في أفضلية وحدة الفراش بين الزوجين

المشاركات
210
الإعجابات
199
#1










السؤال:
هل يُستدلُّ على أنَّ الأصل في الفراش التعدُّدُ ـ بمعنى: أن يكون لكلِّ واحدٍ من الزوجين فراشُه الخاصُّ ـ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم عند ذكر الفراش:
«فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ»أخرجه مسلم في «اللباس والزينة»
وهو ما يؤيِّده قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم:
«إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»أخرجه البخاري
أي: هل مِن حسن المعاشرة أن يتَّخذ الزوجُ لامرأته فراشًا لها وفراشًا له؟ أم أنَّ السنَّة أن يتَّخذ الرجلُ فراشًا واحدًا يبيتان معًا عليه؟ وجزاكم الله خيرًا.





الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين،
وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:




فالأصل أن يكون للرجل ولزوجته فراشٌ واحدٌ يجتمعان فيه؛ لأنه أدعى للتقارب وأدومُ للمحبَّة،
وقد كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فراشٌ واحدٌ في بيت عائشة رضي الله عنها ينامان عليه ليلًا ويجلسان عليه نهارًاانظر:
«فيض القدير» للمناوي
وقد جاء التنبيهُ على هذا في فعله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصلاة على الفراش، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت:

«كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا..»أخرجه البخاري في «الصلاة
الحديث، وعن عروةَ
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي ـ وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ ـ عَلَى الفِرَاشِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ»أخرجه البخاري في «الصلاة
وفي لفظٍ لأحمد عن هشامِ بنِ عروةَ عن أبيه عن عائشةَ رضي الله عنها قالت:
«كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ـ
وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ـ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي يَرْقُدُ عَلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُهُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ»
أخرجه أحمد






كما يدلُّ على هذا الأصلِ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ،
فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، ثَارَ عَنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ،
رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي..»
أخرجه ابن حبَّان



هذا، وإذا كان الاقتصارُ على فراشٍ واحدٍ يجمعهما مِن باب حُسن المعاشرةِ، إلَّا أنَّ حديث جابرٍ رضي الله عنه:«فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ»
رخَّص له في اتِّخاذ فراشين مِن باب جوازِ ما يَتوسَّع الإنسانُ فيه ويترفَّه به من الفُرُش
وهذا المعنى المذكور نقله المناوي عن القرطبي في
«فيض القدير»

أو مِن باب جواز استعمال الفراش على وجه الانفراد عند حصول العذر مِن مرضٍ أو حوادثَ يكرهانها ونحوِ ذلك، وتأكيدًا لهذا المعنى قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ:
«وأمَّا تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به، لأنه قد يحتاج كلُّ واحدٍ منهما إلى فراشٍ عند المرض ونحوِه وغيرِ ذلك،
واستدلَّ بعضُهم بهذا
[أي: حديث الفراش]
على أنه لا يَلزمه النومُ مع امرأته، وأنَّ له الانفرادَ عنها بفراشٍ،
والاستدلال به في هذا ضعيفٌ، لأنَّ المرادَ بهذا وقتُ الحاجة كالمرض وغيره كما ذكَرْنا،
وإن كان النومُ مع الزوجة ليس واجبًا لكنَّه بدليلٍ آخر،




والصواب في النوم مع الزوجة أنه إذا لم يكن لواحدٍ منهما عذرٌ في الانفراد فاجتماعُهما في فراشٍ واحدٍ أفضل،
وهو ظاهر فعلِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي واظب عليه مع مواظبته صلَّى الله عليه وسلَّم على قيام الليل،
فينام معها فإذا أراد القيامَ لوظيفته قام وتَرَكها، فيجمع بين وظيفته وقضاءِ حقِّها المندوب وعشرتِها بالمعروف،
لا سيَّما إن عَرَف مِن حالها حِرْصَها على هذا، ثمَّ إنه لا يَلزم مِن النوم معها الجماعُ»«شرح مسلم» للنووي




أمَّا حديث: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»فظاهرُه أنَّ الفراشَ كنايةٌ عن الجماع،
ولا يكون إلَّا في فراشٍ موحَّدٍ يَطَأُ فيه الزوجُ، ويقوِّيه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم:
«الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»أخرجه البخاري
أي: لمالك الفراش
«النهاية» لابن الأثير
أي: لمن يَطَأُ في الفراش
«فتح الباري» لابن حجر
سواءٌ أكان في فراشه أو في فراشها، فكلا الفراشين مِلْكُه ـ وهو الغالب الأعمُّ ـ
وإن كان فراشًا آخَرَ فالعبرة بالوطء، فلم يَبْقَ حجَّةً،
وإن سلَّمْنا حجِّيَّتَه فهو محمولٌ على الجواز أو على العذر أو الحاجة، ويبقى الأفضلُ اجتماعَهما في فراشٍ واحدٍ ـ كما تقدَّم ـ.





كتبه الشيخ فركوس حفظه الله و رعاه
والعلم عند الله تعالى،
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين،
وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.




 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى