أهمية الذكر في حياة المسلم

المشاركات
119
الإعجابات
10
#1
( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً )
قال ابن عباس : لم يفرض الله تعالى فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال العذر ، أما الذكر فإنه لم يجعل له حدا ينتهى إليه ، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله وأمرهم به في كل الأحوال ، فقال : " فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم " ( النساء - 103 ) . وقال : ( اذكروا الله ذكراً كثيراً ) أي : بالليل والنهار ، في البر والبحر وفي الصحة والسقم ، وفي السر والعلانية . وقال مجاهد : الذكر الكثير: أن لا تنساه أبدا .
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم -تبارك وتعالى- المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن، لما لهم في ذلك من جزيل الثواب، وجميل المآب.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن بُسْر -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهما: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ طال عمره وحسن عمله)) ، وقال الآخر: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فمرني بأمر أتشبث به، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزال لسانك رَطْبًا بذكر الله تعالى)) ، وروى الترمذي وابن ماجه الفصل الثاني، وقال الترمذي: حسن غريب.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة)) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا}،
لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخشى من قالة المنافقين ومن خوضهم في عرضه -صلى الله عليه وسلم- حينما يتزوج امرأة مولاه، أمر الله -تبارك وتعالى- بالاشتغال بذكره، هذا وجه لا بأس به فيما يقال من وجه الارتباط، أعني المناسبة بين هذه الآية وما قبلها، وذلك أن إشغال الناس عن قالة السوء لاسيما حيث يتوقع ذلك منهم مطلب من مطالب الشرع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما رميت عائشة -رضي الله عنها- بما برأها الله منه حث السير، ولم يكن على عادته -صلى الله عليه وسلم-، كان يرفق بالناس وينزل بهم فسار بهم سيراً متواصلاً، حتى إذا نزل كان المسير قد أضناهم وأنهكهم فما أن مست جنوبهم الأرض حتى ناموا، وكانت حالهم من التعب والإعياء ومواصلة السير لا تمكن أحداً من الحديث أو الاستماع، وهنا هذه قضية كان يتخوفها النبي -صلى الله عليه وسلم-، {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [سورة الأحزاب:37]، فأمر بالاشتغال بذكره والإكثار منه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، وقد مضى الكلام على ضابط الإكثار من الذكر، متى يكون ذلك كثيراً عند قوله -تبارك وتعالى-: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [سورة الأحزاب:35]، وأنه ينبغي للمسلم أن يكون لسانه رطباً من ذكر الله -عز وجل-، فلا يكون غافلاً، وأن من أهل العلم من قال: من حافظ على الأذكار والأوراد في أوقاتها التي شرعها الله -عز وجل- فيها فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}: هذا تهييج إلى الذكر، أي: أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم، كقوله -عز وجل-: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [سورة البقرة:151-152]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يقول الله تعالى: مَنْ ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومَنْ ذكرني في مَلأ ذكرته في ملأ خير منهم)) ، الصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة، حكاه البخاري عن أبي العالية، ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه.
{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} قال: أي عند الصباح والمساء، والبكرة أول النهار، والأصيل آخر النهار، والمعنى: اشغلوا ألسنتكم معظم أوقاتكم بذكره وتسبيحه وحمده وتنزيهه، والتسبيح والتحميد في البكور والآصال، {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [سورة النور:36]، وقد مضى في بعض المناسبات أن من أهل العلم من يحمل ذلك على العموم في الأوقات، باعتبار أن العرب تذكر طرفي الشيء وتريد العموم، كما في قوله -تبارك وتعالى-: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [سورة البقرة:115]، مع أن جميع الجهات لله -جل جلاله-، وهنا ذكر هذه الأوقات الغدو والآصال، وكذلك البكرة والأصيل، باعتبار أن ذلك أطراف الليل والنهار، {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا}، وحمل بعضهم ذلك التسبيح على الدعاء، وبعضهم حمله على الصلاة لله بكرة وأصيلاً، وبعضهم يقول: المقصود صلاة الفجر والمغرب والعشاء، وأنه ذكر هذه؛ لأنها أطراف الليل والنهار.
