‘الله أكبر’ كيف يصل الحاج إلى حقيقتها ؟


إن العبادات الشعائرية و التعاملية و الأخلاقية معللة بمصالح الخلق في دنياهم و أخراهم، و تضييعها أن تفرغ من مضمونها، و أن تؤدى أداء أجوفاً شكلياً..

فالصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر، و الصوم سبيل إلى التقوى، الزكاة تطهر و تزكي … و الحج رحلة إلى الله..

رحلة قبل الرحلة الأخيرة

حينما يرحل الإنسان من حياته الدنيا الفانية، إلى حياته الأخرى الباقية … يصعق
حينما تنهار أمامه القيم المادية، و تتعطل الموازين غير الصحيحة، و تنزاح الحجب المضللة
كل هذا بعد فوات الأوان … يصعق
حينما يقيم عمله في الدنيا وفق مدى معرفته بربه، و معرفته بمنهج ربه، و استقامته على منهج ربه
و بحجم أعماله الصالحة التي نفع بها الخلق
و لئلا يصعق الإنسان في رحلته الأخيرة
فرض الله الحج على المستطيع
ليكون رحلة إلى الله، قبل الرحلة الأخيرة

فلعله يستعد …

التجرد و المساواة

لقد نزع الحاج ثيابه.. و نزع معها أقنعة المال و الجاه و السلطان
يأتي البيت الحرام ليطوف و يسعى
فلا يجد أمكنة لعلية القوم و أخرى لسوقتهم
في بيت الله الحرام تزول الفوارق بين البشر، و لا يبقى من المرجحات إلا مرجح واحد، و هو التقوى
( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )الحجرات 13
يتوجه إلى الله داعياً متضرعاً تائباً مستغفراً
و هو يرى الجموع الحاشدة و قد لفت أبدانها بأقمشة بيضاء تشبه الأكفان
يذكره هذا الموقف بيوم القيامة، حيث يقوم الناس لرب العالمين
حقاً إن الحج رحلة قبل الأخيرة
تذكر الحاج بالرحلة الأخيرة ..

من حدود الذات إلى رحاب الكون

الحج عبادة تؤدى في العمر مرة واحدة فرضاً
و هو عبادة شعائرية مالية بدنية، تؤدى في أوقات معلومة و أمكنة مخصوصة
لذلك تحتاج إلى تفرغ تام من تعلقات الدنيا
و تفريغ كامل من كل الحجب
و الأقنعة التي تبعد الناس عن خالقها
كل هذا من أجل أن يشحن المؤمن في الحج شحنة روحية كبيرة
تكفي لأن يلتزم بمنهج الله، و أن يقبل عليه
و أن يعمل للدار الآخرة .. إلى أن يلقى ربه

إحكام الصلة بالله تعالى

العبادات تنظم علاقة الإنسان بربه، بينما المعاملات تنظم علاقته بأخيه
و إذا صحت العبادات، إرتقت المعاملات
و العبادات تهدف أول ما تهدف إلى السمو بالإنسان نفساً و قولاً و عملاً
عن طريق إحكام الصلة بالله رب العالمين، و الإهتداء بهديه و التنعم بقربه، و التقلب في رحمته

و شاءت حكمة الله أن يكون بيته الحرام في المنطقة الحارة من الأرض، و في واد غير ذي زرع

ليكون واضحاً لدى الحجاج أن الإتصال الحقيقي بالله يحقق للمرء سعادة يستغني بها عن كل الشروط المادية التي يتوهم انها سبب سعادته
و أن سعادة الإنسان تنبع من داخله؛
لا مما يحيط به نفسه من ألوان النعيم
فينطلق لسنه بشكل عفوي قائلاً

” يا رب؛ ماذا فقد من وجدك؟ و ماذا وجد من فقدك؟؟”

الإستطاعة

( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) آل عمران 97

هي إستطاعة بدنية و مالية و أمنية

فالمسلم الذي لا يقوى جسمه على تحمل أداء مناسك الحج، بغلبة يقينية، أو بإخبار طبيب متخصص مسلم حاذق ورع، يجزئه أن يكلف من يحج عنه في حياته، أو يوصي بحجة بدل بعد مماته، وفق أحكام هذا النوع من الحج.

