر عن العمر، حتى ولو أثبتت هذه الدراسات أن العلاج مفيد للنساء الاصغر في العمر، لأن الحمية والتمارين الرياضية وفقدان الوزن والتحكم بالكربوهيدرات وتعاطي عقاقير الـ «ستاتن» هي من الاساليب الاخرى المفتوحة أمام النساء الراغبات في تخفيض نسبة مخاطر الامراض والنوبات القلبية. أما بالنسبة الى النساء اللواتي قد قطعن مرحلة سن الياس بأقل من عشر سنوات واللواتي يحتجن الى العلاج الهورموني لمقاومة الهبات الساخنة والاعراض الاخرى التي يتعرضن إليها، فإن نتائج الاختبارات قد تكون مؤكدة في هذا الخصوص. «وهكذا تحول رقاص الساعة من كون الهورمونات مفيدة للنساء جميعهن الى كونها سيئة للجميع» كما يقول الدكتور مانسون، «فكلا الامرين تبسيط للامور والحقيقة تقع في مكان ما بينهما».
* خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز ـ كلية هارفارد
* الاستروجين.. فوائد وأخطار > رغم أن العلاج الهورموني ما زال مبهما في ما يتعلق بأمراض القلب والشرايين، إلا أن ثمة أمرا أكيدا وواضحا جدا، وهو أن تناول الهورمونات، لا سيما الاستروجين، يزيد من مخاطر الاصابة بسرطان الثدي.
وقد أشارت العديد من الدراسات الى مثل هذه الرابطة التي تعتمد أكثر من غيرها البايولوجيا الخاصة بالاستروجين وسرطان الثدي. والعلاقة هنا منطقية، لأن أغلبية الخلايا السرطانية تمتلك مستقبلات للاستروجين، وفي الاحوال المخبرية انتشرت هذه الخلايا لدى تعرضها الى هذا الهورمون. وجاءت الموجة الاولى من النتائج من دراسة WHI عندما أعطى العلاج الموحد للاستروجين والبروجيستن القليل لتحدي الحكمة التقليدية، رغم أن بعض المعطيات فاقت بهدوء بعض الشكوك، فالاستروجين بحد ذاته زاد من خطورة سرطان الرحم، بحيث ان النساء اللواتي لم يجرين عملية إزالة الرحم واللواتي يعالجن بالهورمونات يتناولن عادة الاستروجين مع البروجيستن الذي هو شكل صناعي من البروجيسترون الذي يقاوم تأثير الاستروجين في الرحم. وكقاعدة عامة، فإن العلاج بالاستروجين هو للنساء فقط اللواتي أجرين عملية إزالة الرحم.
لكن مثل هذه الشكوك تحولت الى علامات سؤال كبيرة في ابريل (نيسان) الماضي، عندما قام المحققون في دراسة WHI بالافادة عن نساء خاضعات لهذه الدراسة اللواتي تناولن الاستروجين وحده من دون بروجيستن ولم تحصل لديهن أي زبادة في مخاطر الاصابة بسرطان الثدي. وفي الواقع قال الباحثون ان المعلومات أشارت الى نقص نسبته 20 في المائة في مخاطر الاصابة، رغم أن النتائج المستخلصة لم تكن تلبي المستوى، أو العدد الاحصائي المطلوب للنساء الخاضعات للدراسة، وقد تكون مجرد صدفة لا غير.
وللباحثين شروحات متعددة حول النتائج الغريبة للاستروجين، فرغم ان سبع سنوات هي فترة طويلة بالنسبة الى دراسة عشوائية متحكم بها، إلا أن WHI قد تكون دراسة قصيرة زمنيا للتحري عن اي زيادة في مخاطر سرطان الثدي الذي يتأتى عن الاستروجين. وقد لاحظ الباحثون في هارفارد نمطا معينا في دراسة «نيرسيس هيلث ستدي»، الذي يقي من مخاطر سرطان الثدي في الفترة الاولية، لكن الخطر تزايد مع العلاج لفترات أطول.
ولاحظ الباحثون في دراسة WHI أن نحو 45 في المائة من النساء كن من البدينات (مؤشر الكتلة الجسدية تعدى الـ 30 وما فوق). والمعلوم أن الانسجة الدهنية تنتج الاستروجين، لذلك قد يكون من الممكن أن الاستروجين الاضافي من العلاج بالهورمون لم يشكل خطرا كبيرا.
ومن العوامل الاخرى المعقدة ربما الـ «بريمارين»، وهو نوع من أقراص استروجين استخدمته النساء في دراسة WHI. والـ «بريمارين»، الذي يصنع من بول الخيل، هو في الواقع خليط من الاستروجينات. وربما هذا الخليط بالذات، أو جزء منه، قد يزيد من مخاطر سرطان الثدي. ويقول الدكتور مانسون، انه من غير الواضح ما إذا كانت نتائج دراسة WHI، وهي خاصة بالـ «بريمارين»، أو ما إذا كان الاستراديول والاشكال الاخرى للاستروجين لها نفس التأثير.
وأخيرا يعتقد بعض الاطباء ان دراسة WHI، تشير الى البروجيستن. والمعلوم أن استروجين هو عامل محايد، بل حتى عامل واق ضد سرطان الثدي كما يقولون. لكن أضف البروجستن، وإذا بمخاطر سرطان الثدي تقفز عاليا. وثمة دليل بيولوجي على صحة ذلك لكون معظم الخلايا السرطانية للثدي تمتلك مستقبلات للبروجيسترون وليس للاستروجين فحسب، لذلك يقوم الاول بتحفيز نمو مثل هذه الخلايا.
والاكثر من ذلك، فإن عددا من الدراسات الوبائية دعمت فكرة احتمال تأثير البروجيسترون الاكثر من الاستروجين على سرطان الثدي. لهذا يقول الدكتور مانسون، إن هناك حاجة ماسة الى مزيد من الابحاث في ما يختص العلاج بالهورمونات التي من شأنها تقليل تعرض النساء الى البروجيستن الى الحد الادنى.