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} لما أمر بذكره وتسبيحه قال: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ}، فمن كان مصلياً عليك من غير حاجة إلى عبادتك وذكرك فإن ذلك ينبغي أن يكون حافزاً ودافعاً ومحركاً للنفوس أن تذكره وأن تسبحه وأن تنزهه وأن تكثر وأن تلهج من ذكره في الأوقات كلها، {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم...}، وهو ليس بحاجة وأنت محتاج إليه، فأكثِر من ذكره وأقبل عليه، وصلاته -تبارك وتعالى- الأرجح فيها ما ذكره الحافظ ابن كثير وهو اختيار ابن القيم -رحمه الله-: أن صلاته على عبده أن يذكره في الملأ الأعلى، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [سورة البقرة:152]، وأن صلاة الملائكة بمعنى الاستغفار، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ} [سورة الشورى:5]، وهذا الاستغفار في واقعه هو من قبيل الدعاء؛ ولهذا من عبر عن صلاة الملائكة بأنها الدعاء فإن هذا لا منافاة بينه وبين من قال: إنه الاستغفار، ولهذا في قوله -تبارك وتعالى- في الآية التي ساقها الحافظ ابن كثير -رحمه الله- من قِيل الملائكة -عليهم الصلاة والسلام-: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [سورة غافر:7] إلى آخر ما ذكر، هذا كله من قبيل الدعاء، وهو من جملة صلاة الملائكة على المؤمنين، وصلاة الناس بمعنى الدعاء، وصلاة المخلوقين بمعنى الدعاء، وبعضهم يقول: صلاتنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى سؤال الرحمة، والمعنى أعم من ذلك، والله تعالى أعلم، {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ}، فصلاته هذه التي بمعنى: أن يذكر عبده في الملأ الأعلى تقتضي الهداية والتوفيق والصلاح، أن يسوق إليه الألطاف؛ ولهذا قال بعده: {لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فاللام هذه تدل على التعليل، فكانت صلاته مفضية إلى ذلك، فإذا كان الله -عز وجل- يصلي على عبده ويذكره في الملأ الأعلى فإن هذا يقتضي أن يسوق إليه ألطافه وأن يوفقه وأن ينقله من هداية إلى هداية، {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
وقوله تعالى: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي: بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم، ودعاء ملائكته لكم يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} أي: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا: فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم، وبَصّرهم الطريق الذي ضَلَّ عنه وحاد عنه مَن سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأتباعهم من الطِّغام، وأما رحمته بهم في الآخرة: فآمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة والفوز بالجنة والنجاة من النار، وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم.
"واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون\". ويقول - تعالى -: "ولذكر الله أكبر ". ويقول - تعالى -: "واذكر ربك إذا نسيت ". ويقول - تعالى -: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب ". ويقول - تعالى -: "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم ". ويقول - تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ".
ومن الأحاديث قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:(( ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: " ذكر الله - عز وجل -)) " رواه أحمد في المسند وقال - عليه الصلاة والسلام - ( ما عمل آدمي عملاً قطُ أنجى له من عذاب الله من ذكر الله - عز وجل - ) . رواه أحمد في المسند أيضاً.
وفي الترمذي أن رجلاً قال: يا رسول الله أن شرائع الإسلام قد كثرت عليَ، وأنا قد كبرت، فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله - تعالى -
" هذا غيض من فيض من الآيات والأحاديث في فضل الذكر والحث عليه ولنقرأ الآن ما قاله الإمام ابن القيَم حول موضوع الذكر لنتبين سبب أهميته يقول - رحمه الله - : في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله - تعالى - فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله - تعالى -
وقال رجل للحسن البصري - رحمه الله -: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي قال أذبه بالذكر.
وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله - تعالى - ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله - عز وجل - و " الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله - تعالى - قال مكحول : ذكر الله - تعالى - شفاء، وذكر الناس داء
 
أعلى