و المسلم الذي لا يملك المال الكافي، لا ينبغي له أن يبذل ماء وجهه، و لا أن يسلك المسالك الملتوية، من أجل أن يحصل على نفقة الحج.

و حينما يقرر أولوا الأمر في ديار المسلمين أن يعتمدوا نظاماً يتيح لمن لم يحج أن يحج، فيمنع من حج حجة الفريضة ان يحج اخرى قبل أقل من خمس سنوات، فلا ينبغي للمرء أن يرتكب معصية ليحج حجة نافلة.

النفقة الطيبة

ما دام الحج من العبادات التي تستوجب إنفاق المال، فلا بد في المال من أن يكون مالاً طيباً و حلالاً
( إن الله طيب و لا يقبل إلا طيباً) حديث صحيح
و الفقير ليس مستطيعاً، فلا ينبغي له أن يقترض ليحج.
و المدين لا تقبل حجته إلا بموافقة دائنه.

تفقهوا قبل أن تحجّوا

بما أن عبادة الحج فرضها الله على المستطيع في العمر كله مرة واحدة، فإن أخل الحاج في مناسكها، فقد ضيع فرصة فريدة لمغفرة ذنبه و استحقاقه جنة ربه..
كل هذا بسبب الجهل، الذي هو أعدى أعداء الإنسان.. فالجاهل يفعل بنفسه ما لا يستطيع أن يفعله عدوه به..

سلّم أوليات

من فقه الرجل أن يتحرك في حياته وفق سلم للأوليات.
فإذا أدى حجة الفريضة، و تاقت نفسه إلى أن يحج أخرى، و كان مستطيعاً بماله و بدنه و موافقة أولي الأمر له.. و كان قد أدى كل ما عليه من واجبات، فالحج جهاد لا شوكة فيه..

لكن حينما يحج المسلم حجة الفريضة، و له ولد في سن الزواج و يخشى عليه الإنحراف، فالأولى أن يزوجه، بدل أن يحج حجة النفل؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، و أن الله لا يقبل نافلة أدت إلى ترك واجب..
و من يؤت الحكمة، فقد أوتي خيراً كثيراً..

أداء حقوق العباد

لكي تؤدى هذه العبادة العظيمة على نحو يقبلها الله، و لئلا يقال له : لا لبيك و لا سعديك.. و حجك مردود عليك!
لئلا تضيع حجته سدى، عليه أن يتوب قبل الذهاب إلى الحج من كل الذنوب:
فيجتنب كل كسب حرام، و كل علاقة متلبسة بالآثام..
عليه أن يؤدي الحقوق التي عليه بالتمام، و بخاصة تلك الحقوق المتعلقة بالخلق.
لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة..

و الأهم من ذلك أن يعقد العزم على ألا يعود إليها بعد الحج، و إلا أصبح الحج من الطقوس لا من العبادات..
فمن الخطأ الكبير و الوهم الخطير، أن يظن الحاج أن الحج يهدم كل ما قبله من الذنوب..
و قد أُتفق على أن الأحاديث الشريفة التي تبين أن الحاج يعود من الحج كيوم ولدته أمه و قد غفرت ذنوبه كلها؛ هذه الذنوب هي الذنوب التي بين العبد و ربه حصراً..
أما الذنوب التي بينه و بين الخلق، و أما الحقوق التي في ذمته، و أما الواجبات التي قصر في أدائها
فهذه لا تسقط و لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة.

فالذنوب ثلاثة :
ذنب لا يُغفر، و هو الشرك بالله
و ذنب لا يُترك، و هو ما كان بين العبد و الخلق
و ذنب يُغفر، و هو ما كان بين العبد و ربه

المصدر : مقتطفات بتصرف من كتيب للدكتور محمد راتب النابلسي

اللهم يا أكرم من سئل، و يا أجود من أعطى، يسر لنا زيارة بيتك الحرام، و ارزقنا حجاً مبروراً.. إنك بالإجابة جدير و على كل شيء قدير
و الحمد لله رب العالمين

مشاركة الأخت الفاضلة / ياسمينة الشام

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *