ومـضـة مــــ"لعلكم تتقون" ـــن آية…

العبادة هي الغاية من الخلق ، قال عز و جل :” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (56) الذاريات

ولكن ما الغاية من العبادة ؟
لعلك ستعجب إن قلت لك إن الغاية من العبادة هي
تحقيق التقوى!


تدبر قول الله عز و جل

” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” (21) البقرة

فالعبادة هي الغاية التي خلق الله من أجلها السموات و الأرض و الجنة و النار و أنزل الكتب و أرسل الرسل ..

و الغاية التي من أجلها فرضت العبادة هي أن يحقق العباد بهذه العبادة تقوى الله


فما حقيقة تقوى الله جل و علا ؟


التقوى لغة هي الاسم من اتقى ، و المصدر الاتقاء و كلاهما مأخوذ من مادة وقى، و الوقاية هي حفظ الشيء مما يؤذيه و يضره

فالتقوى اصطلاحا أن يجعل العبد بينه و بين سخط الله و غضبه و عذابه و عقابه وقاية تحفظه و تمنعه وهذه الوقاية هي فعل الطاعات و اجتناب المعاصي

سأل رجل أبا هريرة رضي الله عنه : يا أبا هريرة ما التقوى ؟
فأجاب أبو هريرة : هل مشيت على طريق فيه شوك ؟
قال : نعم
فقال أبو هريرة : فماذا فعلت ؟
قال الرجل : كنت إذا رأيت الشوك اتقيته (أي ابتعدت عنه)
قال أبو هريرة : ذاك التقوى


فأخذ ابن المعتز هذا الجواب البليغ و صاغه صياغة أدبية رائعة فقال:
خلّ (أي اترك) الذنوب صغيرها و كبيرها فهو التقى
و اصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى


و عرف علي رضي الله عنه التقوى بقوله :
التقوى هي العمل بالتنزيل و الخوف من الجليل و الرضا بالقليل و الاستعداد ليوم الرحيل

و عرفها طلق بن حبيب رحمه الله فقال :
التقوى هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، و أن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله

و النور هنا هو العلم و البصيرة و الهدى..


وقال ابن مسعود : التقوى هي أن يُطاع الله فلا يُعصَى، وأن يُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر

و لذلك كانت التقوى وصية الله للأولين و الآخرين من خلقه

” وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ” من الآية 131 سورة النساء
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) ” سورة آل عمران
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)” سورة الحشر
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ” سورة النساء
و الآيات التي يأمر الله فيها بالتقوى كثيرة..

و كانت التقوى وصية نبينا صلى الله عليه و سلم لجميع أمته

ففي الحديث الذي رواه الترمذي و أبوداود بسند صحيح من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال :” وعضنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب و ذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال :أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن تأمر عليكم عبد حبشي، و إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة

و في الحديث الذي رواه الترمذي و أبو داود و غيرهما بحديث حسن أن نبينا صلى الله عليه و سلم أوصى معاذ بن جبل رضي الله عنه بهذه الوصية الخالدة الغالية فقال : اتق الله حيثما كنت (أي راقب الله جل و علا في أي مكان كنت، امتثل أمره و اجتنب نهيه و قف عند حدوده) و أتبع السيئة الحسنة تمحها و خالق الناس بخلق حسن.

و في مسند أحمد و سنن أبي داود و الترمذي و غيرها بسند حسن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أبا سعيد قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أوصني يا رسول الله ،
“قال أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء”
و في لفظ : ” أوصيك بتقوى الله فإنها جماع كل خير” .

و كانت التقوى وصية الصالحين لبعضهم البعض على مر السنين و الأيام..

أوصى بها أبو بكر الصديق الخليفة الراشد عمر بن الخطاب من بعده (رضي الله عنهما) و هو على فراش الموت، دعاه و أوصاه فيما قاله : اتق الله يا عمر …

و أوصىى بها عمر بن الخطاب ابنه عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) فقال له : أوصيك بتقوى الله عز و جل فإنه من اتقاه وقاه و من أقرضه جزاه و من شكره زاده.

و أوصى بها عمر بن عبد العزيز أحد إخوانه قائلا : أوصيك بتقوى الله عز و جل التي لا يقبل غيرها و لا يثيب إلا أهلها فإن الواعظين بها كثير و إن العاملين بها قليل جعلنا الله و إياك من المتقين.

و أوصى بها ابن السماك رحمه الله أحد إخوانه فقال له : أوصيك بتقوى الله عز و جل الذي هو نجيّك في سريرتك (أي يعلم نجواك) و رقيبك في علانيتك و خف الله بقدر قربه منك و قدرته عليك و اعلم أنك بعينه سبحانه لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره و لا من ملكه إلى ملك غيره ، فليعظم منه حذرك و ليعظم منه وجلك ..

ما أبلغها من وصيا و الله!

جعلنا الله و إياكم من الواعظين و العاملين بها !

مفرّغ بتصرف من درس “حق التقوى” لفضيلة الشيخ محمد حسان

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *